الثلاثاء، 16 فبراير 2021

قصائد على بحر الخفيف

الحارث بن حلزة:

آَذَنَتنا بِبَينِها أَسماءُ     رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ

آَذَنَتنا بِبَينِها ثُمَّ وَلَّت     لَيتَ شِعري مَتى يَكونُ اللِقاءُ

بَعدَ عَهدٍ لَها بِبُرقَةِ شَمّا     ءَ فَأَدنى ديارَها الخَلصَاءُ

فَمَحيّاةٌ فَالصَفاحُ فَأَعلى     ذي فِتاقٍ فَغَاذِبٌ فَالوَفاءُ

فَرياضُ القَطا فَأَودِيَةُ الشُر     بُبِ فَالشُعبَتانِ فَالأَبلاءُ

لا أَرى مَن عَهِدتُ فيها فَأَبكي ال     يَومَ دَلهاً وَما يَرُدُّ البُكاءُ

وَبِعَينَيكَ أَوقَدَت هِندٌ النا     رَ أَخيراً تُلوي بِها العَلياءُ

أَوقَدَتها بَينَ العَقيقِ فَشَخصَي     نِ بِعودٍ كَما يَلوحُ الضِياءُ

فَتَنَوَّرتُ نارَها مِن بَعيدٍ     بِخَزارٍ هَيهاتَ مِنكَ الصلاءُ

غَيرَ أَنّي قَد أَستَعينُ عَلى الهَ     مِّ إِذا خَفَّ بِالثَوِيِّ النَجاءُ

بِزَفُوفٍ كَأَنَّها هِقلَةٌ أَ     مُّ رِئالٍ دَوِّيَّةٌ سَقفاءُ

آَنَسَت نَبأةً وَأَفزَعَها القَ     نّاصُ عَصراً وَقَد دَنا الإِمساءُ

فَتَرى خَلفَها مِنَ الرَجعِ وَالوَق     عِ مَنيناً كَأَنَّهُ إِهباءُ

وَطِراقاً مِن خَلفِهِنَّ طِراقٌ     ساقِطاتٌ تُلوي بِها الصَحراءُ

أَتَلَهّى بِها الهَواجِرَ إِذ كُ     لُّ اِبنَ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمياءُ

وَأَتانا عَن الأَراقِمِ أَنبا     ءٌ وَخَطبٌ نُعنى بِهِ وَنُساءُ

أَنَّ إِخوانِنا الأَرَاقِمَ يَغلو     نَ عَلَينا في قَولِهِم إِحفاءُ

يَخلِطونَ البَريءَ مِنّا بِذي الذَن     بِ وَلا يَنفَعُ الخَلِيَّ الخِلاءُ

زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَن ضَرَبَ العَي     رَ مَوالٍ لَنا وَأَنّا الوَلاءُ

أَجمَعوا أَمرَهُم بِلَيلٍ فَلَمّا     أَصبَحُوا أَصبَحَت لَهُم ضَوضاءُ

مِن مُنادٍ وَمِن مُجيبٍ وَمِن تَص     هالِ خَيلٍ خِلالَ ذاكَ رُغاءُ

أَيُّها الناطِقُ المُرَقِّشُ عَنّا     عِندَ عَمرَوٍ وَهَل لِذاكَ بَقَاءُ

لا تَخَلنا عَلى غَرائِكَ إِنّا     قَبلُ ما قَد وَشى بِنا الأَعداءُ

فَبَقينا عَلى الشَناءَةِ تَنمِي     نا حُصونٌ وَعِزَّةٌ قَعساءُ

قَبلَ ما اليَومِ بَيَّضَت بِعُيونِ ال     ناسِ فيها تَعَيُّطٌ وَإِباءُ

وَكأَنَّ المَنونَ تَردِي بِنا أَر     عَنَ جَوناً يَنجابُ عَنهُ العَماءُ

مُكفَهِراً عَلى الحَوادِثِ لا تَر     توهُ لِلدَهرِ مُؤيِدٌ صَمّاءُ

اَيّما خُطَّةٍ أَرَدتُم فَأَدّ     ها إِلَينا تَمشي بِها الأَملاءُ

إِن نَبَشتُم ما بَينَ مِلحَةَ فَالصا     قِبِ فيهِ الأَمواتُ وَالأَحياءُ

أَو نَقَشتُم فَالنَقشُ تَجشَمُهُ النا     سُ وَفيهِ الصَلاحُ وَالإِبراءُ

أَوسَكَتُم عَنّا فَكُنّا كَمَن أَغ     مَضَ عَيناً في جَفنِها أَقذاءُ

أَو مَنَعتُم ما تُسأَلونَ فَمَن حُ     دِّثتُمُوهُ لَهُ عَلَينا العَلاءُ

هَل عَلِمتُم أَيّامَ يُنتَهَبُ النا     سُ غِواراً لِكُلِّ حَيٍّ عُواءُ

إِذ رَفَعنا الجِمالَ مِن سَعَفِ البَح     رَينِ سَيراً حَتّى نَهاها الحِساءُ

ثُمَ مِلنا عَلى تَميمٍ فَأَحرَم     نا وَفينا بَناتُ مُرٍّ إِماءُ

لا يُقيمُ العَزيزُ في البَلَدِ السَه     لِ وَلا يَنفَعُ الذَليلَ النِجاءُ

لَيسَ يُنجي مُوائِلاً مِن حِذارِ     رَأَسُ طَودٍ وَحَرَّةٌ رَجلاءُ

فَمَلَكنا بِذَلِكَ الناسَ حَتّى     مَلَكَ المُنذِرُ بِنُ ماءِ السَماءِ

وَهُوَ الرَبُّ وَالشَهيدُ عَلى يَو     مِ الحَيارَينِ وَالبَلاءُ بَلاءُ

مَلِكٌ أَضلَعُ البَرِيَّةِ لا يو     جَدُ فيها لِما لَدَيهِ كِفاءُ

فَاِترُكوا البَغيَّ وَالتَعَدي وَإِما     تَتَعاشوا فَفي التَعاشي الدَاءُ

وَاِذكُرُوا حِلفَ ذي المَجازِ وَما قُ     دِّمَ فيهِ العُهودُ وَالكُفَلاءُ

حَذَرَ الخَونِ وَالتَعَدّي وَهَل يَن     قُضُ ما في المَهارِقِ الأَهواءُ

وَاِعلَموا أَنَّنا وَإِيّاكُم في     ما اِشتَرَطنا يَومَ اِختَلَفنا سَواءُ

أَعَلَينا جُناحُ كِندَةَ أَن يَغ     نَمَ غازِيهُمُ وَمِنّا الجَزاءُ

أم عَلَينا جُرّى حَنيفَةَ أَو ما     جَمَّعَت مِن مُحارِبٍ غَبراءُ

أَم جَنايا بَني عَتيقٍ فَمَن يَغ     دِر فَإِنّا مِن حَربِهِم بُراءُ

أَم عَلَينا جَرّى العِبادُ كَما ني     طَ بِجَوزِ المَحمَلِ الأَعباءُ

أَم عَلَينا جَرّى قُضاعَةَ أَم لَي     سَ عَلَينا مِمّا جَنوا أَنداءُ

لَيسَ مِنّا المُضَرَّبونَ وَلا قَي     سٌ وَلا جَندَلٌ وَلا الحَدَاءُ

أَم عَلَينا جَرّى إِيادٍ كَما قي     لَ لِطَسمٍ أَخوكُم الأَبّاءُ

غَنَناً باطِلاً وَظُلماً كَما تُع     تَرُ عَن حَجرَةِ الرَبيضِ الظَباءُ

وَثَمانونَ مَن تَميمٍ بِأيدي     هم رِماحٌ صُدُورُهُنَّ القَضاءُ

لَم يُخَلّوا بَني رِزاحٍ بِبَرقا     ءِ نِطاعٍ لَهُم عَلَيهُم دُعاءُ

تَرَكوهُم مُلَحَّبينَ فَآبوا     بِنهابٍ يَصَمُّ فيهِ الحُداء

وَأَتَوهُم يَستَرجِعُونَ فَلَم تَر     جِعُ لَهُم شامَةٌ وَلا زَهراءُ

ثُمَّ فاءَوا مِنهُم بِقاصِمَةِ ال     ظَّهرِ وَلا يَبرُدُ الغَليلَ الماءُ

ثُمَّ خَيلٌ مِن بَعدِ ذاكَ مَعَ الغَ     لّاقِ لا رَأَفَةٌ وَلا إِبقاءُ

ما أصابوا مِن تَغلَبِيِّ فَمَطَلو     لٌ عَلَيهِ إِذا تَوَلّى العَفاءُ

كَتَكاليفِ قَومِنا إِذ غَزا المُن     ذِرُ هَلِ نَحنُ لابنِ هِندٍ رِعاءُ

إِذ أَحَلَّ العَلاَةَ قُبَّةَ مَيسو     نَ فَأَدنى دِيارِها العَوصاءُ

فَتَأَوَّت لَهُم قَراضِبَةٌ مِن     مُحلِّ حَيٍّ كَأَنَّهُم أَلقاءُ

فَهَداهُم بِالأَسوَدَينِ وَأَمرُ اللَ     هِ بَلغٌ يَشقى بِهِ الأَشقياءُ

إِذ تَمَنّونَهُم غُروراً فَساقَت     هُمِ إِلَيكُم أُمنِيَّةٌ أَشراءُ

لَم يَغُرّوكُم غُروراً وَلَكن     يَرفَعُ الآلُ جَمعَهُم وَالضَحاءُ

أَيُّها الشانِئُ المُبلِّغُ عَنّا     عِندَ عَمرَوٍ وَهَل لِذاكَ اِنتهاءُ

مَلِكٌ مُقسِطٌ وَأَكمَلُ مَن يَم     شي وَمِن دونَ ما لَدَيهِ الثَناءُ

إِرمي بِمثلِهِ جالَتِ الجِنُّ     فَآبَت لِخَصمِها الأَجلاءُ

مَن لَنا عِندَهُ مِنَ الخَيرِ آيا     تٌ ثَلاثٌ في كُلِّهِنَّ القَضاءُ

آيةٌ شارِقُ الشَقيقَةِ إِذ جا     ءَوا جَميعاً لِكُلِّ حَيٍّ لِوَاءُ

حَولَ قَيسٍ مُستَلئِمِينَ بِكَبشٍ     قَرَظِيٍّ كَأَنَّهُ عَبلاءُ

وَصَتيتٍ مِنَ العَواتِكِ ما تَن     هاهُ إِلّا مُبيَضَّةٌ رَعلاءُ

فَجَبَهناهُمُ بِضَربٍ كَما يَخرُجُ     مِن خُربَةِ المَزادِ الماءُ

وَحَمَلناهُمُ عَلى حَزمِ ثَهلا     نِ شِلالاً وَدُمِّيَ الأَنساءُ

وَفَعَلنا بِهِم كَما عَلِمَ اللَ     هُ وَما إِن لِلحائِنينَ دِماءُ

ثُمَّ حُجراً أَعني اِبنَ أُمِّ قَطَامٍ     وَلَهُ فَارِسِيَّةٌ خَضراءُ

أَسَدٌ في اللِقاءَ وَردٌ هَموسٌ     وَرَبيعٌ إِن شَنَّعَت غَبراءُ

فَرَدَدناهُم بِطَعنٍ كَما تُن     هَزُ عَن جَمَّةِ الطَوِيِّ الدِلاءُ

وَفَكَكنا غُلَّ اِمرِئِ القَيسِ عَنهُ     بَعدَ ما طالَ حَبسُهُ وَالعَناءُ

وَأَقَدناهُ رَبَّ غَسانَ بِالمُن     ذِرِ كَرهاً إِذ لا تُكالُ الدَماءُ

وَفَدَيناهُمُ بِتِسعَةِ أَملا     كٍ نَدَامى أَسلابُهُم أَغلاءُ

وَمَعَ الجَونِ جَونِ آَلِ بَني الأَو     سِ عَنُودٌ كَأَنَّها دَفواءُ

ما جَزِعنا تَحتَ العَجاجَةِ إِذ وَ     لَّت بِأَقفائِها وَحَرَّ الصِلاءُ

وَوَلَدنا عَمرو بِن أُمِّ أُناسٍ     مِن قَريبٍ لَمّا أَتانا الحِباءُ

مِثلُها تُخرِجُ النَصيحةَ لِلقَو     مِ فَلاةٌ مِن دونِها أَفلاءُ

عنترة بن شداد:

حَسَناتي عِندَ الزَمانِ ذُنوبُ     وَفَعالي مَذَمَّةٌ وَعُيوبُ

وَنَصيبي مِنَ الحَبيبِ بِعادٌ     وَلِغَيري الدُنُوُّ مِنهُ نَصيبُ

كُلُّ يَومٍ يُبري السُقامَ مُحِبٌّ     مِن حَبيبٍ وَما لِسُقمي طَبيبُ

فَكَأَنَّ الزَمانَ يَهوى حَبيب     وَكَأَنّي عَلى الزَمانِ رَقيبُ

إِنَّ طَيفَ الخَيالِ يا عَبلَ يَشفي     وَيُداوى بِهِ فُؤادي الكَئيبُ

وَهَلاكي في الحُبِّ أَهوَنُ عِندي     مِن حَياتي إِذا جَفاني الحَبيبُ

يا نَسيمَ الحِجازِ لَولاكِ تَطف     نارُ قَلبي أَذابَ جِسمي اللَهيبُ

لَكِ مِنّي إِذا تَنَفَّستُ حَرٌّ     وَلِرَيّاكِ مِن عُبَيلَةَ طيبُ

وَلَقَد ناحَ في الغُصونِ حَمامٌ     فَشَجاني حَنينُهُ وَالنَحيبُ

باتَ يَشكو فِراقَ إِلفٍ بَعيدٍ     وَيُنادي أَنا الوَحيدُ الغَريبُ

يا حَمامَ الغُصونِ لَو كُنتَ مِثلي     عاشِقاً لَم يَرُقكَ غُصنٌ رَطيبُ

فَاِترُكِ الوَجدَ وَالهَوى لِمُحِبٍّ     قَلبُهُ قَد أَذابَهُ التَعذيبُ

كُلَّ يَومٍ لَهُ عِتابٌ مَعَ الدَه     رِ وَأَمرٌ يَحارُ فيهِ اللَبيبُ

وَبَلايا ما تَنقَضي وَرَزاي     ما لَها مِن نِهايَةٍ وَخُطوبُ

سائِلي يا عُبَيلَ عَنّي خَبير     وَشُجاعاً قَد شَيَّبَتهُ الحُروبُ

فَسَيُنبيكِ أَنَّ في حَدِّ سَيفي     مَلَكَ المَوتِ حاضِرٌ لا يَغيبُ

وَسِناني بِالدارِعينِ خَبيرٌ     فَاِسأَليهِ عَمّا تَكونُ القُلوبُ

كَم شُجاعٍ دَنا إِلَيَّ وَنادى     يا لَقَومي أَنا الشُجاعُ المَهيبُ

ما دَعاني إِلّا مَضى يَكدِمُ الأَر     ضَ وَقَد شُقَّت عَلَيهِ الجُيوبُ

وَلِسُمرِ القَنا إِلَيَّ اِنتِسابٌ     وَجَوادي إِذا دَعاني أُجيبُ

يَضحَكُ السَيفُ في يَدي وَيُنادي     وَلَهُ في بَنانِ غَيري نَحيبُ

وَهوَ يَحمى مَعي عَلى كُلِّ قِرنٍ     مِثلَما لِلنَسيبِ يَحمي النَسيبُ

فَدَعَوني مِن شُربِ كَأسِ مُدامٍ     مِن جَوارٍ لَهُنَّ ظَرفٌ وَطيبُ

وَدَعوني أَجُرُّ ذَيلَ فَخارٍ     عِندَما تُخجِلُ الجَبانَ العُيوبُ

أبو تمام:

مِن سَجايا الطُلولِ أَلّا تُجيبا     فَصَوابٌ مِن مُقلَةٍ أَن تَصوبا

فَاِسأَلنَها وَاِجعَل بُكاكَ جَواباً     تَجِدِ الشَوقَ سائِلاً وَمُجيبا

قَد عَهِدنا الرُسومَ وَهيَ عُكاظٌ     لِلصِبى تَزدَهيكَ حُسناً وَطيبا

أَكثَرَ الأَرضِ زائِراً وَمَزوراً     وَصَعوداً مِنَ الهَوى وَصَبوبا

وَكِعاباً كَأَنَّما أَلبَسَتها     غَفَلاتُ الشَبابِ بُرداً قَشيبا

بَيَّنَ البَينُ فَقدَها قَلَّما تَع     رِفُ فَقداً لِلشَمسِ حَتّى تَغيبا

لَعِبَ الشَيبُ بِالمَفارِقِ بَل جَد     دَ فَأَبكى تُماضِراً وَلَعوبا

خَضَبَت خَدَّها إِلى لُؤلُؤِ العِق     دِ دَماً أَن رَأَت شَواتي خَضيبا

كُلُّ داءٍ يُرجى الدَواءُ لَهُ إِل     لا الفَظيعَينِ ميتَةً وَمَشيبا

يا نَسيبَ الثَغامِ ذَنبُكَ أَبقى     حَسَناتي عِندَ الحِسانِ ذُنوبا

وَلَئِن عِبنَ ما رَأَينَ لَقَد أَن     كَرنَ مُستَنكَراً وَعِبنَ مَعيبا

أَو تَصَدَّعنَ عَن قِلىً لَكَفى بِال     شَيبِ بَيني وَبَينَهُنَّ حَسيبا

لَو رَأى اللَهُ أَنَّ لِلشَيبِ فَضلاً     جاوَرَتهُ الأَبرارُ في الخُلدِ شيبا

كُلَّ يَومٍ تُبدي صُروفُ اللَيالي     خُلُقاً مِن أَبي سَعيدٍ رَغيبا

طابَ فيهِ المَديحُ وَاِلتَذَّ حَتّى     فاقَ وَصفَ الدِيارِ وَالتَشبيبا

لَو يُفاجا رُكنُ النَسيبِ كَثيرٌ     بِمَعانيهِ خالَهُنَّ نَسيبا

غَرَّبَتهُ العُلى عَلى كَثرَةِ النا     سِ فَأَضحى في الأَقرَبينَ جَنيبا

فَليَطُل عُمرُهُ فَلَو ماتَ في مَر     وَ مُقيماً بِها لَماتَ غَريبا

سَبَقَ الدَهرَ بِالتِلادِ وَلَم يَن     تَظِرِ النائِباتِ حَتّى تَنوبا

فَإِذا ما الخُطوبُ أَعفَتهُ كانَت     راحَتاهُ حَوادِثاً وَخُطوبا

وَصَليبُ القَناةِ وَالرَأيِ وَالإِس     لامِ سائِل بِذاكَ عَنهُ الصَليبا

وَعَّرَ الدينَ بِالجِلادِ وَلَكِن     نَ وُعورَ العَدُوِّ صارَت سُهوبا

فَدُروبُ الإِشراكِ صارَت فَضاءً     وَفَضاءُ الإِسلامِ يُدعى دُروبا

قَد رَأَوهُ وَهوَ القَريبُ بَعيداً     وَرَأَوهُ وَهوَ البَعيدُ قَريبا

سَكَّنَ الكَيدَ فيهِمُ إِنَّ مِن أَع     ظَمِ إِربٍ أَلّا يُسَمّى أَريبا

مَكرُهُم عِندَهُ فَصيحٌ وَإِن هُم     خاطَبوا مَكرَهُ رَأَوهُ جَليبا

وَلَعَمرُ القَنا الشَوارِعِ تَمرى     مِن تِلاعِ الطُلى نَجيعاً صَبيبا

في مَكَرٍّ لِلرَوعِ كُنتَ أَكيلاً     لِلمَنايا في ظِلِّهِ وَشَريبا

لَقَدِ اِنصَعتَ وَالشِتاءُ لَهُ وَج     هٌ يَراهُ الكُماةُ جَهماً قَطوبا

طاعِناً مَنحَرَ الشَمالِ مُتيحاً     لِبِلادِ العَدُوِّ مَوتاً جَنوبا

في لَيالٍ تَكادُ تُبقي بِخَدِّ ال     شَمسِ مِن ريحِها البَليلِ شُحوبا

سَبَراتٍ إِذا الحُروبُ أُبيخَت     هاجَ صِنَّبرُها فَكانَت حُروبا

فَضَرَبتَ الشِتاءَ في أَخدَعَيهِ     ضَربَةً غادَرَتهُ عَوداً رَكوبا

لَو أَصَخنا مِن بَعدِها لَسَمِعنا     لِقُلوبِ الأَيّامِ مِنكَ وَجيبا

كُلُّ حِصنٍ مِن ذي الكَلاعِ وَأَكشو     ثاءَ أَطلَقتَ فيهِ يَوماً عِصيبا

وَصَليلاً مِنَ السُيوفِ مُرِنّاً     وَشِهاباً مِنَ الحَريقِ ذَنوبا

وَأَرادوكَ بِالبَياتِ وَمَن هَ     ذا يُرادي مُتالِعاً وَعَسيبا

فَرَأَوا قَشعَمَ السِياسَةِ قَد ثَق     قَفَ مِن جُندِهِ القَنا وَالقُلوبا

حَيَّةُ اللَيلِ يُشمِسُ الحَزمُ مِنهُ     إِن أَرادَت شَمسُ النَهارِ الغُروبا

لَو تَقَصَّوا أَمرَ الأَزارِقِ خالوا     قَطَرِيّاً سَما لَهُم أَو شَبيبا

ثُمَّ وَجَّهتَ فارِسَ الأَزدِ وَالأَو     حَدَ في النُصحِ مَشهَداً وَمَغيبا

فَتَصَلّى مُحَمَّدُ بنُ مُعاذٍ     جَمرَةَ الحَربِ وَاِمتَرى الشُؤبوبا

بِالعَوالي يَهتِكنَ عَن كُلِّ قَلبٍ     صَدرَهُ أَو حِجابَهُ المَحجوبا

طَلَبَت أَنفُسَ الكُماةِ فَشَقَّت     مِن وَراءِ الجُيوبِ مِنهُم جُيوبا

غَزوَةٌ مُتبِعٌ وَلَو كانَ رَأيٌ     لَم تَفَرَّد بِهِ لَكانَت سَلوبا

يَومَ فَتحٍ سَقى أُسودَ الضَواحي     كُثَبَ المَوتِ رائِباً وَحَليبا

فَإِذا ما الأَيّامُ أَصبَحنَ خُرساً     كُظَّماً في الفَخارِ قامَ خَطيبا

كانَ داءَ الإِشراكِ سَيفُكَ وَاِشتَد     دَت شَكاةُ الهُدى فَكُنتَ طَبيبا

أَنضَرَت أَيكَتي عَطاياكَ حَتّى     صارَ ساقاً عودي وَكانَ قَضيبا

مُمطِراً لي بِالجاهِ وَالمالِ لا أَل     قاكَ إِلّا مُستَوهِباً أَو وَهوبا

فَإِذا ما أَرَدتُ كُنتَ رِشاءً     وَإِذا ما أَرَدتُ كُنتَ قَليبا

باسِطاً بِالنَدى سَحائِبَ كَفٍّ     بِنَداها أَمسى حَبيبٌ حَبيبا

فَإِذا نِعمَةُ اِمرِىءٍ فَرِكَتهُ     فَاِهتَصِرها إِلَيكَ وَلهى عَروبا

وَإِذا الصُنعُ كانَ وَحشاً فَمُلّي     تَ بِرَغمِ الزَمانِ صُنعاً رَبيبا

وَبَقاءً حَتّى يَفوتَ أَبو يَع     قوبَ في سِنِّهِ أَبا يَعقوبا

أبو تمام:

ديمَةٌ سَمحَةُ القِيادِ سَكوبُ     مُستَغيثٌ بِها الثَرى المَكروبُ

لَو سَعَت بُقعَةٌ لِإِعظامِ نُعمى     لَسَعى نَحوَها المَكانُ الجَديبُ

لَذَّ شُؤبوبُها وَطابَ فَلَو تَس     طيعُ قامَت فَعانَقَتها القُلوبُ

فَهيَ ماءٌ يَجري وَماءٌ يَليهِ     وَعَزالٍ تَهمي وَأُخرى تَذوبُ

كَشَفَ الرَوضُ رَأسَهُ وَاِستَسَرَّ ال     مَحلُ مِنها كَما اِستَسَرَّ المُريبُ

فَإِذا الرَيُّ بَعدَ مَحلٍ وَجُرجا     نُ لَدَيها يَبرينُ أَو مَلحوبُ

أَيُّها الغَيثُ حَيِّ أَهلاً بِمَغدا     كَ وَعِندَ السُرى وَحينَ تَؤوبُ

لِأَبي جَعفَرٍ خَلائِقُ تَحكي     هُنَّ قَد يُشبِهُ النَجيبَ النَجيبُ

أَنتَ فينا في ذا الأَوانِ غَريبٌ     وَهوَ فينا في كُلِّ وَقتٍ غَريبُ

ضاحِكٌ في نَوائِبِ الدَهرِ طَلقٌ     وَمُلوكٌ يَبكينَ حينَ تَنوبُ

فَإِذا الخَطبُ راثَ نالَ النَدى وَال     بَذلُ مِنهُ ما لا تَنالُ الخُطوبُ

خُلُقٌ مُشرِقٌ وَرَأيٌ حُسامٌ     وَوِدادٌ عَذبٌ وَريحٌ جَنوبُ

كُلَّ يَومٍ لَهُ وَكُلَّ أَوانٍ     خُلُقٌ ضاحِكٌ وَمالٌ كَئيبُ

إِن تُقارِبهُ أَو تُباعِدهُ ما لَم     تَأتِ فَحشاءَ فَهوَ مِنكَ قَريبُ

ما اِلتَقى وَفرُهُ وَنائِلُهُ مُذ     كانَ إِلّا وَوَفرُهُ المَغلوبُ

فَهوَ مُدنٍ لِلجودِ وَهوَ بَغيضٌ     وَهوَ مُقصٍ لِلمالِ وَهوَ حَبيبُ

يَأخُذُ الزائِرينَ قَسراً وَلَو كَف     فَ دَعاهُم إِلَيهِ وادٍ خَصيبُ

غَيرَ أَنَّ الرامي المُسَدِّدَ يَحتا     طُ مَعَ العِلمِ أَنَّهُ سَيُصيبُ

 المتنبي:

صَحِبَ الناسُ قَبلَنا ذا الزَمانا     وَعَناهُم مِن شَأنِهِ ما عَنانا

وَتَوَلَّوا بِغُصَّةٍ كُلُّهُم مِنـ     ـهُ وَإِن سَرَّ بَعضُهُم أَحيانا

رُبَّما تُحسِنُ الصَنيعَ لَياليـ     ـهِ وَلَكِن تُكَدِّرُ الإِحسانا

وَكَأَنّا لَم يَرضَ فينا بِرَيبِ الـ     ـدَهرِ حَتّى أَعانَهُ مَن أَعانا

كُلَّما أَنبَتَ الزَمانُ قَناةً     رَكَّبَ المَرءُ في القَناةِ سِنانا

وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن     نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى

غَيرَ أَنَّ الفَتى يُلاقي المَنايا     كالِحاتٍ وَلا يُلاقي الهَوانا

وَلَوَ أَنَّ الحَياةَ تَبقى لِحَيٍّ     لَعَدَدنا أَضَلَّنا الشُجعانا

وَإِذا لَم يَكُن مِنَ المَوتِ بُدٌّ     فَمِنَ العَجزِ أَن تَكونَ جَبانا

كُلُّ ما لَم يَكُن مِنَ الصَعبِ في الأَن     فُسِ سَهلٌ فيها إِذا هُوَ كانا

المتنبي:

لا اِفتِخارٌ إِلّا لِمَن لا يُضامُ     مُدرِكٍ أَو مُحارِبٍ لا يَنامُ

لَيسَ عَزماً ما مَرَّضَ المَرءُ فيهِ     لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عَنهُ الظَلامُ

وَاِحتِمالُ الأَذى وَرُؤيَةُ جانيـ     ـهِ غِذاءٌ تَضوى بِهِ الأَجسامُ

ذَلَّ مَن يَغبِطُ الذَليلَ بِعَيشٍ     رُبَّ عَيشٍ أَخَفُّ مِنهُ الحِمامُ

كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ     حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ     ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

ضاقَ ذَرعاً بِأَن أَضيقَ بِهِ ذَر     عاً زَماني وَاِستَكرَمَتني الكِرامُ

واقِفاً تَحتَ أَخمَصَي قَدرِ نَفسي     واقِفاً تَحتَ أَخمَصَيَّ الأَنامُ

أَقَراراً أَلَذَّ فَوقَ شَرارٍ     وَمَراماً أَبغي وَظُلمي يُرامُ

دونَ أَن يَشرَقُ الحِجازُ وَنَجدٌ     وَالعِراقانِ بِالقَنا وَالشَآمُ

شَرَقَ الجَوِّ بِالغُبارِ إِذا سا     رَ عَلِيُّ اِبنُ أَحمَدَ القَمقامُ

الأَديبُ المُهَذَّبُ الأَصيَدُ الضَر     بُ الذَكِيُّ الجَعدُ السَرِيُّ الهُمامُ

وَالَّذي رَيبُ دَهرِهِ مِن أُسارا     هُ وَمِن حاسِدي يَدَيهِ الغَمامُ

يَتَداوى مِن كَثرَةِ المالِ بِالإِقـ     ـلالِ جوداً كَأَنَّ مالاً سَقامُ

حَسَنٌ في عُيونِ أَعدائِهِ أَقـ     ـبَحُ مِن ضَيفِهِ رَأَتهُ السَوامُ

لَو حَمى سَيِّداً مِنَ المَوتِ حامٍ     لَحَماكَ الإِجلالُ وَالإِعظامُ

وَعَوارٍ لَوامِعٌ دينُها الحِلـ     ـلُ وَلَكِنَّ زِيَّها الإِحرامُ

كُتِبَت في صَحائِفِ المَجدِ بِسمٌ     ثُمَّ قَيسٌ وَبَعدَ قَيسِ السَلامُ

إِنَّما مُرَّةُ اِبنُ عَوفِ اِبنِ سَعدٍ     جَمَراتٌ لا تَشتَهيها النِعامُ

لَيلُها صُبحُها مِنَ النارِ وَالإِصـ     ـباحُ لَيلٌ مِنَ الدُخانِ تَمامُ

هِمَمٌ بَلَّغَتكُمُ رُتَباتٍ     قَصُرَت عَن بُلوغِها الأَوهامُ

وَنُفوسٌ إِذا اِنبَرَت لِقِتالٍ     نَفِدَت قَبلَ يَنفَدُ الإِقدامُ

وَقُلوبٌ مُوَطَّناتٌ عَلى الرَو     عِ كَأَنَّ اِقتِحامَها اِستِسلامُ

قائِدو كُلِّ شَطبَةٍ وَحِصانٍ     قَد بَراها الإِسراجُ وَالإِلجامُ

يَتَعَثَّرنَ بِالرُؤوسِ كَما مَر     رَ بِتاءاتِ نُطقِهِ التَمتامُ

طالَ غِشيانُكَ الكَرائِهَ حَتّى     قالَ فيكَ الَّذي أَقولُ الحُسامُ

وَكَفَتكَ الصَفائِحُ الناسَ حَتّى     قَد كَفَتكَ الصَفائِحَ الأَقلامُ

وَكَفَتكَ التَجارِبُ الفِكرَ حَتّى     قَد كَفاكَ التَجارِبَ الإِلهامُ

فارِسٌ يَشتَري بِرازَكَ لِلفَخـ     ـرِ بِقَتلٍ مُعَجَّلٍ لا يُلامُ

نائِلٌ مِنكَ نَظرَةً ساقَهُ الفَقـ     ـرُ عَلَيهِ لِفَقرِهِ إِنعامُ

خَيرُ أَعضائِنا الرُؤوسُ وَلَكِن     فَضَلَتها بِقَصدِكَ الأَقدامُ

قَد لَعَمري أَقصَرتُ عَنكَ وَلِلوَفـ     ـدِ اِزدِحامٌ وَلِلعَطايا اِزدِحامُ

خِفتُ إِن صِرتُ في يَمينِكَ أَن تَأ     خُذَني في هِباتِكَ الأَقوامُ

وَمِنَ الرُشدِ لَم أَزُركَ عَلى القُر     بِ عَلى البُعدِ يُعرَفُ الإِلمامُ

وَمِنَ الخَيرِ بُطءُ سَيبِكَ عَنّي     أَسرَعُ السُحبِ في المَسيرِ الجَهامُ

قُل فَكَم مِن جَواهِرٍ بِنِظامٍ     وُدُّها أَنَّها بِفيكَ كَلامُ

هابَكَ اللَيلُ وَالنَهارُ فَلَو تَنـ     ـهاهُما لَم تَجُز بِكَ الأَيّامُ

حَسبُكَ اللَهُ ما تَضِلُّ عَنِ الحَقـ     ـقِ وَما يَهتَدي إِلَيكَ أَثامُ

لِمَ لا تَحذَرُ العَواقِبَ في غَيـ     ـرِ الدَنايا أَما عَلَيكَ حَرامُ

كَم حَبيبٍ لا عُذرَ في اللَومِ فيهِ     لَكَ فيهِ مِنَ التُقى لُوّامُ

رَفَعَت قَدرَكَ النَزاهَةُ عَنهُ     وَثَنَت قَلبُكَ المَساعي الجِسامُ

إِنَّ بَعضاً مِنَ القَريضِ هُذاءٌ     لَيسَ شَيئاً وَبَعضَهُ أَحكامُ

مِنهُ ما يَجلُبُ البَراعَةُ وَالفَضـ     ـلُ وَمِنهُ ما يَجلُبُ البِرسامُ

أبو العلاء المعري:

غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي     نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ

وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِي     سَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ

أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنْ     نَت عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ

صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْ     بَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ

خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ ال     أرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ

وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْ     دُ هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ

سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيداً     لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ

رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراً     ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ

وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ     في طَويلِ الأزْمانِ وَالآباءِ

فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا     مِنْ قَبيلٍ وآنسا من بلادِ

كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ     وَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ

تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْ     جَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ

إنّ حُزْناً في ساعةِ المَوْتِ أضْعَا     فُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ

خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ     أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفادِ

إنّما يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْما     لٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ

ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ ال     جِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ

أبَناتِ الهَديلِ أسْعِدْنَ أوْ عِدْ     نَ قَليلَ العَزاءِ بالإسْعَادِ

إيه للّهِ دَرّكُنّ فأنْتُنّ اللْ     لَوَاتي تُحْسِنّ حِفْظَ الوِدادِ

ما نَسيتُنّ هالِكاً في الأوانِ ال     خَالِ أوْدَى مِنْ قَبلِ هُلكِ إيادِ

بَيْدَ أنّي لا أرْتَضِي مَا فَعَلْتُنْ     نَ وأطْواقُكُنّ في الأجْيَادِ

فَتَسَلّبْنَ وَاسْتَعِرْنَ جَميعاً     منْ قَميصِ الدّجَى ثيابَ حِدادِ

ثُمّ غَرِّدْنَ في المَآتِمِ وانْدُبْ     نَ بِشَجْوٍ مَعَ الغَواني الخِرادِ

قَصَدَ الدهر من أبي حَمزَةَ الأوْ     وَابِ مَوْلى حِجىً وخِدن اقتصادِ

وفَقيهاً أفكارُهُ شِدْنَ للنّعْ     مانِ ما لم يَشِدْهُ شعرُ زِيادِ

فالعِراقيُّ بَعْدَهُ للحِجازِىْ     يِ قليلُ الخِلافِ سَهْلُ القِيادِ

وخَطيباً لو قامَ بَينَ وُحُوشٍ     عَلّمَ الضّارِياتِ بِرَّ النِّقَادِ

رَاوِياً للحَديثِ لم يُحْوِجِ المَعْ     رُوفَ مِنْ صِدْقِهِ إلى الأسْنادِ

أَنْفَقَ العُمرَ ناسِكاً يَطْلُبُ العِلْ     مَ بكَشْفٍ عَن أصْلِهِ وانْتِقادِ

مُستَقي الكَفّ مِنْ قَليبِ زُجاجٍ     بِغُرُوبِ اليَرَاعِ ماءَ مِدادِ

ذا بَنَانٍ لا تَلْمُسُ الذّهَبَ الأحْ     مَرَ زُهْداً في العَسجَدِ المُستَفادِ

وَدِّعا أيّها الحَفيّانِ ذاكَ الشْ     شَخْصَ إنّ الوَداعَ أيسَرُ زَادِ

واغْسِلاهُ بالدّمعِ إنْ كانَ طُهْراً     وادْفِناهُ بَيْنَ الحَشَى والفُؤادِ

واحْبُوَاهُ الأكْفانَ مِنْ وَرَقِ المُصْ     حَفِ كِبْراً عن أنْفَسِ الأبْرادِ

واتْلُوَا النّعْشَ بالقِراءَةِ والتّسْ     بِيحِ لا بالنّحيبِ والتّعْدادِ

أسَفٌ غَيْرُ نافِعٍ وَاجْتِهادٌ     لا يُؤدّي إلى غَنَاءِ اجْتِهادِ

طالَما أخْرَجَ الحَزينُ جَوَى الحُزْ     نِ إلى غَيْرِ لائِقٍ بالسَّدادِ

مِثْلَ ما فاتَتِ الصّلاةُ سُلَيْما     نَ فَأنْحَى على رِقابِ الجِيادِ

وهوَ مَنْ سُخّرَتْ لهُ الإنْسُ والجِنْ     نُ بما صَحّ من شَهادَةِ صَادِ

خافَ غَدْرَ الأنامِ فاستَوْدَعَ الرّي     حَ سَليلاً تَغْذُوهُ دَرَّ العِهَادِ

وَتَوَخّى لَهُ النّجاةَ وَقَدْ أيْ     قَنَ أنّ الحِمَامَ بالمِرْصادِ

فَرَمَتْهُ بهِ على جانِبِ الكُرْ     سِيّ أُمُّ اللُّهَيْمِ أُخْتُ النّآدِ

كيفَ أصْبَحتَ في مَحلّكَ بعدي     يا جَديراً منّي بحُسْنِ افتِقادِ

قد أقَرّ الطّبيبُ عَنْكَ بِعَجْزٍ     وتَقَضّى تَرَدّدُ العُوّادِ

وَانْتَهَى اليأسُ مِنكَ وَاستشعَرَ الوَجْ     دُ بأنْ لا مَعادَ حتى المعادِ

هَجَدَ السّاهرُونَ حَوْلَكَ للتمْ     ريضِ وَيحٌ لأعْيُنِ الهُجّادِ

أنتَ مِن أُسْرةٍ مَضَوْا غَيرَ مَغْرُو     رينَ مِنْ عَيشَةٍ بِذاتِ ضِمادِ

لا يُغَيّرْكُمُ الصّعيدُ وكونوا     فيهِ مثلَ السّيوفِ في الأغمادِ

فَعَزيزٌ عَليّ خَلْطُ اللّيالي     رِمَّ أقدامِكُمْ بِرِمّ الهَوَادي

كُنتَ خِلّ الصِّبا فلَمّا أرادَ ال     بَينَ وَافَقْتَ رأيَهُ في المُرادِ

ورأيتَ الوَفاءَ للصّاحِبِ الأوْ     وَلِ مِنْ شيمَةِ الكَريمِ الجَوادِ

وَخَلَعْتَ الشّبابَ غَضّاً فَيا لَيْ     تَكَ أَبْلَيْتَهُ مَعَ الأنْدادِ

فاذْهَبا خير ذاهبَينِ حقيقَيْ     نِ بِسُقْيا رَوائِحٍ وَغَوَادِ

ومَراثٍ لَوْ أنّهُنّ دُمُوعٌ     لمَحَوْنَ السّطُورَ في الإنْشادِ

زُحَلٌ أشرَفُ الكَواكبِ داراً     مِنْ لِقاءِ الرّدَى على ميعادِ

ولِنارِ المِرّيخِ مِن حَدَثانِ الدّهْ     رِ مُطْفٍ وَإنْ عَلَتْ في اتّقادِ

وَالثَرَيّا رَهينَةٌ بِافْتِراقِ الشْ     شَمْلِ حَتّى تُعَدّ في الأفرادِ

فليَكُنْ لِلْمُحَسَّنِ الأجَلُ المَمْ     دودُ رغماً لآنُفِ الحُسّادِ

وَلْيَطِبْ عَنْ أخيهِ نَفساً وأبْنا     ء أخيهِ جَرائحِ الأكبادِ

وإذا البَحْرُ غاضَ عنّي ولم أرْ     وَ فلا رِيّ بادّخارِ الثِّمادِ

كُلُّ بَيْتٍ للْهَدْمِ ما تَبْتَني الوَرْ     قاءُ والسّيّدُ الرّفيعُ العِمادِ

والفَتَى ظاعِنٌ ويَكفيهِ ظِلُّ السْ     سَدْرِ ضَرْبَ الأطْنابِ والأوْتادِ

بانَ أمْرُ الإلَهِ واختَلَفَ النّا     سُ فَداعٍ إلى ضَلالٍ وَهَادِ

والّذي حارَتِ البَرِيّةُ فِيهِ     حَيَوَانٌ مُسْتَحْدَثٌ مِن جَمادِ

واللّبيبُ اللّبيبُ مَنْ لَيسَ يَغْترْ     رُ بِكُوْنٍ مَصيرُهُ للفَسادِ


 

البهاء زُهير:

 

غِبتَ عَنّي فَما الخَبَر     ما كَذا بَينَنا اِشتَهَر

 

أَنا ما لي عَلى الجَفا     لا وَلا البُعدِ مُصطَبَر

 

لا تَلُم فيكَ عاشِقاً     رامَ صَبراً فَما قَدَر

 

أَنكَرَت مُقلَتي الكَرى     حينَ عَرَّفتَها السَهَر

 

فَعَسى مِنكَ نَظرَةٌ     رُبَّما أَقنَعَ النَظَر

 

غَنِيَت عَينُ مَن يَرا     كَ عَنِ الشَمسِ وَالقَمَر

 

أَيُّها المُعرِضُ الَّذي     لا رَسولٌ وَلا خَبَر

 

وَجَرى مِنهُ ما جَرى     لَيتَهُ جاءَ وَاِعتَذَر

 

كُلُّ ذَنبٍ كَرامَةً     لِمُحَيّاكَ مُغتَفَر

 

أَنا في مَجلِسٍ يَرو     قُكَ مَرأىً وَمُختَبَر

 

بَينَ شادٍ وَشادِنٍ     نُزهَةُ السَمعِ وَالبَصَر

 

وَصِحابٍ بِذِكرِهِم     تَفخَرُ الكُتُبُ وَالسِيَر

 

وَإِذا ما تَفاوَضوا     فَهُمُ الزُهرُ وَالزَهَر

 

فَتَفَضَّل فَيَومُنا     بِكَ إِن زُرتَنا أَغَر

 

 نيقولاس الصائغ:

 

يا نسيمَ الصَبا تَحَمَّل سَلامي     ثُمَّ بلِّغ تَحِيَّةَ المُستَهامِ

 

ذلك الوادي الخصيبَ صباحاً     ورُباهُ المُنِيفةَ الإِكرامِ

 

حيثُما النَرجَسُ المُضعَّفُ أَضحَى     ناعساً قائماً على الأَقدامِ

 

والأَقاحي والنَرجَسُ الغَضُّ يزهو     مائلاً والورود في الأَكمامِ

 

وأَريجُ الطَرَنجَبيلِ ذكيٌّ     فاقَ قَدراً على عبير الخِزامِ

 

غارُهُ غارتِ الزُهورُ عليهِ     كجيوشٍ وَقتهُ رَشقَ السِهامِ

 

نمَّ عرفاً فغارت الرَندُ منهُ     فانثنت تشتكيهِ للنَمَّامِ

 

وعُيُونٌ في سَفحهِ جارياتٌ     قد رَعَتهُ رِعايةَ استخِدامِ

 

مُذ بكت أَعيُنُ الغَمائِمِ فيهِ     قابَلَتها زُهورهُ بابتِسامِ

 

رَشَفَت نسمةُ الاصائلِ صبحاً     اذ سَرَت عَذبَ ثَغرهِ البَسَّامِ

 

قبَّلَتهُ القُبولُ في وَجَناتٍ     من مباهي تلك الوُجوهِ الوِسامِ

 

صافَحَت باكراً موائسَ روضٍ     ليّنات القُدودِ لدن القوامِ

 

صَفَّقَت راحةُ الغُصونِ ومالت     راقصاتٍ من صوتِ شَد والحَمامِ

 

خَطَبَ العَندَليبُ في مِنبَرِ الدَو     حِ فأَمسَى لوُرقهِ كالإِمامِ

 

والهَزارُ الصَدُوحُ والسنُّ والشُحرُورُ     اضحى يفتنُّ بالأَنغامِ

 

وذَواتُ الأَطواقِ تلحنُ شَجواً     هَيَّجَت بالبُكا شُجونَ غَرامي

 

كُلَّما عَدَّدَت نُواحَ نواها     حَرَّكَت للنَوَى سُكونَ هِيامي

 

أَلَّفَت بالنُواحِ طائِرَ قلبي     يا فؤادي يَمِّم رُبوعَ اليَمامِ

 

والنواقيسُ فوقهُ قارعاتٌ     في انتِصافِ الدُجى صُدورَ الظَلامِ

 

نَبَّهَت كلَّ قانتٍ ومُصَلٍّ     جَفنُهُ لم يَبِرَّ طَيفَ المَنامِ

 

لم يَزَل رافعاً إلى اللَه عقلاً     مستمدّاً ذَكاهُ بالإِلهامِ

 

ناسياً ما وراءَهُ كُلَّ يومٍ     قادماً في الوَرَى إلى قُدَّامِ

 

بصَلوةٍ غَدَت بشَجوٍ رخيمٍ     فعَلَت فوقَ مِنبَرِ الأَفهامِ

 

ليسَ فيهم وإِن دَجا الليلُ كابٍ     غافلُ اللَحظِ عاثرُ الأَقدامِ

 

جَمَعَت بِيعةُ المظفَّرِ منهم     مَجمَعاً سِلكُهُ فريدُ النِظامِ

 

يَتَهادَى سِتِيخُناتِ زَبُورٍ     بهُدُوٍّ وخَشيةٍ واحتِشامِ

 

وسُكون ورَهبةٍ وخُضوعٍ     وخُشوعٍ وذِلَّةٍ واحتِرامِ

 

دانَ طَوعاً لرَأس بِيعةِ رَبٍّ     مُوضِحٍ رَسمَهُ بنُوحٍ وسامِ

 

وبأَبرامَ ثُمَّ بُطرُسَ رُكني     دَع عداهُ من نَسل آلِ ابرامِ

 

أَينَ لاوِي وحِزبُهُ وبَنُوهُ     يا إِمامَ الهُداةِ أَنتَ إِمامي

 

هكذا هكذا أَتَتكَ كِرامٌ     تَتَجارى اليكَ يا ابنَ الكِرامِ

 

واذا ما تطارحوا لَحنَ نظمٍ     طَرَحوا اللَحن من فُصول الكَلامِ

 

لابسينَ الحِدادَ فوقَ جُسومٍ     شفَّ من تحتِها نحيفُ العِظامِ

 

لَهُمُ البِرُّ والعَفافُ وِشاحٌ     غيرُ مستردمٍ مَدَى الأَيَّامِ

 

مَنطَقَت حَقوَهم مناطقُ نُسكٍ     أَكسَبَتهم طَهارةَ الأَجسامِ

 

توَّجَتهم قلانسٌ واقياتٌ     خِلتُها مِغفَراً على كل هامِ

 

نُصِلَت فيهمِ نِصالُ جِهادٍ     انصلت عَزمَهم من الأَسقامِ

 

أَلَّموا جسمهم بآلام زُهدٍ     أَقذَتِ النفسَ من قَذَى الآلامِ

 

خاصَموا الجِسمَ واللعينَ ودُنيا     هُ ففازوا بالصُلح من ذا الخِصامِ

 

وغَزَوا في العِدَى الثلثةِ طُرّاً     بالتُقَى لا بلَهذَمٍ وحُسامِ

 

ثم أَصموا قلبَ الغَوِيّ فأَهوى     عن سُهادٍ لا عن قِسِيّ سِهامِ

 

ليتَ بيني قد حُمَّ من قبل بيني     عن حِماهم وذُقتُ كأسَ حِمامي

 

كيفَ أَسلُو وشَخصُهم نُصبُ عيني     حيثُما مِلتُ لا يَزالُ أَمامي

 

وهَوَى حُبِّهِم ثَوى بفُؤَادٍ     قد قَلَتهُ لواعجُ الاهتيامِ

 

صاحِ سِربي إلى أماكنِ سِربي     ثم صِح بي بحَيِّ صَحبي الكِرامِ

 

لم يَكُن غيثُهم كغيثٍ هَمُودٍ     لا ولا برقُهم كبرقٍ جَهامِ

 

لا ولا وعدُهم بغيرِ وَفاءٍ     لا ولا عهدُهم بغيرِ ذِمامِ

 

لا ولا تُربُهم تُرابُ سِباخ     لا ولا نارُهم بغيرِ ضِرامِ

 

لا ولا نُسكُهم بغيرِ صَلاحٍ     لا ولا سِلمُهم بغيرِ سَلامِ

 

ان تَرُم جَنَّةَ النعيمِ بأَرضٍ     نَعِمَت من خصائص الإِنعامِ

 

ملكوتٌ يَضُمُّ كل طَهُورٍ     مالِكوهُ ملائكُ العَلامِ

 

فَهوَ ديرُ الحَصُور ماري يُحَنَّا     والنبيِّ الكريم نسلِ الكِرامِ

 

والنبيه النبيلِ والسابق الحِبرِ     إِمام الهُدَى الرفيعِ المَقامِ

 

وسليل النبيِّ مَن جَلَّ قَدراً     زَكَريّا النَدبِ التقيِّ الهُمامِ

 

والمَلاكِ المصيِرِ الحزنَ سَهلاً     والسِراجِ المضيء في الإِظلامِ

 

يا رَعَى اللَهُ ارضَ وادي عيسى     وسقاها من سانحاتِ الركامِ

 

ورَعَى ديرَهُ المَشِيدَ المباني     ووَقاهُ من غائلِ الإِنهدامِ

 

ثم حيَّى الحَيا رُباهُ فأَحيَى     ما عَفَت رَسمَهُ يَدُ الأَيَّامِ

 

رامَ بانيهِ والمجاهدُ فيهِ     في أَمانٍ من حاسِديهِ اللئَامِ

 

آلهُ بُغيتي وغاية سُؤلي     ومُرادي ومُنيتي ومَرامي

 

سِيَّما فاضلٌ مِبَرٌ فضيلٌ     زاخرُ الفضلِ بالفضائل هامِ

 

مَنهَجي مع نَمُوذَجي وَرَشادي     واعتِمادي وسَيدي وإِمامي

 

هُوَ صِنوي الرطيبُ لكنَّ شَتَّا     نَ وبَونٌ ما بينَ ذاوٍ ونامِ

 

قد سَرَت في عُقولهم نِعمةُ اللَهِ     كسَريِ الحيوةِ في الأَجسامِ

 

اكملوا بالسَداد كلَّ كَمالٍ     تمموا بالجِهادِ كُلَّ تِمامِ

 

كلهم بالصَلاحِ خيلُ رِهانٍ     يَتَبارَونَ بالتُقَى المتسامي

 

دُونَ سِقطٍ أَضحى شريدُ حِماهم     أَخَّرَتهُ معاثرُ الأَقدامِ

 

فات حَدَّ القِياسِ في كل حكمٍ     فَهوَ شاذُ القِياسِ والأَحكامِ

 

طوَّحتهُ حُظوظُهُ في بوادي     أرض وادي مدينةِ الأَصنامِ

 

خِلتُ نفسي لما حَلَلتُ ثَراها     كسقيمٍ في قبضةِ الأَسقامِ

 

ما حُصولي بأَرضِ باعَلَ إِلَّا     كحُصولِ الجريحِ بينَ هوامِ

 

فمُقامي بها كيُوسُفِ مِصرٍ     في مُقام السُجون لا في المَقامِ

 

خَصَّني بالبُؤُوس دَهري ولكن     خَصَّصَتني البتولُ بالإِنعامِ

 

فَهيَ للخائفينَ أَعظَمُ أَمنٍ     وَهيَ للمستجير خيرُ مُحامِ

 

وَهيَ بحرٌ تُفِيضُ أَسنَى المزايا     وهيَ رِيٌّ لكل صادٍ وظامِ

 

ها أَنا خادمٌ ببابِكِ ذُلّاً     فاقبَليني من أَصغَر الخُدَّامِ

 

وارجِعيني إلى محلّ سكوني     حيثُ لي من أَذَى العُداةِ تُحامي

 

وامنَحيني صفحَ الذُنوبِ وكوني     لي شفيعَ الخَلاصِ يومَ الزِحامِ

 

فعليكِ السَلامُ ما فاهَ نُطقٌ     فيكِ بين الوَرَى بمدح نِظامِ

 

وانبَرَت في طُرُوسها ناطقاتٍ     عنكِ بالشُكر أَلسُنُ الأَقلامِ

 

وحَظِي منكِ مادحٌ بقَبُولٍ     قد حَباهُ بالمدح حُسنَ الخِتامِ

 

أحمد شوقي:

 

هَمَّتِ الفُلكُ وَاِحتَواها الماءُ     وَحَداها بِمَن تُقِلُّ الرَجاءُ

 

ضَرَبَ البَحرُ ذو العُبابِ حَوالَي     ها سَماءً قَد أَكبَرَتها السَماءُ

 

وَرَأى المارِقونَ مِن شَرَكِ الأَر     ضِ شِباكاً تَمُدُّها الدَأماءُ

 

وَجِبالاً مَوائِجاً في جِبالٍ     تَتَدَجّى كَأَنَّها الظَلماءُ

 

وَدَوِيّاً كَما تَأَهَّبَتِ الخَي     لُ وَهاجَت حُماتَها الهَيجاءُ

 

لُجَّةٌ عِندَ لُجَّةٍ عِندَ أُخرى     كَهِضابٍ ماجَت بِها البَيداءُ

 

وَسَفينٌ طَوراً تَلوحُ وَحيناً     يَتَوَلّى أَشباحَهُنَّ الخَفاءُ

 

نازِلاتٌ في سَيرِها صاعِداتٌ     كَالهَوادي يَهُزُّهُنَّ الحُداءُ

 

رَبِّ إِن شِئتَ فَالفَضاءُ مَضيقٌ     وَإِذا شِئتَ فَالمَضيقُ فَضاءُ

 

فَاِجعَلِ البَحرَ عِصمَةً وَاِبعَثِ الرَح     مَةَ فيها الرِياحُ وَالأَنواءُ

 

أَنتَ أُنسٌ لَنا إِذا بَعُدَ الإِن     سُ وَأَنتَ الحَياةُ وَالإِحياءُ

 

يَتَوَلّى البِحارَ مَهما اِدلَهَمَّت     مِنكَ في كُلِّ جانِبٍ لَألاءُ

 

وَإِذا ما عَلَت فَذاكَ قِيامٌ     وَإِذا ما رَغَت فَذاكَ دُعاءُ

 

فَإِذا راعَها جَلالُكَ خَرَّت     هَيبَةً فَهيَ وَالبِساطُ سَواءُ

 

وَالعَريضُ الطَويلُ مِنها كِتابٌ     لَكَ فيهِ تَحِيَّةٌ وَثَناءُ

 

يا زَمانَ البِحارِ لَولاكَ لَم تُف     جَع بِنُعمى زَمانِها الوَجناءُ

 

فَقَديماً عَن وَخدِها ضاقَ وَجهُ ال     أَرضِ وَاِنقادَ بِالشِراعِ الماءُ

 

وَاِنتَهَت إِمرَةُ البِحارِ إِلى الشَر     قِ وَقامَ الوُجودُ فيما يَشاءُ

 

وَبَنَينا فَلَم نُخَلِّ لِبانٍ     وَعَلَونا فَلَم يَجُزنا عَلاءُ

 

وَمَلَكنا فَالمالِكونَ عَبيدٌ     وَالبَرايا بِأَسرِهِم أُسَراءُ

 

قُل لِبانٍ بَنى فَشادَ فَغالى     لَم يَجُز مِصرَ في الزَمانِ بِناءُ

 

لَيسَ في المُمكِناتِ أَن تُنقَلَ الأَج     بالُ شُمّاً وَأَن تُنالَ السَماءُ

 

أَجفَلَ الجِنُّ عَن عَزائِمَ فِرعَو     نَ وَدانَت لِبَأسِها الآناءُ

 

شادَ ما لَم يُشِد زَمانٌ وَلا أَن     شَأَ عَصرٌ وَلا بَنى بَنّاءُ

 

هَيكَلٌ تُنثَرُ الدِياناتُ فيهِ     فَهيَ وَالناسُ وَالقُرونُ هَباءُ

 

وَقُبورٌ تَحُطُّ فيها اللَيالي     وَيُوارى الإِصباحُ وَالإِمساءُ

 

تَشفَقُ الشَمسُ وَالكَواكِبُ مِنها     وَالجَديدانِ وَالبِلى وَالفَناءُ

 

زَعَموا أَنَّها دَعائِمُ شيدَت     بِيَدِ البَغيِ مِلؤُها ظَلماءُ

 

فَاِعذُرِ الحاسِدينَ فيها إِذا لا     موا فَصَعبٌ عَلى الحَسودِ الثَناءُ

 

دُمِّرَ الناسُ وَالرَعِيَّةُ في تَش     ييدِها وَالخَلائِقُ الأُسَراءُ

 

أَينَ كانَ القَضاءُ وَالعَدلُ وَالحِك     مَةُ وَالرَأيُ وَالنُهى وَالذَكاءُ

 

وَبَنو الشَمسِ مِن أَعِزَّةِ مِصرٍ     وَالعُلومُ الَّتي بِها يُستَضاءُ

 

فَاِدَّعَوا ما اِدَّعى أَصاغِرُ آثي     نا وَدَعواهُمُ خَناً وَاِفتِراءُ

 

وَرَأَوا لِلَّذينَ سادوا وَشادوا     سُبَّةً أَن تُسَخَّرَ الأَعداءُ

 

إِن يَكُن غَيرَ ما أَتَوهُ فَخارٌ     فَأَنا مِنكَ يا فَخارُ بَراءُ

 

لَيتَ شِعري وَالدَهرُ حَربُ بَنيهِ     وَأَياديهِ عِندَهُم أَفياءُ

 

ما الَّذي داخَلَ اللَيالِيَ مِنّا     في صِبانا وَلِلَّيالي دَهاءُ

 

فَعَلا الدَهرُ فَوقَ عَلياءِ فِرعَو     نَ وَهَمَّت بِمُلكِهِ الأَرزاءُ

 

أَعلَنَت أَمرَها الذِئابُ وَكانوا     في ثِيابِ الرُعاةِ مِن قَبلُ جاؤوا

 

وَأَتى كُلُّ شامِتٍ مِن عِدا المُل     كِ إِلَيهِم وَاِنضَمَّتِ الأَجزاءُ

 

وَمَضى المالِكونَ إِلّا بَقايا     لَهُمُ في ثَرى الصَعيدِ اِلتِجاءُ

 

فَعَلى دَولَةِ البُناةِ سَلامٌ     وَعَلى ما بَنى البُناةُ العَفاءُ

 

وَإِذا مِصرُ شاةُ خَيرٍ لِراعي السَو     ءِ تُؤذى في نَسلِها وَتُساءُ

 

قَد أَذَلَّ الرِجالَ فَهيَ عَبيدٌ     وَنُفوسَ الرِجالِ فَهيَ إِماءُ

 

فَإِذا شاءَ فَالرِقابُ فِداهُ     وَيَسيرٌ إِذا أَرادَ الدِماءُ

 

وَلِقَومٍ نَوالُهُ وَرِضاهُ     وَلِأَقوامِ القِلى وَالجَفاءُ

 

فَفَريقٌ مُمَتَّعونَ بِمِصرٍ     وَفَريقٍ في أَرضِهِم غُرَباءُ

 

إِن مَلَكتَ النُفوسَ فَاِبغِ رِضاها     فَلَها ثَورَةٌ وَفيها مَضاءُ

 

يَسكُنُ الوَحشُ لِلوُثوبِ مِنَ الأَس     رِ فَكَيفَ الخَلائِقُ العُقَلاءُ

 

يَحسَبُ الظالِمونَ أَن سَيَسودو     نَ وَأَن لَن يُؤَيَّدَ الضُعَفاءُ

 

وَاللَيالي جَوائِرٌ مِثلَما جا     روا وَلِلدَهرِ مِثلَهُم أَهواءُ

 

لَبِثَت مِصرُ في الظَلامِ إِلى أَن     قيلَ ماتَ الصَباحُ وَالأَضواءُ

 

لَم يَكُن ذاكَ مِن عَمىً كُلُّ عَينٍ     حَجَبَ اللَيلُ ضَوءَها عَمياءُ

 

ما نَراها دَعا الوَفاءُ بَنيها     وَأَتاهُم مِنَ القُبورِ النِداءُ

 

لِيُزيحوا عَنها العِدا فَأَزاحوا     وَأُزيحَت عَن جَفنِها الأَقذاءُ

 

وَأُعيدَ المَجدُ القَديمُ وَقامَت     في مَعالي آبائِها الأَبناءُ

 

وَأَتى الدَهرُ تائِباً بِعَظيمٍ     مِن عَظيمٍ آباؤُهُ عُظَماءُ

 

مَن كَرَمسيسَ في المُلوكِ حَديثاً     وَلِرَمسيسٍ المُلوكُ فِداءُ

 

بايَعَتهُ القُلوبُ في صُلبِ سيتي     يَومَ أَن شاقَها إِلَيهِ الرَجاءُ

 

وَاِستَعدَّ العُبّادُ لِلمَولِدِ الأَك     بَرِ وَاِزَّيَّنَت لَهُ الغَبراءُ

 

جَلَّ سيزوستَريسُ عَهداً وَجَلَّت     في صِباهُ الآياتُ وَالآلاءُ

 

فَسَمِعنا عَنِ الصَبِيِّ الَّذي يَع     فو وَطَبعُ الصِبا الغَشومُ الإِباءُ

 

وَيَرى الناسَ وَالمُلوكَ سَواءً     وَهَلِ الناسُ وَالمُلوكُ سَواءُ

 

وَأَرانا التاريخُ فِرعَونَ يَمشي     لَم يَحُل دونَ بِشرِهِ كِبرِياءُ

 

يولَدُ السَيِّدُ المُتَوَّجُ غَضّاً     طَهَّرَتهُ في مَهدِها النَعماءُ

 

لَم يُغَيِّرهُ يَومَ ميلادِهِ بُؤ     سٌ وَلا نالَهُ وَليداً شَقاءُ

 

فَإِذا ما المُمَلِّقونَ تَوَلَّو     هُ تَوَلَّى طِباعَهُ الخُيَلاءُ

 

وَسَرى في فُؤادِهِ زُخرُفُ القَو     لِ تَراهُ مُستَعذَباً وَهوَ داءُ

 

فَإِذا أَبيَضُ الهَديلِ غُرابٌ     وَإِذا أَبلَجُ الصَباحِ مَساءُ

 

جَلَّ رَمسيسُ فِطرَةً وَتَعالى     شيعَةً أَن يَقودَهُ السُفَهاءُ

 

وَسَما لِلعُلا فَنالَ مَكاناً     لَم يَنَلهُ الأَمثالُ وَالنُظَراءُ

 

وَجُيوشٌ يَنهَضنَ بِالأَرضِ مَلكاً     وَلِواءٌ مِن تَحتِهِ الأَحياءُ

 

وَوُجودٌ يُساسُ وَالقَولُ فيهِ     ما يَقولُ القُضاةُ وَالحُكَماءُ

 

وَبِناءٌ إِلى بِناءٍ يَوَدُّ الخُل     دُ لَو نالَ عُمرَهُ وَالبَقاءُ

 

وَعُلومٌ تُحيِ البِلادَ وَبِنتا     هورُ فَخرُ البِلادِ وَالشُعَراءُ

 

إيهِ سيزوستَريسَ ماذا يَنالُ ال     وَصفُ يَوماً أَو يَبلُغُ الإِطراءُ

 

كَبُرَت ذاتُكَ العَلِيَّةُ أَن تُح     صي ثَناها الأَلقابُ وَالأَسماءُ

 

لَكَ آمونُ وَالهِلالُ إِذا يَك     بُرُ وَالشَمسُ وَالضُحى آباءُ

 

وَلَكَ الريفُ وَالصَعيدُ وَتاجا     مِصرَ وَالعَرشُ عالِياً وَالرِداءُ

 

وَلَكَ المُنشَآتُ في كُلِّ بَحرٍ     وَلَكَ البَرُّ أَرضُهُ وَالسَماءُ

 

لَيتَ لَم يُبلِكَ الزَمانُ وَلَم يَب     لَ لِمُلكِ البِلادِ فيكَ رَجاءُ

 

هَكَذا الدَهرُ حالَةٌ ثُمَّ ضِدٌّ     ما لِحالٍ مَعَ الزَمانِ بَقاءُ

 

لا رَعاكَ التاريخُ يا يَومَ قَمبي     زَ وَلا طَنطَنَت بِكَ الأَنباءُ

 

دارَتِ الدائِراتُ فيكَ وَنالَت     هَذِهِ الأُمَّةَ اليَدُ العَسراءُ

 

فَمُبصِرٌ مِمّا جَنَيتَ لِمِصرٍ     أَيُّ داءٍ ما إِن إِلَيهِ دَواءُ

 

نَكَدٌ خالِدٌ وَبُؤسٌ مُقيمٌ     وَشَقاءٌ يَجُدُّ مِنهُ شَقاءُ

 

يَومَ مَنفيسَ وَالبِلادُ لِكِسرى     وَالمُلوكُ المُطاعَةُ الأَعداءُ

 

يَأمُرُ السَيفُ في الرِقابِ وَيَنهى     وَلِمِصرٍ عَلى القَذى إِغضاءُ

 

جيءَ بِالمالِكِ العَزيزِ ذَليلاً     لَم تُزَلزِل فُؤادَهُ البَأساءُ

 

يُبصِرُ الآلَ إِذ يُراحُ بِهِم في     مَوقِفِ الذُلِّ عَنوَةً وَيُجاءُ

 

بِنتُ فِرعَونَ في السَلاسِلِ تَمشي     أَزعَجَ الدَهرُ عُريُها وَالحَفاءُ

 

فَكَأَن لَم يَنهَض بِهَودَجِها الدَه     رُ وَلا سارَ خَلفَها الأُمَراءُ

 

وَأَبوها العَظيمُ يَنظُرُ لَمّا     رُدِّيَت مِثلَما تُرَدّى الإِماءُ

 

أُعطِيَت جَرَّةً وَقيلَ إِلَيكِ الن     نَهر قومي كَما تَقومُ النِساءُ

 

فَمَشَت تُظهِرُ الإِباءَ وَتَحمي الدَم     عَ أَن تَستَرِقَّهُ الضَرّاءُ

 

وَالأَعادي شَواخِصٌ وَأَبوها     بِيَدِ الخَطبِ صَخرَةٌ صَمّاءُ

 

فَأَرادوا لِيَنظُروا دَمعَ فِرعَو     نَ وَفِرعَونُ دَمعُهُ العَنقاءُ

 

فَأَرَوهُ الصَديقَ في ثَوبِ فَقرٍ     يَسأَلُ الجَمعَ وَالسُؤالُ بَلاءُ

 

فَبَكى رَحمَةً وَما كانَ مَن يَب     كي وَلَكِنَّما أَرادَ الوَفاءُ

 

هَكَذا المُلكُ وَالمُلوكُ وَإِن جا     رَ زَمانٌ وَرَوَّعَت بَلواءُ

 

لا تَسَلني ما دَولَةُ الفُرسِ ساءَت     دَولَةُ الفُرسِ في البِلادِ وَساؤوا

 

أُمَّةٌ هَمُّها الخَرائِبُ تُبلي     ها وَحَقُّ الخَرائِبِ الإِعلاءُ

 

سَلَبَت مِصرَ عِزَّها وَكَسَتها     ذِلَّةً ما لَها الزَمانَ اِنقِضاءُ

 

وَاِرتَوى سَيفُها فَعاجَلَها ال     لَهُ بِسَيفٍ ما إِن لَهُ إِرواءُ

 

طِلبَةٌ لِلعِبادِ كانَت لِإِسكَن     دَرَ في نَيلِها اليَدُ البَيضاءُ

 

شادَ إِسكَندَرٌ لِمِصرَ بِناءً     لَم تَشِدهُ المُلوكُ وَالأُمَراءُ

 

بَلَداً يَرحَلُ الأَنامُ إِلَيهِ     وَيَحُجُّ الطُلّابُ وَالحُكَماءُ

 

عاشَ عُمراً في البَحرِ ثَغرَ المَعالي     وَالمَنارَ الَّذي بِهِ الاِهتِداءُ

 

مُطمَئِنّاً مِنَ الكَتائِبِ وَالكُت     بِ بِما يَنتَهي إِلَيهِ العَلاءُ

 

يَبعَثُ الضَوءَ لِلبِلادِ فَتَسري     في سَناهُ الفُهومُ وَالفُهَماءُ

 

وَالجَواري في البَحرِ يُظهِرنَ عِزَّ ال     مُلكِ وَالبَحرُ صَولَةٌ وَثَراءُ

 

وَالرَعايا في نِعمَةٍ وَلِبَطلَي     موسَ في الأَرضِ دَولَةٌ عَلياءُ

 

فَقَضى اللَهُ أَن تُضَيِّعَ هَذا ال     مُلكَ أُنثى صَعبٌ عَلَيها الوَفاءُ

 

تَخِذَتها روما إِلى الشَرِّ تَمهي     داً وَتَمهيدُهُ بِأُنثى بَلاءُ

 

فَتَناهى الفَسادُ في هَذِهِ الأَر     ضِ وَجازَ الأَبالِسَ الإِغواءُ

 

ضَيَّعَت قَيصَرَ البَرِيَّةِ أُنثى     يا لَرَبّي مِمّا تَجُرُّ النِساءُ

 

فَتَنَت مِنهُ كَهفَ روما المُرَجّى     وَالحُسامَ الَّذي بِهِ الاِتِّقاءُ

 

قاهِرَ الخَصمِ وَالجَحافِلِ مَهما     جَدَّ هَولُ الوَغى وَجَدَّ اللِقاءُ

 

فَأَتاها مَن لَيسَ تَملُكُهُ أُن     ثى وَلا تَستَرِقُّهُ هَيفاءُ

 

بَطَلُ الدَولَتَينِ حامى حِمى رو     ما الَّذي لا تَقودُهُ الأَهواءُ

 

أَخَذَ المُلكَ وَهيَ في قَبضَةِ الأَف     عى عَنِ المُلكِ وَالهَوى عَمياءُ

 

سَلَبَتها الحَياةَ فَاِعجَب لِرَقطا     ءَ أَراحَت مِنها الوَرى رَقطاءُ

 

لَم تُصِب بِالخِداعِ نُجحاً وَلَكِن     خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ

 

قَتَلَت نَفسَها وَظَنَّت فِداءً     صَغُرَت نَفسُها وَقَلَّ الفِداءُ

 

سَل كِلوبَترَةَ المُكايِدِ هَلّا     صَدَّها عَن وَلاءِ روما الدَهاءُ

 

فَبِروما تَأَيَّدَت وَبِروما     هِيَ تَشقى وَهَكَذا الأَعداءُ

 

وَلِروما المُلكُ الَّذي طالَما وا     فاهُ في السِرِّ نُصحُها وَالوَلاءُ

 

وَتَوَلَّت مِصراً يَمينٌ عَلى المِص     رِيِّ مِن دونِ ذا الوَرى عَسراءُ

 

تُسمِعُ الأَرضُ قَيصَراً حينَ تَدعو     وَعَقيمٌ مِن أَهلِ مِصرَ الدُعاءُ

 

وَيُنيلُ الوَرى الحُقوقَ فَإِن نا     دَتهُ مِصرٌ فَأُذنُهُ صَمّاءُ

 

فَاِصبِري مِصرُ لِلبَلاءِ وَأَنّى     لَكِ وَالصَبرُ لِلبَلاءِ بَلاءُ

 

ذا الَّذي كُنتِ تَلتَجينَ إِلَيهِ     لَيسَ مِنهُ إِلى سِواهُ النَجاءُ

 

رَبِّ شُقتَ العِبادَ أَزمانَ لا كُت     بٌ بِها يُهتَدى وَلا أَنبِياءُ

 

ذَهَبوا في الهَوى مَذاهِبَ شَتّى     جَمَعَتها الحَقيقَةُ الزَهراءُ

 

فَإِذا لَقَّبوا قَوِيّاً إِلَها     فَلَهُ بِالقُوى إِلَيكِ اِنتِهاءُ

 

وَإِذا آثَروا جَميلاً بِتَنزي     هٍ فَإِنَّ الجَمالَ مِنكِ حِباءُ

 

وَإِذا أَنشَئوا التَماثيلَ غُرّاً     فَإِلَيكِ الرُموزُ وَالإيماءُ

 

وَإِذا قَدَّروا الكَواكِبَ أَربا     باً فَمِنكِ السَنا وَمِنكِ السَناءُ

 

وَإِذا أَلَّهوا النَباتَ فَمِن آ     ثارِ نُعماكِ حُسنُهُ وَالنَماءُ

 

وَإِذا يَمَّموا الجِبالَ سُجوداً     فَالمُرادُ الجَلالَةُ الشَمّاءُ

 

وَإِذا تُعبَدُ البِحارُ مَعَ الأَس     ماكِ وَالعاصِفاتُ وَالأَنواءُ

 

وَسِباعُ السَماءِ وَالأَرضِ وَالأَر     حامُ وَالأُمَّهاتُ وَالآباءُ

 

لِعُلاكَ المُذَكَّراتُ عَبيدٌ     خُضَّعٌ وَالمُؤَنَّثاتُ إِماءُ

 

جَمَعَ الخَلقَ وَالفَضيلَةَ سِرٌّ     شَفَّ عَنهُ الحِجابُ فَهوَ ضِياءُ

 

سَجَدَت مِصرُ في الزَمانِ لِإيزي     سَ النَدى مَن لَها اليَدُ البَيضاءُ

 

إِن تَلِ البَرَّ فَالبِلادُ نُضارٌ     أَو تَلِ البَحرَ فَالرِياحُ رُخاءُ

 

أَو تَلِ النَفسَ فَهيَ في كُلِّ عُضوٍ     أَو تَلِ الأُفقَ فَهيَ فيهِ ذُكاءُ

 

قيلَ إيزيسُ رَبَّةَ الكَونِ لَولا     أَن تَوَحَّدتِ لَم تَكُ الأَشياءُ

 

وَاِتَّخَذتِ الأَنوارَ حُجباً فَلَم تُب     صِركِ أَرضٌ وَلا رَأَتكِ سَماءُ

 

أَنتِ ما أَظهَرَ الوُجودُ وَما أَخ     فى وَأَنتِ الإِظهارُ وَالإِخفاءُ

 

لَكَ آبيسُ وَالمُحَبَّبُ أوزي     ريسُ وَاِبناهُ كُلُّهُم أَولِياءُ

 

مُثِّلَت لِلعُيونِ ذاتُكِ وَالتَم     ثيلُ يُدني مَن لا لَهُ إِدناءُ

 

وَاِدَّعاكِ اليونانُ مِن بَعدِ مِصرٍ     وَتَلاهُ في حُبِّكِ القُدَماءُ

 

فَإِذا قيلَ ما مَفاخِرَ مِصرٍ     قيلَ مِنها إيزيسُها الغَرّاءُ

 

رَبِّ هَذي عُقولُنا في صِباها     نالَها الخَوفُ وَاِستَباها الرَجاءُ

 

فعَشِقناكَ قَبلَ أَن تَأتِيَ الرُس     لُ وَقامَت بِحُبِّكَ الأَعضاءُ

 

وَوَصَلنا السُرى فَلَولا ظَلامُ ال     جَهلِ لَم يَخطُنا إِلَيكِ اِهتِداءُ

 

وَاِتَّخَذنا الأَسماءَ شَتّى فَلَمّا     جاءَ موسى اِنتَهَت لَكَ الأَسماءُ

 

حَجَّنا في الزَمانِ سِحراً بِسِحرٍ     وَاِطمَأَنَّت إِلى العَصا السُعَداءُ

 

وَيُريدُ الإِلَهُ أَن يُكرَمَ العَق     لُ وَأَلّا تُحَقَّرَ الآراءُ

 

ظَنَّ فِرعَونُ أَنَّ موسى لَهُ وا     فٍ وَعِندَ الكِرامِ يُرجى الوَفاءُ

 

لَم يَكُن في حِسابِهِ يَومَ رَبّى     أَن سَيَأتي ضِدَّ الجَزاءِ الجَزاءُ

 

فَرَأى اللَهُ أَن يَعِقَّ وَلِلَّ     هِ تَفي لا لِغَيرِهِ الأَنبِياءُ

 

مِصرُ موسى عِندَ اِنتِماءٍ وَموسى     مِصرُ إِن كانَ نِسبَةٌ وَاِنتِماءُ

 

فَبِهِ فَخرُها المُؤَيَّدُ مَهما     هُزَّ بِالسَيِّدِ الكَليمِ اللِواءُ

 

إِن تَكُن قَد جَفَتهُ في ساعَةِ الشَكِّ     فَحَظُّ الكَبيرِ مِنها الجَفاءُ

 

خِلَّةٌ لِلبِلادِ يَشقى بِها النا     سُ وَتَشقى الدِيارُ وَالأَبناءُ

 

فَكَبيرٌ أَلّا يُصانَ كَبيرٌ     وَعَظيمٌ أَن يُنبَذَ العُظَماءُ

 

وُلِدَ الرِفقُ يَومَ مَولِدِ عيسى     وَالمُروءاتُ وَالهُدى وَالحَياءُ

 

وَاِزدَهى الكَونُ بِالوَليدِ وَضاءَت     بِسَناهُ مِنَ الثَرى الأَرجاءُ

 

وَسَرَت آيَةُ المَسيحِ كَما يَس     ري مِنَ الفَجرِ في الوُجودِ الضِياءُ

 

تَملَأُ الأَرضَ وَالعَوالِمَ نوراً     فَالثَرى مائِجٌ بَهاً وَضّاءُ

 

لا وَعيدٌ لا صَولَةٌ لا اِنتِقامُ     لا حُسامٌ لا غَزوَةٌ لا دِماءُ

 

مَلَكٌ جاوَرَ التُرابَ فَلَمّا     مَلَّ نابَت عَنِ التُرابِ السَماءُ

 

وَأَطاعَتهُ في الإِلَهِ شُيوخٌ     خُشَّعٌ خُضَّعٌ لَهُ ضُعَفاءُ

 

أَذعَنَ الناسُ وَالمُلوكُ إِلى ما     رَسَموا وَالعُقولُ وَالعُقَلاءُ

 

فَلَهُم وَقفَةٌ عَلى كُلِّ أَرضٍ     وَعَلى كُلِّ شاطِئٍ إِرساءُ

 

دَخَلوا ثَيبَةً فَأَحسَنَ لُقيا     هُم رِجالٌ بِثيبَةٍ حُكَماءُ

 

فَهِموا السِرَّ حينَ ذاقوا وَسَهلٌ     أَن يَنالَ الحَقائِقَ الفُهَماءُ

 

فَإِذا الهَيكَلُ المُقَدَّسُ دَيرٌ     وَإِذا الدَيرُ رَونَقٌ وَبَهاءُ

 

وَإِذا ثَيبَةٌ لِعيسى وَمَنفي     سُ وَنَيلُ الثَراءِ وَالبَطحاءُ

 

إِنَّما الأَرضُ وَالفَضاءُ لِرَبّي     وَمُلوكُ الحَقيقَةِ الأَنبِياءُ

 

لَهُمُ الحُبُّ خالِصاً مِن رَعايا     هُم وَكُلُّ الهَوى لَهُم وَالوَلاءُ

 

إِنَّما يُنكِرُ الدِياناتِ قَومٌ     هُم بِما يُنكِرونَهُ أَشقِياءُ

 

هَرِمَت دَولَةُ القَياصِرِ وَالدَو     لاتُ كَالناسِ داؤُهُنَّ الفَناءُ

 

لَيسَ تُغني عَنها البِلادُ وَلا ما     لُ الأَقاليمِ إِن أَتاها النِداءُ

 

نالَ روما ما نالَ مِن قَبلُ آثي     نا وَسيمَتهُ ثَيبَةُ العَصماءُ

 

سُنَّةُ اللَهِ في المَمالِكِ مِن قَب     لُ وَمِن بَعدِ ما لِنُعمى بَقاءُ

 

أَظلَمَ الشَرقُ بَعدَ قَيصَرَ وَالغَر     بُ وَعَمَّ البَرِيَّةَ الإِدجاءُ

 

فَالوَرى في ضَلالِهِ مُتَمادٍ     يَفتُكُ الجَهلُ فيهِ وَالجُهَلاءُ

 

عَرَّفَ اللَهَ ضِلَّةً فَهوَ شَخصٌ     أَو شِهابٌ أَو صَخرَةٌ صَمّاءُ

 

وَتَوَلّى عَلى النُفوسِ هَوى الأَو     ثانِ حَتّى اِنتَهَت لَهُ الأَهواءُ

 

فَرَأى اللَهُ أَن تُطَهَّرَ بِالسَي     فِ وَأَن تَغسِلَ الخَطايا الدِماءُ

 

وَكَذاكَ النُفوسُ وَهيَ مِراضٌ     بَعضُ أَعضائِها لِبَعضٍ فِداءُ

 

لَم يُعادِ اللَهُ العَبيدَ وَلَكِن     شَقِيَت بِالغَباوَةِ الأَغبِياءُ

 

وَإِذا جَلَّتِ الذُنوبُ وَهالَت     فَمِنَ العَدلِ أَن يَهولَ الجَزاءُ

 

أَشرَقَ النورُ في العَوالِمِ لَمّا     بَشَّرَتها بِأَحمَدَ الأَنباءُ

 

بِاليَتيمِ الأُمِّيِّ وَالبَشَرِ المو     حى إِلَيهِ العُلومُ وَالأَسماءُ

 

قُوَّةُ اللَهِ إِن تَوَلَّت ضَعيفاً     تَعِبَت في مِراسِهِ الأَقوِياءُ

 

أَشرَفُ المُرسَلينَ آيَتُهُ النُط     قُ مُبيناً وَقَومُهُ الفُصَحاءُ

 

لَم يَفُه بِالنَوابِغِ الغُرِّ حَتّى     سَبَقَ الخَلقَ نَحوَهُ البُلَغاءُ

 

وَأَتَتهُ العُقولُ مُنقادَةَ اللُب     بِ وَلَبّى الأَعوانُ وَالنُصَراءُ

 

جاءَ لِلناسِ وَالسَرائِرُ فَوضى     لَم يُؤَلِّف شَتاتُهُنّ لِواءُ

 

وَحِمى اللَهُ مُستَباحٌ وَشَرعُ ال     لَهِ وَالحَقُّ وَالصَوابُ وَراءُ

 

فَلِجِبريلَ جَيئَةٌ وَرَواحٌ     وَهُبوطٌ إِلى الثَرى وَاِرتِقاءُ

 

يُحسَبُ الأُفقُ في جَناحَيهِ نورٌ     سُلِبَتهُ النُجومُ وَالجَوزاءُ

 

تِلكَ آيُ الفُرقانِ أَرسَلَها ال     لَهُ ضِياءً يَهدي بِهِ مَن يَشاءُ

 

نَسَخَت سُنَّةَ النَبِيّينَ وَالرُس     لِ كَما يَنسَخُ الضِياءَ الضِياءُ

 

وَحَماها غُرٌّ كِرامٌ أَشِدّا     ءُ عَلى الخَصمِ بَينَهُم رُحَماءُ

 

أُمَّةٌ يَنتَهي البَيانُ إِلَيها     وَتَؤولُ العُلومُ وَالعُلَماءُ

 

جازَتِ النَجمَ وَاِطمَأَنَّت بِأُفقٍ     مُطمَئِنٍّ بِهِ السَنا وَالسَناءُ

 

كُلَّما حَثَّتِ الرِكابَ لِأَرضٍ     جاوَرَ الرُشدُ أَهلَها وَالذَكاءُ

 

وَعَلا الحَقُّ بَينَهُم وَسَما الفَض     لُ وَنالَت حُقوقَها الضُعَفاءُ

 

تَحمِلُ النَجمَ وَالوَسيلَةَ وَالمي     زانَ مِن دينِها إِلى مَن تَشاءُ

 

وَتُنيلُ الوُجودَ مِنهُ نِظاماً     هُوَ طِبُّ الوُجودِ وَهوَ الدَواءُ

 

يَرجِعُ الناسُ وَالعُصورُ إِلى ما     سَنَّ وَالجاحِدونَ وَالأَعداءُ

 

فيهِ ما تَشتَهي العَزائِمُ إِن هَم     مَ ذَووها وَيَشتَهي الأَذكِياءُ

 

فَلِمَن حاوَلَ النَعيمَ نَعيمٌ     وَلِمَن آثَرَ الشَقاءَ شَقاءُ

 

أَيَرى العُجمُ مِن بَني الظِلِّ وَالما     ءِ عَجيباً أَن تُنجِبَ البَيداءُ

 

وَتُثيرُ الخِيامُ آسادَ هَيجا     ءَ تَراها آسادَها الهَيجاءُ

 

ما أَنافَت عَلى السَواعِدِ حَتّى ال     أَرضُ طُرّاً في أَسرِها وَالفَضاءُ

 

تَشهَدُ الصينُ وَالبِحارُ وَبَغدا     دُ وَمِصرٌ وَالغَربُ وَالحَمراءُ

 

مَن كَعَمرِو البِلادِ وَالضادُ مِمّا     شادَ فيها وَالمِلَّةُ الغَرّاءُ

 

شادَ لِلمُسلِمينَ رُكناً جَساماً     ضافِيَ الظِلِّ دَأبُهُ الإيواءُ

 

طالَما قامَتِ الخِلافَةُ فيهِ     فَاِطمَأَنَّت وَقامَتِ الخُلَفاءُ

 

وَاِنتَهى الدينُ بِالرَجاءِ إِلَيهِ     وَبَنو الدينِ إِذ هُمُ ضُعَفاءُ

 

مَن يَصُنهُ يَصُن بَقِيَّةَ عِزٍّ     غَيَّضَ التُركُ صَفوَهُ وَالثَواءُ

 

فَاِبكِ عَمَراً إِن كُنتَ مُنصِفَ عَمرو     إِنَّ عُمَراً لَنَيِّرٌ وَضّاءُ

 

جادَ لِلمُسلِمينَ بِالنيلِ وَالني     لُ لِمَن يَقتَنيهِ أَفريقاءُ

 

فَهيَ تَعلو شَأناً إِذا حُرِّرَ الني     لُ وَفي رِقِّهِ لَها إِزراءُ

 

وَاِذكُرِ الغُرَّ آلَ أَيّوبَ وَاِمدَح     فَمِنَ المَدحِ لِلرِجالِ جَزاءُ

 

هُم حُماةُ الإِسلامِ وَالنَفَرُ البي     ضُ المُلوكُ الأَعِزَّةُ الصُلَحاءُ

 

كُلَّ يَومٍ بِالصالِحِيَّةِ حِصنٌ     وَبِبُلبَيسَ قَلعَةٌ شَمّاءُ

 

وَبِمِصرٍ لِلعِلمِ دارٌ وَلِلضَي     فانِ نارٌ عَظيمَةٌ حَمراءُ

 

وَلِأَعداءِ آلِ أَيّوبَ قَتلٌ     وَلِأَسراهُمُ قِرىً وَثَواءُ

 

يَعرِفُ الدينُ مَن صَلاحٌ وَيَدري     مَن هُوَ المَسجِدانِ وَالإِسراءُ

 

إِنَّهُ حِصنُهُ الَّذي كانَ حِصناً     وَحُماهُ الَّذي بِهِ الاِحتِماءُ

 

يَومَ سارَ الصَليبُ وَالحامِلوهُ     وَمَشى الغَربُ قَومُهُ وَالنِساءُ

 

بِنُفوسٍ تَجولُ فيها الأَماني     وَقُلوبٍ تَثورُ فيها الدِماءُ

 

يُضمِرونَ الدَمارَ لِلحَقِّ وَالنا     سِ وَدينِ الَّذينَ بِالحَقِّ جاؤوا

 

وَيَهُدّونَ بِالتِلاوَةِ وَالصُل     بانِ ما شادَ بِالقَنا البَنّاءُ

 

فَتَلَقَّتهُمُ عَزائِمُ صِدقٍ     نُصَّ لِلدينِ بَينَهُنَّ خِباءُ

 

مَزَّقَت جَمعَهُم عَلى كُلِّ أَرضٍ     مِثلَما مَزَّقَ الظَلامَ الضِياءُ

 

وَسَبَت أَمرَدَ المُلوكِ فَرَدَّت     هُ وَما فيهِ لِلرَعايا رَجاءُ

 

وَلَو أَنَّ المَليكَ هيبَ أَذاهُ     لَم يُخَلِّصهُ مِن أَذاها الفِداءُ

 

هَكَذا المُسلِمونَ وَالعَرَبُ الخا     لونَ لا ما يَقولُهُ الأَعداءُ

 

فَبِهِم في الزَمانِ نِلنا اللَيالي     وَبِهِم في الوَرى لَنا أَنباءُ

 

لَيسَ لِلذُلِّ حيلَةٌ في نُفوسٍ     يَستَوي المَوتُ عِندَها وَالبَقاءُ

 

وَاِذكُرِ التُركَ إِنَّهُم لَم يُطاعوا     فَيَرى الناسُ أَحسَنوا أَم أَساؤوا

 

حَكَمَت دَولَةُ الجَراكِسِ عَنهُمُ     وَهيَ في الدَهرِ دَولَةٌ عَسراءُ

 

وَاِستَبَدَّت بِالأَمرِ مِنهُم فَبا     شا التُركِ في مِصرَ آلَةٌ صَمّاءُ

 

يَأخُذُ المالَ مِن مَواعيدَ ما كا     نوا لَها مُنجِزينَ فَهيَ هَباءُ

 

وَيَسومونَهُ الرِضا بِأُمورٍ     لَيسَ يَرضى أَقَلَّهُنَّ الرَضاءُ

 

فَيُداري لِيَعصِمَ الغَدَ مِنهُم     وَالمُداراةُ حِكمَةٌ وَدَهاءُ

 

وَأَتى النَسرُ يَنهَبُ الأَرضَ نَهباً     حَولَهُ قَومُهُ النُسورُ ظِماءُ

 

يَشتَهي النيلَ أَن يُشيدَ عَلَيهِ     دَولَةً عَرضُها الثَرى وَالسَماءُ

 

حَلُمَت رومَةٌ بِها في اللَيالي     وَرَآها القَياصِرُ الأَقوِياءُ

 

فَأَتَت مِصرَ رُسلُهُم تَتَوالى     وَتَرامَت سودانَها العُلَماءُ

 

وَلَوِ اِستَشهَدَ الفَرَنسيسُ روما     لَأَتَتهُم مِن رومَةَ الأَنباءُ

 

عَلِمَت كُلُّ دَولَةٍ قَد تَوَلَّت     أَنَّنا سُمُّها وَأَنّا الوَباءُ

 

قاهِرُ العَصرِ وَالمَمالِكِ نابِل     يونُ وَلَّت قُوّادُهُ الكُبَراءُ

 

جاءَ طَيشاً وَراحَ طَيشاً وَمِن قَب     لُ أَطاشَت أُناسَها العَلياءُ

 

سَكَتَت عَنهُ يَومَ عَيَّرَها الأَه     رامُ لَكِن سُكوتُها اِستِهزاءُ

 

فَهيَ توحي إِلَيهِ أَن تِلكَ واتِر     لو فَأَينَ الجُيوشُ أَينَ اللِواءُ

 

 

 

طانيوس عبده:

 

ما مضى فات والمؤمَّل غيبٌ     ولك الساعة التي أنت فيها

 

يا زمان الربيع إنك أبهى     زمن والفصول تحت لوائك

 

عطرتك الأزهار وانكسفت شم     س البرايا أمام شمس بهائك

 

حيث حجَّبت جوها برقيق     من غيوم تفرقت في سمائك

 

دغدغ الزهر يا نسيم ورفقاً     بورودٍ تفوح في أرجائك

 

ماتراها تميل سكراً وتهتز من     الشوق ثم تختال تيها

 

برقعت شمسك الغمامة كي لا     يلسع الزهرَ حرُّها فيضاما

 

وتمشت إِلى الأزاهر تحسو     قطرات الندى وترعى الخزاى

 

أنعشتها بعد الذبول فحنت     لنسيم قد ذاب فيها غراما

 

وخلا العاشقان ذا يتهادى     باسماً تائهاً وذا يتراى

 

يريان الحياة ساعة لهو     تصطفيه فيها كما يصطفيها

 

هوذا الروض والربيع يناجيه     ويلقي دروسه فتعلم

 

لا يرعك الأنين فهو مناجاة     نسيم متيم يتظلم

 

وحفيف الأوراق يفهم معناه     ويفشي من سره ما تكتم

 

وسقوط الندى بكاءٌ سرور     ونواح الحمام شكوى متيم

 

زهرة أنبتت بروض رجاءٍ     فاجنها إن قدرت أن تجنيها

 

يا زمان الربيع جمال الدهر     فينا وأنت كل الوجود

 

أنت من انصف النبيون لما     جعلوه في الخلد كل الوجود

 

أنت لما تبسم الدهر كانت     بك بسمات ثغره المنضود

 

قبلة أنت وهي قبلتك الأولى     التي تيمت فؤاد العميد

 

قبلة ليس يدرك السرَّ فيها     غير من نال حظه من فيها

 

يا ربيع لحياة حيِّ بني الحب     وأَنشد أبياتك الخالدات

 

قل لهم إنما الحياة ربيع     قل لهم أنني ربيع الحياة

 

إن يوماَ تودعونيَ فيه     هو يوم مهما يطل سوف يأتي

 

فاغنموا فرصتي فإنيَ فانٍ     واستفيدوا ما عشتُم من عظاتي

 

ما مضى فات والمؤمل غيبٌ     ولك الساعة التي أنت فيها

 

نيقولاس الصائغ:

 

يا أُولِي الفضل والنَدى     مَن غَدَوا مَورِدَ الكَرَم

 

جودُكُم عمَّ كلَّ من     أَمَّكم من ذَوِي العَدَم

 

انَّ ذا الدهرَ لم يَدُم     لأمرِئٍ قَطُّ من قِدَم

 

طبعُهُ الجَورُ والأَذى     خَيمُهُ نثرُ ما نَظَم

 

دأبُهُ رَدُّ ما حَبا     شأَنُهُ حَلُّ ما بَرَم

 

يُكُدَرُ الصفوَ بالقَذَى     يُبدِلُ البُرءَ بالسَقَم

 

ليسَ بِدعاً اذا اعتَدَى     او تَعَدَّى فلا جَرَم

 

قد عَدا الدهرُ في الأَنا     مِ على عادَ مع إِرَم

 

ولقد أَهرَم الزَما     نُ أُولِي الحِصنِ والهَرَم

 

كلُّها امرُ من لهُ ال     أمرُ في الحُكمِ والحِكَم

 

انَّ فيكم لَفِطنةً     هيَ تُغنِي عن الكَلِم

 

وقليلٌ من الكَلا     مِ كثيرٌ لدى الفَهِم

 

ان للحُرِّ مَنطِقاً     مثلَما قيلض ذا بَكَم

 

قد أَمَمنا دِيارَكم     وَهيَ للمعتفِي حَرَم

 

أَمرُنا الآنَ ظاهرٌ     وكذا حالُنا فلَم

 

ان مَن كان مثلَنا     واضحَ الأَمرِ لم يُلَم

 

ان عَرَفتُم فانما     مثلُ معروفكم يُؤَم

 

او جَهِلتم فاننا     مثلُ نارٍ على عَلَم

 

فاغنَموا الشُكرَ     والثَناءَ فما في النَدَى نَدَم

 

دامَ في الناسِ بِرُّكُم     يزدري فائضَ الدِي

 

صالح الشرنوبي:

 

كم ليالٍ سهرتها     والضنى حارسي الأمين

 

بينما أنت في مخيط الكر     ى كنت تسبحين

 

لا تبالين بي ولا     لغرامي تقدرين

 

إن براني الهوى وذا     ب فؤادي فلن ألين

 

أنا قيس وأنت ليلى     وحبي هو الجنون

 

كامل الشناوي:

 

أنت قلبى ؛ فلا تخف     .. وأجب : هل تحبّها ؟

 

والى الاّن لم يزل     نابضا فيك حبّها ؟

 

لست قلبى أنا اذ   .. إنما أنت قلبها  !

 

 

 

كيف يا قلب ترتضى     طعنة الغدر فى خشوع ؟

 

وتدارى جحودها     فى رداء من الدموع ؟

 

لست قلبى .. وانما     خنجر أنت فى الضلوع !

 

 

 

أو تدرى بما جرى ؟     أو تدرى ؟ دمى جرى ..

 

.. جذبتنى من الذرى     .. ورمت بى الى الثرّى !

 

أخذت يقظتى ، ولم     .. تعطنى هدأة الكرى !

 

 

 

قدر أحمق الخطى     سحقت هامتى خطاه

 

دمعتى ذاب جفنها     بسمتى مالها شفاه  !

 

صحوة الموت ما أرى ؟      أم أرى غفوة الحياه ؟

 

 

 

أنا فى الظل أصطلى     لفحة النار والهجير

 

وضميرى يشدّنى     لهوى ماله ضمير !

 

والى أين ؟ .. لا تسل     فأنا أجهل المصير

 

 ابن الفارض

تِهْ دَلاَلاً فأَنْتَ أهْلٌ لِذَاكا      وتحَكّمْ فالحُسْنُ قد أعطاكا

ولكَ الأمرُ فاقضِ ما أنتَ قاض      فَعَلَيَّ الجَمَالُ قد وَلاّكَا

وتَلافي إن كان فه ائتلافي      بكَ عَجّلْ به جُعِلْتُ فِداكا

وبِمَا شِئْتَ في هَواكَ اختَبِرْنِي      فاختياري ما كان فيِه رِضَاكَا

فعلى كُلّ حالَةٍ أنتَ مِنّي      بيَ أَوْلى إذ لم أَكنْ لولالكا

وكَفَاني عِزّاً بحُبّكَ ذُلّي      وخُضوعي ولستُ من أكْفاكا

وإذا ما إليكَ بالوَصْلِ عَزّتْ      نِسْبَتِي عِزّةً وصَحّ وَلاكا

فاتّهامي بالحبّ حَسْبي وأنّي      بَيْنَ قومي أُعَدّ مِنْ قَتْلاَكَا

لكَ في الحيّ هالِكٌ بِكَ حيٌّ      في سبيلِ الهَوَى اسْتَلَذّ الهَلاَكَا

عَبْدُ رِقّ ما رَقّ يوماً لعَتْقٍ      لَوْ تَخَلّيْتَ عنهُ ماخَلاّكا

بِجَمَالٍ حَجَبْتَهُ بجَلاَلٍ      هامَ واستَعْذَبَ العذابَ هُناكا

وإذا ما أَمْنُ الرّجا منهُ أدْنا      كَ فعَنْهُ خَوْفُ الحِجى أَقصاكا

فبِإقْدَام رَغْبَةٍ حينَ يَغْشا      كَ بإحجامِ رَهبْةٍ يخشاكا

ذابَ فلبي فَأْذَنْ لَهْ يَتَمَنّا      كَ وفيِه بَقِيّةٌ لِرَجَاكَا

أو مُرِ الغُمْضَ أَنْ يَمُرّ بجَفْنِي      فكأني بِهِ مُطِيعاً عَصَاكا

فعسى في المَنام يَعْرِضُ لي الوَهْ      مُ فيوحي سِرّاً إليّ سُراكا

وإذا لم تُنْعِشْ بِرَوْحِ التّمَنّي      رَمَقِي واقتضى فنائي بَقاكا

وحَمَتْ سُنّةُ الهوَى سِنَةَ الغُمْ      ضِ جُفُونِي وحَرّمَتْ لُقْياكا

أبْقِ لي مقْلَةً لَعَلّيَ يوماً      قبل مَوتي أَرَى بها مَنْ رآكا

أينَ مِنّي ما رُمْتُ هيهات بل أي      نَ لعَيْنِي بالجَفْنِ لثمُ ثَراكا

فبَشيري لو جاء منكَ بعَطْفٍ      وَوُجُودي في قَبْضَتِي قلتُ هاكا

قد كفى ما جرَى دماً من جُفُونٍ      بك قرحَي فهل جرى ما كفاكا

فأَجِرْ من قِلاَكَ فيك مُعَنّىً      قبلَ أَن يعرفَ الهَوَى يَهواكا

هَبْكَ أنَ اللاّحي نَهاهُ بِجَهْلٍ      عنك قل لي عن وَصْلِهِ من نَهاكا

وإلى عِشْقِكَ الجَمالُ دعاهُ      فإلى هجَرِهِ تُرى من دعاكا

أتُرى من أفتَاكَ بالصّدّ عنّي      ولغَيري بالوُدّ مَن أفتاكا

بانْكِسَاري بِذِلّتي بخُضوعي      بافْتِقَاري بفَاقَتي بغِناكا

لا تَكِلْنِي إلى قُوَى جَلَدٍ خا      نَ فإنّي أَصْبَحْتُ من ضُعَفَاكَا

كُنْتَ تجْفُو وكان لي بعضُ صَبْرٍ      أحسَنَ اللهُ في اصطباري عَزاكا

كم صُدوداً عساكَ ترْحَمُ شكْوا      يَ ولو باسْتِمَاعِ قولي عساكا

شَنّعَ المُرْجِفونَ عنكَ بِهَجري      وأشاعُوا أنّي سَلَوْتُ هَواكا

ما بأحشائهِمْ عشِقْتُ فأسلُو      عنك يوماً دعْ يهجُروا حاشاكا

كيفَ أسلو ومُقْلَتي كلّما لا      حَ بُرَيْقٌ تلَفّتَتَ لِلِقاكا

إنْ تَبَسّمتَ تحتَ ضوءِ لِثَامٍ      أو تَنَسّمْتُ الرّيحَ من أنْباكا

طِبْتُ نفْساً إذ لاحَ صُبْحُ ثنايا      كَ لِعَيْنِي وفاحَ طيبُ شذاكا

كُلُّ مَنْ في حِمَاكَ يَهْوَاكَ لكِن      أنا وحدي بكُلّ من في حِماكا

فيكَ معنىً حَلاّكَ في عينِ عقلي      وبه ناظري مُعَنّى حِلاكا

فُقْتَ أهْلَ الجمال حُسْناً وحُسْنى      فَبِهِمْ فاقةٌ إلى معناكا

يُحْشَرُ العاشقونَ تحتَ لِوائي      وجميعُ المِلاحِ تحتَ لِواكا

ما ثناني عنكَ الضّنَى فبماذا      يا مَلِيحُ الدّلالُ عني ثناكا

لكَ قُرْبٌ منّي بِبُعْدِكَ عنّي      وحُنُوٌّ وجَدْتُه في جَفاكا

عَلّمَ الشّوقُ مُقلتي سَهَر اللَّيْ      لِ فصارت من غيرِ نوْم تراكا

حبّذا ليلَةٌ بها صِدْتُ إسْرا      كَ وكان السّهادُ لي أشْراكا

نابَ بدرُ التّمامِ طَيْفَ مُحَيّا      كَ لطَرْفي بيَقْظَتي إذ حكاكا

فتراءيتَ في سِواكَ لِعَيْنٍ      بكَ قَرّتْ وما رأيتُ سِواكا

وكذاكَ الخليلُ قَلّبَ قبلي      طَرْفَهُ حين راقبَ الأفلاكا

فالدّياجي لنا بكَ الآن غُرٌّ      حيثُ أهديتَ لي هُدىً من سَناكا

ومتى غِبْتَ ظاهِراً من عياني      أُلفِهِ نحوَ باطني ألقاكا

أهلُ بَدْرٍ رَكْبٌ سَرَيْتَ بلَيْلٍ      فيه بل سار في نَهار ضياكا

واقتباسُ الأنوارِ من ظاهري      غيرُ عجيبٍ وباطني مأواكا

يعبَقُ المسْكُ حيثُما ذُكر اسمي      مُنْذُ نادَيْتَني أُقَبّلُ فاكا

ويَضُوعُ العبيرُ في كلّ نادٍ      وهْوَ ذِكْرٌ معَبِّرٌ عن شذاكا

قال لي حُسنُ كلّ شيءٍ تجلّى      بي تَمَلّى فقلتُ قَصدي وراكا

لي حبيب أراكَ فيه مُعَنّىً      غُرّ غَيري وفيه مَعنىً أراكا

إن توَلّى على النّفوس تَوَلّى      أو تجَلّى يستعبِدُ النُّساكا

فيه عوّضتُ عن هُداي ضلالاً      ورَشادي غَيّاً وسِتري انهتاكا

وحّدَ القلبُ حُبّهُ فالتِفاتي      لكَ شِرْكٌ ولا أرى الإِشراكا

يا أخا العّذلِ فيمن الحُسْنُ مثلي      هامَ وجْداً به عَدِمْتُ أخاكا

لو رأيتَ الذي سَبَانيَ فيه      مِنْ جَمالٍ ولن تراهُ سبَاكا

ومتى لاحَ لي اغتَفَرْتُ سُهادي      ولعَيْنَيّ قُلْتُ هذا بِذاكا

                                                     

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق