الأربعاء، 3 فبراير 2021

قصائد على بحر المديد

عدي بن ربيعة (مهلهل):

يا لِبَكرٍ أَنشِروا لي كُلَيباً     يا لِبَكرٍ أَينَ أَينَ الفِرارُ

يا لِبَكرٍ فَاَظعُنوا أَو فَحِلّوا     صَرَّحَ الشَرُّ وَبانَ السَرارُ

امرؤ القيس:

رُبَّ رامٍ مِن بَني ثُعَلٍ     مُتلِجٍ كَفَّيهِ في قُتَرِه

عارِضٍ زَوراءَ مِن نَشمٍ     غَيرُ باناةٍ عَلى وَتَرِه

قَد أَتَتهُ الوَحشُ وارِدَةً     فَتَنَحّى النَزعُ في يَسَرِه

فَرَماها في فَرائِصِه     بِإِزاءِ الحَوضِ أَو عُقُرِه

بِرَهيشٍ مِن كِنانَتِهِ     كَتَلَظّي الجَمرِ في شَرَرِه

راشَهُ مِن ريشِ ناهِضَةٍ     ثُمَّ أَمهاهُ عَلى حَجَرِه

فَهوَ لا تَنمى رَمِيَّتُهُ     مالُهُ لا عُدَّ مِن نَفَرِه

مُطعِمٌ لِلصَيدِ لَيسَ لَهُ     غَيرُها كَسبٌ عَلى كِبَرِه

وَخَليلٍ قَد أُفارِقُهُ     ثُمَّ لا أَبكي عَلى أَثَرِه

وَاِبنِ عَمٍّ قَد تَرَكتُ لَهُ     صَفوَ ماءِ الحَوضِ عَن كَدَرِه

وَحَديثُ الرَكبِ يَومَ هَن     وَحَديثٌ ما عَلى قِصَرِه

الشنفرى، وقيل لتأبط شرًّا:

إِنَّ بِالشّعبِ الذي دونَ سلعٍ     لَقتيلاً دَمُه ما يُطَلُّ

خَلَّفَ العِبءَ علَيَّ وَوَلّى     أَنَا بِالعِبءِ له مُستَقِلُّ

وَوَراءَ الثَّأرِ منّي ابنُ أُختٍ     مَصِعٌ عُقدَتُهُ ما تُحَلُّ

مُطرِقٌ يَرشُح مَوتاً كَما     أطرَقَ أَفعى يَنفُثُ السمَّ صِلُّ

خَبَرٌ ما نابَنا مصمَئِلٌّ     جَلَّ حَتّى دَقَّ فِيه الأَجَلُّ

بَزَّنِي الدَّهرُ وكانَ غَشُوماً     بِأبِيٍّ جَارُهُ ما يُذَلُّ

شَامِسٌ في القُرِّ حتّى إِذا ما     ذَكَتِ الشِّعرى فَبَردٌ وظِلُّ

يَابِسَ الجَنبَينِ من غَيرِ بُؤس     وَنَدِيُّ الكَفَّينِ شَهمٌ مُدِلُّ

ظَاعِنٌ بالحَزمِ حَتّى إِذا ما     حَلَّ حَلَّ الحَزمُ حَيث يَحُلُّ

غَيثُ مُزنٍ غامِرٌ حيثُ يُجدِي     وَإِذا يَسطُو فَلَيثٌ أَبَلُّ

مُسبِلٌ في الحَيِّ أَحوى رِفَلٌّ     وإِذا يَعدُو فَسِمعٌ أَزَلُّ

وَلَهُ طَعمانِ أَريٌ وَشَريٌ     وَكِلا الطَّعمَينِ قَد ذاقَ كُلُّ

يَركَبُ الهَولَ وَحِيداً وَلا     يَصحَبُهُ إِلّا اليَمانِي الأَفَلُّ

وَفُتُوٍّ هَجَّروُا ثُمَّ أَسرُوا     لَيلَهم حتّى إِذا انجابَ حَلُّوا

كُلُّ ماضٍ قَد تَرَدَّى بماضٍ     كَسَنا البَرقِ إِذا ما يُسَلُّ

فاحتَسَوا أَنفاسَ نَومٍ فَلَمَّا     ثَمِلُوا رُعتُهُم فَاشمَعَلُّوا

فَادَّرَكنا الثَّأرَ مِنهُم وَلَمَّا     يَنجُ مِلحَيَّينِ إِلّا الأَقَلُّ

فَلَئِن فَلَّت هُذَيلٌ شَبَاهُ     لَبِما كانَ هُذَيلاً يَفُلُّ

وَبِما أَبركَهُم في مُناخٍ     جَعجَعٍ يَنقُبُ فِيه الأَظَلُّ

وَبِما صَبَّحَها في ذُراها     مِنهُ بَعد القَتلِ نَهلٌ وَشَلُّ

صَلِيَت مِنّى هُذَيلٌ بِخِرقٍ     لا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتّى يَمَلُّوا

يُنهِلُ الصَّعدَة حتّى إِذا مَا     نَهِلَت كانَ لَها مِنهُ عَلُّ

تَضحَكُ الضَّبعُ لِقَتلى هُذَيلٍ     وَتَرى الذِّئبَ لَها يَستَهِلُّ

وَعِتَاقُ الطَّيرِ تَهفُو بِطَاناً     تَتَخَطّاهُمُ فَما تَستَقِلُّ

حَلَّتِ الخَمرُ وكانَت حَرَاماً     وَبِلأيٍ ما أَلَمَّت تَحِلُّ

فاسقِنيها يا سَوادَ بنَ عَمرو     إِنَّ جِسمي بَعدَ خالِي لَخَلُّ

رائحٌ بالمجدِ غادٍ عليهِ     من ثيابِ الحَمدِ ثَوبٌ رِفَلٌّ

أَفتَحُ الراحة بالجُودِ جُوداً          عاشَ في جَدوى يَدَيِهِ المُقِلُّ

النابغة الجعدي:

إِنَّ قَومِي عَزَّ نَصرُهُمُ     قَد شفَوني مِن بَنِي عَنَمَه

تَرَكُوا عِمرانَ مُنجَدِلاً     لِضِباعٍ حَولَهُ رَزَمَه

في صَلاهُ أَلَّةٌ حُشُرٌ     وَقَناةُ الرَمحِ مُنقَصِمَه

كلُّ قومٍ كانَ سَعيُهُمُ     دُونَ ما يَسعَى بَنُو سَلَمَه

سَيّدُ الأَملاكِ سَيّدُهُم     وَعِداهُ الخانَةُ الأَثَمَه

ابن جُوين الطائي:

هاجَ رَسمٌ دارِسٌ طَرَباً     فطويلا ظَلتَ مُكتَئِبا

أن رأَيتَ الدارَ موحِشَةً     بِلغاطٍ كَم لَها رَجَبا

دارَ هِندٍ بالسِتارِ وَقَد     رَثَّ حَبلُ العهد فاِنقَضَبا

بَينَ سيلِ الواديَينِ كَما     نَمنَمَ ابنا مُنذِرٍ كُتُبا

أَنبأتكَ الطَيرُ إِذ سَنَحَت     وَالغُرابُ الوَحفُ إِذ نَعَبا

أَنَّ هِنداً غَيرَ مُسقِبَةٍ     بالديارِ كالَّذي حَسِبا

وَعروبٍ غيرِ مُسقِبَةٍ     قَد مَلكتُ شُكرَها حِقَبا

ثم آلت لا تُكَلِّمُنا     كُلُّ حَيٍّ مُعقِبٌ عُقَبا

وَلَقَد آوى إِلى ثُبَةٍ     يُحسِنونَ بينهم أَدَبا

ثم أُروي الواغلينَ وَلَم     أَكُ كَلباً بينهم كَلِبا

وَكَميٍّ قَد أَدَوتُ له     لَم يكن لِقاؤُه لَعِبا

فَتحاجَزنا به رَمَقٌ     جَسِدَ اللَباتِ مُختضِبا

وَتخاطَرنا النفوسَ وَقَد     يُفلِجُ الموائِلُ النَدبا

وَلَقَد وَصَلتُ ذا رَحِمٍ     وَنَظَرتُ نَظرَةً عَجَبا

من ذُرى حَورانَ قُلتُ لَه     وَكِلانا ناظِرٌ دأَبا

أَعُبَيدُ هَل تَرى ظُعُناً     أَقبلت حَزايقا عُصَبا

طايفاتٍ يعتَسِفنَ مَعاً     مِن أَعالي حائِلٍ كُثُبا

قاطِعاتٍ بَطنَ مافِقَةٍ     يبَتَدِرنَ الهَجمَ وَالقَرَبا

جازِعاتٍ بالغُطاطِ مَعاً     مِن أَعالي عازِفٍ شُعَبا

أفأَثلا قُلتُ تحسِبُهم     أَم نخيلاً أَينعَت رُطَبا

وَعَلى الأَحداجِ مُغزِلَةٌ     يَبتَذِلنَ الدُرَّ وَالذَهَبا

أَبلغِ الملوكَ مألُكَةً     مَن نأى في الأَرضِ أَو قَرُبا

أَنَّ حَولي مِن ذُرى أجأ     زَلَقاً تَخالُه نُصُبا

حَولَهُ تَرعى حَمولتُنا     تأكُلُ العِضاهَ وَالكَنَبا

يا بُرَيقا بِتُّ أَرقُبُه     كانِساً في المُزنِ محتَجِبا

باتَ يَرقى في السَماءِ كَما     حَرَّقت حاريَّةٌ قَصَبا

تَحتَهُ ريحٌ يمانيةٌ     فَتُثيرُ وادِقاً هَدِبا

فَتسُحُّ الماءَ ما سكنَت     فَإِذا هاجَت له اضطَرَبا

فَلِتَرعَهُ بنو ثُعَلٍ     وَليَسقِ نَؤوه العُشُبا

وَبَنو جَرمٍ وَإِن زَعَموا     أَنَّ شِعري كانَ مؤتَشِبا

إِنَّني غَيرَ الَّذي زَعَموا     واسِطٌ في طَيءٍ نَسَبا

إِنَّني مِن غَضبَةٍ فَرَعَت     ذِروةً لما تَكن ذَنَبا

وَضَّاح اليمن:

أيُّها النَّاعِبُ مَاذَا تَقُولُ     فَكِلاَنا سَائِلٌ وَمَسُولُ

لا كَسَاكَ اللَّهُ ما عِشتَ رِيشَاً     وَبِخَوفٍ بِتَّ ثُمَّ تقِيلُ

ثُمَّ لا أَنقَفتَ في العُشِّ فَرخَاً     أَبَداً إِلاَّ عَلَيكَ دَلِيل

حِينَ تُنبِي أَنَّ هِنداً قَرِيبٌ     يَبلُغُ الحَاجَاتِ مِنها الرَّسُولُ

وَنَأَت هِندٌ فَخَبَّرتَ عَنها     أَنَّ عَهدَ الوُدِّ سَوفَ يَزُولُ

ابن دريد

لا يَفوتُ المَوتَ مِن حَذَرٍ     إِن وَقاهُ الغابُ وَالغيلُ

مُفرَعُ الأَكتافِ ذو لَبَدٍ     مُترَصُ الأَوصالِ مَجدولُ

إِنَّ دَهراً فَلَّ حَدَّهُمُ     حَدُّهُ لا بُدَّ مَفلولُ

ما بُكاهُم إِن هُمُ قُتِلوا     صَبرُهُم لِلقَتلِ تَفضيلُ

إِنَّما أَخبَرَتِ الحَربُ بِأَن     نالَهُم قَومٌ أَراذيلُ

نالَهُم مَنَ لا يُحَصِّلُهُ     في كِرامِ القَومِ تَحصيلُ

أَعبُدٌ قِنٌّ يُصادِرُهُم     قَومٌ أُسودٌ تَنابيلُ

فَرَأَوا أَن يَهرُبوا طُرّاً     وَالطَردُ ما فيهِ تَمهيلُ

بِمَشيجٍ ثالطٍ وَدَمٍ     أُخلِصَت مِنهُ السَراويلُ

قيلَ والمِقدارُ يَحرُسُهُ     فَنَجا وَالسَرجُ مَبلولُ

أبو نواس

يا كَثيرَ النَوحِ في الدِمَنِ     لا عَلَيها بَل عَلى السَكَنِ

سُنَّةُ العُشّاقِ واحِدَةٌ     فَإِذا أَحبَبتَ فَاِستَكِنِ

ظَنَّ بي مَن قَد كَلِفتُ بِهِ     فَهوَ يَجفوني عَلى الظِنَنِ

باتَ لا يَعنيهِ ما لَقِيَت     عَينُ مَمنوعٍ مِنَ الوَسَنِ

رَشَأٌ لَولا مَلاحَتُهُ     خَلَتِ الدُنيا مِنَ الفِتَنِ

كُلَّ يَومٍ يَستَرِقُّ لَهُ     حُسنُهُ عَبداً بِلا ثَمَنِ

فَاِسقِني كَأساً عَلى عَذَلٍ     كَرِهَت مَسموعَهُ أُذُني

مِن كُمَيتِ اللَونِ صافِيَةٍ     خَيرِ ما سَلسَلتَ في بَدَنِ

ما اِستَقَرَّت في فُؤادِ فَتىً     فَدَرى ما لَوعَةُ الحَزَنِ

مُزِجَت مِن صَوبِ غادِيَةٍ     حَمَلَتها الريحُ مِن مُزُنِ

تَضحَكُ الدُنيا إِلى مَلِكٍ     قامَ بِالأَحكامِ وَالسُنَنِ

يا أَمينَ اللَهِ عِش أَبَداً     فَإِذا أَفنَيتَنا فَكُنِ

كَيفَ تَسخو النَفسُ عَنكَ وَقَد     قُمتَ بِالغالي مِنَ الثَمَنِ

سَنَّ لِلناسِ النَدى فَنَدَوا     فَكَأَنَّ البُخلَ لَم يَكُنِ

عمر بن أبي ربيعة:

أَيُّها القائِلُ غَيرَ الصَوابِ     أَمسِكِ النُصحَ وَأَقلِل عِتابي

وَاِجتَنِبني وَاِعلَم بِأَن سَوفَ تُعصى     وَلَخَيرٌ لَكَ بَعضُ اِجتِنابي

إِن تَقُل نُصحاً فَعَن ظَهرِ غِشٍّ     دائِمِ الغِمرِ بَعيدِ الذَهابِ

لَيسَ بي عِيٌّ بِما قُلتَ إِنّي     عالِمٌ أَفقَهُ رَجعَ الجَوابِ

إِنَّما قُرَّةُ عَيني هَواها     فَدَعِ اللَومَ وَكِلني لِما بي

لا تَلُمني في الرَبابِ وَأَمسَت     عَدَلَت لِلنَفسِ بَردَ الشَرابِ

هِيَ وَاللَهِ الَّذي هُوَ رَبّي     صادِقاً أَحلِفُ غَيرَ الكِذابِ

أَكرَمُ الأَحياءِ طُرّاً عَلَينا     عِندَ قُربٍ مِنهُمُ وَاِغتِرابِ

لَقِيَتنا في الطَوافِ وَصَدَّت     إِذ رَأَت هَجري لَها وَاِجتِنابي

عاتَبَتني ساعَةً وَهيَ تَبكي     ثُمَّ عَزَّت خُلَّتي في الخِطابِ

وَكَفا بي مِدرَهاً لِخُصومٍ     لَسِواها عِندَ جِدَّ تَنابي

عمر بن أبي ربيعة:

أَيُّها العاتِبُ فيها عُصيتا     لَن تُطاعَ الدَهرَ حَتّى تَموتا

إِن تَكُن أَصبَحتَ فينا مُطاعاً     فَلَكَ العُتبى بِأَن لا رَضيتا

عمر بن أبي ربيعة:

يا خَليلَيَّ هاجَني الذِكَرُ     وَحَمولُ الحَيِّ إِذ صَدَروا

ظَعَنوا كَأَنَّ ظُعنَهُمُ     مونِعُ القُنوانِ أَو عُشَرُ

بِالَّتي قَد كُنتُ آمُلُها     فَفُؤادي موجَعٌ حَذِرُ

ظَبيَةٍ مِن وَحشِ ذي بَقَرٍ     شَأنُها الغَيطانُ وَالغُدُرُ

رَخصَةٍ حَوراءَ ناعِمَةٍ     طَفلَةٍ كَأَنَّها قَمَرُ

لَو سُقي الأَمواتُ ريقَتَها     بَعدَ كَأسِ المَوتِ لَاِنتَشَروا

وَيَكادُ الحَجلُ مِن غَصَصٍ     حينَ يَستَأنيهِ يَنكَسِرُ

وَيَكادُ العَجزُ إِن نَهَضَت     بَعدَ طولِ البُهرِ يَنبَتِرُ

قَد إِذا خُبِّرتُ أَنَّهُمُ     قَدَّموا الأَثقالَ فَاِبتَكَروا

أَخِيامُ البِئرِ مَنزِلُهُم     أَم هُمُ بِالعُمرَةِ اِئتَمَروا

أَم بِأَعلى ذي الأَراكِ لَهُم     مَربَعٌ قَد جادَهُ المَطَرُ

سَلَكوا خَلَّ الصِفاحِ لَهُم     زَجَلٌ أَحداجُهُم زُمَرُ

سَلَكوا شَعبَ النِقابِ بِها     زُمَراً تَحُتَثُّهُم زُمَرُ

قالَ حاديهِم لَهُم أُصُلاً     أَمكَنَت لِلشارِبِ الغُدُرُ

ضَرَبوا حُمرَ القِبابِ لَها     وَأُحيطَت حَولَها الحُجَرُ

فَطَرَقتُ الحَيَّ مُكتَتِماً     وَمَعي سَيفٌ بِهِ أَثَرُ

وَأَخٌ لَم أَخشَ نَبوَتَهُ     بِنَواحي أَمرِهِم خَبِرُ

فَإِذا ريمٌ عَلى مُهُدٍ     في حِجالِ الخَزِّ مُستَتِرُ

بادِنٌ تَجلو مُفَلَّجَةً     عَذبَةً غُرّاً لَها أُشُرُ

حَولَها الأَحراسُ تَرقَبُها     نُوَّمٌ مِن طولِ ما سَهِروا

أَشبَهوا القَتلى وَما قُتِلوا     ذاكَ إِلّا أَنَّهُم سَمَروا

فَدَعَت بِالوَيلِ ثُمَّ دَعَت     حينَ أَدناني لَها النَظَرُ

وَدَعَت حَوراءَ آنِسَةً     حُرَّةً مِن شَأنِها الخَفَرُ

ثُمَّ قالَت لِلَّتي مَعَها     وَيحَ نَفسي ما أَتى عُمَرُ

ما لَهُ قَد جاءَ يَطرُقُنا     وَيَرى الأَعداءَ قَد حَضَروا

لِشَقائي أُختٍ عَلِقنا     وَلِحينٍ ساقَهُ القَدَرُ

قُلتُ عِرضي دونَ عِرضِكُمُ     وَلَمَن عاداكُمُ جَزَرُ

عمر بن أبي ربيعة:

أَرسَلَت هِندٌ إِلَينا رَسولاً     عاتِباً أَن ما لَنا لا نَراكا

فيمَ قَد أَجمَعتَ عَنّا صُدوداً     أَأَرَدتَ الصَرمَ أَم ما عَداكا

إِن تَكُن حاوَلتَ غَيظي بِهَجري     فَلَقَد أَدرَكتَ ما قَد كَفاكا

كاذِباً قَد يَعلَمُ اللَهُ رَبّي     أَنَّني لَم أَجنِ ما كُنهُ ذاكا

وَأُلَبّي داعِياً إِن دَعاني     وَتَصامَم عامِداً إِن دَعاكا

وَأُكَذِّب كاشِحاً إِن أَتاني     وَتُصَدِّق كاشِحاً إِن أَتاكا

إِنَّ في الأَرضِ مَساحاً عَريضاً     وَمَناديحَ كَثيراً سِواكا

غَيرَ أَنّي فَاِعلَمَن ذاكَ حَقّاً     لا أَرى النِعمَةَ حَتّى أَراكا

قُلتُ مَهما تَجِدي بي فَإِنّي     أُظهِرُ الوُدَّ لَكُم فَوقَ ذاكا

أَنتِ هَمّي وَأَحاديثُ نَفسي     ما تَغَيَّبتِ وَإِذ ما أَراكا

أبو نواس:

يا مُبيحَ الدَمعِ في الطَلَلِ     راكِباً مِنهُ إِلى أَمَلِ

أُلهُ عَمّا أَنتَ طالِبُهُ     مِن جَوابِ النُؤيِ وَالطَلَلِ

بِبَناتِ الشَمسِ ما مَنَعَت     نَفسَها مِن لَمسِ مُبتَذَلِ

ما لَها في الكَأسِ مِن نَسَبٍ     غَيرِ ما تَجني مِنَ الشُعَلِ

يَذهَبُ الجاني جِنايَتَها     في مَقَرِّ النَفسِ بِالمَهَلِ

تَتَمَرّى بِالعُيونِ لَما     يَتَغَشّاها مِنَ الوَشَلِ

فَإِذا ما الماءُ واقَعَها     أَظهَرَت شَكلاً مِنَ الغَزَلِ

لُؤلُؤاتٍ يَنحَدِرنَ بِها     كَانحِدارِ الدَمعِ في عَجَلِ

فَإِذا ما المَرءُ قَبَّلَها     أَسكَرَتهُ لَذَّةُ القُبَلِ

أبو نواس:

أَيُها المُنتابُ عَن عُفُرِه     لَستَ مِن لَيلي وَلا سَمَرِه

أَذودُ الطَيرَ عَن شَجَرٍ     قَد بَلَوتُ المُرَّ مِن ثَمَرِه

فَاِتَّصِل إِن كُنتَ مُتَّصِلاً     بِقُوى مَن أَنتَ مِن وَطَرِه

خُفتُ مَأثورَ الحَديثِ غَداً     وَغَدٌ دانٍ لِمُنتَظِرِه

خابَ مَن أَسرى إِلى بَلَدٍ     غَيرِ مَعلومٍ مَدى سَفَرِه

وَسَّدَتهُ ثِنيَ ساعِدِهِ     سِنَةٌ حَلَّت إِلى شَفرِه

فَاِمضِ لا تَمنُن عَلَيَّ يَداً     مِنُّكَ المَعروفَ مِن كَدَرِه

رُبَّ فِتيانٍ رَبَأتُهُمُ     مَسقِطَ العَيّوقِ مِن سَحَرِه

فَاتَّقوا بي ما يُريبُهُمُ     إِنَّ تَقوى الشَرِّ مِن حَذَرِه

وَابنُ عَمٍّ لا يُكاشِفُنا     قَد لَبِسناهُ عَلى غَمَرِه

كَمَنِ الشَنآنُ فيهِ لَنا     كَكُمونِ النارِ في حَجَرِه

وَرُضابٍ بِتُّ أَرشُفُهُ     يَنقَعُ الظَمآنَ مِن خَصَرِه

عَلَّنيهِ خوطُ إِسحِلَةٍ     لانَ مَتناهُ لِمُهتَصِرِه

ذا وَمُغبَرٍّ مَخارِمُهُ     تَحسِرُ الأَبصارُ عَن قُطُرِه

لا تَرى عَينُ المُبينِ بِهِ     ما خَلا الآجالَ مِن بَقرِه

خاضَ بي لُجَّيهِ ذو حِرَزٍ     يُفعِمُ الفَضلَينِ مِن ضَفرِه

يَكتَسي عُثنونُهُ زَبَداً     فَنَصيلاهُ إِلى نَحرِه

ثُمَّ يَعتَمُّ الحِجاجُ بِهِ     كَاعتِمامِ الفوفِ في عُشرِه

ثُمَّ تَذروهُ الرِياحُ كَما     طارَ قُطنُ النَدفِ عَن وَتَرِه

كُلُّ حاجاتي تَناوَلَها     وَهوَ لَم تَنقُص قُوى أَشَرِه

ثُمَّ أَدناني إِلى مَلِكٍ     يَأمَنُ الجاني لَدى حُجرِه

تَأخُذُ الأَيدي مَظالِمَها     ثُمَّ تَستَذري إِلى عُصُرِه

كَيفَ لا يُدنيكَ مِن أَمَلٍ     مَن رَسولُ اللَهِ مِن نَفَرِه

فَاسلُ عَن نَوءٍ تُؤَمِّلُهُ     حَسبُكَ العَبّاسُ مِن مَطَرِه

مَلِكٌ قَلَّ الشَبيهُ لَهُ     لَم تَقَع عَينٌ عَلى خِطَرِه

لا تُغَطّى عَنهُ مَكرُمَةٌ     بِرُبى وادٍ وَلا خَمرِه

ذُلِّلَت تِلكَ الفِجاجُ لَهُ     فَهوَ مُختارٌ عَلى بَصَرِه

سَبَقَ التَفريطَ رائِدُهُ     وَكَفاهُ العَينَ مِن أَثَرِه

وَإِذا مَجَّ القَنا عَلَقاً     وَتَراءى المَوتُ في صُوَرِه

راحَ في ثِنيَي مُفاضَتِهِ     أَسَدٌ يُدمى شَبا ظُفُرِه

تَتَأَيّا الطَيرُ غُدوَتَهُ     ثِقَةً بِالشَبعِ مِن جَزَرِه

وَتَرى الساداتِ ماثِلَةً     لِسَليلِ الشَمسِ مِن قَمَرِه

فَهُمُ شَتّى ظُنونَهُمُ     حَذِرَ المَكنونِ مِن فِكَرِه

وَكَريمُ الخالِ مِن يَمَنٍ     وَكَريمُ العَمِّ مِن مُضَرِه

قَد لَبِستَ الدَهرَ لِبسَ فَتىً     أَخَذَ الآدابَ عَن عِبَرِه

فَاِدَّخِر خَيراً تُثابُ بِهِ     كُلُّ مَدخورٍ لِمُدَّخِرِه

أبو العتاهية:

إِنَّ داراً نَحنُ فيها لَدارُ     لَيسَ فيها لِمُقيمٍ قَرارُ

كَم وَكَم قَد حَلَّها مِن أُناسٍ     ذَهَبَ اللَيلُ بِهِم وَالنَهارُ

فَهُمُ الرَكبُ أَصابوا مُناخاً     فَاستَراحوا ساعَةً ثُمَّ ساروا

وَهُمُ الأَحبابُ كانوا وَلَكِن     قَدُمَ العَهدُ وَشَطَّ المَزارُ

عَمِيَت أَخبارُهُم مُذ تَوَلَّوا     لَيتَ شِعري كَيفَ هُم حَيثُ صاروا

أَبَتِ الأَجداثُ أَلّا يَزوروا     ما ثَوَوا فيها وَأَن لا يُزاروا

وَلَكَم قَد عَطَّلوا مِن عِراصٍ     وَدِيارٍ هِيَ مِنهُم قِفارُ

وَكَذا الدُنيا عَلى ما رَأَينا     يَذهَبُ الناسُ وَتَخلو الدِيارُ

أَيَّ يَومٍ تَأمَنُ الدَهرَ فيهِ     وَلَهُ في كُلِّ يَومٍ عِثارُ

كَيفَ ما فَرَّ مِنَ المَوتِ حَيٌّ     وَهوَ يُدنيهِ إِلَيهِ الفِرارُ

إِنَّما الدُنيا بَلاغٌ لِقَومٍ     هُوَ في أَيديهِمُ مُستَعارُ

فَاِعلَمَن وَاِستَيقِنَن أَنَّهُ لا     بُدَّ يَوماً أَن يُرَدَّ المُعارُ

الأحنف العكبري:

شره الإنسان يقتله     والذي ولاه يعزله

ما على الأيّام من درك     ما يريد الله يفعله

هان خطب الموت عند فتى     عقله لا شك يعذله

محدث التركيب مهلكهُ     فيه والأيّام تمهله

يتأبّى الموت عن فشل     جزعا والموت أوله

كل خطب نازل عسر     ذكره والرزق أشمله

يعلم الإنسان منشأه     وطريق الموت يجهله

البهاء زهير:

كُلُّ شَيءٍ مِنكَ مَقبولُ     وَعَلى العَينَينِ مَحمولُ

وَالَّذي يُرضيكَ مَن تَلفي     هَيِّنٌ عِندي وَمَبذولُ

لا تَخَف إِثماً وَلا حَرَجاً     فَدَمُ العُشّاقِ مَطلولُ

وَعَلى ما فيكَ مِن صَلَفٍ     أَنتَ مَأمونٌ وَمَأمولُ

وَيحَ صَبٍّ في مَحَبَّتِكُم     كَثُرَت فيهِ الأَقاويلُ

وَعَجيبٌ ما بُليتُ بِهِ     أَنا مَعذورٌ وَمَعذولُ

لي حَبيبٌ لا أَبوحُ بِهِ     أَنا مِنهُ اليَومَ مَقتولُ

مالِكي في خُلقِهِ مَلَلٌ     أَنا مَملوكٌ وَمَملولُ

فَإِلى كَم أَنتَ يا سَكَني     كُلُّ وَعدٍ مِنكَ مَمطلولُ

وَإِذا مامُتُّ مِن ظَمَإٍ     لاجَرى مِن بَعدِيَ النيلُ

صفي الدين الحِلِّي:

راقَني مِن لَفظِكَ المُستَطابِ     حِكمَةٌ فيهِ وَفَصلُ الخِطابِ

وَمَعانٍ مُشرِقاتٌ حِسانٌ     ما تَوارَت شَمسُها في حِجابِ

هِيَ لِلوارِدينَ ماءٌ زُلالٌ     وَسِواها لامِعٌ كَالسَرابِ

جالَ ماءُ الحُسنِ فيها كَما قَد     جالَ في الحَسناءِ ماءُ الشَبابِ

ما رَأَينا قَبلَها عِقدَ دُرٍّ ضَم     مَهُ في الطِرسِ سَطرُ كِتابِ

صَدَرَت عَنِ لَفظِ صاحِبِ فَضلٍ     هُوَ عِندي مِن أَكبَرِ الأَصحابِ

فَتَأَمَّلتُ وَأَمَّلتُ مِنهُ جَم     عَ شَملي في عاجِلٍ وَاِقتِرابِ

ثُمَّ قابَلتُ أَيادي ثَناهُ     بِدُعاءٍ صالِحٍ مُستَجابِ

يا أُهَيلَ الوُدِّ أَنتِم مُرادي     وَإِلَيكُم في العَلاءِ اِنتِسابي

ذِكرُكُم لي شاغِلٌ في حُضوري     وَثَناكُم مُؤنِسي في اِغتِرابي

عمر الأنسي:

ته دَلالاً أَيُّها القَمَرُ     غَير مَغرور بِكَ النَظَرُ

قَدّك العَسال غُصن نَقى     مال لَمّا أَينَع الثَمَرُ

وَالمحيّا رَوضة أنُفٌ     زانَها الرَيحان وَالزهرُ

وَبَديع الزَهر كَأس طلا     مِن حباب زانَهُ دُررُ

وَعَمود الفَجر جيدك وَال     عقد فيهِ الأَنجُم الزُهرُ

يا لهُ مِن مَنظَر بَهجٍ     باهر حارَت بِهِ الفكرُ

صورة تَمَّت مَحاسنها     فَهيَ لا شَمس وَلا قَمَرُ

هِيَ مِرآة النُفوس لِذا     حَيث دارَت دارت الصُورُ

مَن مُجيري مِن يَدي رَشأ     خصره مِن ردفِهِ حذرُ

وَعُيونٍ غنجها دَعج     وَلحاظ سحرها حَوَرُ

خدّه سَهل وَمُقلته     ذات نبل جرحها عَسرُ

مثل قَلبي جفنه أَبَدا     مِن سَماع العذل منكسرُ

سائل الأَعطاف فَهيَ من ال     ماء لَكن قَلبه حَجرُ

قام يَثني غُصن قامته     وَعَلى الأَغصان يَفتَخرُ

فَرَأَينا الوَرد يَنثر ما     في المَحيّا يَنظم الخَفرُ

جَنّة للعين وَجنته     وَهيَ لِلقَلب الشَجي سَقرُ

لَم يَكُن موسى هُنالك إِذ     جَرَّ فيها ذَيلَهُ الخضرُ

يا لذاك الظَبي مِن صلفٍ     نافرٍ أَغراه بي نَفرُ

عُذَّلي بِالصَدّ تَأمره     حَسَداً لي كُلّما أتمروا

غادَرت قَلبي غَدائره     بِسَعير الوَجد يَستَعرُ

ثُمَّ أَذكَت لَوعَتي فَذَكت     فَهيَ لا تبقي وَلا تَذرُ

لَو دَرى العُذّال إِذ عذلوا     بِهَواه صَبوَتي عَذروا

يا هِلالاً غابَ عَن نَظري     وَاِختَفى في إِثره النَظَرُ

قَد فَرى صَبري الفراق فَلا     عين لي مِنهُ وَلا أَثَرُ

قُل لِأَحبابي الأُلى ظَعنوا     يَرحَموا قَلبي الَّذي أَسروا

هُم بِهِ ساروا وَلا بَرحوا     سَمَحوا بِالوَصل أَو هَجَروا

صفي الدين الحلي:

و أَفادَتنا العَزائِمُ حالا     لَم نَجِد حُسنَ العَزاءِ مَحالا

كَيفَ يولي العَزمُ صَبراً جَميلاً     حينَ وارى التُربُ ذاكَ الجَمالا

ما ظَنَنّا أَنَّ ريحَ المَنايا     تَنسِفُ الطودَ وَتُردي الجِبالا

جارَ صَرفُ الدَهرِ فينا بِعَدلٍ     لَم نَجِد لِلقَولِ فيهِ مُؤالا

أَفَما تَنفَكُّ أَيدي المَنايا     تَسلُبُ المالَ وَتُفني الرِجالا

فَإِذا أَبدى لَها المَرءُ سِلماً     جَرَّدَت عَضباً وَراشَت نِبالا

كُلَّما رُمنا نُمُوّ هِلالٍ     غَيَّبَت بَدراً أَصابَ الكَمالا

فَإِذا ما قُلتُ قَد زالَ حُزنٌ     أَبدَلَت أَحداثُها اللامَ دالا

كَيفَ دَكَّت طودَ حِلمٍ نَداهُ     سَبَقَ الوَعدَ وَأَفنى السُؤالا

كَيفَ كَفَّ الدَهرُ كَفّاً كَريماً     لِيَمينِ الدَهرِ كانَت شِمالا

ثَمِلٌ مِن نَشوَةِ الجودِ أَضحى     لِليَتامى وَالأَيامى ثِمالا

نِعَمٌ لِسائِليهِ جَوابٌ     لَم يَصِل يَوماً إِلى لَن وَلا لا

دَوحَةٌ مِن عِرقِ آلِ وِشاحٍ     قَد دَنَت لِلطالِبينَ مَنالا

قَد رَسَت أَصلاً وَطابَت ثِماراً     وَزَكَت فَرعاً وَمَدَّت ظِلالا

أَزعَجَ النادي بِنَجواهُ ناعٍ     كَم نُفوسٍ في دُموعٍ أَسالا

فَسَمِعنا مِنهُ نَدباً لِنَدبٍ     أَبعَدَ الصَبرَ وَأَدنى الخَيالا

باتَ يُهدِ لِلقُلوبِ اِشتِغالا     وَلِنيرانِ الهُمومِ اِشتِعالا

قَد مَرَرنا في مَغانيهِ رَكباً     وَغَوادي الدَمعِ تَجري اِنهِمالا

وَسَأَلنا النارَ عَنهُ فَقالَت     كانَ تاجُ الدينِ رُكناً فَزالا

كانَ وَبلاً لِلعُفاةِ هَتوناً     وَلِأَحزابِ العُداةِ وَبالا

كانَ تاجُ الدينِ لِلدَهرِ تاجاً     زادَ هامُ الدَهرِ مِنهُ جَمالا

كانَ زِلزالاً لِباغٍ عَصاهُ     وَلِباغِ الرِفدِ مِنهُ زُلالا

كانَ لِلأَعداءِ ذُلّاً وَبُؤساً     وَلِراجِ الجودِ عِزّاً وَمالا

كانَ لِلناسِ جَميعاً كَفيلاً     فَكَأَنَّ الخَلقَ كانوا عِيالا

راعَ أَحزابَ العِدى بِيَراعٍ     طالَما أَنشى السَحابَ الثِقالا

ناحِلِ الجِسمِ قَصيرٍ دَقيقٍ     دَقَّ في الحَربِ الرِماحَ الطِوالا

يَجعَلُ النَومَ عَلَيهِم حَراماً     كُلَّما أَبرَزَ سِحراً حَلالا

فَإِذاما خَطَّ أَسوَدَ نَقشٍ     خِلتَهُ في وَجنَةِ الدَهرِ خالا

يا كَريماً طابَ أَصلاً وَفَرعاً     وَسَما أُمّاً وَعَمّاً وَخالا

وَخَليلاً مُذ شَرِبتُ وَفاهُ     لَم أَرِد نَبعاً بِهِ أَو خِلالا

وَإِذا ما فُهتُ بِاِسمِ أَبيهِ     كانَ لِلميثاقِ وِالعَهدِ فالا

إِن أَسَأنا لَم يَرُعنا بِلَومٍ     وَإِذا لُمناهُ أَبدى اِحتِمالا

كانَ عَصرُ الأُنسِ مِنكَ رُقاداً     وَلَذيذُ العَيشِ فيهِ خَيالا

مَن لَدَستِ الحُكمِ بَعدَكَ قاضٍ     لَم يَمِل يَوماً إِذا الدَهرُ مالا

مَن لِإِصلاحِ الرَعايا إِذا ما     أَفسَدَت مِنها يَدُ الدَهرِ حالا

مَن لِإِطفاءِ الحُروبِ إِذا ما     صارَ آلُ المَرءِ بِالكَرِّ آلا

وَإِذا صارَ الجِدالُ جِلاداً     أَخمَدَ الحَربَ وَأَفنى الجِدالا

رُبَّ يَومٍ مَعرَكُ الحَربِ فيهِ     حَطَّمَ السَمرَ وَفَلَّ النِصالا

ذَكَرَ الأَحقادَ فيهِ رِجالٌ     حَبَّبَ الطَعنُ إِلَيها النِزالا

في مَكَرٍّ واسِعِ الهَولِ ضَنكٍ     لا يُطيقُ الطِرفُ فيهِ مَجالا

أَلبَسَ الجَوَّ العَجاجُ لِثاماً     وَكَسا الخَيلَ الغُبارُ جِلالا

شِمتُ في إِصلاحِهِم غَضبَ عَزمٍ     زادَهُ حَزمُ الأُمورِ صِقالا

بِكَ كَفَّ اللَهُ كَفَّ الرَزايا     وَكَفى اللَهُ الأَنامَ القِتالا

فَلَئِن وارَتكَ أَرضٌ فَها قَد     سارَ مِنكَ الذِكرُ فيها وَجالا

لَم يَمُت مَن طابَ ذِكراً وَأَبقى     بَعدَهُ شِبهاً لَهُ أَو مِثالا

أَسَدٌ خَلَّفَ شِبلَي عَرينٍ     شَيَّدا مَجداً لَهُ لَن يُنالا

ظَلَّ زَينُ الدينِ لِلدَهرِ زَيناً     وَجَمالُ الدينِ فيهِ جَمالا

فَأَرانا اللَهُ أَقصى الأَماني     فيهِما إِن جارَ دَهرٌ وَمالا

وَحَباكَ اللَهُ في الخُلدِ رَوحاً     وَنَعيماً خالِداً لَن يُزالا

ابن عبد ربه:

مُسْتَهامٌ دَمْعُهُ سَافِحُ     بَيْنَ جَفْنَيْهِ هَوىً قادِحُ

كُلَّما أَمَّ سَبيلَ الهُدى     عافَهُ السانِحُ وَالبارِحُ

حلَّ فيما بَيْنَ أعدائِهِ     وَهْوَ عَنْ أحْبابِهِ نازِحُ

أَيُّها القادِحُ نارَ الهوى     اصْلَها يا أَيُّها القادِحُ

لسان الدين بن الخطيب:

صِحْتُ بِالرَّبْعِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا     لَيْتَ شِعْرِي أيْنَ يَمْضِي الْغَرِيبُ

وَبِجَنْبِ الدَّارِ قَبْرٌ خَصِيبٌ     مِنْهُ يَسْتَسْقِي الْمَكَانُ الْجَديِبُ

غَابَ قَلْبِي فِيهِ عِنْدَ الْتِمَاحي     قُلْتُ هذَا الْقَبْرُ فِيهِ الْحَبِيبُ

لاَ تَسَلْ عَنْ رَجْعَتِي كَيْفَ كَانَتْ     إِنَّ يَوْمَ الْبَيْنِ يَوْمٌ عَصِيبُ

باقْتِرَابِ الْمَوْتِ عَلَّلْتُ نَفْسِي     بَعْدَ إِلْفِي كُلُّ آتٍ قَرِيبُ

مصطفى صادق الرافعي:

كان لي قلب فيا عجبي     ليس في جنبي سوى أثره

ضاع مني فابحثوا تجدوا     في ابتسام الحسن أو نظره

ويحه قلباً أعيش على     صفوة عيشي على كدره

يرتقي كالنسر ثم ترى     مرتقاه عين منحدره

ههنا قلب وحامله     ميت الأمن على حذره

ذاب ذوب العطر مذ وقدت     للهوى نار على زهره

ضره ما كان منفعة     نفعه ما كان من ضرره

عابس كالليل ليس به     أمل إلا سنا قمره

وهنأ قلبه وصاحبه     قد بنا الدنيا على حجره

تقرص الآلام مهجته     مثل قرص الوحش من ظفره

والحديد الصلب تحسبه     صورة عمياء من صوره

لم يلن إلا بمطرقة     من قضاء اللَه أو قدره

وسؤال لا جواب له     أي ذين الحلو في ثمره

لو يبين الحلو خالقه     كيف يسقى المر من مطره

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق