[1]جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية اللغة العربية
قسم النحو والصرف
وفقه اللغة
مقرر النحو للمستوى الثالث
في كلية الشريعة
حسب الخطة الجديدة
1- الفاعل.
2- النائب عن
الفاعل.
3-الاشتغال.
4-تعدي الأفعال
ولزومها.
5-إعراب المفاعيل
الخمسة.
6-الاستثناء.
7-الحال.
8-التمييز.
باب الفاعل
تعريفه:
اسمٌ
صريح أو ما في تأويله، أسند إليه فعل أو ما في تأويله، مُقَدَّمٌ، أَصْلِيُّ المَحَلِّ
والصيغةِ.
شرح
التعريف وبيان محترزاته:
قوله:
(اسم صريح) ظاهر نحو: تبارك اللهُ، أو مضمر بارز أو مستتر نحو: قمتُ وأقومُ.
وقوله:
(أو ما في تأويله) أي في تأويل الاسم الصريح، وهو ما اقترن به حرف مصدري، والحروف
المصدرية هنا ثلاثة، وهي "أَنْ" و"أَنَّ" و"ما"،
نحو قوله-تعالى-: ﴿أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا﴾([2])
أي: إِنْزَالُنَا، ونحو قوله-تعالى-: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ﴾([3])
أي خُشُوعُ قلوبهم، وقول الشاعر:
يَسُرُّ المَرْءَ مَا ذَهَبَ اللَّيَالِي وَكَانَ ذَهَابُهُنَّ لَهُ ذَهَابَا
أي: يسرُّ المرءَ ذَهَابُ
الليالِي.
وقوله:
(أسند إليه فعل) متصرف كما تقدم، أو جامد نحو قوله-تعالى-: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾([4])،
وقوله-تعالى-: ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ﴾([5]).
وقوله:
(أو ما في تأويله) أي ما يعمل عمل الفعل، باستثناء اسم المفعول، فيشمل اسم الفاعل
نحو قوله-تعالى-: ﴿مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾([6])،
فمختلف اسم فاعل يعمل عمل الفعل، و"ألوانه" فاعل به، ونحو: أتى زيد
منيرا وجهه، فمنيرا حال من زيد، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، و"وجهه"
فاعل به.
ويشمل
المؤولُ بالفعل أمثلةَ المبالغة وهي "فَعَّالٌ" و"مِفْعَالٌ"
و"فَعُولٌ" و"فَعِيلٌ" و"فَعِلٌ"، نحو: أَضَرَّابٌ
زيدٌ رقابَ الأعداءِ؟، والصفةَ المشبَّهَةَ نحو: زيد حسنٌ وَجْهُهُ، واسمَ التفضيل
نحو: محمدٌ أَحَبُّ إليه الكَرَمُ من زيدٍ.
وقوله:
(مُقَدَّمٌ) مخرج لنحو: زيدٌ قَامَ، فإنه من باب المبتدأ والخبر وليس من باب
الفاعل.
وقوله:
(أَصْلِيُّ المَحَلِّ) مخرجٌ لنحو: قائمٌ زيد؛ لأن "قائم" خبر مقدم،
و"زيد" مبتدأ مؤخر؛ لأنه يشترط لإعراب "قائم" مبتدأً
و"زيد" فاعلا سد مسد الخبر أن يتقدم على "قائم" نفي أو
استفهام.
وأصالة
الصيغة مخرجة لنحو: ضُرِبَ زيدٌ لأن هذه الصيغة مفرعة عن صيغة "ضَرَبَ"
المبني للفاعل، ومخرج لنحو: مضروب زيد، فإنها مفرعة عن صيغة "ضارب".
أحكام الفاعل
للفاعل
سبعة أحكام:
الحكم
الأول: وجوب الرفع لأنه عمدة لا يستغني عنه الكلام، وقد ينصب شذوذا إذا
فهم المعنى، وهذا مقصور على ما سمع عن العرب، كقولهم: خَرَقَ الثَّوْبُ
المِسْمَارَ، وكَسَرَ الزُّجَاجُ الحَجَرَ.
وقد
يُجَرُّ الفاعلُ لفظا، وذلك في صورتين:
الأولى:
أن
يضاف إلى المصدر كقوله-تعالى-: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾([7])
أي: أَنْ يَدْفَعَ اللهُ الناسَ.
الثانية:
أن
يُجَرَّ بأحد حروفِ الجَرِّ الزائدة، مثل "مِنْ" والباء،
فـ"مِنْ" نحو قوله-تعالى-: ﴿أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ
بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ﴾([8])
أي: ما جاءنا بشيرٌ ولا نذيرٌ.
ومثال
جره بالباء([9])
قوله-تعالى-: ﴿كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾([10])
أي: كفى اللهُ، وجَرُّ فاعل "كفى" بالباء الزائدة هو الكثير الغالب.
الحكم
الثاني: وقوعه بعد المسند (الفعل أو ما في تأويله)، وهذا واجب عند
البصريين.
وأما الكوفيون فقد أجازوا تقديم الفاعل
على المسند، واحتجوا بقول الزَّبَّاءِ ملكةِ الجزيرة من أرض العراق:
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا؟
أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا([11])؟
فقال الكوفيون: "مَشْيُهَا"
فاعل بـ"وئيدا"-وهو مصدر يعمل عمل الفعل-متقدم عليه، والأصل: وَئِيدًا
مَشْيُهَا، ورد البصريون بأن التقديم هنا ضرورة شعرية، ولا يجوز ذلك في غير
الشعر، ولا يقاس عليه، وقيل: "مشيها" مبتدأ حذف خبره،
و"وئيدا" حال سدت مسد الخبر، والتقدير: مشيها يبدو أو يظهر وئيدا،
كقولهم: حُكْمُكَ مُسَمَّطًا أي: حكمك لك مثبتا.
الحكم
الثالث: أنه عمدة لا بد منه: لأن الفعل مسند ومحكوم به، فلابد له من مسند
إليه ومحكوم عليه، فإن ظهر في الكلام فهذا هو الأصل، سواء كان اسما ظاهرا أم ضميرا
بارزا، نحو: قام محمد، وضربتُ زيدا، وإن لم يظهر في الكلام فهو ضمير مستتر راجع
لواحد من أربعة:
الأول: لِمَذْكُورٍ
متقدمٍ على المسند، نحو: زيد قام أي: هو.
الثاني: لِمَا دَلَّ
عليه الفعل نحو قول النبي-r-: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ
مُؤْمِنٌ"([12])
أي: ولا يشرب هو، أي: الشاربُ؛ لأن "يشرب" يستلزم شاربا.
الثالث: لِمَا دَلَّ
عليه سياقُ الكلام نحو قوله-تعالى-: ﴿كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾([13])
وقوله-تعالى-: ﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾([14])؛
لأن الكلام عن الموت وخروج الروح، أي: إذا بلغت هي أي: الروحُ.
الرابع: لِمَا دلت
عليه الحالُ المُشَاهَدَةُ، كقول العرب: إذا كانَ غَدًا فَأْتِنِي، أي: إذا كان هو
أي: ما نحن عليه الآن من سلامة([15])،
ومثل هذا تماما قول الشاعر:
فَإِنْ كَانَ لاَ يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي إِلَى قَطَرِيٍّ، لاَ إِخَالُكَ
رَاضِيَا([16])
الحكم
الرابع: أن فعله يحذف جوازا في ثلاثة مواضع، ووجوبا في موضع واحد.
أولا:
مواضع حذف فعله جوازا:
الأول:
إن
أجيب به نفي كأن يقال: ما قام أحدٌ، فتقول: بَلَى زيدٌ أو بَلْ زيدٌ، أي: بل قام
زيدٌ.
الثاني:
إن
أُجِيبَ به استفهامٌ محققٌ أو مقدرٌ، فالمحقق هو الملفوظ به المذكور في الكلام، نحو
قوله-تعالى-: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾([17])
فالاستفهام المحقق "مَنْ خَلَقَهُمْ"؟، ولفظ الجلالة فاعل بفعل محذوف دل
عليه مدخول الاستفهام، أي: خَلَقَنَا اللهُ، ومثله قوله-تعالى-: ﴿وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾([18]) أي: خَلَقَهَا
اللهُ، ومثله أن يقال: هل قام أحدٌ؟ فتقول: زيدٌ، أي: قام زيدٌ.
وأما
الاستفهام المقدر فهو غير الملفوظ به، ولكنه مستفاد من سياق الكلام، كقراءة بعض
القراء: ﴿يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ﴾([19]) بفتح
الباء من "يُسَبَّحُ" ببنائه للمجهول، فـ"له" نائب فاعل للفعل
"يُسَبَّحُ"، و"رجال" فاعل بفعل محذوف جوازا دل عليه مدخول
الاستفهام المقدر، وكأنه لما قيل: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالآصَالِ"، قيل: من يسبحه؟، فقيل: رجالٌ، أي: يُسَبِّحُهُ رجالٌ.
ثانيًا:
حذف فعله وجويًا:
يجب
حذف فعل الفاعل في موضع واحد، وهو أن يفسِّرَه ما بعده: أي أن يفسر الفعلَ
الرافع للفاعل فعلٌ بعده، كقوله-تعالى-: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ﴾([20])
فـ"أحد" فاعل بفعل محذوف وجوبا يفسره "استجارك" المذكور بعد
"أحد"، أي: وإن استجارك أحدٌ استجارك، وإنما كان حذف الفعل في هذه
الصورة واجبا لأن المفسِّر عوض من المفسَّرِ، ولا يجمع بين العوض والمـُعَوَّضِ
منه.
الحكم
الخامس: أن فعله وما هو بمنزلته يُوَحَّدُ مع تثنيته وجمعه كما
يُوَحَّدُ مع إفراده، فكما تقول: قام محمد، كذلك تقول: قام المحمدان، وقام
المحمدون، وقامت الطالبتان، وقامت الطالبات، وكما تقول فيما هو بمنزلة الفعل:
أقائمٌ أخوك؟، كذلك تقول: أقائمٌ أخواك؟، أقائمٌ إخوتُكَ؟، أقائمٌ الطالبتان؟،
أقائمٌ الطالباتُ؟، بتوحيد المسند في هذا كله، وهذه هي اللغة الفصحى التي نزل بها
القرآن، قال-تعالى-: ﴿قَالَ رَجُلاَنِ﴾([21])،
وقال-تعالى-: ﴿وَقالَ الظَّالِمُونَ﴾([22])،
وقال-تعالى-: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾([23]).
وحكى
البصريون عن بعض العرب-وهم طَيِّئٌ وأَزْدُ شَنُوءَةَ-إِلْحَاقَ أَلِفِ الاثنين
بالفعل المسند إلى فاعل مثنى، وواوِ الجماعة بالفعل المسند إلى جمعٍ مُذَكَّرٍ،
ونونِ النسوةِ بالفعل المسند إلى جمعٍ مؤنثٍ، فيقولون: ضَرَبَانِي أخواك،
وذَاكَرَتَا الطالبتانِ، وضربوني قومُكَ، وذاكرنَ الطالباتُ، ومن ذلك على رأي بعض
النحاة قوله-تعالى-: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾([24])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾([25])، وقال
النبي-r-: "أَوَمُخْرِجِيَّ
هُمْ"([26])، ومن ذلك
قول الشاعر:
يَلُومُونَنِي
فِي اشْتِرَاءِ النَّخِيـ ـلِ
أَهْلِي، فَكُلُّهُمْ أَلْوَمُ([27])
وقول الآخر:
نَتَجَ
الرَّبِيعُ مَحَاسِنًا أَلْقَحْنَهَا
غُرُّ السَّحَائِبْ([28])
والصحيح
أن ألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة في هذه اللغة أحرف دلت على التثنية
والجمع للفاعل([29])، كما دلت
تاء التأنيث الساكنة في نحو "قامتْ هِنْدُ" عند جميع العرب على أن
الفاعل مؤنث([30]).
الحكم
السادس من أحكام الفاعل: أنه إن كان مؤنثًا أُنِّثَ فعلُه بتاءٍ ساكنة في
آخر الماضي، وبتاء متحركة (تاء المضارعة) في أول المضارع، وتأنيث الفعل مع الفاعل
له حالتان: وجوب وجواز.
الحالة
الأولى: وجوب التأنيث: يجب تأنيث الفعل في موضعين:
الموضع
الأول: أن يكون الفاعل اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث متصلاً بفعله غَيْرَ
مرادٍ به الجنسُ وغَيْرَ جَمْعٍ، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ
فِرْعَوْنَ﴾([31])،
وقوله-تعالى-: ﴿إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ﴾([32]) وقوله-تعالى-:
﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾([33])، وشَذَّ قول
العرب: قال فلانةُ، قال سيبويه: وهو رديء لا يقاس عليه، وإنما يُقتصر فيه على
السماع.
فإن
اختل شرط من هذه الشروط لَمْ يجب تأنيثُ الفعل، بل هو جائز، كأن يكون الاسمُ
الظاهرُ مَجَازِيَّ التأنيث، نحو: انتهت الحربُ، وانتهى الحربُ، قال-تعالى-: ﴿فَمَا
رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾([34])، وقال-تعالى-:
﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾([35]).
وكذلك
إذا كان المرادُ بالمؤنث الظاهرِ المتصلِ بالفعل الجنسَ، جاز التأنيث والتذكير،
نحو: نعم المرأةُ فاطمةُ، وبئس المرأةُ هندُ؛ لأن المراد بالمرأة هنا جنس المرأة.
الموضع
الثاني: أن يكون الفاعل ضميراً مستتراً يعود على مؤنث سابق على الفعل،
سواء أكان حقيقي التأنيث أم مجازي التأنيث، نحو: هند قامت-وهند تقوم، وقال-تعالى-:
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾([36])، هذا في
الحقيقي، وأما المجازي فنحو: الشمس طلعت-والشمس تطلع، ونحو قوله-تعالى-: ﴿كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾([37])، فالفاعل ضمير
مستتر جوازا تقديره هي.
الحالة
الثانية: جواز التأنيث وعدمه، وذلك في موضعين:
الموضع الأول: أن يكون الفاعل مؤنثا ظاهرا حقيقيا منفصلا من الفعل بفاصلٍ غيرِ "إِلَّا"، فيجوز التأنيث والتذكير، كقول العرب: حَضَرَ القَاضِيَ اليومَ امرأةٌ، فـ"امرأة" فاعل "حضر"، وقد ذُكِّرَ الفعلُ للفصل بينه وبين الفاعل بفاصل وهو المفعول به "القاضيَ" والظرف "اليومَ"، فجاز التأنيث في هذا لأن الفعل بَعُدَ عن الفاعل، وصار الفصل كالعوض من تاء التأنيث، ومع ذلك فإن التأنيث في هذا أكثر من التذكير؛ لأنه الأصل مع الفاعل المؤنث.
فإذا
كان الفاصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي "إِلاَّ" فعند الجمهور يجب
حذف التاء وتذكير الفعل، فتقول: ما قام إلا هندٌ أي: ما قام أَحَدٌ إلا هِنْدٌ،
وإلحاق تاء التأنيث في هذه الحالة خاص بالشعر، كقول الشاعر:
مَـا بَـرِئَتْ مِـنْ رِيـبَةٍ وَذَمِّ فِي حَرْبِنَا إِلاَّ بَنَاتُ
العَـمِّ([39])
الموضع
الثاني: أن يكون الفاعل مؤنثاً مجازيا نحو قوله-تعالى-: ﴿فَمَا
رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾([40])، وقوله-تعالى:
﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾([41])، وقوله-تعالى-:
﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ﴾([42]).
وهذا
يشمل جمع التكسير، سواء أكان لمذكر أو لمؤنث، فمثاله لمذكر قوله-تعالى-: ﴿لَقَدْ
جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾([43])، وقال-تعالى-:
﴿قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي﴾([44])، ونحو: قامت
الرجالُ، وقام الرجالُ، ومثاله مع جمع التكسير لمؤنث: جاءت الهنودُ، وجاء الهنودُ.
الحكم
السابع
من أحكام الفاعل: أن الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله؛ لأنه مُنَزَّلٌ منه
مَنْزِلَةِ جُزْئِهِ، ثم يجيء المفعول بعد الفاعل.
وهذا
الأصل قد يكون جائزا، وقد يكون واجباً، وقد يُخَالَفُ هذا الأصلُ، فَيُقَدَّمُ
المفعولُ على الفاعل جوازا أو وجوبا، وقد يتقدم المفعول على الفعل نفسه جواز أو
وجوبا.
الحالة
الأولى: جواز الأمرين تَقَدُّمُ الفاعل على المفعول، أو تقدم المفعول
على الفاعل:
يجوز
أن يتقدم الفاعل على المفعول، أو المفعول على الفاعل إذا لم يوجد ما يوجب تقديم
أحدهما على الآخر أو تأخيره، فمثال تقديم الفاعل جوازًا قوله-تعالى-: ﴿فَتَلَقَّى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾([45])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾([46]).
ومثال تقديم المفعول قوله-تعالى-: ﴿إِذْ حَضَرَ
يَعْقُوبَ المَوْتُ﴾([47])، وقوله-تعالى-:
﴿وَإِذَا
مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ﴾([48])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾([49]).
الحالة
الثانية: تقديم الفاعل على المفعول وجوبا: يتقدم
الفاعل على المفعول وجوبا في ثلاثة مواضع:
الموضع
الأول: إذا
خيف التباس أحدهما بالآخر، كما إذا خَفِيَ
الإعرابُ فيهما، ولَمْ توجد قرينة تُبَيِّنُ الفاعلَ من المفعول، وذلك نحو: ضرب
موسى عيسى، فيجب كون "موسى" فاعلاً و"عيسى" مفعولاً؛ لأن هذا
هو الأصل، ولا قرينة توضح أن المتكلم يريد أن
"عيسى" هو الضارب([50]).
الموضع
الثاني: أن
يكون الفاعل ضميرا متصلاً، والمفعولُ به اسماً ظاهراً، نحو قوله-تعالى-: ﴿قَالُوا
مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ﴾([51])،
ونحو: ضربتُ زيدًا، فلا يجوز تقديم المفعول على الفاعل، لئلا ينفصل الضمير مع
إمكان الاتصال.
الموضع
الثالث: أن
يكون المفعول محصورا بـ"إِنَّمَا" باتفاقٍ، نحو: إنما ضَرَبَ زيدٌ
عَمْرًا، وكذلك إذا كان المفعول محصورا بـ"إِلاَّ" عند جماعة من النحاة
المتأخرين كالجُزُولِيِّ، نحو: ما ضَرَبَ زيدٌ إلا عَمْرًا؛ لأن قولنا: إنما
ضَرَبَ زيدٌ عَمْرًا، وقولنا: ما ضَرَبَ زيدٌ إلا عَمْرًا، كلاهما معناه حَصْرُ ضَرْبِ
زيد فِي عمرو، وعدم ضَرْبِهِ لشخص آخر، فلو تقدم المحصور لأَدَّى إلى وقوع اللبس([52]).
الحالة الثالثة: تقديم المفعول به على الفاعل وجوبا: يجب تقديم
المفعول به على الفاعل في ثلاثة مواضع:
الموضع
الأول: أن
يكون المفعولُ به ضميرًا متصلاً، والفاعلُ اسماً
ظاهراً، نحو: ضَرَبَنِي محمدٌ، وأَكْرَمَنِي عَلِيٌّ، وقال-تعالَى-: ﴿قُلْ
إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي﴾([53])؛
وإنما وجب ذلك لئلا ينفصل الضمير مع إمكان اتصاله.
الموضع
الثاني: أن
يتصل بالفاعل ضميرُ المفعولِ، أي: أن يشتمل
الفاعلُ على ضمير يعود على المفعول به، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾([54]) وقوله-تعالى-:
﴿كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا﴾([55])،
وقوله-تعالى-: ﴿يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾([56])، ولا يجوز عند
أكثر النحويين نحو: "زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرَ"([57])
لا في نثر ولا في شعر؛ لِمَا فيه من عَوْدِ الضمير على متأخر لفظا ورتبة، والصواب:
زانَ الشَّجَرَ نَوْرُهُ.
الموضع
الثالث: أن
يكون الفاعل محصورا بـ"إِنَّمَا" باتفاقٍ، فإذا حُصر الفاعل أُخِّر،
ووجب تقديم المفعول كقوله-تعالى-: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
العُلَمَاءُ﴾([58])،
فـ"العلماء" فاعل "يخشى"؛ لأن الغرض قَصْرُ الخشية على
العلماء.
وكذلك
إذا كان الفاعل محصورا بـ"إلا" فإنه يجب تأخيره وتقديم المفعول، كقولك:
ما ضرب زيدًا إلا عمرٌو.
باب النائب عن الفاعل([59])
تعريفه:
اسم
مرفوع لفظًا أو مَحَلاًّ، يَحُلُّ مَحَلَّ
الفاعل عند حذفه، ويُبْنَى الفعلُ معه للمجهول، نحو: ضَرَبَ محمدٌ زيدًا، وقَتَلَ
خالدٌ بكرًا، فيقال: ضُرِبَ زيدٌ، وقُتِلَ بكرٌ، فكل من زيد وبكر نائبٌ عن الفاعل
الذي حُذِفَ، وكلاهما مرفوع لفظا، وقد بُنِيَ
فعلهما للمجهول، ومثل قوله-تعالى-: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾([60])،
وقوله-تعالى-: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾([61])،
فقوله-تعالى-: "فِي أَيْدِيهِمْ" جار ومجرور في محل رفع نائبُ
فاعلٍ للفعل "سقط"، وقوله-تعالى-: "نفخة" مصدرٌ
نائبُ فاعلٍ للفعل "نفخ".
أغراض
حذف الفاعل: الأغراض التي من أجلها يُحْذَفُ الفاعلُ كثيرة، غير
أنها إما أن تكون راجعة إلى اللفظ، وإما أن تكون راجعة إلى المعنى.
أولا:
الأغراض
اللفظية لحذف الفاعل:
1-رغبة
المتكلم في الإيجاز في كلامه: كقوله-تعالى-: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾([62])،
فهذا أوجز مما لو قيل: وَإِنْ عاقبتم أَحَدًا فَعَاقِبُوهُ بِمِثْلِ ما
عَاقَبَكُمْ به.
2-المحافظة
على السجع في النثر: كقولهم: مَنْ طَابَتْ سَرِيرَتُهُ حُمِدَتْ سِيرَتُهُ، لأنه
لو قيل: حَمِدَ الناسُ سِيرَتَهُ لاختلف إعراب الفاصلتين، والعرب تحافظ على إعراب
الفواصل في النثر، كما تحافظ على إعراب القوافي في الشعر.
3-المحافظة
على وزن الشعر، كقول الأعشى:
عُلِّقْتُهَا عَرَضًا، وَعُلِّقَتْ رَجُلاً غَيْرِي، وَعُلِّقَ أُخْرَى
ذَلِكَ الرَّجُلُ([63])
فحَذَفَ
الفاعلَ وهو لفظ الجلالة في المواضع الثلاثة للمحافظة على الوزن، فلو قال: عَلَّقَنِي
اللهُ إِيَّاهَا، وعَلَّقَهَا اللهُ رجلاً غَيْرِي، وعَلَّقَ اللهُ ذلك الرجلَ
امرأةً أُخْرَى، لاختلَّ وزنُ البيت.
ثانيا:
الأغراض
المعنوية
لحذف الفاعل: وهي كثيرة، ومنها:
1-العلم
بالفاعل: كقوله-تعالى-: ﴿وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾([64])،
وقوله-تعالى-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾([65])،
فمعلوم أن الفاعل هنا هو الله-U-.
2-الجهل
بالفاعل: نحو: سُرِقَ كِتَابِي، وقُتِلَ خَالِدٌ، إذا لم تعرف السارق أو القاتل،
فلو قلت: سَرَقَ اللصُّ كتابِي، أو قَتَلَ قاتلٌ خالدًا، لَمَا كان في ذكره فائدة
زائدة على حذفه.
3-ألا
يتعلق بذكر الفاعل غرض معين: نحو قوله-تعالى-: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾([66])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾([67])، وقوله-تعالى-: ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا﴾([68])؛ لأنه ليس الغرضُ من هذه الأفعال إسنادَها إلى فاعلٍ معينٍ، بل المراد
وقوعها من أَيِّ فاعلٍ كان.
4-رغبة المتكلم في الإبهام على
السامع: نحو: تُصُدِّقَ بِأَلْفِ دينارٍ، قُضِيَ عن المَدِينِ دَيْنُهُ.
5-رغبة
المتكلم في تعظيم الفاعل بصونه عن أن ينطق به المتكلم، أو بصونه عن اقترانه
بالمفعول، نحو: خُلِقَ الخِنْزِيرُ، أُضِلَّ الكافرُ.
6-رغبة
المتكلم في تحقير الفاعل: كقوله-تعالى-: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾([69])
أي: زَيَّنَتْ لهم أنفسُهُمْ، أو زَيَّنَ لهم الشيطانُ.
فإذا
حُذِفَ الفاعل ترتب على حذفه أمران:
الأمر
الأول: تغيير
صيغة الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول.
والأمر
الثاني: إقامة
نائبٍ عنه يحل محله، ويأخذ كثيرًا من أحكامه كرفعه، وتأخيره عن عامله،
وعُمْدِيَّتِهِ في الجملة، وتأنيث عامله إن كان هو مؤنثا، وتجرد عامله من علامة التثنية
والجمع.
الأمر
الأول: بناء الفعل للمجهول: كيف يبنى الفعل للمجهول؟
الذي
يُبْنَى للمجهول هو الفعل الماضي والفعل المضارع، أما فعل الأمر فلا يُبْنَى
للمفعول؛ لأنه يدل بصيغته على الفاعل، وتفصيل بناء الفعل للمجهول كالآتي:
1.
يُضَمُّ أول الفعل المبني
للمجهول مطلقا، سواء أكان ماضيا أم مضارعا.
2.
إذا كان الفعل مضارعًا وجب
ضَمُّ أوله وفتح ما قبل آخره، نحو: يَحْتَرِمُ الناسُ العالِمَ، فيقال يُحترَمُ
العَالِمُ، وقد يكون الفتح مقدرًا، مثل: يَصُومُ المسلمون رَمَضَانَ، فيقال:
يُصامُ رمضانُ، وقد يكون ما قبل الآخر مفتوحا أصلا فيبقى كما هو، نحو: يَتَعلَّم
خالدٌ النحوَ، فيقال: يُتَعلَّمُ النحوُ.
3.
إذا كان الفعل ماضيًا وجب
ضم أوله وكسر ما قبل آخره، نحو: ضَرَبَ محمدٌ زيدًا-دَحْرَجَ محمدٌ الكُرَةَ،
فتقول: ضُرِبَ زيدٌ-دُحْرِجَتِ الكُرَةُ، وقد يكون ما قبل الآخر مكسورًا أصلا فيبقى
كما هو، نحو: شَرِب المريضُ العسلَ، فتقول: شُرِبَ العسلُ.
4.
إذا كان الماضي مبدوءا
بتاء زائدة، أي أنه على وزن "تَفَعَّلَ" أو "تَفَاعَلَ" أو
"تَفَعْلَلَ" وجب ضَمُّ الحرف الثانِي مع الأول، نحو: تَعَلَّمَ خالدٌ
النحوَ-تَقَاتَلَ الجيشانِ فِي المعركةِ-تَدَحْرَجَتِ الكُرَةُ فِي المَلْعَبِ،
فنقول: تُعُلِّمَ النحوُ-تُقُوتِلَ فِي المعركة-تُدُحْرِجَ فِي الملعبِ.
5.
إذا كان الماضي مبدوءا
بهمزة وصلٍ أي أنه على وزن "افْتَعَلَ" أو "انْفَعَلَ" أو
"اسْتَفْعَلَ"، فإن الحرف الثالث يضم مع أوله، نحو: اعْتَمَدَ المسلمُ
على الله-انطلق محمدٌ بالسيارةِ، استخرج العمالُ الذهبَ، فنقول: اُعتُمِدَ على
اللهِ، اُنْطُلِقَ بالسيارةِ، اُسْتُخْرِجَ الذَّهَبُ.
6.
إذا كان الماضي ثلاثيًّا
معتلَّ العين نحو: قال وباع، أو خماسيا معتل العين على وزن "افْتَعَلَ"
أو "انْفَعَلَ" نحو: اخْتَارَ وانْقَادَ، فإنه يجوز فِيما قبل العين عند
بنائه للمجهول وجهان:
الأول:
إخلاص
الكسر، فتُقْلَبُ الألِفُ ياءً: وهذا هو الأفصح-وهو لغة قريش-، نحو: قال المسلمُ
الحَقَّ-باع التاجرُ بِضَاعَتَهُ-اخْتَارَ اللهُ رُسُلَهُ-انْقَادَ المسلمُ
لِلْحَقِّ، فيقال: قِيلَ الحَقُّ-بِيعَتِ البضاعةُ، قال-تعالى-: ﴿وَقِيلَ يَا
أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضِ الْمَاءُ﴾([70])،
وتقول: اِخْتِيرَ الرُّسُلُ-اِنْقِيدَ لِلْحَقِّ([71]).
الثانِي:
إخلاص
الضم، فتُقْلَبُ الألفُ واوًا، وهي لغة قليلة، حكاها العلماء عن بعض بني أسد وبني تميم،
وهذا أضعف الأوجه، يقولون: صُومَ-بُوعَ-اُنْقُودُ-اخْتُورَ، وعلى هذه اللغة قال الشاعر:
لَيْتَ-وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ- لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فَاشْتَـرَيْتُ([72])
7.
إذا كان الماضي الثلاثي
مضعفًا-وهو ما كانت عينه ولامه من جنس واحد-، وجب ضَمُّ فائه عند بنائه للمجهول،
كقوله-تعالى-: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا﴾([73]) وقوله-تعالى-:
﴿رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾([74])، وأجاز بعض
الكوفيين كسر الفاء، واستشهدوا على ذلك بقراءة بعض القراء: ﴿وَلَوْ رِدُّوا﴾
و﴿رِدَّتْ إِلَيْنَا﴾، وهذا هو الصواب.
والأمر
الثاني الذي يترتب على حذف الفاعل: إقامة نائب عنه يحل محله،
ويأخذ كثيرًا من أحكامه كما قلنا من قبل، والذي يصلح للنيابة عن الفاعل واحد من
أربعة أشياء: المفعول به، والجار والمجرور، والمصدر المتصرف المختص، الظرف المتصرف
المختص، ولا ينوب غير واحد من هذه الأشياء، فإذا وجد اثنان منها أو أكثر ناب واحد
منها فقط، وهذا تفصيل القول فيها:
الأول:
المفعول به: نحو قوله-تعالى-: ﴿وَغِيضِ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾،
والأصل: وغَاضَ اللهُ المَاءَ، وقَضَى اللهُ الأَمْرَ، فلما حُذِفَ الفاعل للعلم
به ناب المفعول عنه فرُفِعَ بعد أن كان منصوبا، وصار عمدة بعد أن كان فضلة، وواجب
التأخير عن الفعل بعد أن كان جائز التقديم عليه.
الثاني:
الجارُّ والمجرور: نحو قوله-تعالى-: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي
أَيْدِيهِمْ﴾([75])،
سِيرَ بِزَيْدٍ.
الثالث:
المصدر: يشترط في المصدر لكي ينوب عن الفاعل شرطان: أحدهما: أن يكون متصرفا،
والثاني: أن يكون مختصا([76])،
كقوله-تعالى-: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾([77])،
ولا يجوز: سِيرَ سَيْرٌ؛ لأنه مصدر مبهم.
الرابع:
الظرف
المتصرف المختصُّ، سواء أكان ظرف زمان أم ظرف مكان.
والظرف
المتصرف هو ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بـ"مِنْ" إلى التأثر
بالعوامل المختلفة كزمن ووقت وساعة ويوم، والمختص: هو ما كان مضافا نحو: يومُ الخميسِ،
أو موصوفا نحو: يومٌ شديدُ الحَرِّ، أو مُعَرَّفًا بـ"أل" العهدية نحو:
اليوم، أي: اليوم المعهود بيننا، فتقول: صِيمَ رمضانُ-جُلِسَ أمامُ الأميرِ-صِيمَ
يومٌ شديدُ الحَرِّ، تُذُكِّرَ اليومُ، أي اليومُ المعهودُ بيننا.
بخلاف
"مَعَك" و"عِنْدَكَ" لأنهما غير متصرفين، فالأول ملازم للنصب
على الظرفية، والثاني يتردد بين النصب على الظرفية والجر بـ"مِنْ"،
وبخلاف يوم وزمان ومكان ونحوها إذا لَمْ مختصة بإضافة أو وصف، فلا يجوز: صِيمَ
يوم، ولا ذُهِبَ مكانٌ، فلا يصلح أن ينوب شيء منها عن الفاعل.
هل تجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده؟
إذا
وُجِدَ فِي الجملة ما يصلح للنيابة عن الفاعل كالمفعول والمجرور والمصدر والظرف
المتصرفين المختصين، لَمْ يَجُزْ أن ينوب عن الفاعل إلا واحدٌ؛ لأن النائب عن
الفاعل كالفاعل لا يتعدد.
وقد
اختلف البصريون والكوفيون في الذي ينوب عن الفاعل في هذه الحالة.
الرأي
الأول: ذهب البصريون إلى أنه تجب نيابةُ المفعول به، ولا ينوب غيرُهُ مع وجوده،
وذلك لأن غير المفعول ينوب بعد أن يُقَدَّرَ مفعولاً به مَجَازًا، فإذا وُجِدَ
المفعول به بنفسه لَمْ تَجُزْ نيابةُ غَيْرِهِ عن الفاعل مع وجوده.
ففي
نحو: ضَرَبَ محمدٌ زيدًا في المدرسة يومَ الخميس ضربًا شديدًا، نقول: ضُرِبَ زيدٌ
في المدرسة يومَ الخميس ضربًا شديدًا، ولا تجوز نيابة المجرور أو الظرف أو المصدر.
الرأي
الثاني: ذهب الكوفيون إلى أنه تجوز إنابة غير المفعول به مع وجوده مطلقا، تقدم
المفعول به أو تأخر، واستدلوا بقراءة أبي جعفر المدني-وهو من العشرة-: ﴿لِيُجْزَى
قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([78]) ببناء الفعل
"يُجْزَى" للمجهول، ونصب "قومًا"، وإنابة الجار والمجرور عن
الفاعل.
أما
إذا لَمْ يوجد المفعول به ووجد غيره تساوت البقية في جواز إنابة أي واحد منها عن
الفاعل.
مثل: جلسَ زيدٌ في الدار يومَ الخميس جلوسًا طويلا.
يجوز نيابة الجار والمجرور عن الفاعل: جُلِسَ في الدارِ يومَ الخميسِ جلوسًا طويلا.
ويجوز نيابة الظرف،: جُلِسَ في الدارِ يومُ الخميسِ جلوسًا طويلا.
ويجوز نيابة المصدر المختص: جُلسَ في الدارِ يومَ الخميس جلوسٌ طيلٌ
باب الاشتغال
حَدُّ
الاشتغال: أن يتقدم اسمٌ، ويتأخر عنه عَامِلٌ، مشغول عن نصب الاسم
المتقدم، بالعمل في الضمير العائد عليه، أو بالعمل في سَبَبِيِّهِ، بحيث لو فرغ
العامل من ذلك المعمول، وسُلِّطَ على الاسم المتقدم لَنَصَبَهُ.
والعامل
يشمل الفعل المتصرف، والاسمَ الذي يعمل عمل الفعل بشرط أن يكون صالحا للعمل فيما
قبله، فيشمل اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة، فمثال المشتغل بالضمير:
محمدًا ضربتُهُ، وزيدًا مَرَرْتُ به، فالفعل "ضَرَبَ" عمل في ضمير الاسم
السابق وهو "الهاء"؛ فهي في محل نصب مفعول به، والفعل "مَرَّ"
عمل في ضمير الاسم السابق بواسطة حرف الجر، ولولا هذا الضمير لعمل الفعل في الاسم
السابق، فكنا نقول: محمدًا ضربتُ، وبزيدٍ مررتُ.
ومثال
المشتغل بالسَّبَبِيِّ: زيدًا ضَرَبْتُ أخاه، فالفعل "ضرب" لَمْ يعمل في
ضمير الاسم السابق، وإنما عمل في اسم مضاف إلى ضمير الاسم السابق، وهو
"أخاه"، ويسمى السَّبَبِيَّ([79]).
والفعل
سبق التمثيل له، واسم الفاعل نحو: أَزَيْدًا أنت ضَارِبُهُ؟، وزَيْدًا أنا
ضاربُهُ، واسم المفعول نحو: زيدًا أنت مأمورٌ بِهِ، الكتابَُ أنت مُعْطَاهُ، وصيغ
المبالغة نحو: العسلَ أنا شرَّابُه، ولا يجوز أن يكون العامل حرفا أو فعلا جامدا
أو مصدرا أو اسم فعل أو صفة مشبهة أو أفعل تفضيل أو فعل تعجب؛ لأن هذه الأشياء لا
تعمل فيما قبلها، وشرط الاشتغال أن العامل لو سُلِّطَ على الاسم المتقدم
لَنَصَبَهُ.
ومن
خلال ما سبق يتضح أن أركان الاشتغال ثلاثة:
1.
مشغول عنه، وهو الاسم
المتقدم.
2.
ومشغول، وهو العامل
المتأخر من فعل أو نحوه.
3.
ومشغول به، وهو ضمير
الاسم السابق أو سَبَبِيُّهُ.
فإذا
وُجِدَتْ هذه الصورةُ في جملةٍ ما، فالأصل أن ذلك الاسم المتقدم يجوز فيه وجهان: أحدهما
راجح لسلامته من التقدير، وهو أن يعرب مبتدأ، والجملة بعده في محل رفع خبرًا عنه،
وجملة الكلام حينئذ اسمية لأنها مبدوءة باسم([80]).
والثاني:
مرجوح
لاحتياجه إلى التقدير، وهو أن يُنْصَبَ الاسمُ المتقدم على أنه مفعول به لفعل
محذوف وجوبًا يفسره الفعل المذكور، وهذا الفعل المحذوف لا بد أن يكون موافقا
للمذكور، إما لفظا ومعنًى، كالمثال الأول: زيدًا ضربتُهُ، فالتقدير: ضَرَبْتُ
زيدًا ضَرَبْتُهُ، أو معنًى فقط، نحو: زيدًا مررتُ به، فإن التقدير: جاوزتُ زيداً
مَرَرْتُ بِهِ، أو غير موافق لفظاً ولا معنًى، ولكنه لازم للمذكور، نحو: زيدًا
ضَرَبْتُ أخاه ، فإن التقدير: أَهَنْتُ زيدًا ضَرَبْتُ أخاه، وما بعد الاسم جملة
تفسيرية لا محل لها من الإعراب، وجملة الكلام حينئذ فعلية؛ لأنها مبدوءة بالفعل
المحذوف.
وقد
يَعْرِضُ للاسم السابق ما يوجب نصبَهُ، وما يُرَجِّحُهُ، وما يوجب رَفْعَهُ، وما
يرجحه، وما يستوي فيه الرفع والنصب، فالصور خمس بالنسبة لحكم الاسم المتقدم: واجب
النصب-واجب الرفع-راجح النصب على الرفع-راجح الرفع على النصب-ما يستوي فيه الرفع
والنصب([81]).
الصورة
الأولى: وجوب نصب المشغول عنه: وذلك إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل،
كأدوات التحضيض والعرض([82]) نحو: هَلاَّ
زيدًا أكرمتَهُ-أَلاَ زيدًا تُكْرِمُهُ، وأدوات الاستفهام غير الهمزة نحو: هل
زيدًا رأيتَهُ؟، ومتَى عَمْرًا لَقِيتَهُ؟، وأدوات الشرط نحو: إذا زيدًا لَقِيتَهُ
فَأَكْرِمْهُ، فيجب نصب ما بعد هذه الأدوات بفعل محذوف يفسره المذكور، ليقع الفعل
بعدها، ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ، لئلا تخرج هذه الأدوات عما وضعت له من
الاختصاص بالفعل([83]).
الصورة
الثانية: وجوب رفع المشغول عنه: وذلك في موضعين:
الموضع
الأول:
أن يقع المشغول عنه بعد أداة تختص بالابتداء، كـ"إِذَا" الفجائية، نحو:
خرجتُ فإذا زيدٌ يضربُهُ عمرٌو، برفع "زيد" على أنه مبتدأ، ولا يجوز
نصبه بتقدير فعلٍ؛ لأن "إذا" الفجائية لا يقع الفعل بعدها لا ظاهرا ولا
مقدرا.
الموضع
الثاني: إذا
وقع الفعل بعد أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كأدوات الشرط والاستفهام
والتحضيض ونحوها، مثل: زيدٌ إِنْ رأيتَهُ فَأَكْرِمْهُ، وزيدٌ هل رأيتَهُ؟، وزيدٌ
هَلاَّ أكرمتَهُ، فيجب رفع المشغول عنه في هذه الأمثلة ولا يجوز نصبه؛ لأن ما بعد
أدوات الشرط والاستفهام والتحضيض لا يعمل فيما قبله
الصورة
الثالثة: جواز رفع المشغول عنه ونصبه مع ترجيح النصب: وذلك في خمسة
مواضع:
الموضع
الأول: أن
يكون الفعل المشغول بالضمير فِعْلَ أَمْرٍ أو نَهْيٍ أو دعاءٍ، ولو بصيغة الخبر،
فالأمر نحو: زيدًا اضْرِبْهُ، وزيدًا لِيَضْرِبْهُ خالدٌ، والنهي نحو: زيدًا لا
تَضْرِبْهُ، والدعاء نحو: اللَّهُمَّ عَبْدَكَ ارْحَمْهُ، ومثال الدعاء بصيغة
الخبر: زيدًا غَفَرَ اللهُ له.
فيترجح
نصب المشغول عنه في هذه الأمثلة على رفعه؛ لأن الطلب إنما يكون بالفعل، ولأنه لو
رُفِعَ الاسمُ المتقدمُ لصارت الجملة بعده خبرًا عنه وهي طلبية، والإخبار بالجملة
الطلبية-وإن كان جائزا عند الجمهور-لكنه خلاف الأصل، لكونها لا تحتمل الصدق والكذب.
الموضع
الثاني: أن
يقع المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها الفعل، كهمزة الاستفهام وأدوات النفي
كـ"ما" و"لا" و"إِنْ"، فمثال همزة الاستفهام: أزيدًا
ضَرَبْتَهُ؟ وقوله-تعالى-: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾([84])، ومثال النفي:
ما زيدًا رَأَيْتُهُ، ولا زيدًا رأيتُهُ، وإنْ زيدًا رأيتُه، فيترجح النصب بفعل
محذوف؛ لأن الغالب في همزة الاستفهام أن يقع بعدها الفعل، وشَبَّهُوا أحرف النفي
بأحرف الاستفهام في أن الكلام معها غير موجب.
فإذا
فُصِلَ بين الهمزة والاسم المشغول عنه بفاصلٍ فالراجح الرفعُ نحو: أَأَنْتَ زيدٌ تضربُهُ؟؛
لأن الهمزة حينئذ داخلة على الاسم، و"أنت" مبتدأ، و"زيد"
مبتدأ ثان، وجملة "تضربه" خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، وإذا جُعِلَ
"أنت" فاعلاً بفعل محذوف فالراجح النصب؛ لأن الهمزة حينئذ داخلة على
فعل، والأصل: أتضربُ زيدًا تضربُهُ؟، فلما حُذِفَ الفعل الأول انفصل الضمير.
الموضع
الثالث:
أن يكون الاسم المشغول عنه جوابًا لاستفهامٍ منصوبٍ لفظًا أو محلاًّ بما يليه،
نحو: زيدًا ضربتُه، جوابا لمن قال: أَيَّهُمْ ضَرَبْتَ؟ أو مَنْ ضَرَبْتَ؟، وذلك
لكي يطابق الجواب السؤال في الجملة الفعلية، فإذا كان الاستفهام مرفوعا نحو:
أَيُّهُمْ ضَرَبْتَهُ؟ تَرَجَّحَ الرفعُ لكي يطابق الجواب السؤال في الجملة
الاسمية.
الموضع
الرابع:
أن يقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف سبقته جملة فعلية، ولَمْ يُفْصَلْ بَيْنَ
العاطف والمشغول عنه بـ"أَمَّا"، نحو: قام زيدٌ وخالدًا أكرمتُهُ، فيجوز
رفع "خالد" على أنه مبتدأ، ونصبه بتقدير فعل، أي: وأكرمتُ خالدًا،
والنصب أرجح لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية، وهو أولى من عطف الاسمية على
الفعلية، وإن كان جائزا، ولو رفع ما بعد العاطف على أنه مبتدأ لعطفت جملة اسمية
على جملة فعلية، فلا يحصل تناسب بين المعطوف والمعطوف عليه.
ومنه
قوله-تعالى-: ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.
وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا﴾([85]) فـالأنعامَ
منصوب بفعل محذوف أي: وخَلَقَ الأنعامَ، فالنصب راجح لتعطف جملة فعلية وهي
"وخلق الأنعامَ" على جملة فعلية تقدمت، وهي "خَلَقَ الإِنْسَانَ".
و"حَتَّى"
و"لَكِنْ" و"بَلْ" حكمها كحكم الواو، فيقال: ضربتُ القومَ حَتَّى
زيدًا ضربتُهُ، وما رأيتُ زيدًا لَكِنْ خالدًا أكرمتُهُ، وما أكرمتُ زيدًا بَلْ
خالدًا أكرمتُهُ.
الموضع
الخامس: أن
يتوهم في الرفع أن الفعل المشغول صفة لما قبله، نحو قوله-تعالى-: ﴿إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾([86])، لأنه لو رفع
"كُلَّ" احتملت جملة "خلقناه" أن تكون خبرا لـ"كل"،
والجملة خبر "إِنَّ"، ومعنى هذا أن الله خلق كل شيء بقدر خيرا كان أو
شرا، وهذا مذهب أهل السنة، واحتمل-أيضا-أن تكون جملة "خلقناه" صفة
لـ"شَيْءٍ"، فيكون "بقدر" خَبَرَ "كلّ"، ومعنى هذا
أن بعض الموجودات كالشر مثلا لم يخلقها الله بقدر، وهذا مذهب المعتزلة، وأما مع
نصب "كُلَّ" فلا يتوهم أن الفعل صفة؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وما
لا يعمل لا يفسر عاملا محذوفا.
الصورة
الرابعة: ترجيح الرفع مع جواز النصب: وذلك في موضعين:
الأول: في الموضع
الثاني من الصورة الثالثة: إذا وقع المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها الفعل،
وفُصِلَ بين الهمزة والمشغول عنه بفاصلٍ، فالراجح الرفعُ نحو: أَأَنْتَ زيدٌ
تضربُهُ؟؛ لأن الهمزة حينئذ داخلة على الاسم.
الثاني:
في
الموضع الثالث من الصورة الثالثة: أن يكون المشغول عنه جوابا لاستفهام مرفوع، نحو:
أَيُّهُمْ ضَرَبْتَهُ؟ فيقال: زيدٌ ضربته، فيتَرَجَّحَ الرفعُ لكي يطابق الجواب
السؤال في الجملة الاسمية.
الصورة
الخامسة: استواء الرفع والنصب بدون ترجيح لأحدهما على الآخر، وذلك في
الموضع الرابع من الصورة الثالثة: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف سبقته جملة
فعلية وقعت خبرا عن مبتدأ، واشتملت الجملة الثانية على ضمير المبتدأ، ولَمْ
يُفْصَلْ بَيْنَ العاطف والمشغول عنه بـ"أَمَّا"، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَالشَّمْسُ
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ. وَالقَمَرَ
قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾([87])، فقد قرأ بعض
السبعة: "وَالقَمَرَ" بالنصب، بتقدير فعل، أي: قَدَّرْنَا القَمَرَ،
وبذلك تُعْطَفُ جملة الاشتغال الفعلية على جملة "تجري" الواقعة خبرا عن
المبتدأ، وهي الجملة الصغرى، وقرأ بقية السبعة: "وَالقَمَرُ" بالرفع على
أنه مبتدأ، وخبره جملة "قَدَّرْنَاهُ"، وبذلك تُعْطَفُ جملة
"وَالقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ" الاسمية على الجملة الاسمية الكبرى
"وَالشَّمْسُ تَجْرِي".
وكذلك
يستوي الوجهان إذا كانت الجملة الثانية معطوفة بالفاء نحو: زيد قام فخالدٌ أكرمته،
أو فخالدًا أكرمته، برفع "خالد" ونصبه، فالرفع بالعطف على الجملة الكبرى
الاسمية، والنصب بالعطف على الجملة الصغرى الفعلية الواقعة خبرا عن المبتدأ.
بابُ تَعَـدِّي الفـعلِ ولُزُومِـهِ
للفعل
ثلاثة أنواع:
النوع
الأول: ما لا يوصف بِتَعَدٍّ ولا لُزُومٍ: وهو "كان" وأخواتها
في حالة نقصها، فإن منصوبها خبرٌ لها، وليس مفعولا لها، وكان في الأصل خبرًا للمبتدأ.
النوع
الثانِي: الفعل المتعدي: وهو الذي يَصِلُ بنفسه إلى المفعول به، نحو:
ضربتُ زيدًا.
وللفعل
المتعدي علامتان:
الأولى: أن تتصل به
هاءٌ تعود على المفعول به، نحو زيدٌ ضربهُ عمرٌو، واحترزنا بالمفعول به من الهاء
التي تعود على المصدر، فإنها تتصل بالفعل المتعدي نحو: الضربُ ضربتُهُ زيدًا،
وباللازم نحو: الخروجُ خَرَجَهُ زيدٌ.
الثانية: أن يُصَاغَ
منه اسمُ مفعولٍ تامٌّ، بحيث لا يُحْتَاجُ معه إلى حرف جَرٍّ نحو: زيد مضروب،
فمضروب اسمُ مفعولٍ تامٌّ لا يحتاج إلى حرف جر لكي يتم معناه.
وحكم
الفعل المتعدي أنه يَنْصِبُ المفعولَ به([88])،
فتقول: ضربت زيدا، فإن ناب عن الفاعل رُفِعَ المفعول، وبُنِيَ الفعلُ للمجهول،
نحو: ضُرِبَ زيدٌ.
النوع
الثالث: الفعل اللازم: وهو الذي لا يصل إلى مفعوله بنفسه، وإنما يصل
إليه بحرف الجر، نحو: مررت بزيدٍ، أو بغير حرف الجر مما يؤدي إلى التعدية كالهمزة،
نحو: أَضَعْتُ الكتابَ([89])، والأصل:
ضَاعَ الكتابُ.
وللفعل
اللازم علاماتٌ كثيرةٌ، من أشهرها ما يلي:
1-ألا
تتصل به هاءُ المفعول به، فلا يقال: زيدٌ خَرَجَهُ خالدٌ، بل يقال: خرج إليه خالد،
وإنما تتصل به هاء ضمير المصدر فيقال: الخروجُ خَرَجَهُ زيدٌ.
2-ألا
يصاغ من مصدره اسمُ مفعولٍ تامٌّ، فلا يقال: زيد مَخْرُوجٌ، بل يحتاج إلى حرف الجر
ليتم معناه فتقول: زيد مخروجٌ إليه أو مخروج به.
3-أن
يكون الفعل دَالَّا على سجية، وهي الطبيعة والصفة اللازمة لصاحبها التي لا تكاد
تفارقه، مثل: شَرُفَ زيد، وكَرُمَ خالدٌ، وظَرُفَ أحمدُ.
4-أن
يكون الفعل دَالَّا على عَرَضٍ، وهو المعنى الطارئ الذي ليس له طولُ ثباتٍ، نحو:
مَرِضَ زيدٌ، واحْمَرَّ وجهُهُ، وارتعشت يده.
5-أن يكون الفعلٍ دالًّا على مُطَاوعة فاعِلِهِ لفاعلِ فِعْلٍ
مُتَعَدٍّ لواحدٍ([90])، نحو:
كَسَرْتُ الزجاجَ فانْكَسَرَ، ومَدَدْتُ الثوبَ فامتدَّ، ففاعل الفعل اللازم
قَبِلَ الأَثَرَ من فاعل الفعل المتعدي إلى مفعول واحد، فإن كان مطاوعا لفعل
متعدٍّ لاثنين، لَمْ يكن لازما، بل يكون متعديًّا إلى واحد، نحو: عَلَّمْتُ محمدًا
القرآنَ فَتَعَلَّمَهُ، وفَهَّمْتُ زيدًا الحُكْمَ ففهمه([91]).
وحكم
الفعل اللازم أنه يتعدى إلى مفعوله بحرف الجر، ويختلف حرف الجر باختلاف
المعنى نحو: مَرَرْتُ بِخَالِدٍ، وعجبت منه، وذهبت إليه.
وقد
يحذف حرف الجر ويبقى عمله شذوذا كقول الشاعر:
إذا
قِيلَ: أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ؟ أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ([92])
وقد
يُحْذَفُ حَرْفُ الجر فيتعدى الفعل بنفسه، وينصب المجرور إن كان في محل نصب.
وهذا
على ثلاثة أقسام:
الأول:
سماعي
جائز في النثر نحو: نَصَحْتُهُ، وشَكَرْتُهُ، ووَزَنْتُهُ القمحَ، وكِلْتُهُ
حَقَّهُ، قال-تعالى-: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾([93])،
والأكثر أن تُذْكَرَ اللامُ الجارة كقوله-تعالى-: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾([94])،
وقوله-تعالى-: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي﴾([95])،
وهذا ما اختاره ابن هشام، وذهب بعض النحاة إلى أن الأكثر عدم ذكر الجارِّ مع هذه
الأفعال.
والحَقُّ
أن هذه الأفعال وردت متعديةً بنفسها عند بعض العرب، ووردت متعدية بحرف الجر عند بعضهم
الآخر، والصواب أن كلا الاستعمالين صحيح وليس أحدهما أكثر من الآخر، بدليل ورودها
بالوجهين في القرآن الكريم.
الثاني:
سماعي
خاص بالشعر، أي أنه ضرورة، وذلك كقول الشاعر:
تَمُرُّونَ
الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا كَلاَمُكُمُ
عَلَيَّ إِذًا حَرَامُ([96])
أي:
تَمُرُّونَ بالديار، فحذف حرف الجر، فالديار منصوب على نزع الخافض، وهذا يسمى
الحذف والإيصال أي: حذف حرف الجر وإيصال الفعل اللازم بنفسه إلى مفعوله ونصبه به([97])،
ومثله قول الآخر:
آلَيْتُ
حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ وَالحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي القَرْيَةِ
السُّوسُ([98])
أي: آلَيْتُ على حَبِّ
العراقِ.
الثالث:
قياسيٌّ
مُطَّرِدٌّ في الشعر والنثر، وذلك مع "أَنَّ" و"أَنْ"
و"كي"([99])،
لأن هذه الموصولات الحرفية لما طالت صلتها جاز حذف الجارِّ معها، نحو: عَجِبْتُ
أَنْ قام زيدٌ، أي: مِنْ أَنْ قَامَ، ونحو: عَجِبْتُ أَنَّكَ مهملٌ، أي: من
أَنَّكَ مهملٌ، قال-تعالى-: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾([100]) أي: بأنه،
وقال-تعالى-: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾([101]) أي: فِي أَنْ
يُؤْمِنُوا، وقال-تعالى-: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ
رَبِّكُمْ﴾([102]) أي: مِنْ أَنْ
جاءكم، فـ"أنْ" و"أنَّ" وما دخلتا عليه في تأويل مصدر مجرور،
ومثال "كي" قوله-تعالى-: ﴿كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً﴾([103]) أي: لكي لا
يكون.
ولا
يُقاس على "أَنَّ" و"أَنْ" و"كَيْ" غيرُهَا من
الأدوات، فلا يقال مثلا: بَرَيْتُ القَلَمَ السِّكِّينَ، على أن الأصل: بريتُ
القلمَ بالسكينِ، فهو غير جائز.
حذف المفعول به
المفعول
به فضلة، يمكن الاستغناء عنه في الكلام؛ ولكن الأصل فيه أن يكون مذكورا في الكلام،
ولكن قد يجوز حذفه أحيانا، وقد يجب ذكره أحيانا.
جواز
حذف المفعول به: يجوز حذف المفعول به لغرض لفظي أو معنوي، فمن
الأغراض اللفظية:
1-تَنَاسُبُ
الفواصل: وهي رءوس الآيات القرآنية، كما في قوله-تعالى-: ﴿مَا وَدَّعَكَ
رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾([104]) أي: وما قَلاَكَ،
وكقوله-تعالى-: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى. إِلاَّ
تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾([105]) أي: لمن يخشاه
وهو القرآن.
2-للإيجاز
والاختصار كقوله-تعالى-: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾([106]) أي: لَمْ
تفعلوه ولن تفعلوه أي الإتيان بسورة من مثله، وكقوله-تعالى-: ﴿وَقالَ الَّذِينَ
لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾([107]) أي: لا يعلمون
شيئا([108]).
ومن
الأغراض المعنوية:
1-احتقار
المفعول: كما في قوله-تعالى-: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾([109]) أي الكافرين.
2-استهجان ذكر المفعول كقول السيدة عائشة-رضي الله عنها-: "ما رأيتُ منه ولا رأى مني"
أي العَوْرَةَ، تعني النبي-r-.
3-إرادة التهويل كقوله-تعالى-: ﴿كَلاَّ
سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾([110]) أي: سيعلمون
ما يَحُلُّ بهم من العذاب.
امتناع
حذف المفعول به: يمتنع حذف المفعول به في مواضع، منها:
1-أن
يكون المفعول به محصورًا نحو: ما ضربتُ إلا زيدًا، فلا يجوز حذف المفعول به
المحصور، وإلا كان الكلامُ دالاًّ على نَفْيِ الضرب مطلقًا، والمقصود نَفْيُهُ عن
غير زيد.
2-أن يكون المفعول به هو الجوابَ المقصودَ من سؤالٍ معين، كأن يقال:
مَنْ ضربتَ؟، فتقول: ضربتُ زيدًا، فلا يجوز حذف المفعول به لأنه لا يحصل الجواب
إلا به.
حذف العامل في المفعول به
الأصل
في عامل المفعول به أن يكون مذكورًا، ولكنه قد يحذف جوازًا أو وجوبًا، فيجوز حذفه
إذا دلَّ عليه دليل نحو: مَنْ ضربتَ؟ فتقول: زيدًا، التقدير: ضربتُ زيدًا، فحذف
الفعل لدلالة ما قبله عليه، ومنه قوله-تعالى-: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾([111]) فأخاهم: مفعول
به لفعل محذوف، دل عليه ما تقدم، والتقدير: وأرسلنا أخاهم صالِحًا، وكقولك لِمَنْ
تَأَهَّبَ للسفر: مَكَّةَ؟، أي أَتُرِيدُ مَكَّةَ؟.
ويجب
حذفه في أبواب معينة منها:
1-في
باب الاشتغال كما تقدم، كقوله-تعالى-: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾([112])؛ لأنه لا يجمع
بين المفسِّرِ والمفسَّرِ.
2-في
باب النداء نحو: يا زيدُ؛ لأن المنادى منصوب بعامل محذوف وجوبا، تقديره: أدعو، أو
أنادي، وحرف النداء عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه.
3-في
باب التحذير والإغراء نحو: إياك والأسدَ، فكلاهما منصوب بفعل محذوف وجوبا أي:
إِيَّاكَ بَاعِدْ واحْذَر الأَسَدَ، ونحو: الأسدَ الأسدَ أي: احذر الأسد، ومثال
الإغراء: السلاحَ السلاحَ، أي الْزَم السلاحَ.
ويجب
حذفه في الأمثال المسموعة عن العرب بالنصب نحو: الكلابَ على البقر([113])،
فالكلاب منصوب بفعل محذوف أي: أَرْسِل الكلابَ؛ لأن الأمثال لا تغير.
وفيما
جرى مجرى المثل كقوله-تعالى-: ﴿انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾([114]) أي: وَائْتُوا
خَيْرًا لكم.
المفعول المطلق
معنى
قولهم: "المفعول المطلق" أي: الذي لَمْ يُقَيَّدْ بحرف جَرٍّ أو نحوه
كبقية المفاعيل، كالمفعول به والمفعول معه وغيرهما، وإنما أُطْلِقَ هذا عن التقييد
لأنه المفعول الحقيقي لفاعلِ الفِعْلِ، حيث لَمْ يوجد من الفاعل إلا ذلك الحَدَثُ،
نحو: ضربتُ زيدًا ضربًا، فالمتكلم هو الذي فعل الضرب، بخلاف بقية المفعولات فإنها
ليست بمفعولٍ للفاعل حقيقةً، وتسمية كل منها مفعولاً إنما هو باعتبارِ إِلْصَاقِ
الفعل به أو وقوعه لأجله أو فيه أو معه، فلذلك احتاجت إلى التقييد بالجار
والمجرور.
تعريفه: هو اسم منصوب،
يُؤَكِّدُ عامِلَهُ، أو يُبَيِّنُ نوعَهُ، أو عَدَدَهُ، وليس خَبَرًا ولا حالاً.
مثال
المؤكد لعامله: ضربتُ زيدًا ضربًا، ومثال المُبَيِّنِ لِنَوْعِهِ: ضربتُه ضَرْبًا
شديدًا، ومثال المُبَيِّنِ لِعَدَدِهِ: ضربتُه ضَرْبَتَيْنِ، وضربته ثَلاَثَ
ضَرَبَاتٍ.
بخلاف
قولنا: ضربُك ضَرْبٌ شديدٌ، وقولنا: وَلَّيْتُ إِدْبَارًا، فالأول وإن بَيَّنَ
نَوْعَ عامله إلا أنه خبر عن المبتدأ، والثاني وإن أَكَّدَ عامله إلا أنه حال من
الضمير في "وَلَّيت"، فكلاهما ليس مفعولاً مطلقًا.
والغالب
في المفعول المطلق أن يكون مصدرا([115])،
والمصدر: اسم جارٍ على الفعل، يدل على حدثٍ مجردٍ عن الزمان، ومعنى جريانه على
الفعل أن يكون مساويًا لعدد حروف الفعل أو زائدًا عليه، نحو: ضَرَبَ ضَرْبًا،
وقَتَلَ قَتْلاً، وقدَّمَ تَقْدِيمًا، وانْطَلَقَ انطلاقًا، وقد يكون المفعولُ
المطلقُ اسمَ مصدرٍ([116])،
نحو اغْتَسَلَ غُسْلاً، وتَوَضَّأَ وُضُوءًا، وأعطى عطاءً، وكَلَّمَهُ كَلاَمًا.
ناصبه:
المصدر
المنصوب على المفعولية المطلقة ناصبه إما أن يكون مصدرًا مثله لفظًا ومعنًى
كقوله-تعالى-: ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا﴾([117])
فـ"جزاءً" مفعول مطلق مبين للنوع وعامله مصدر مثله وهو
"جزاؤكم"، وهو من لفظه ومعناه، أو معنًى لا لفظًا نحو: أَعْجَبَنِي
إِيمَانُكَ تصديقًا.
وإما
أن يكون ناصبه فعلا متصرفا تامًّا، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَكَلَّمَ اللهُ
مُوسَى تَكْلِيمًا﴾([118]) وقوله-تعالى-:
﴿أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾([119]).
وإما
أن يكون ناصبه وصفًا كاسمِ الفاعل
واسمِ المفعولِ وأمثلةِ المبالغةِ، نحو: أعجبني الجالس جلوسًا حسنًا، ومنه
قوله-تعالى-: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾([120]) وقوله-تعالى-:
﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾([121])
واسم المفعول نحو: الطعامُ مأكولٌ أكلاً، وأمثلة المبالغة نحو: زيدٌ ضَرَّابٌ
ضربًا، ويخرج بهذا "أفعل" التفضيل والصفة المشبهة، فلا يقال: زيدٌ
أَقْوَمُ منك قيامًا، ولا زيدٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ حُسْنًا.
أنواع
المفعول المطلق: المفعول المطلق كما سبق له ثلاثة أنواع([122]):
النوع
الأول: المُؤَكِّدُ لعامله، وصورته أن يكون مصدرًا
مُنَكَّرًا غير مضاف ولا موصوف، سواء أكان عامله فعلاً نحو قولك: ضربتُ ضربًا،
وقال-تعالى-: ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾([123])، أم كان عامله
وصفًا نحو: أنا ضاربٌ زيدًا ضربًا، ومنه قوله-تعالى-: ﴿وَالذَّارِيَاتِ
ذَرْوًا﴾، وقوله-تعالى-: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾، وقوله-تعالى-: ﴿فَالعَاصِفَاتِ
عَصْفًا﴾([124])،
وسواء أكان عامله من مادته كهذه الشواهد، أم كان العامل من مادةٍ مرادفةٍ لمعناه
نحو قولك: قعدتُ جُلُوسًا، وأنا قاعدٌ جُلُوسًا.
النوع
الثاني: المفعول المطلق المبين للنوع، وله ثمانِي
صُوَرٍ:
الأولى:
أن يكون مصدرًا مضافًا نحو: صَنَعْتَ صُنْعَ الحُكَمَاءِ، وسِرْتَ سَيْرَ
السُّلَحْفَاةِ.
الثانية:
أن يكون مصدرا مقرونا بـ"أل" العهدية، أو "أل" الجنسية الدالة
على الكمال، نحو دافعتُ عن محمدٍ الدِّفَاعَ، أي الدفاعَ المعهودَ بينك وبين
المخاطب، أو الدفاعَ الكاملَ الذي لا مثيل له.
الثالثة:
أن يكون المصدر موصوفًا نحو: ضربتُهُ ضربًا شديدًا، ومنه قوله-تعالى-: ﴿وَتَأْكُلُونَ
التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا. وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا﴾([125]).
الرابعة: أن يكون المفعول المطلق وصفًا
مضافًا إلى المصدر نحو: رَضِيتُ عن عَلِيٍّ أَجْمَلَ الرِّضَا، ودافعتُ عنه
أَشَدَّ الدفاع، وسرتُ أحسنَ السَّيْرِ.
الخامسة: أن يكون المفعول المطلق
اسمَ إشارةٍ موصوفًا بمصدر مُحَلًّى بـ"أل" نحو: أكرمتُهُ ذلك الإِكْرَامَ،
وضربته ذلك الضربَ.
السادسة: أن يكون المصدر نفسه دالاًّ على
نوع من أنواع عامله نحو: سِرْتُ الخَبَبَ لنوع من السير، ورَجَعْتُ القَهْقَرَى
لنوع من الرجوع، وقعدتُ القُرْفُصَاءَ لنوع من القعود.
السابعة:
أن يكون المفعول المطلق لَفْظَ "كُلٍّ" أو "بَعْضٍ" مضافًا
إلى مصدرٍ نحو قوله-تعالى-: ﴿فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ﴾([126])،
ومنه قول مجنون ليلى:
وَقَدْ
يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعْدَمَا يَظُنَّانِ
كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لاَ تَلاَقِيَا([127])
الثامنة:
أن يكون المفعول المطلق اسمَ آلةٍ للعامل فيه، نَحو: ضربتُهُ سَوْطًا، وضربتُهُ
عَصًا.
النوع
الثالث: المفعول المطلق المبين للعدد، وله ثلاث صور:
الأولى:
أن يكون مصدرًا مختومًا بتاء الوَحْدَةِ نحو: ضربتُهُ ضَرْبَةً، وجَلَدْتُهُ
جَلْدَةً.
الثانية:
أن يكون مصدرًا مختومًا بعلامة تثنية أو جمع نحو: ضربتُهُ ضَرْبَتَيْنِ،
وضَرَبْتُهُ ضَرَبَاتٍ.
الثالثة:
أن يكون اسمَ عَدَدٍ مُمَيَّزًا بمصدرٍ كقوله-تعالى-: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾([128]).
والمفعول
المطلق المبين للنوع والمبين للعدد كلاهما يؤكِّدُ عاملَهُ زيادةً على إفادته بيان
النوع أو بيان العدد؛ لأنه لا يمكنك بيان النوع أو العدد إلا بتوكيد مَعْنَى
العاملِ، وقد يفيد لفظُ المفعول المطلق الأمورَ الثلاثةَ مجتمعةً، نحو: ضربتُ
زيدًا ضَرْبَتَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ، وسرتُ سَيْرَيْ زيدٍ.
حذف
المصدر وإنابة غيره عنه: يجوز حذف المصدر وإنابة غيره عنه، وهذا النائب
يُنْصَبُ على أنه مفعول مطلق، ولا يقال: إنه مصدر، إِذْ مصدر العامل المذكور في
الكلام قد حُذِفَ، والأشياء التي تصلح للنيابة عن المصدر كثيرة، وقد سبق ذكرها في
أنواع المفعول المطلق، ومنها:
1-صفة
المصدر نحو: سِرْتَ
حَسَنًا، أي: سيرًا حسنًا، فحذف المصدر ونابت صفته عنه، ونحو: ضَرَبْتُهُ ضَرْبَ
الأميرِ اللِّصَّ([129]).
2-ضمير
المصدر نحو قوله-تعالى-: ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَ أُعَذِّبُهُ
أَحَدًا﴾([130])
أي: لا أُعَذِّبُ التَّعْذِيبَ الخاصَّ أحدًا، ومثله: محمدًا أَظُنُّهُ جالسًا،
فمحمد مفعول أول، وجالسا مفعول ثان، والضمير نائب عن مفعول مطلق محذوف والتقدير:
أظن الظَّنَّ محمدًا جالسًا، أو أظن ظَنِّي.
3-اسم
إشارةٍ موصوفٌ بمصدرٍ مُحَلًّى بـ"أل" نحو: أكرمتُهُ ذلك الإِكْرَامَ،
وضربته ذلك الضربَ، فـ"ذا" اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول
مطلق، والإكرام بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان له، والأصل: أكرمتُهُ إكرامًا ذلك
الإكرامَ.
4-مرادف
المصدر، وهو ما خَالَفَ لَفْظُهُ لَفْظَ العامل وَوَافَقَ معناه نحو: قعدتُ
جُلُوسًا، فـ"جلوسًا" مفعول مطلق، وهو نائب عن مصدر الفعل المذكور، لأن
مصدره "قعودًا"، ولكن لَمَّا كان القعودُ والجلوسُ بمعنًى واحدٍ صَحَّت
النيابة، ومثله: شَنِئْتُهُ بُغْضًا، وأَحْبَبْتُهُ مِقَةً، وفَرِحْتُ جَذَلاً،
وكأنه قيل: شَنِئْتُهُ شَنْأً، وأحببته حُبًّا، وفَرِحْتُ فرحًا([131]).
5-الاسم
المشارك للمصدرِ المَحْذُوفِ في مادته، وهو ثلاثة أنواع:
أ-اسمُ
المصدر
نحو: أعطى الغَنِيُّ عَطَاءً جَزْلاً، فـ"عطاءً" مفعول مطلق لأنه اسم
مصدر للفعل "أعطى" الذي مصدره إعطاء.
ب-مصدرٌ
لفعلٍ آخَرَ كقوله-تعالى-: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾([132])
فـ"تَبْتِيلاً" مفعول مطلق، وهو مصدر للفعل "بَتَّلَ"، وقد
ناب عن مصدر الفعل "تَبَتَّلَ" وهو "تَبَتُّلاً".
جـ-اسمُ
عين أي ذات كقوله-تعالى-: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾([133])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا﴾([134])
فـ"نباتًا" اسم ذات للشيء النابت من زرعٍ أو غيره، وهو مفعول مطلق نائب
عن مصدر الفعل "أَنْبَتَ" وهو "إِنْبَاتًا".
6-ما كان نوعًا من أنواع الفعل نحو: سِرْتُ الخَبَبَ لنوعٍ من
السير، ورَجَعْتُ القَهْقَرَى لنوع من الرجوع، وقعدتُ القُرْفُصَاءَ لنوع من
القعود، أي السَّيْرَ الخَبَبَ، والرجوعَ القَهْقَرَى، والقُعُودَ القُرْفُصَاءَ.
7-الاسم
الدال على عدد المصدر
كقوله-تعالى-: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾([135])،
ونحو: ضربته عَشْرَ ضَرَبَاتٍ، فـ"عشر" مفعول مطلق نائب عن المصدر
المحذوف، والأصل: ضربًا عَشْرَ ضرباتٍ.
8-اللفظ
الدال على آلة المصدر
نحو: ضربتُهُ سَوْطًا، وضربتُهُ عَصًا، ورميتُ سَهْمًا، والأصل: ضربتُهُ ضَرْبَ
سَوْطٍ، وضَرْبَ عَصًا، ورميتُ رَمْيَ سَهْمٍ، فحذف المصدر وأقيمت الآلة مقامه.
9-لفظ
"كُلٍّ" أو "بَعْضٍ" ونحوهما من الألفاظ الدالة على
العموم أو الخصوص، بشرط أن تضاف لمثل المصدر المحذوف، فمثال "كُلٍّ"
قوله-تعالى-: ﴿وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ﴾([136])، ومثال
"بعض" قولنا: طَمِعَ زيدٌ بعضَ الطَّمَعِ، وقوله-تعالى-: ﴿وَلَوْ
تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ﴾([137])،
ومثال غيرهما: ضربتُهُ جميعَ الضَّرْبِ، أو عَامَّةَ الضرب، ومن ذلك قول مجنون
ليلى السابق:
وَقَدْ
يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعْدَمَا يَظُنَّانِ
كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لاَ تَلاَقِيَا
المفعـول من أجله
ويُسَمَّى المفعولَ لأَجْلِهِ،
والمفعولَ له.
تعريفه: هو المصدر الـمُبَيِّنُ عِلَّةَ ما قبله، المشاركُ لعامِلِهِ في الوقتِ
والفاعلِ، أو بمعنًى آخَرَ: هو ما فُعِلَ الفِعْلُ لأَجْلِهِ، نحو: جئتُ رغبةً
فيك.
فـ"رغبةً" مصدر يدل على العلة التي
فُعِلَ الفعلُ لأجلها؛ لأن المعنى: جئت للرغبة فيك، وهو مشاركٌ لعامله
"جئتُ" في الوقت؛ لأن زمن الرغبة هو زمن المجيء، ومشارك له في الفاعل؛
لأن فاعل المجيء هو فاعل الرغبة، وهو المتكلم، قال-تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ
صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾([138])
فـ"ابتغاءَ" مفعول لأجله، وقال-تعالى-: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وَطَمَعًا﴾([139])،
وقال-تعالى-: ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾([140])
فـ"حَسَدًا" مفعول لأجله.
شروطه:
يشترط
في المفعول له خمسة شروط، وهي:
1-أن
يكون مصدرًا لا ذاتا: لأن المصدر يدل على العلة، والذات لا تكون علة للأفعال، فلا
يجوز: جِئْتُكَ السَّمْنَ والعَسَلَ، بنصبهما لأن كل واحد منهما اسم ذات وليس
مصدرا.
2-أن
يكون المصدر قلبيا: أي من أفعال النفس الباطنة
كالرغبة والرهبة والطمع والإشفاق ونحوها، لا من أفعال الحواس الظاهرة كالضرب
والقتل والمشي، فلا يجوز: جِئْتُكَ قَتْلاً للكافر؛ لأنه من أفعال اليد، ولا يجوز:
جئتك قِرَاءَةً للعلم؛ لأنه من أفعال اللسان، وهذا الشرط قاله ابن الخباز، ولكن
يجوز: إرادة قراءة العلم، وإرادة قتل الكافر؛ لأن الإرادة من الأفعال الباطنة.
3-أن
يكون المصدر عِلَّةً للعامل فيه: سواء أكان
عَرَضًا أي وصفا غَيْرَ ثابتٍ كالرغبة والرهبة، أم كان غير عرض وهو الوصف الثابت
اللازم الذي لا يكاد يفارق موصوفه، نحو: قَعَدَ زيدٌ عن الحرب جُبْنًا.
4-اتحاده
مع الفعل المُعَلَّلِ به في الوقت بأن يكون
وَقْتُ الفعلِ المُعَلَّلِ والمصدرِ المُعَلِّلِ واحدًا، فإن لَمْ يَتَّحِدَا في
الوقت امتنع نصبه، فلا يجوز: تَأَهَّبْتُ السَّفَرَ؛ لأن زمن التأهب غير زمن
السفر.
5-اتحاده
مع الفعل المـُعَلَّلِ به في الفاعل: بأن يكون فاعلُ الفعل وفاعلُ المصدر واحدًا،
كقوله-تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾([141]) ففاعل الصبر
وفاعل الابتغاء واحد، وقال-تعالى-: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾([142])
ففاعل الدعاء وفاعل الخوف والطمع واحد.
فإن
اختلف الفاعلان امتنع نصب المصدر، فلا يجوز:
جِئْتُكَ مَحَبَّتَكَ إِيَّايَ؛ لأن فاعل المجيء هو المتكلم، وفاعل المحبة هو
المخاطب.
حكم
المفعول لأجله: إذا وُجِدَتْ الشروط الخمسة السابقة في المفعول
لأجله جاز نصبه، فإن فقد شرط منها وجب جَرُّهُ بحرف التعليل عند مَن اعتبر
ذلك الشرطَ، وحروف التعليل أربعة هي: اللام و"مِنْ" و"فِي"
والباء.
فمثال
ما فقد شرط المصدرية قوله-تعالى-: ﴿وَالأَرْضَ
وَضَعَهَا لِلأَنَامِ﴾([143]) فالأنام
عِلَّةٌ لوضع الأرض وليس مصدرًا، ولذلك وجب جَرُّهُ باللام.
ومثال
ما فَقَدَ شَرْطَ كونِهِ قلبيًّا قوله-تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ
مِنْ إِمْلاَقٍ﴾([144])
فالإملاق وهو الفقر ليس قلبيا، فلذلك جر بـ"مِنْ"، بخلاف قوله-تعالى-: ﴿وَلاَ
تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ﴾([145])
فالخشية مصدر قَلْبِيٌّ فلذلك نُصِبَ.
ومثال
ما فقد شرط اتحاده مع عامله في الوقت: جِئْتُكَ
اليومَ للإكرام غدًا، ومنه قول امرئ القيس:
فَجِئْتُ وَقَدْ
نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا لَدَى
السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ([146])
فالنوم
علة لخلع الثياب، ولكنه متأخر عنه في الزمن، ولذلك جُرَّ باللام.
ومثال
ما لَمْ يَتَّحِدْ مع عامله في الفاعل: جِئْتُكَ لمَحَبَّتِكَ إِيَّايَ، ومنه قول
الشاعر:
وَإِنِّي
لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ كَمَا
انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ([147])
وقد
انتفى الاتحادان: اتحادُ الوقت واتِّحَادُ الفاعل في قوله-تعالى-: ﴿أَقِمِ
الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾([148]) فإن فاعل الإقامة هو المخاطَبُ، وفاعل الدُّلُوكِ-ومعناه مَيْلُ
الشمس عن وسط السماء-هو الشمس، وزمنهما مختلف أيضا؛ لأن زمن الإقامة متأخر عن زمن
الدلوك، فلذلك وجب جره باللام.
ولا
يعرب في حالة الجر مفعولاً له؛ لأن هذا المصطلح
خاصٌّ بحالة النصب، وإنما هو جار ومجرور متعلق بالعامل، ولكن معناه في حالتي نصبه
وجره لا يختلف، فهو علة لفعله.
أنواع
المفعول لأجله ثلاثة([149]): مجرد من
"أل" والإضافة-محلى بـ"أل"-مضاف.
وكلها يجوز أن تُنصب، وأن تجر بحرف التعليل، لكن الأكثر فيما تجرد من
"أل" والإضافة النصبُ، قال-تعالى-: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وَطَمَعًا﴾([150])،
ولو قيل في غير القرآن: للخوف والطمع بالجر لكان جائزا.
وأما
المحلى بـ"أل" فالأكثر جَرُّهُ، ويَقِلُّ نصبه، نحو: جِئْتُكَ للإكرامِ،
ويجوز بِقِلَّةٍ: جئتُكَ الإِكْرَامَ.
وأما
المضاف فيجوز فيه الأمران على السواء: النصب والجر، كقوله-تعالى-: ﴿يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾([151])،
وكقوله-تعالى-: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ
حَذَرَ المَوْتِ﴾([152])
بالنصب فيهما، وكقوله-تعالى-: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ﴾([153])
بالجر.
المفعول فيه وهو المسمى ظرفًا
المفعول
فيه: اسمُ زَمَانٍ أو مكانٍ ضُمِّنَ مَعْنَى "فِي" الدالَّةِ على
الظرفية باطرادٍ، أو اسمٌ عَرَضَتْ دلالته على الزمان أو المكان، أو اسمٌ جارٍ
مَجْرَى أَحَدِهِمَا.
شرح
التعريف:
أما
الزمان فنحو: سافرتُ يومَ الخميس، وأما المكان فنحو: صَلَّيْتُ خَلْفَ
مَقَامِ إبراهيم، فـ"يوم" اسم زمان، و"خَلْفَ" اسم مكان، وكل
منهما متضمن معنى "فِي" الظرفية، ولذا صح أن يقال: إن ظرف الزمان
يُبَيِّنُ الزَّمَنَ الذي حصل فيه الفعلُ، وظرف المكان يُبَيِّنُ المكانَ الذي حصل
فيه الفعل، وهذا التضمين باطِّرَادٍ: أي في كل الأحوال مع جميع الأفعال،
فتقول: سافرتُ أو قَدِمْتُ أو صُمْتُ يوم الخميس ونحو ذلك.
والاسم
الذي عَرَضَتْ دلالتُهُ على الزمان أو المكان واحد من أربعة أشياء:
الأول:
أسماء
العدد المـُمَيَّزَةُ بواحدٍ منهما، نحو: سِرْتُ عشرين يومًا، وسرتُ ثلاثين
فَرْسَخًا، فـ"عشرين" مفعول فيه منصوب على أنه ظرف زمان لأنه مُيِّزَ
بـ"يومًا" وهو من أسماء الزمان، وكذلك "ثلاثين" ظرفُ مكانٍ
لأنه مُيِّزَ بـ"فَرْسَخًا" وهو من أسماء المكان.
الثاني: ما دل على
كُلِّيَّةِ الزمان أو المكان، أو جُزْئِيَّتِهِما، نحو: سِرْتُ جَمِيعَ اليَوْمِ
جَمِيعَ الفَرْسَخِ، وسِرْتُ كُلَّ اليومِ كُلَّ الفَرْسَخِ،
فـ"جَمِيعَ" و"كُلَّ" منصوبان على الظرفية لأنهما لَمَّا
أُضِيفَا إلى اسمِ زمانٍ أو مكانٍ، عَرَضَتْ لهما اسميةُ الزمانِ والمكانِ، وصارَا
دَالَّيْنِ على عُمُومِ الزمانِ والمكانِ المرادِ، ومثال ما دَلَّ على
جُزْئِيَّتِهِمَا: سِرْتُ بَعْضَ اليومِ بَعْضَ الفَرْسَخِ، وسِرْتُ نِصْفَ اليومِ
نِصْفَ الفَرْسَخِ، فـ"بعض" و"نصف" منصوبان على الظرفية
لأنهما لما أضيفا إلى الزمان والمكان عرضت لهما الظرفية، وصارا دَالَّيْنِ على جزء
من الزمان والمكان.
الثالث: ما كان صفةً
لظرفِ الزمانِ أو ظرفِ المكانِ، نحو: جلستُ طويلاً من الدهر شَرْقِيَّ الدارِ،
فـ"طويلاً" و"شرقِيَّ" مفعول فيهما منصوبان نَصْبَ ظَرْفِ
الزمان والمكان؛ لأنهما لَمَّا وُصِفَ بهما الزمانُ والمكانُ المحذوفُ عَرَضَتْ
لهما الظرفيةُ، والأصل: جلستُ زمانًا طويلاً مكانًا شرقيًّا.
الرابع: ما كان مضافا
إلى أحدهما ثم حُذِفَ الظرفُ المضاف، وأُنِيبَ عنه المضافُ إليه بعد حذف المضاف،
والغالب في هذا المضاف إليه النائبِ أن يكون مصدرًا، والغالب في المضافِ المحذوفِ
أن يكون ظرفَ زمانٍ([154])،
ولا بُدَّ من أن يكون مُعَيِّنًا لوقتٍ أو لمقدارٍ، فالمعين للوقت نحو: جِئْتُكَ
صَلاَةَ العَصْرِ، وانتظرتُكَ قُدُومَ الحَاجِّ، فـ"صلاة" و"قدوم"
ظرفا زمانٍ؛ لأنهما لَمَّا نَابَا عن ظرف الزمان عَرَضَتْ لهما الظرفيةُ، والأصل:
وَقْتَ صلاةِ العصر، ووَقْتَ قُدُومِ الحاجِّ، فلما حُذِفَ الظرفُ المضاف أُنِيبَ
المضافُ إليه عنه.
ومثال
المـُحَدِّدِ للمقدار: انتظرتُكَ حَلْبَ ناقةٍ، وانتظرتُكَ نَحْرَ جَزُورٍ،
فـ"حَلْبَ" و"نَحْرَ" ظرفا زمانٍ، والأصل: مِقْدَارَ حَلْبِ
ناقةٍ، ومِقْدَارَ نَحْرِ جَزُورٍ، فحُذِفَ الظرفُ المضافُ وأُقِيمَا مُقَامَهُ.
والجاري
مجرى أحدهما: ألفاظ مسموعة تَوَسَّعت العرب فيها، فنصبوها على تضمينِ
مَعْنَى "في"، كقولهم: أَحَقًّا أَنَّكَ ذاهبٌ؟، فـ"حَقًّا"
ظرف زمان متعلق باستقرار محذوف، خبرٌ مقدمٌ، و"أَنَّكَ ذَاهِبٌ" في
تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر، على حد قوله-تعالى-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً﴾([155])،
والأصل: أَفِي حَقٍّ أنك ذاهبٌ، فلما حذفت "فِي" نُصِبَ
"حَقًّا" على أنه ظرف زمان.
حكم
المفعول فيه: المفعول فيه بنوعيه حكمه النصب، والناصب له هو اللفظُ
الدَّالُّ على المعنى الواقعِ فيه من فعلٍ أو اسمِ فِعْلٍ أو مصدرٍ أو وَصْفٍ.
فمثال
الفعل: صمتُ يَوْمَ الخميس، فالمعنى الواقع في الظرف هو الصيام، واللفظ الدال عليه
هو الفعل "صمتُ"، فالفعل هو الناصب للظرف، وقال-تعالى-: ﴿وَإِنَّمَا
تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ﴾([156])، ومثال المصدر
قوله-تعالى-: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ يَوْمَ
القِيَامَةِ﴾([157]) فـ"يوم
القيامة" ظرف، والعامل فيه هو المصدر "ظَنُّ"، ومثال الوصف
قوله-تعالى-: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا﴾([158])
فـ"يَوْمَ" ظرف منصوب، والعامل فيه اسم الفاعل "آتِيهِ".
وهذا
العامل له ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون
مذكورًا، وهذا هو الأصل، كما في الأمثلة والشواهد السابقة.
الثانية: أن يكون
محذوفًا جوازًا، وذلك إذا دَلَّ عليه دليلٌ، كأن يقال: مَتَى سَافَرْتَ؟، فتقول:
يَوْمَ الخميس، ومتى جئتَ؟ فتقول: اليومَ، وأَيْنَ صَلَّيْتَ؟ فتقول: عند الكعبة، أي:
سافرت يوم الخميس، وجئت اليومَ، وصليت عند الكعبة.
الثالثة: أن يكون محذوفًا وجوبًا، وذلك في المسائل التالية:
1-إذا وقع الظرف صفةً: نحو قوله-تعالى-: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ
رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾([159]) فـ"عند" صفة لـ"يومًا".
2-إذا وقع الظرف خَبَرًا (لمبتدأ، أو الناسخ، أو مفعولا ثانيا لـ"ظن"
وأخواتها)، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾([160]) ونحو: زيدٌ عِنْدَكَ.
3-إذا
وقع الظرف حالاً، نحو قوله-تعالى-: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ
فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾([161])
فـ"فوق" ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من الطير، ومثله: رأيتُ الهلالَ
بَيْنَ السحاب.
4-إذا وقع الظرف صلةً، نحو: أكرمتُ الذي عِنْدَكَ.
فهذه
المسائل الأربع لظرف المكان المنصوب بعاملٍ محذوفٍ وجوبًا، وهذا العامل المحذوف
تقديره: "كائنٌ" أو "مُسْتَقِرٌّ"، أو
"اسْتَقَرَّ"، إلا في الظرفِ الواقعِ صِلَةً، فإنه لا بُدَّ من تقدير
العامل فيه فعلا؛ لأن الصلة لا تكون إلا جملة.
5-إذا
كان الظرف مُشْتَغِلاً عنه العاملُ بضميره، نحو: يَوْمَ الخميس صُمْتُ فيه،
فـ"يوم الخميس" ظرف زمان منصوب بفعل محذوف وجوبًا والتقدير: صُمْتُ
يَوْمَ الخميس صُمْتُ فيه.
المفعـول معـه
تعريفه:
قال
ابن هشام: اسمٌ فضلةٌ، تالٍ لواو بمعنى "مَعَ"، تاليةٍ لجملةٍ ذاتِ فعلٍ
أو اسمٍ فيه معنى الفعل وحروفُهُ.
مثال
الجملة ذاتِ الفعل: سِرْتُ والطريقَ، ومثال الجملة ذات الاسم الذي فيه معنى الفعل
وحروفُهُ: أنا سائرٌ واللَّيْلَ.
فكل
من الطريق واللَّيْلِ في المثالين مفعول معه؛ لأنه استوفَى الشروطَ السابقةَ،
فالمعنى: سرتُ مع الطريق، وأنا سائرٌ مع اللَّيْلِ، وسُمِّيَ كلٌّ منهما مفعولاً
معه لأنه فُعِلَ معه فعلٌ، وهو السير الصادر من الفاعل.
ناصب
المفعول معه:
حكم
المفعول معه النصبُ، وفي ناصبه خلاف بين النحاة على أربعة أقوال:
القول
الأول:
ذهب جمهورُ البصريين وبعضُ الكوفيين إلى أن ناصب المفعول معه هو ما سبقه من فِعْلٍ
أو شِبْهِهِ، وهذا القول هو الصحيح، وشِبْهُ الفعل هو اسم الفاعل كما تقدم، أو
اسمُ المفعول نحو: الكتابُ متروكٌ والقلمَ، والناقة متروكةٌ وفَصِيلَهَا، والمصدر
نحو: أعجبني سَيْرُكَ واللَّيلَ، واسم الفعل نحو: رُويدَك وزيدًا، بمعنى: أَمْهِلْ
نَفْسَكَ مع زيدٍ.
القول
الثاني: ذهب عبدُ القاهر الجرجاني إلى أن ناصب المفعول معه هو الواو
نفسها.
وهو
مردودٌ بأنه لو كانت الواوُ عاملةً لَصَحَّ اتصالُ الضمير بها، كما يتصل بغيرها من
الحروف العاملة نحو: إِنَّكَ، ولَكَ، وبِكَ، وهو ممتنع باتفاق.
القول
الثالث: ذهب الزَّجَّاج إلى أن ناصب المفعول معه فعلٌ مضمر بعد الواو،
فالتقدير عنده في قولنا: سِرْتُ واللَّيْلَ: سرتُ ولاَبَسْتُ اللَّيْلَ؛ لأن
الملابسة تَعُمُّ جميع الأفعال، ولا يقع فعل بدونها.
وهذا
القول مردود بأنه يصير الكلام من باب المفعول به، لا من باب المفعول معه، وبأنه
يجعل هذا النوع منصوبًا بفعل واحد دائمًا.
القول
الرابع: ذهب جمهور الكوفيين إلى أن ناصب المفعول معه هو الخلاف، أي
مخالفة ما بعد الواو لِمَا قبلها في المعنى.
وهو
مردود بأن المخالفة معنًى من المعانِي، ولَمْ يثبت النصب بالمعاني المجردة من
الألفاظ، ورُدَّ-أيضا-بأنه لو كان الخلاف ناصبًا لقيل: ما قام زيدٌ لَكِنْ
عَمْرًا، ويقوم زيدٌ لا عَمْرًا، بالنصب، وهذا لَمْ تقله العرب، ولَمْ يُجِزْهُ
النحاةُ.
حكم
الاسم الواقع بعد الواو: الاسم الواقع بعد الواو له خمس حالات:
الأولى: وجوب عطفه على
ما قبله وامتناع كونه مفعولاً معه، وذلك إذا فقد شرطا من شروط المفعول معه التي
سبق ذكرها.
الثانية: جواز العطف
والمفعول معه مع ترجيح العطف، نحو: جاء زيدٌ وعمرٌو؛ فالراجح هنا عطف
"عمرو" على "زيد"؛ لأنه هو الأصل وقد أمكن بلا ضعف، ويجوز
نصبه على أنه مفعول معه، ولكنه مرجوح ضعيف؛ لأن معنى المعية هنا ليس نَصًّا صريحا.
الثالثة: وجوب نصبه على
أنه مفعول معه مراعاةً للصناعة النحوية أو للمعنى، كما في نحو: ما لَكَ وزيدًا؟،
وفي نحو: مات زيدٌ وطلوعَ الشمسِ، فيجب نصب "زيد" و"طلوع" في
المثالين، ويمتنع عطفهما على ما قبلهما؛ أما في المثال الأول فمن جهة الصناعة
النحوية؛ لأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجارِّ، كما في
قوله-تعالى-: ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾([162]).
وأما في المثال الثانِي: مات زيدٌ وطلوعَ الشمسِ، فلا يجوز العطف مراعاة للمعنى؛ لأن العطف يقتضي التشريك في المعنى، وطلوع
الشمس لا يستلزم الموتَ.
الرابعة: جواز المفعول
معه والعطف مع ترجيح المفعول معه، مراعاة للصناعة النحوية أو للمعنى، نحو: قُمْتَ
وزيدًا، فنصب "زيدًا" على المفعول معه راجح على رفعه معطوفا؛ لأن العطف
على الضمير المرفوع المتصل بلا فاصل ضعيف عند النحاة.
ولهذا
حَسُنَ العطف في قوله-تعالى-: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾([163])
فـ"زوجك" مرفوع لأنه معطوف على محل الضمير المستتر في (اسْكُنْ)، و(أنت)
توكيد للضمير المستتر.
وأما
مراعاة المعنى فهي الراجعة إلى المعنى المراد من الكلام، كقول الشاعر:
فَكُونُوا أَنْتُـمُ وَبَنِي أَبِيكُمْ مَكَانَ الكُلْيَتَيْنِ مِنَ
الطِّحَالِ([164])
فقوله:
(وبَنِي أبيكم) منصوب على أنه مفعول معه، ولَمْ يرفعه الشاعر بالعطف على اسم
(كُنْ) وهو واو الجماعة، مع وجود التأكيد بالضمير المنفصل (أنتم)، وهذا هو الراجح
من جهة المعنى؛ لأن الرفع على العطف يدل على أنَّ بني أبيهم مأمورون بأن يكونوا
معهم في مكان يشبه مكان الكُلْيَتَيْنِ من الطِّحَالِ، كما أنهم مأمورون بذلك
أيضا، وليس ذلك مرادَ الشاعر، وإنما مراده أَمْرُ المخاطبين وحدَهم بأن يكونوا مع
بني أبيهم كالكليتين من الطحال، وهذا لا يتم إلا بالنصب على المعية.
الخامسة: امتناعهما أي
العطف والمفعول معه مـراعاة للمعنَى، وذلك كما فِي قـول الشاعر:
عَلَفْتُهَا
تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا حَتَّى
شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا([165])
وقول
الآخر:
إِذَا
مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا وَزَجَّجْنَ
الحَوَاجِبَ وَالعُيُونَا([166])
فلا
يجوز العطف ولا المفعول معه في هذين البيتين مراعاةً للمعنى؛ أما امتناع العطف
فيهما فمن أجل انتفاء المشاركة؛ لأن الماء لا يشارك التبن في العلف، وإنما الماء
يشرب، والعيون لا تشارك الحواجب في التزجيج؛ لأن العيون تكحل ولا تزجج.
وأما
امتناع المفعول معه في البيت الأول فلأن المعية منتفية فيه؛ لأن الماء لا يصاحب
التبن في زمن العلف، وأما امتناعها في البيت الثاني فلأن العيون مصاحبة للحواجب
ولا تفارقها، فلا فائدة من الإعلام بالمعية فيه.
واختلف
النحاة في هذين البيتين على رأيين:
الرأي
الأول:
للفراء والفارسي: فقد ذهبا إلى أن الماء والعيون منصوبان على المفعول به بفعل
محذوف بعد الواو، وهذا الفعل المحذوف معطوف على الفعل المذكور، والتقدير في البيت
الأول: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وسَقَيْتُهَا مَاءً، والتقدير في البيت الثاني:
وزَجَّجْنَ الحواجبَ وكَحَلْنَ العيونَ.
الرأي
الثاني
للجَرْمِيِّ والمازني والمُبَرِّدِ وغيرهم: فقد ذهبوا إلى أنه لا فِعْلَ محذوفًا
في البيتين، وإنما ما بعد الواو معطوف على ما قبله، وذلك على تضمين الفعل السابق
معنى فعل مناسبٍ معناه لِكِلاَ الاسمين: السابقِ على الواو والواقعِ بعدها.
ومعنى
هذا أن "ماءً" في البيت الأول معطوف على "تبنًا"، وأن الفعل
"عَلَفْتُهَا" مُضَمَّنَ معنى: أَنَلْتُهَا أو أعطيتُها، فيكون التقدير:
أَنَلْتُهَا أو أعطيتُها تِبْنًا ومَاءً، وهذا الفعل يصلح تسليطه على التبن والماء
معا.
وفي
البيت الثاني يكون "العيونَ" معطوفا على "الحواجبَ"، ويُضَمَّنُ
الفعلُ "زَجَّجْنَ" معنى "حَسَّنَّ" أو "زَيَّنَّ"،
والتقدير: وحَسَّنَّ الحواجبَ والعيونَ، أو زَيَّنَّ الحَوَاجِبَ والعيونَ.
وكِلاَ
الرأيين جائز، ولكنني أرى أن الرأي الأول أرجح؛ لأن الإضمار كثير في كلام العرب،
وجائز عند النحاة، أما التضمين ففيه خلاف كبير بين النحاة.
الاستثنـاء أو المُسْتَثْنَى
الاستثناء في اللغة: استفعال من: ثَنَيْتُ الشَّيْءَ عن
وَجْهِه أثْنِيْه: إذا رَدَدْتَهُ ورجعتَ به.
وفي اصطلاح النحاة: هو إخراجُ
بَعْضٍ من كلٍّ.
وقد
عرف ابن مالك المـُسْتَثْنَى بأنه: الـمُخْرَجُ تحقيقًا أو تقديرًا من مذكورٍ أو
متروكٍ، بـ"إِلاَّ" أو ما فِي معناها، بشرطِ حصول الفائدة.
فقوله:
"تحقيقا أو تقديرا" إشارة إلى انقسام الاستثناءِ إلى متصل ومنفصل،
فالمتصل يكون الإخراج فيه تحقيقا؛ لأن المستثنى فيه يكون من جنس المستثنى منه،
نحو: نَجَحَ الطلابُ إلا واحدًا، والمنفصل يكون الإخراج فيه تقديرًا؛ لأن المستثنى
فيه ليس من جنس المستثنى منه، نحو قوله-تعالى-: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾([167]).
وقوله:
"من مذكور أو متروك" إشارة إلى انقسام الاستثناء إلى تامٍّ ومُفَرَّغٍ،
فالتامُّ هو ما ذُكِرَ فيه المستثنى منه، نحو قوله-تعالَى-: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ
إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾، والـمُفَرَّغُ هو ما لَمْ يُذْكَرْ فيه المستثنى
منه، نحو: ما قام إلا زيدٌ.
أدوات
الاستثناء: للاستثناء أدواتٌ ثمانٍ، وهي تنقسم إلى أربعة أقسام:
1-حرفان
وهما "إِلاَّ" باتفاق النحويين، و"حَاشَا"([168])
عند سيبويه وأكثر البصريين، فَتَجُرُّ ما بعدها كسائر حروف الجر.
وذهب
بعض البصريين كالأخفش والمبرد إلى أنها تستعمل حَرْفَ جَرٍّ كثيرًا، فتجر ما
بعدها، وتستعمل قليلا فعلا متعديا جامدا بمعنى "إلا" الاستثنائية، فإن
استعملت فعلاً نَصَبَتْ ما بعدها، فتقول: قام القوم حاشا زيدًا.
وهذا
الرأي هو الراجح؛ لورود الاستعمالين عن العرب، أعني نصب ما بعدها وجره.
وذهب
جمهور الكوفيين إلى أنها تستعمل دائما فعلا، فتنصب ما بعدها([169])،
فإذا جاء ما بعدها مجرورا فإنهم يجعلونه من حَذْفِ حرف الجَرِّ وإبقاءِ عمله،
فيكون مثل قول الشاعر:
*أشارت
كليبٍ بالأكف الأصابعُ([170])*
وملخص
هذا الكلام أن ما بعد "حاشا" إذا كان مجرورا فهي حرف جر، وإذا كان
منصوبا فهي فعل، وهي في الحالين للاستثناء.
2-فعلان
وهما "لَيْسَ" عند جمهور النحاة، و"لا يكون"،
مثل: قام القوم ليس زيدا، ولا يكون زيدًا، وذهب الفارسي إلى أن "ليس"
حرف مطلقا، وذهب بعض النحاة إلى أنها في الاستثناء تكون حرفا ناصبا بمعنى
"إلا"، وفي غير الاستثناء تكون فعلاً.
3-اسمان
وهما "غَيْرٌ" و"سِوَى"، مثل قوله-تعالى-: ﴿صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾([171])،
ومثل: قام القومُ سِوَى زيدٍ.
4-مترددان
بين الفعلية والحرفية وهما "خَلاَ" و"عَدَا"، وذهب
سيبويه إلى أن "عَدَا" فعل دائما.
ومعنى ترددهما بين الفعلية والحرفية أنهما
يُستعملان تارَةً فعلين فينصبان ما بعدهما نحو: قام القوم ما عَدَا زيدا، وما
خَلاَ زيدا، ويستعملان تارة أخرى حرفين فيجران ما بعدهما، نحو: قام القوم عَدَا
زيدٍ، وخَلاَ زيدٍ.
أركان الاستثناء:
أركان الاستثناء ثلاثة:
1-الـمُسْتَثْنَى: وهو الاسم الواقع بعد
أداة الاستثناء.
2-الـمُسْتَثْنَى منه: وهو الاسم الواقع قبل أداة الاستثناء ويشتمل
معناه على المستثنى منه.
3-أداة
الاستثناء.
أقسام
الاستثناء:
ينقسم
الاستثناء بحسب اتصاله وانفصاله إلى قسمين: متصل
ومنفصل.
فالمتصل:
هو الذي يكون المستثنى فيه من جنس المستثنى منه، نحو: نَجَحَ الطلابُ إلا واحدًا.
والمنفصل:
هو ما لَمْ يكن فيه المستثنَى من جنس المستثنَى منه، نحو قوله-تعالى-: ﴿مَا
لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾([172]).
وينقسم
الاستثناء-أيضا-بحسبِ ذِكْرِ المستثنى منه وعدم ذكره إلى تَامٍّ ومُفَرَّغٍ:
فالتامُّ
هو ما ذُكِرَ فيه المستثنى منه، نحو قوله-تعالى-: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ
قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾([173]).
والمـُفَرَّغُ
هو ما لَمْ يذكر فيه المستثنَى منه، نحو: ما قام إلا زيدٌ، وسُمِّيَ مُفَرَّغًا
لأن العامل قبل "إلا" تَفَرَّغَ لِطَلَبِ ما بعدها، ولَمْ يَشْتَغِلْ
عنه بالعمل في غيره.
حكم
المستثنى:
لأن
"إلا" هي أم الأدوات في هذا الباب فإن أكثر أحكام الاستثناء تدور عليها،
فنقول:
أولا: إذا كان الكلام
قبل "إلا" غَيْرَ تامٍّ، وهو الذي لَمْ يُذْكَرْ فيه المستثنى منه، فلا
عَمَلَ لـ"إِلاَّ" في لفظ المستثنى، بل يكون الكلام عند وجودها مِثْلَهُ
عند عدم وجودها، ويُعْرَبُ المستثنى بحسب موقعه في الجملة، خَبَرًا أو فاعلاً أو
مفعولاً أو مجرورًا...إلخ، ويُسَمَّى الاستثناءُ مُفَرَّغًا كما سبق، وهذا بشرط أن
يكون الكلام قبلها غَيْرَ مُوجَبٍ، فيشمل الأمر والنهي والاستفهام الإنكاري، فمثال
النفي قوله-تعالى-: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾([174])
فالمستثنى منه محذوف تقديره: وما محمد شيءٌ إلا رسولٌ، ومحمد مبتدأ، ورسول خبره،
و"إلا" ملغاة.
ومثال
النهي قوله-تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾([175])
فالحق مفعول به لـ"تقولوا"، وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله
شيئًا إلا الحقَّ، ومثله قوله-تعالى-: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾([176])
فـ"التي" متعلق بـ"تجادلوا، وتقدير المستثنى منه: ولا تجادلوا أهل
الكتاب بشيءٍ إلا بالتي هي أحسنُ.
ومثال
الاستفهام الإنكاري قوله-تعالى-: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ
الفَاسِقُونَ﴾([177])
فـ"يُهْلَكُ" يَطْلُبُ نائبَ فاعلٍ وهو "القوم"، وتقدير
المستثنى منه: فَهَلْ يُهْلَكُ أحدٌ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ؟، وهو في معنى
النفي لأن المعنى: ما يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ.
ولا
يكون التفريغ في الكلام الموجب، لأنه لو وقع الاستثناء بعد الإيجاب لأدى إلى
المحال، لأنك لو قلت: رأيتُ إلا زيدًا، لكان المعنى: رأيتُ جميعَ الناس إلا زيدًا،
وهذا محال، فأما قوله-تعالى-: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾([178])
فإنما جاء فيه الاستثناء بعد الإيجاب لأن الفعل "يَأْبَى" فيه معنى
النفي؛ لأنه بمعنى: لا يريد اللهُ شيئًا إلا إتمامَ نورِهِ، فلا فرق إذًا في النفي
بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى.
ثانيـا: إذا كان الكلام
قبل "إلا" تامًّا وهو الذي ذُكِرَ فيه المستثنى منه، ففيه تفصيل:
1-إذا
كان الكلام موجَبًا أي ليس فيه نفي أو شبهه، وجب نصب المستثنى بـ"إلا"
عند الجمهور كقوله-تعالى-: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾([179])،
فما قبل "إلا" كلام تام لأن المستثنى منه مذكور وهو واو الجماعة في
"فشربوا"، وهو كلام موجب ليس فيه نفي أو شبهه، ولذلك وجب نصب
"قليلا" على الاستثناء.
وأجاز
بعض النحاة-ومنهم ابن عصفور وابن مالك وأبو حيان-رَفْعَ المستثنى بعد الكلام التام
الموجب، واستدلوا بورود ذلك في النثر والشعر، فمن النثر القراءة الشاذة عن أُبَيِّ
بنِ كعبٍ والأعمش: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾، وقراءة
الجَرْمِيِّ والكسائيِّ: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا
إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمُ يُونُسَ﴾([180])
برفع "قومُ"، فـ"إلا" بمعنى "لَكِنْ"، وما بعد
"إلا" مبتدأ حُذِفَ خبره، والتقدير: لَكِنْ قليلٌ منهم لَمْ يشربوا،
ولَكِنْ قَوْمُ يُونُسَ نَفَعَهُمْ إيمانُهُمْ لَمَّا آمَنُوا، والجملة من المبتدأ
والخبر في محل نصب على الاستثناء.
ومن
ذلك ما ورد في الحديث: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلا الـمُجَاهِرُونَ"([181])
برفع "الـمجاهرون" أي: لَكِنِ الـمجاهرون بالمعاصي لا يُعَافَوْنَ، وما
ورد في الحديث-أيضا-: "أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلا أبو قتادة لَمْ
يُحْرِمْ"([182])
أي: لكنْ أبو قتادة لَمْ يُحْرِمْ.
2-إذا
كان الكلام تامًّا غَيْرَ موجَبٍ، ففيه تفصيل:
أ-إذا
كان الاستثناء متصلا وهو ما كان فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، فالأرجح
إِتْبَاعُ المستثنى للمستثنى منه في الإعراب على أنه بَدَلُ بَعْضٍ من كُلٍّ، وهذا
مذهب البصريين، وهو الراجح، والكوفيون يجعلونه مِنْ عَطْفِ النَّسَقِ ؛ لأن
"إِلاَّ" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء فقط، وهي عندهم بمنزلة
"لا" العاطفةِ في أن ما بعدها مخالفٌ لِمَا قبلها.
فمثال
التام المنفي قوله-تعالى-: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾([183])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امَرْأَتُكَ﴾([184])،
وقوله-تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾([185])،
برفع "قليلٌ" و"امرأتُك" و"الضَّالُّونَ" على أن كل
واحد منها بَدَلٌ من فاعلِ الفعل قبل "إلا".
ويجوز
نصب هذا المستثنى، وقد قرأ بعض القراء السبعة: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلاً
مِنْهُمْ﴾، ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امَرْأَتَكَ﴾
بنصب "قليلاً" و"امرأتَكَ"([186]).
ب-إذا كان الاستثناء منقطعا وهو ما
لَمْ يكن فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، فله صورتان:
الأولى: إذا لَمْ يمكن تسليط العامل على
المستثنَى، وجب نصب المستثنى اتفاقا بين الحجازيين والتميميين، نحو: ما زاد هذا المالُ
إلا ما نَقَصَ، فـ"ما" مصدرية و"نَقَصَ" صلتها، وهما في تأويل
مصدر في محل نصب على الاستثناء، والتقدير: ما زاد هذا المالُ إلا نُقْصَانَهُ، ولا
يجوز رفعه على البدل من المال؛ لأنه لا يمكن تسليط العامل عليه إِذْ لا يقال: زاد
النقصُ، ومثله:
ما نَفَعَ زيدٌ إلا ما ضَرَّ؛ لأنه لا يقال: نَفَعَ الضرُّ.
الثانية:
إذا
أمكن تسليط العامل على المستثنى، وجب نصبه عند الحجازيين، وعلى مذهبهم
قوله-تعالى-: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾([187])
بنصب "اتِّبَاعَ" على الاستثناء، وبنو تميم يرجحون النصب، ويجيزون
الإبدال أيضا، ويقرءون: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعُ الظَّنِّ﴾
برفع "اتِّبَاع" على أنه بدل من موضع "عِلْمٍ" المجرور
بـ"من" الزائدة، ومن ذلك قول الشاعر:
وَبَلْدَةٍ
لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ إِلاَّ
اليَعَافِيرُ وَإِلاَّ العِيسُ([188])
برفع
اليعافير والعيس على أنهما بدل من "أنيس".
تقديم المستثنَى
إذا
تقدم المستثنى على المستثنى منه وحده، فإما أن يكون الكلام موجبا وإما أن يكون غير
موجب، فإن كان الكلام موجبا وجب نصب المستثنى مطلقا، سواء كان الاستثناء متصلا أم
منقطعا، نحو: قام إلا زيدًا القومُ، وخرج إلا حمارًا القومُ.
وإن
كان الاستثناءُ غَيْرَ مُوجَبٍ، وجب عند البصريين نصبُ المستثنى على الاستثناء،
ولا يجوز إِتْبَاعُهُ للمستثنى منه لأن التابع لا يجوز تقديمه على المتبوع، تقول:
ما قام إلا زيدًا أحدٌ، قال الكميت:
وَمَا
لِيَ إِلاَّ آلَ أَحْمَدَ شِيعَةٌ وَمَا
لِيَ إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ([189])
فالأصل:
وَمَا لِيَ شِيعَةٌ إِلاَّ آلُ أَحْمَدَ، وَمَا لِيَ مَذْهَبٌ إِلاَّ مَذْهَبُ
الحَقِّ، فلما قُدِّمَ المستثنى على المستثنى منه وَجَبَ نصبُهُ.
*********
الاستثناء بـ"غَيْرٍ"
و"سوى"
"غير"
و"سِوَى" اسمان كما تقدم، فأما "غير" فمعناها إفادة المغايرة
أي الدلالة على أن ما بعدها مُغَايِرٌ لِمَا قبلها في الحكم، وهي مضافة في أغلب
أحوالها.
والأصل
فيها أن يُوصَفَ بها؛ لأنها وإن كانت اسما جامدا إلا أنها في تأويل المشتق، فإنها
مؤولة باسمِ فاعلٍ بمعنَى "مغاير"، فإذا قلنا: جاء رجلٌ غَيْرُ صالِحٍ،
فالمعنى: مغايرٌ للصلاح.
وقد
تخرج "غير" عن الصفة وتُضَمَّنُ معنى "إلا" فَيُسْتَثْنَى بها
اسمٌ مجرورٌ بإضافتها إليه، وتُعْرَبُ "غير" بما يستحقه الاسم المستثنى
بـ"إلا" على التفصيل السابق، فيجب نصبها في أربع مسائل:
-الأولى:
أن يكون الكلام تامًّا موجبًا نحو: قام القومُ غَيْرَ زَيْدٍ، باتفاقٍ بين
الحجازيين والتميميين.
-الثانية:
أن يكون الاستثناء منقطعا، ولا يمكن تسليط العامل على "غير"، نحو: ما
زاد هذا المالُ غَيْرَ النَّقْصِ، باتفاقٍ بين الحجازيين والتميميين أيضًا.
-الثالثة:
أن يكون الاستثناء منقطعا، ويمكن تسليط العامل على "غير"، نحو: ما في
الدارِ أَحَدٌ غَيْرَ حمارٍ، وهذا عند الحجازيين، وأما بنو تميم فيجيزون رفع
"غير" على الإتباع لـ"أحد".
-الرابعة:
أن تتقدم "غير" على المستثنى منه، نحو: ما فيها غَيْرَ زَيْدٍ أَحَدٌ،
وهذا عند الأكثرين.
ويترجح
نصب "غير" في مسألتين:
-الأولى:
أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه: ذهب بعض الكوفيين والبغداديين إلى أن النصب
فيها راجح، ويجوز فيها البدل أيضا، فأجازوا: ما فيها غَيْرُ زَيْدٍ أَحَدٌ، برفع
"غير" على أنه مبتدأ مؤخر، و"أحد" بدلٌ منه، وإن كان النصب
أرجح.
-الثانية:
أن يكون الاستثناء منقطعا ويمكن تسليط العامل على المستثنى، نحو: ما في الدارِ
أَحَدٌ غَيْرَ حمارٍ، وهذا عند بني تميم، وأما الحجازيون فيوجبون النصب كما سبق في
المسألتين الثالثة والرابعة.
ويضعف
نصب "غير" في مسألة واحدة: وهي أن يكون الكلام تاما منفيا، نحو: ما
قام القوم غيرُ زيد، فيضعف النصب، ويترجح الإتباع كما تَرَجَّحَ في المستثنى بـ"إلا"
في الكلام التامِّ غير الموجب، فالراجح هنا رفع "غير" نعتًا للقوم.
ويمتنع
نصب "غير" في مسألة واحدة، وهي أن يكون الاستثناء مفرغا، نحو: ما قام
غَيْرُ زيدٍ، فيجب رفع "غير"هنا لأنها فاعل"قام"، ويمتنع
نصبها كما امتنع نصب ما بعد"إلا"في الاستثناء المفرغ.
وأما
"سِوَى" فحكم المستثنى بها كحكم المستثنى بـ"غَيْرٍ"
في أنه يجب جره بإضافته إليها، نحو: قام القومُ سِوَى زَيْدٍ، وقطعتُ المسافةَ
سِوَى مِيلَيْنِ.
الاستثناء بـ"لَيْسَ" و"لا
يَكُونُ"
هذا
هو القسم الثالث من أدوات الاستثناء، فـ"ليس" و"لا يكون"
فعلان ناسخان، وحكم المستثنى بهما: وجوب النصب لأنه خبرهما، كقوله-r-: "مَا
أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ
وَالظُّفْرَ"([190])،
وتقول: جاءني القومُ لا يَكُونُ زيدًا، فالسِّنُّ في الحديث مستثنًى، وهو منصوب
لأنه خبر "ليس"، و"زيدًا" في المثال مستثنًى، وهو منصوب لأنه
خبر "لا يكون".
أما
اسمهما فهو ضمير مستتر وجوبا تقديره "هو"، يعود على اسم مشتقٍّ مفهومٍ
من معنى الفعل السابق، فإذا قلت: قام القومُ ليس زيدًا، فاسم "ليس"
ضميرٌ مستترٌ وجوبًا تقديره "هو" يعود إلى اسم الفاعل المفهوم من الفعل
"قام"، والتقدير: ليس هو أي: ليس القائمُ زيدًا.
فإذا
لَمْ يكن في الكلام فِعْلٌ كقولنا: القومُ إِخْوَتُكَ ليس زيدًا، فإننا
نَتَصَيَّدُ فعلاً من معنى الكلام السابق، ونجعل الضمير عائدا على اسم الفاعل من
هذا الفعلِ المـُتَصَيَّدِ، ويكون التقدير: القومُ إِخْوَتُكَ ليس هو أي: ليس
المُتَّصِفُ بهذه الأُخُوَّةِ زيدًا.
وذهب
جمهور البصريين إلى أنه يعود على البعض المفهوم من الكل السابق الذي هو المستثنَى
منه، فالتقدير في قولنا: قام القوم ليس زيدًا، قام القوم ليس هو أي: ليس بعضُ
القومِ زيدًا.
والراجح
الأول لأننا على الثاني نكون قد أطلقنا البعض على الكل إلا واحدًا، وهذا غير معهود
في الكلام.
*********
الاستثناء بـ"خَلاَ"
و"عَدَا"
هذا
هو القسم الرابع من أدوات الاستثناء، وهو "خَلاَ" و"عَدَا"،
وسبق أنهما مترددان بين الفعلية والحرفية، ولهذا فإنه يجوز في المستثنى بهما وجهان:
الوجه
الأول:
الجر على أنهما حَرْفَا جَرٍّ، وهو قليل، نحو: جاء القومُ خَلاَ زَيْدٍ، وجاء
القومُ عَدَا زَيْدٍ، فكل من "خَلاَ" و"عدا" حرف جر،
و"زيد" اسم مجرور بهما.
الوجه
الثاني:
النصب على أنهما فعلان جامدان لأنهما بمعنى "إلا"، والفعل إذا كان بمعنى
الحرف صار جامدا، وفاعلهما ضمير مستتر وجوبا، والكلام في مرجع الضمير ومحل الجملة
الإعرابي، هو نفس الكلام في "ليس" و"لا يكون".
وتدخل
"ما" المصدرية على "خلا" و"عدا"، فيتعيَّنُ كونهما
فعلين، ونصب ما بعدهما، فمثال "خلا" قول الشاعر:
أَلاَ
كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ وَكُلُّ
نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ([191])
ومثال
"عدا" قول الآخر:
تُمَلُّ النَّدَامَى مَا عَدَانِي فَإِنَّنِي بِكُلِّ الَّذِي يَهْوَى نَدِيمِيَ
مُولَع([192])
و"ما"
وما دخلت عليه في تأويل مصدرٍ في محل نصبٍ، حالٌ مُؤَوَّلٌ بالمشتقِّ، فإذا قلنا:
قام القوم ما عدا زيدًا، وما خلا زيدًا، فالتقدير: قام القومُ مُجَاوِزِينَ زيدًا،
وقيل: المصدر المؤول في محل نصب ظَرْفُ زمانٍ بتقدير مضافٍ محذوفٍ، أي: وَقْتَ
مُجَاوَزَتِهِمْ زَيْدًا.
*********
وأما
"حاشا" فقد سبق الكلام عليها وذِكْرُ الخلافِ فيها، وبقي أن نذكر هنا أن
الكلام في موضعها حالة كونها جارَّةً أو ناصبةً كالكلام في أختيها "خلا"
و"عدا".
باب الحال
الحال: وَصْفٌ،
فَضْلَةٌ، منصوبٌ، مذكورٌ لبيان هيئةَ صاحبِهِ عند وقوع الفعل.
المراد
بالوصفِ ما يشمل الصريح كالمشتقات، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، مثل:
جئتُ راكبًا، فـ"راكبًا" حال من الفاعل وهو تاء الفاعل في
"جئتُ"، ويشمل الوصفُ أيضا ما كان مؤولاً بالصريح كالجملة وشبهِ الجملة
إذا وَقَعَا حالاً، فإنهما في تأويل الوصف، نحو قوله-تعالى-: ﴿خَرَجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾([193])،
فجملة "وَهُمْ أُلُوفٌ" في محل نصب حال من واو الجماعة في
"خَرَجُوا"، ومثل قولك: رأيتُ الهلالَ بَيْنَ السَّحَابِ، فالظرف "بَيْنَ"
متعلق بمحذوف حال من الهلال.
والوصف
جنس يشمل الحال والخبر والنعت، و"فضلة" مخرجٌ للخبر؛ في نحو: زيدٌ قائمٌ؛
لأنه عمدة، والمراد بالفضلة: ما يأتي بعد تمام الجملة، أو بمعنى آخر: ما يمكن
الاستغناء عنه غالبا كالمفاعيل([194]).
و"منصوب"
قيد يُخْرِجُ نعت المرفوع والمخفوض في نحو: جاء رجلٌ راكبٌ، ومررتُ برجلٍ راكبٍ،
وخرج بذكر الدلالة على الهيئة: التمييزُ المشتق نحو: لِلَّهِ دَرُّهُ فارسًا،
والنعتُ في نحو: جاء رجلٌ راكبٌ، فإن "فارسًا" و"راكبٌ" وإنْ
حَصَلَ بهما بيانُ الهيئة، إلا أنهما ليسا مذكورَيْنِ لذلك؛ لأن التمييز ذُكِرَ
لبيانِ جنسِ المُتَعَجَّبِ منه، وهو الفروسية، وذُكِرَ النعتُ لتخصيص المنعوت وهو
"رجل" بالنعت وهو "راكبٌ"، ووقع بيان الهيئة ضِمْنًا لا
قَصْدًا.
ويخرج
أيضا النعت المنصوب نحو: رأيت رجلاً كريمًا، فإن "كريما" لَمْ يأتِ
لبيان الهيئة، وإنما أتى لتخصيص المنعوت، ووقع بيانُ الهيئة ضِمْنًا أيضا.
ومعنى
"يُبَيِّنُ هيئةَ صاحبِهِ": أن الحال تُبَيِّنُ هيئةَ صاحب الحال
كالفاعل ونائب الفاعل والمفعول به وغيرها، وصِفَتَهُ وقتَ وقوع الفعل، فقد تكون
الحال من الفاعل نحو: جاء زيدٌ راكبًا، فـ"راكبا" حال من الفاعل
"زيد"، وقال-تعالى-: ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ﴾([195])
فـ"مخلصين" حال من الفاعل، وهو واو الجماعة، ومثال الحال من المفعول به:
ضربتُه مكتوفًا، فـ"مكتوفا" حال من المفعول به وهو الهاء في
"ضربته"، وقال-تعالى-: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ﴾([196])،
فـ"مبشرين" حال من المفعول "النبيين"، وقد تكون الحال من
الفاعل والمفعول معا نحو: لَقِيتُهُ رَاكِبَيْنِ، فـ"راكبين" حال من
الفاعل المفعول معا.
وللحال
نوعان:
1-حال
مُؤَسِّسَة أو مُبَيِّنة: وهي التي لا يُسْتَفَادُ معناها بدون ذِكْرِهَا، وهي
التي سبق ذكرها.
2-حالٌ
مُؤَكِّدَةٌ: وهي التي لا تفيد معنًى جديدًا سِوَى التوكيدِ، أو التي يُسْتَفَادُ
معناها بدون ذِكْرِهَا، وستأتي فِي آخر الباب إن شاء الله، ومن أمثلتها قوله-تعالى-:
﴿وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([197])،
وقوله-تعالى-: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾([198]).
***********
شروط
الحال: للحال أربعة شروط، وذلك من حيث هي، بغض النظر عن كونها مؤكِّدةً
أو مؤسِّسَةً:
الشرط
الأول:
أن تكون مُنْتَقِلَةً لا ثابتةً، وهذا هو الأصل فيها؛ لأنها مأخوذة من التحول وهو
التنقل، وهذا الانتقال غالب فيها لا لازم، والمنتقلة: هي التي تبين هيئة صاحبها
مدةً مؤقتةً، نحو: جاء زيدٌ ضاحكًا، ألا ترى أن الضحك يفارق زيدا، ولا يلازمه؟.
والثابتة:
هي الملازمة لصاحبها ولا تفارقه، وذلك قليل في الحال، وتقع الحال وصفا ثابتا في
ثلاث مسائل:
الأولى: أن تكون الحال
مؤكدةً إما لعاملها، كقوله-تعالى-: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾([199])،
فـ"رسولا" حال من المفعول في "أرسلناك"، وهي مؤكِّدَةٌ للفعل
"أَرْسَلَ"؛ لأن الإرسال يقتضي الرسول، وكقوله-تعالى-: ﴿وَيَوْمَ
أُبْعَثُ حَيًّا﴾([200])
فـ"حيا" حال من نائب الفاعل، وهي مؤكدة لعاملها؛ لأن البعث يستلزم
الحياة، وإما مؤكدة لصاحبها، كقوله-تعالى-: ﴿لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ
كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾([201])،
فـ"جميعًا" حال من اسم الموصول "مَنْ"، وهي مؤكدة لصاحبها؛
لأن العموم يقتضي الجمعية.
وإما
مؤكدة لمضمون جملة قبلها، فيتفق معنى الحال ومضمون هذه الجملة نحو: زيدٌ أبوك
عطوفا، فـ"عطوفا" حال من الأب الذي هو صاحبها، ومعنى هذه الحال-وهو
العطف-يوافق مضمون الجملة التي قبلها؛ لأن الأبوة من شأنها العطف.
الثانية: أن يدل عاملها
على تجدد صاحبها، بأن يكون صاحبُها فردًا من نوع يستمر فيه الخلق والإيجاد، نحو:
خَلَقَ اللهُ الزَّرَافة يَدَيْهَا أَطْوَلَ مِنْ رِجْلَيْهَا،
فـ"يديها" بدلٌ من الزرافة بَدَلَ بعضٍ من كُلٍّ، و"أطولَ"
حال لازمة من "يديها"، و"من رجليها" متعلق
بـ"أطول"، والعامل "خلق"، وهو يدل على تجدد هذا المخلوق، أي:
إيجاد أمثاله، ومثله قوله-تعالى-: ﴿وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾([202]).
الثالثة:
في
أمثلة مسموعة لا ضابط لها، كقوله-تعالى-: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾([203])
فـ"قائما" حال لازمة من فاعل "شهد" وهو الله-U-، ومن
ذلك قوله-تعالى-: ﴿أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً﴾([204])
فـ"مُفَصَّلاً" حالٌ لازمة من الكتاب.
الشرط
الثاني: أن تكون مشتقةً لا جامدةً، نحو: جاء زيدٌ ضاحكًا، وهذا أيضًا
غالب لا لازم، فتقع الحال جامدةً، والحال الجامدة لها نوعان:
النوع
الأول: جامدة
مؤولة بالمشتق، وذلك في أربع مسائل:
الأولى: أن تدل الحال
على تشبيه نحو: كَرَّ زيدٌ أَسَدًا، فـ"أسدًا" حال من الفاعل، وهي جامدة
مؤولة بالمشتق، أي: شجاعًا أو مُشْبِهًا الأَسَدَ، وظهرت الفتاةُ قَمَرًا، أي:
مُشْبِهَةً قَمَرًا، ومن ذلك المثل: وَقَعَ المُصْطَرِعَانِ عِدْلَيْ عَيْرٍ،
فـ"عِدْلَيْ" حال جامدة من الفاعل "المصطرعان" وهي مؤولة
بالمشتق على تقديرِ مضافٍ، أي: مُصْطَحِبَيْنِ اصطحابَ عِدْلَيْ عَيْرٍ حِينَ
سُقُوطِهِمَا.
الثانية: أن تدل الحال
على مفاعلة أي: وقوع الفعل من شخصين، نحو: بِعْتُه القَمْحَ يَدًا بِيَدٍ،
فـ"يَدًا" حال من الفاعل والمفعول معا، وهي جامدة مؤولة بالمشتق؛ لأن
معناها المقابضة، وهي مفاعلة، وتأويلها: مقابِضَيْنِ، ونحو: كلمته فَاهُ إِلَى
فِيَّ، أي: فَمَهُ إِلَى فَمِي، فـ"فاه" حال من الفاعل والمفعول معًا،
وهي جامدة مؤولة بالمشتق، لأن معناها المشافَهَة وهي مفاعلة، وتأويلها:
مشافِهَيْنِ.
الثالثة: أن تدل الحال
على ترتيبٍ نحو: ادْخُلُوا رَجُلاً رَجُلاً، أي ادخلوا مُتَرَتِّبِينَ،
فـ"رجلاً" الأول حالٌ من واو الجماعة، والثانِي توكيد لفظي له، والعامل
"ادخل"([205]).
الرابعة: أن تدل على سِعْرٍ،
نحو: بعتُ القمحَ صاعًا بثلاثةِ دراهمَ، أي: مُسَعرًّا كُلَّ صَاعٍ بثلاثةِ
دراهمَ.
النوع
الثاني
للحال الجامدة: أن تكون غيرَ مؤولةٍ بالمشتق، وذلك في مسائل:
الأولى: أن تكون الحال
الجامدة موصوفة بمشتقٍّ، نحو قوله-تعالى-: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾([206])،
فـ"بشرا" حال من فاعل "تَمَثَّلَ"، و"سَوِيًّا" صفة
للحال، ومن ذلك قوله-تعالى-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾([207])،
فـ"قُرْآنًا" حال من المفعول به وهو هاء الضمير،
و"عَرَبِيًّا" صفة للحال.
وهذه
الحال الجامدة الموصوفةُ تسمى الحالَ المـُوطِّئَةَ، أي: المـُمَهِّدَةَ لِمَا
بعدها، لأنها تُمَهِّدُ الذهنَ وتُهَيِّئُهُ لِمَا يَجِيءُ بعدها من الصفة التي هي
الحال في حقيقة المعنى؛ لأن هذه الحال غير مقصودة، بل هي وسيلة إلى النعت الذي
بعدها.
الثانية:
أن
تكون الحال دالةً على عَدَدٍ، نحو قوله-تعالى-: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾([208])،
فـ"أربعين" حال من "ميقات"، و"لَيْلَةً" تمييز.
الثالثة:
أن
تكون الحال نوعا من أنواع صاحبها المتعددة نحو: هذا مَالُكَ ذَهَبًا،
فـ"ذهبا" حال جامدة من "مال"، والمال له أنواع متعددة، والذهب
نوعٌ منها.
الرابعة:
أن
تكون الحال فرعا لصاحبها نحو: هذا ذَهَبُكَ خاتَمًا، ومنه قوله-تعالى-: ﴿وَتَنْحِتُونَ
الجِبَالَ بُيُوتًا﴾([209])
فـ"بيوتا" حال من الجبال، وهي فرع منها.
الخامسة: أن تكون الحال
الجامدة أصلاً لصاحبها، نحو: هذا خَاتَمُكَ ذَهَبًا، فـ"ذهبا" حال جامدة
من الخاتم، وهي أصل له، ومنه قوله-تعالى-: ﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ
طِينًا﴾([210])،
فـ"طِينًا" حال جامدة من مفعول "خَلَقْتَ" المحذوفِ، أي:
خَلَقْتَهُ، والطين أصل لهذا المخلوق.
الشرط الثالث: أن تكون الحال نكرةً لا معرفةً؛ لأن
صاحب الحال لا بد أن يكون معرفة، فلو جاز أن تكون الحال معرفة، لَتَوَهَّمَ
مُتَوَهِّمٌ أنها نعتٌ لصاحبها إذا كان منصوبا في نحو: ضربتُ اللِّصَّ المـُقَيَّدَ،
فلذلك أوجب النحاة تنكير الحال؛ لتكون مخالِفَةً لصاحبها في التعريف والتنكير،
وهذا فرقٌ بينها وبين النعت.
فإذا
جاءت الحالُ معرفةً وجب تأويلها بنكرة، وقد وردت الحال على صورة المعرفة في ألفاظ
مسموعة عن العرب، لا يقاس عليها، ومن ذلك لفظ "وَحْدَهُ" في نحو: جاء
محمدٌ وَحْدَهُ، فـ"وَحْدَهُ" حال من "محمد"، وهو معرفة
لإضافته إلى الضمير، فيجب تأويله بنكرة، فنقول: التقدير: جاء مُتَوَحِّدًا أو
منفردًا، وهذا مذهب الخليل بن أحمد وسيبويه.
ومن
ذلك قولهم: رَجَعَ محمدٌ عَوْدَهُ على بَدْئِهِ، فـ"عوده" حال من
"محمد، وهي معرفة لإضافتها إلى الضمير، فتأويلها: رَجَعَ عائدًا على ابتدائه.
وقولهم:
جاءُوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ([211])،
فـ"الجَمَّاءَ" حال من واو الجماعة، وهي معرفة، فتأويلها: جاءوا
جَمِيعًا.
وقولهم:
ادخلوا الأَوَّلَ فالأَوَّلَ، فـ"الأول" حال من واو الجماعة في
"ادخلوا"، وهي معرفة، فتأويلها: ادخلوا مُتَرَتِّبِينَ واحدًا فواحدًا.
الشرط
الرابع:
أن تكون نَفْسَ صاحبِهَا في المعنى، لأنها وَصْفٌ له في المعنى، والوصف نفس
الموصوف، وهذا هو الغالب، كالحال المشتقة، نحو: جاء زيدٌ ضاحكًا، فالضاحك هو زيد،
وزيد هو الضاحك، فلا يجوز: جاء زيدٌ ضحكا؛ لأن الضحك مصدر، وزيد ذاتٌ، والمصدر
مخالف للذات.
وغير
الغالب أن تكون الحالُ مخالفةً لصاحبها، كالحال الواقعة مصدرا، وقد جاءت مصادر
أحوالا بِقِلَّةٍ في المعارف، نحو: جاء محمدٌ وَحْدَهُ، وأرسلها العراكَ، كما سبق.
وكَثُرَ
مجيءُ الحال مصدرا مُنَكَّرًا، نحو: طَلَعَ زيدٌ بَغْتَةً، وجاء زيدٌ رَكْضًا، فكل
من "بغتة" و"ركضا" حال من "زيد"، ونحو: قتلتُهُ
صَبْرًا، فـ"صبرا" حال من المفعول به وهو الهاء، والراجح أن هذه المصادر
مُؤَوَّلَةٌ بالوصف، والتقدير: طلع مُبَاغِتًا، ورَاكِضًا، وقتلتُه مَصْبُورًا أي:
محبوسًا.
ومن
ذلك قوله-تعالى-: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾([212])،
وقوله-تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا﴾([213])،
وقوله-تعالى-: ﴿لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾([214])،
وقوله-تعالى-: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾([215])،
فالمصادر "سَعْيًا" و"ظُلْمًا" و"كَرْهًا"
و"جِهَارًا" أحوالٌ، وكلها مصادرُ مُنَكَّرَةٌ، وهي مؤولةٌ بالمشتقِّ،
والتقدير: ساعياتٍ وظَالِمِينَ، وكَارِهَاتٍ، وجَاهِرًا.
وأرى
أن الصحيح أن مجيء الحال مصدرا مُنَكَّرًا مَقِيسٌ، وذلك لكثرة الشواهد الواردة
عليه، وأما الآراء الأخرى ففيها مبالغة في التأويل لا حاجة إليها.
تنكير صاحب الحال
حَقُّ
صاحب الحال أن يكون معرفةً؛ لأنه محكومٌ عليه بالحال، وحَقُّ المحكوم عليه أن يكون
معرفةً لا نكرةً؛ لأن النكرة مجهولة، والحكم على المجهول لا يفيد، فلا يجوز أن
يكون صاحبُ الحال نكرةً إلا بِمُسَوِّغٍ يُقَرِّبُهَا من المعرفة، ومِنْ مُسَوِّغَاتِ
تنكيرِ صاحب الحال ما يأتي:
1-أن
تتقدم الحالُ على صاحبِهَا النكرةِ نحو: جاء ضاحكًا رجلٌ، وفي الدار جالسًا رجلٌ([216]).
2-أن
تُخَصَّصَ النكرةُ بوصفٍ أو إضافةٍ أو بمعمولٍ غيرِ مضافٍ إليه، فمثال الوصف: جاء
رجلٌ غريبٌ ضاحكًا.
ومثال
التخصيص بالإضافة: جاءنِي طالبُ عِلْمٍ مسرورًا، ومنه قوله-تعالى-: ﴿وَقَدَّرَ
فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾([217])
فـ"سَوَاءً" حال من "أربعة" وهي نكرة؛ لأنها تخصصت بالإضافة
إلى "أيام".
ومثال
التخصيص بالمعمولِ غيرِ المضاف إليه: عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبٍ أَخُوكَ شَدِيدًا،
فـ"شديدًا" حال من "ضَرْبٍ" وهو نكرة لأنه تخصص بالعمل في
الفاعل "أخوك"، ومثله: مررتُ بِضَارِبٍ هِنْدًا قائمًا،
فـ"قائما" حال من "ضارب" وهو نكرة لأنه تخصص بالعمل في
المفعول به "هندا".
3-أن
يكون صاحبُ الحالِ المـُنَكَّرُ مسبوقًا بِنَفْيٍ أو نَهْيٍ أو استفهامٍ، فالنفي
مثل: ما نَدِمَ شخصٌ فاعلاً خيرًا، ومنه قوله-تعالى-: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ
قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾([218])،
فجملة "لَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ" في محل نصب حال من "قرية"،
وصَحَّ مجيءُ الحال من النكرة هنا لتقدم النفي عليها.
ومثال
النهي: لا تَرُدَّ فَقِيرًا خائبًا.
ومثال
الاستفهام : هل جاءك فقيرٌ سائلاً؟.
وقد
يقع صاحب الحال نكرةً بغير مسوغ من المسوغات السابقة، كقول العرب: عَلَيْهِ
مِائَةٌ بِيضًا([219])،
فـ"بِيضًا" حال من "مائة" وهو نكرة لا مسوغ لها، وفي الحديث
عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ-r-في
بيته وهو شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا"([220])،
فـ"قيامًا" حال من "قَوْمٌ" وهو نكرة لا مُسَوِّغَ لها.
*****************
الحال المؤكدة
تقدم
في أول باب الحال أن الحال قسمان، مُؤَسِّسَة: وهي التي لا يستفاد معناها بدونها،
وقد تقدم ذكرها، ومؤكدة: وهي لا تفيد معنى جديدًا سوى التوكيد، وهي ثلاثة أنواع:
الأول:
مؤكدة لعاملها: وهي كل وصف دَلَّ على معنَى عامِلِهِ، وخَالَفَهُ
لفظًا-وهو الأكثر-، كقوله-تعالى-: ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾([221])،
فـ"مدبرين" حال من ضمير المخاطبين في "وَلَّيْتُمْ"، وهي
مؤكدة لعاملها؛ لأن الإدبار نوع من التَّوَلِّي، وكقوله-تعالى-: ﴿وَلاَ
تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾([222])
لأن العِثِيَّ هو الإفساد، وقوله-تعالى-: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ
قَوْلِهَا﴾([223])
لأن التبسم نوع من الضحك.
أو
وافقه لفظًا ومعنًى، وهو دون الأول في الكثرة كقوله-تعالى-: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ
لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾([224])،
فـ"رسولاً" حال من الكاف، وهي مؤكدة لـ"أرسلناك"، وهي مؤكدة
لعاملها؛ لأن الإرسال يستلزم الرسول.
الثاني:
مؤكدة لصاحبها: وهي التي يُسْتَفَادُ معناها من صريح لفظ صاحبها،
كقوله-تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾([225])
فـ"جميعا" حال من "ما"، وهي مؤكدة لصاحبها لأن "ما في
الأرض" عامٌّ، ومعنى "جميعا" العموم، وكقوله-تعالى-: ﴿لآمَنَ
مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾([226])،
فـ"جميعًا" حال من اسم الموصول "مَنْ"، وهي مؤكدة لصاحبها؛
لأن العموم يقتضي الجمعية.
الثالث:
مؤكدة لمضمون الجملة التي قبلها: ويُشْتَرَطُ في الجملة أن تكون اسمية،
وطَرَفَاهَا معرفتانِ جامدانِ نحو: زيدٌ أبوك عطوفا، فـ"عطوفا" حال من
الأب ومعنى هذه الحال وهو العطف يوافق معنى الجملة التي قبلها، وهي "زيدٌ
أبوك"؛ لأن الأبوة من شأنها العطف.
ومن
هذا قوله-تعالى-: ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا﴾([227])
فـ"مستقيما" حال من "صراط"، وهي مؤكدة لمضمون الجملة التي
قبلها؛ لأن صراط الله لا يكون إلا مستقيمًا.
والحال
المؤكدة لعاملها ولصاحبها ولمضمون الجملة واجبةُ التأخيرِ كما سبق، فلا يجوز
تقديمها على صاحبها ولا على عاملها، والمؤكدة لمضمون الجملة لها حكم خاص بها، وهو
أن عاملها محذوفٌ وجوبًا، تقديره: أَحُقُّهُ أو أَعْرِفُهُ أو أَعْلَمُهُ، أو نحو
ذلك.
**************
أقسام الحـال
للحال
عدة أقسام، منها ما سبق من تقسيمها إلى مؤسسة ومؤكدة.
وتنقسم
الحال أيضا بحسب الإفراد وعدمه إلى ثلاثة أقسام: مفردة، وجملة، وشبه جملة.
النوع
الأول: الحال المفردة: وهي ما ليست جملةً ولا شبهَ جملة نحو قوله-تعالى-:
﴿وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتًا﴾، وقوله-تعالى-: ﴿فَادْخُلُوهَا
خَالِدِينَ﴾، وتقدمت أمثلة كثيرة لها فيما سبق.
النوع
الثاني: شبه الجملة: وهو الظرف والجار والمجرور، ويُشترط لوقوع كل
منهما حالاً أن يكون تاما أي: مفيدا، نحو: رأيتُ الهلالَ بَيْنَ السحابِ،
فـ"بَيْنَ السحابِ" ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من الهلال، ومنه
قوله-تعالى-: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ
وَيَقْبِضْنَ﴾([228])
فـ"فوق" ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من الطير، ومثال الجار والمجرور
قوله-تعالى-: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾([229])،
فالجار والمجرور "في زينته" متعلق بمحذوف حال من فاعل "خرج"
وهو الضمير المستتر العائد على قارون.
وإذا
وقع الظرف والجار والمجرور حالَيْنِ فإنهما يتعلقانِ بمحذوف تقديره
"مُسْتَقِرٌّ" أو "اسْتَقَرَّ" محذوفينِ وجوبًا؛ لأنهما
كَوْنٌ مُطْلَقٌ.
النوع
الثالث: الجملة،
والجملة قد تكون اسميةً نحو: جاء محمد وهو ضاحك، ومنه قوله-تعالى-: ﴿خَرَجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾([230])
فجملة "وَهُمْ أُلُوفٌ" جملة اسمية من مبتدأ وخبر، وهي في محل نصب على
الحال من واو الجماعة في "خرجوا"، وقد تكون جملةً فعليةً كقوله-تعالى-: ﴿وَرَدَّ
اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾([231])
فجملة "لَمْ ينالوا خيرًا" جملة فعلية في محل نصب على الحال من
"الذين".
ويشترط
في الجملة الواقعة حالاً ثلاثة شروط:
الشرط
الأول:
أن تكون خبريةً أي محتملةً للصدق والكذب؛ لأن الحال بمثابة النعت، والنعت لا يكون
جملةً إنشائيةً.
الشرط
الثاني:
أن تكون الجملة خالية من دليل استقبال أو تعجب، فلا تقع جملة الحال مُصَدَّرَةً
بالسين أو "سوف" أو "لن" أو "لا"، ولا يكون فعلُها
فِعْلَ تعجبٍ.
الشرط
الثالث:
أن تشتمل الجملة على رابطٍ يربطها بصاحب الحال ليكون المعنى متصلاً بين الجملتين،
وهذا الرابط ثلاثة أنواع:
1-الأول:
الواو: وتسمى واوَ الحالِ([232])
نحو: جاء زيدٌ وهو يضحك، ومنه قوله-تعالى-: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾([233])
فجملة "وَنَحْنُ عُصْبَةٌ" حال من الذئب، والرابط هو الواو فقط، ولا دخل
لـ"نحن" في الربط؛ لأنه ليس راجعا إلى صاحب الحال.
2-الضمير الذي يرجع إلى صاحب الحال، كقوله-تعالى-: ﴿اهْبِطُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾([234])
فـ"بعضكم" مبتدأ، و"عَدُوٌّ" خبره، و"لبعض" متعلق
بـ"عدو"، والجملة حال من الواو في "اهبطوا"، والرابط هو الضمير في "بعضكم" الذي يرجع إلى صاحب الحال،
والمعنى: اهبطوا مُتَعَادِينَ.
3-الواو
والضمير معًا، كقوله-تعالى-: ﴿خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾([235])،
فجملة "وَهُمْ أُلُوفٌ" حال من واو الجماعة في "خرجوا"،
والرابط الواو والضمير "هم" معا، ومنه قوله-تعالى-: ﴿لاَ تَقْرَبُوا
الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾([236]).
ويجب
اقتران جملة الحال بالواو في موضعين:
الأول:
إذا
لَمْ يوجد في جملة الحال ضميرٌ يعود على صاحب الحال، نحو: جاء زيدٌ والشمسُ
طالعةٌ، وكقوله-تعالى-: ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾([237]).
الثاني:
إذا
كان فعلُ الجملة مضارعًا مُثْبَتًا مسبوقًا بـ"قَدْ" كقوله-تعالى-: ﴿لِمَ
تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾([238])
فجملة "تعلمون" حال من الواو في "تُؤْذُونَنِي"، والرابط هو
الواو والضمير معا.
ويمتنع
الربط بالواو، ويجب الربط بالضمير وحده في سبع صور:
الصورة
الأولى:
الحال الواقعة بعد عاطفٍ، كقوله-تعالى-: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ
هُمْ قَائِلُونَ﴾([239])
فـ"بياتا" حال من "قرية"، وجملة "أو هم قائلون"
معطوفة على "بَيَاتًا"، وإنما امتنعت الواو هنا لئلا يجتمع حَرْفَا عطفٍ
صورةً.
الصورة
الثانية:
الحال المؤكدة لمضمون الجملة قبلها، نحو: هو الحقُّ لا شَكَّ فيه، وقوله-تعالى-: ﴿ذَلِكَ
الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾([240])،
فكل من جملتي "لاَ شَكَّ فِيهِ" و"لاَ رَيْبَ فِيهِ" حالٌ
مؤكدةٌ لمضمون الجملة قبلها، ولَمْ يَجُزْ دخولُ الواو هنا كما لا تدخل الواو في
التوكيد في نحو : جاء زيد نفسُهُ، فلا يقال: جاء زيدٌ ونفسُهُ، وإلا لكان فيه عطفُ
الشيء على نفسه.
الصورة
الثالثة: جملة
الحال التي فعلها ماضٍ واقعٌ بعد "إلا"، كقوله-تعالى-: ﴿وَمَا
يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([241])
فجملة "كانوا به يستهزئون" حال من الهاء والميم في "يأتيهم"،
هذا قول ابن مالك.
ويرى
بعض النحاة جواز الربط بالواو، واحتجوا بقول الشاعر:
نِعْمَ
امْرَأً هَرِمٌ لَمْ تَعْرُ نَائِبَةٌ إِلاَّ
وَكَانَ لِمُرْتَاعٍ بِهَا وَزَرَا([242])
الصورة
الرابعة: الماضي
المتلوُّ بـ"أَوْ" نحو: لأَضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أَوْ مَكَثَ، فجملة
"ذهب" حال من الهاء في "لأضربنه"، ولا يجوز أن تدخل عليها
الواو لأنها في تقديرِ شَرْطٍ، أي: إِنْ ذَهَبَ وَإِنْ مَكَثَ، وفعل الشرط لا
يقترن بالواو، فكذلك ما في تقديره، ومن ذلك قول الشاعر:
كُنْ
لِلْخَلِيلِ نَصِيرًا جَارَ أَوْ عَدَلَا وَلاَ
تَشِحَّ عَلَيْهِ جَادَ أَوْ بَخِلاَ
فجملة
"جَارَ" حال من الخليل، ولا يجوز أن تدخل عليها الواو، لأنه قد عُطِفَ
عليه بـ"أَوْ".
الصورة
الخامسة:
المضارع المنفي بـ"لا" كقوله-تعالى-: ﴿وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ
بِاللَّهِ﴾([243])
فجملة "لا نؤمن بالله" حال من الضمير المجرور في "لنا"، ولم
تقترن بالواو، وإنما الرابط هو الضمير المستتر.
الصورة
السادسة: المضارع
المنفي بـ"ما" نحو: جاء زيدٌ ما يضحك، ومنه قول الشاعر:
عَهِدْتُكَ مَا تَصْبُو
وَفِيكَ شَبِيبَةٌ فَمَا لَكَ
بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّمَا([244])
فجملة
"مَا تَصْبُو" حال من الكاف في "عَهِدْتُكَ" ولَمْ ترتبط
بالواو، وإنما الرابط هو الضمير المستتر في "تَصْبُو" وتقديره
"أنت".
الصورة
السابعة:
أن يكون فعلُ جملة الحال مضارعًا مُثْبَتًا مجردًا من "قَدْ"، كقوله-تعالى-:
﴿وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾([245])
فجملة "تَسْتَكْثِرُ" حال من فاعل "تَمْنُنْ" وهو الضمير
المستتر "أنت"، ولم ترتبط بالواو، وإنما الرابط هو الضمير المستتر
في"تَسْتَكْثِرُ" وهو "أنت"، وكقوله-تعالى-: ﴿وَجَاءَ
أَهْلُ المَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ﴾([246])
فجملة "يستبشرون" حال من "أهل المدينة"، والرابط هو واو
الجماعة.
باب التمييز
التمييز
في اللغة:
مصدر الفعل مَيَّزَ: إذا خَلَّصَ شيئًا من شيء، وفَرَّقَ بين متشابِهَيْنِ.
وفي
اصطلاح النحاة: اسمٌ نكرةٌ بمعنى "مِنْ"، مُبَيِّنٌ لإبهامِ اسمٍ أو
لإبهامِ نِسْبَةٍ.
شرح
التعريف:
المراد بالاسم هنا الاسمُ الصريحُ، فلا يكون التمييزُ جملةً ولا شِبْهَ جملةٍ،
وخرج بقولنا: "نكرة" نحو: زيدٌ حسنٌ وَجْهَهُ، بنصب الوجه،
فـ"وجهَهُ" وَإِنْ بَيَّنَ إبهامَ ما قبله، لكنه ليس تمييزًا؛ لأنه
معرفة، وإنما هو منصوب على التشبيه بالمفعول به، كما سيأتي في باب الصفة المشبهة.
وخرج
بقولنا: بمعنى "مِنْ" الحالُ، فإنها بمعنى "فِي حالِ كَذَا"،
لا بمعنى "مِنْ".
وخرج
بقولنا: "مُبَيِّنٌ لإبهامِ اسمٍ أو لإبهامِ نِسْبَةٍ" اسمُ
"لا" النافية للجنس، نحو: لا رَجُلَ في الدار، ويخرج أيضا ثانِي
مفعولَيْ الفعل "اسْتَغْفَرَ"، كقول الشاعر:
أَسْتَغْفِرُ
اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ رَبَّ
العِبَادِ إِلَيْهِ الوَجْهُ وَالعَمَلُ([247])
فإن"رَجُلاً"
و"ذَنْبًا" وإِنْ كانا بمعنى"مِنْ"، بدليل صحة اقترانهما بـ"من"
كقولنا: لا مِنْ رَجُلٍ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ ذنبٍ، لكن "مِنْ"
فيهما ليست للبيان، بل هي في "لا رجل" لاستغراق الجنس، ولذلك بُنِيَ
معها اسمُ "لا"، وهي في الثانِي للابتداء، كأن المتكلم قال: أستغفر الله
مُبْتَدِئًا من أول الذنب.
تنبيه: ليس المرادُ
بقول النحاة في تعريف التمييز: "بمعنى "مِنْ" أَنَّ
"مِنْ" مُقَدَّرَةٌ قبل التمييز، وإلا لَخَرَجَ التمييزُ المـُحَوَّلُ
عن الفاعل والمفعول والمبتدأ، بل المراد أن التمييز اسمٌ جِيءَ به لتبيين جنس المـُمَيَّزِ،
كما يؤتى بـ"مِنْ" لبيان جنس ما قبلها([248]).
مثال
التمييز المـُبَيِّنِ لإبهامِ اسمٍ: اشتريتُ رِطْلاً زَيْتًا، فـ"زيتًا"
تمييزٌ؛ لأنه اسمٌ نكرةٌ متضمنٌ معنى "مِنْ" التي للبيان، أي: من زيت،
وبَيَّنَ ما قبله من إبهام؛ لأن قولك: اشتريتُ رطلاً، فيه إبهامٌ، لأن السامع لا
يفهم ما تريد بالرِّطْلِ، هل تريد عسلاً أو تَمْراً أو سَمْناً أو غيرَ ذلك؟، فإذا
قلت: "زَيْتًا" زال الإبهامُ، وفُهم المراد؛ لأنك ميزت الرطل،
وبَيَّنْتَ المقصودَ به، ولذلك يُسَمَّى لفظ "زيتا" تمييزا، والاسمُ
المبهمُ مُمَيَّزًا.
ومثال
الـمُبَيِّنِ لإبهامِ نسبةٍ: طَابَ زيدٌ نَفْسًا، ففي جملة "طاب زيدٌ"
إبهامٌ، ولكنه لا يقع على كلمة واحدة كما في المثال الأول، وإنما يقع على الجملة
كلها، وهو نِسْبَةُ الطِّيبِ إلى زيد؛ لأننا لا ندري: ما المراد به؟ أهو طِيبُ
نَفْسِهِ أم طِيبُ قَلْبِهِ أم غير ذلك؟، فإذا قلنا: طاب زيدٌ نَفْسًا، تَعَيَّنَ
المرادُ، واتضحت النسبةُ، ولذلك يُسَمَّى لفظ "نفسا" تمييزا؛ لأنه أزال
إبهاما في نِسْبَةِ الطِّيبِ إلى زيد.
حُكْمُ
التمييز النصبُ؛ لأنه من الفضلات، والناصب لِمُبَيِّنِ الاسمِ
المبهمِ هو ذلك الاسمُ المبهمُ؛ لشبهه باسم الفاعل؛ لأنه طالِبٌ له في المعنى،
نحو: اشتريتُ رِطْلاً زَيْتًا، فـ"زيتًا" تمييز منصوب
بـ"رِطْلاً"؛ لأنه أشبه: زيدٌ ضاربٌ عَمْرًا، ونحو: اشتريتُهُ بعشرين
درهمًا، فهو شبيه بقولنا: هؤلاء الضاربونَ عَمْرًا.
والناصب
لِمُبَيِّنِ النِّسْبَةِ هو الـمُسْنَدُ من فعلٍ أو شِبْهِهِ، وهذا رأي
سيبويه والجمهور([249])،
فالفعل نحو: طَابَ زيدٌ نفسًا، فـ"نفسا" تمييزٌ مُبَيِّنٌ للنسبة، وهو
منصوب بالفعل "طاب"، وشِبْهُ الفعل نحو: هو طَيِّبٌ أُبُوَّةً، وزيدٌ
كريمٌ خُلُقًا، فكل من "أُبَوَّةً" و"خلقا" تمييز مبين
للنسبة، والعامل فيه هو الخبر "طيب" و"كريم" وهما صفتان
مشبهتان وقعت كل منهما هنا خبرا للمبتدأ.
التمييز
نوعان:
النوع
الأول:
تمييز المفرد ويسمى-أيضا-تمييز الذات، وهو الذي يكون مُمَيَّزه لفظا مفردا دالاًّ
على واحد من ثلاثة:
1-الدالُّ
على العَدَدِ، نحو: اشتريتُهُ بعشرين درهمًا، فدرهم تمييز لمفرد وهو العدد "عشرين"،
ومنه قوله-تعالى-: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾([250])،
ومن تمييز العدد أيضا تمييز "كم" الاستفهامية، نحو: كَمْ كِتَابًا
اشتريتَ؟.
2-الدالُّ
على المقدار أي ما يُعْرَفُ به قَدْرُ الشيء، وهو إما مِساحةٌ نحو: اشتريتُ
قِيرَاطًا أَرْضًا، وإما كَيْلٌ نحو: اشتريتُ إِرْدَبًّا قَمْحًا، وإما وَزْنٌ
نحو: اشتريتُ رِطْلاً زَيْتًا.
3-الدالُّ
على ما يُشْبِهُ المقدار في الوزن والكيل والمساحة، وهو ما أَجْرَتْهُ العربُ
مُجْرَى المقاديرِ لِشَبَهِهِ بها في مُطْلَقِ المقدار، وإن لم يكن منها.
فما
يشبه الوزن نحو قوله-تعالى-: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾([251])،
فالمثقال شبيه بما يوزن به، وليس اسما لآلةِ وَزْنٍ معروفةٍ.
وما
يشبه الكَيْلَ نحو: اشتريتُ نِحْيًا سَمْنًا([252])،
ومنه قوله-تعالى-: ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا﴾([253])
فـ"ذهبا" تمييز منصوب، والمُمَيَّزُ شبيهٌ بالمقدار، وهو قوله:
"مِلْءُ الأَرْضِ".
وما
يشبه المساحة نحو قوله-تعالى-: ﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾([254])،
فـ"مثل" شبيه بالمساحة، وليس مساحةً على الحقيقة، وإنما هو دالٌّ على
المماثلة من غير ضابطٍ بِحَدٍّ.
النوع
الثاني: تمييز النسبة أو تمييز الجملة، وهو الذي يزيل الإبهام عن المعنى
بين طَرَفَيِ الجملةِ السابقةِ عليه، ولذا يُسَمَّى تمييزَ النسبة، وهو بحسب أصله
نوعان:
1-نِسْبَةُ
الفعل للفاعل، أو ما يعرف بالتمييز الـمُحَوَّلِ عن الفاعل، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْبًا﴾([255])
فـ"شَيْبًا" تمييزُ نِسْبَةٍ، وهو مُحَوَّلٌ عن الفاعل؛ لأن تقديره:
واشتعلَ شَيْبُ الرأسِ، ونحو: طاب زيدٌ نفسا؛ لأن أصله: طابتْ نَفْسُ زيدٍ،
فالتمييز في الآية والمثال تمييزُ نسبةٍ؛ لأنه أزال الإبهام في نسبة الاشتعال
للرأس، والطِّيبِ لزيد.
2-نِسْبَةُ
الفعل للمفعول، أو ما يعرف بالتمييزِ المُحَوَّلِ عن المفعول، نحو قوله-تعالى-: ﴿وَفَجَّرْنَا
الأَرْضَ عُيُونًا﴾([256])
فـ"عُيُونًا" تمييزُ نسبةٍ محولٌ عن المفعول؛ لأن تقديره: وفَجَّرْنَا
عُيُونَ الأرضِ، وهذا التمييز أزال الإبهام في نسبة التفجير إلى الأرض.
([9]) قد يجب جر الفاعل بالباء الزائدة، وذلك في
فاعل "أَفْعِلْ بِهِ" في التعجب نحو قوله-تعالى-: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ
وَأَبْصِرْ﴾، أي: سَمِعُوا وأَبْصَرُوا، ثم قُلِبَ الفعل إلى صورة الأمر، ومنه قول
الشاعر:
أَخْلِقْ بِذِي
الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ وَمُدْمِنِ
القَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا
أي: أَخْلَقَ ذو الصبر.
([11]) البيتان من مشطور الرجز، والمشي الوئيد:
البطيء الثقيل، والجندل: الحجارة، وقد روي البيت بروايتين أخريين، روي:
"مَشْيِهَا" بالجر على أنه بدل اشتمال من الجِمَالِ، و"وئيدا"
حال من المشي، وروي: "مَشْيَهَا" بالنصب على أن "مشيها" مفعول
مطلق لفعل محذوف أي: تَمْشِي مَشْيَهَا، وجملة "تمشي مشيها" حال من
الجمال، و"وئيدا" حال من "مشيَها".
([15]) والضمير فاعل "كان" على تقدير
أنها تامة، و"غدا" ظرف متعلق بـ"كان"، وإذا قدرت
"كان" ناقصة فالضمير المستتر اسمها، و"غدا" ظرف متعلق بمحذوف خبرها.
([16]) البيت من بحر الطويل، لِسَوَادِ بنِ
المُضَرَّبِ يخاطب الحجاج بن يوسف، وقَطَرِيٌّ هو قَطَرِيُّ بن الفُجَاءَةِ،
والمعنى: إن كان هو أي: ما تشاهده مني لا يرضيك حتى تردني إلى قطري، فلا أظنك
راضيا عني؛ لأنني لن أعود إليه.
والشاهد فيه قوله:
"فإن كان لا يرضيك" حيث جاء فاعل "كان"-على تقدير كونها تامة
أو اسمها على تقدير كونها ناقصة-جاء ضميرا مستترا عائدا إلى ما تدل عليه الحال
المشاهدة، أي: فإن كان هو أي: ما تشاهده مني.
([26]) الحديث رواه البخاري في صحيحه 1/4 باب كيف
كان بدء الوحي، 6/88 كتاب التفسير: سورة العلق، والنبي-r-لما
نزل عليه جبريل أول مرة في الغار، وذهبت به السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن
نوفل، طمأنه ورقة وقال له: إن هذا هو الناموس الذي كان يأتي الأنبياء من قبلك، يا
ليتني أكون معك إذ يخرجك قومُكَ، فقال له النبي-r-:
"أومخرجي هم"؟.
وقوله-r-:
"مخرجي" مبتدأ و"هم" فاعل به سد مسد الخبر، وأصل
"مُخْرِجِيَّ" مخرجون لِي، فحذفت اللام والنون للإضافة، فصار:
مُخْرِجُويَ، فقلبت الواو ياءً وأدغمت في الياء، وقلبت ضمة الجيم كسرة لمناسبة
الياء.
([27]) البيت من بحر المتقارب، والشاهد فيه قوله: "يلومونني...أهلي"
حيث لحقت بالفعل المسند إلى فاعل مجموع واوُ الجماعة على لغة بعض العرب، وعلى
اللغة المشهورة كان ينبغي أن يقال: يلومني أهلي.
([28]) البيت من بحر الكامل المجزوء، لأبي فِرَاسٍ
الحَمْدَانِيِّ، والشاهد فيه قوله: "ألقحنها غُرُّ السحائب" لحقت بالفعل المسند إلى جمعٍ مؤنثٍ نونُ النسوة
على لغة لبعض العرب، وعلى اللغة المشهورة كان ينبغي أن يقال: أَلْقَحَهَا أو
ألقحتْهَا غر السحائب.
([30]) وذهب بعض النحاة إلى أن هذه الضمائر هي
الفاعل، وأن الاسم الظاهر بعدها بَدَلٌ منها بَدَلَ كُلٍّ من كُلٍّ، وذهب بعضهم
إلى أن هذه الضمائر هي الفاعل، وأن الاسم الظاهر بعدها مبتدأ مؤخر، والجملة قبله
خبر مقدم.
([38]) الأخيطل: تصغير الأخطل، وهو لقب للشاعر
المشهور، وصُلُبٌ: جمع صليب، والشام: اسم جنس جمعي واحده شامة، وهي الخال
والعلامة، يعني أنه نصراني.
([39]) المعنى: لَمْ تَسْلَمْ امرأةٌ من التهمة
والشك في حربنا إلا بنات الأعمام. وقوله (بنات) فاعل (برئت) وقد لحقت التاء الفعل
مع الفصل بـ"إلا"، وهذا لا يجوز إلا في الشعر للضرورة.
([50]) المواضع التي يَخْفَى فيها إعرابُ الفاعل
والمفعولِ أربعةٌ، الأول: ما ذكرناه وهو أن يكون كل من الفاعل والمفعول اسما
مقصورا نحو ضرب موسى عيسى، والثاني: أن يكون كل منهما اسمَ إشارة نحو: ضرب هذا
ذاك، والثالث: أن يكون كل منهما اسما موصولا نحو: أَكْرَمَ مَنْ حَضَرَ مَنْ فَازَ،
والرابع: أن يكون كل منهما مضافا إلى ياء المتكلم نحو: ضرب أخي عمي.
وقد خَالَفَ ابنُ الحاجِّ في هذه المسألة
فأجاز تقديم المفعول وإن لم يظهر الإعراب، واحتج بتصغير العرب لعُمَرَ وعَمْرٍو
على عُمَيْرٍ، وبأنه يجوز: زيد وعمرو ضرب أحدُهُمَا الآخَرَ، وبأن الزَّجَّاجَ ذكر
أنه يجوز في قوله-تعالى-: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ أن يكون
"تلك" اسم "زال" و"دعواهم" خبرها والعكس.
وقد رد العلماء على ما قاله ابن الحاج بأن
تصغير عُمَرَ وعَمْرٍو على عُمَيْرٍ يَنْظُرُ فيه السامعُ إلى القرينة أو إلى مراد
المتكلم فيعلم المراد، وأما استدلاله بالآية فهو بعيد أيضا لأن التباس اسم
"زال" بخبرها ليس كالتباس الفاعل بالمفعول؛ لأن المبتدأ عين الخبر في
الحقيقة والحكم، أما الفاعل فهو غير المفعول بلا شك.
([52]) لأنك لو قلت: إنما ضَرَبَ عَمْرًا زيدٌ،
أو: ما ضَرَبَ إلا عَمْرًا زيدٌ، لكان المعنى أن زيدا ضرب عمرا، مع جواز أن يكون
ضاربا لشخص آخر، ولم يجز أن يكون عمرو مضروبا من شخص آخر.
([53]) الأنعام 161، ومثلها قوله-تعالى-: ﴿فَيَوْمَئِذٍ
لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾-الروم 57.
([59]) بعض النحاة يعبر عن هذا الباب
بـ"المفعول الذي لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ"، ولكن التعبير بـ"نائب
الفاعل" أحسن لأنه أَخْصَرُ، ولأن النائب عن الفاعل لا يلزم أن يكون مفعولاً
به، فقد ينوب غيره كالظرف والجار والمجرور والمصدر.
([63]) البيت من بحر البسيط، للأعشى، وعُلِّقَ
الرجلُ امرأةً: أَحَبَّهَا، فَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بها-عَرَضًا: بدون تعمد، والشاهد
فيه بناء الفعل "عُلِّقَ" في المواضع الثلاثة للمجهول وإنابة نائب عن
الفاعل في المواضع الثلاثة، هو في الأول تاء المتكلم، وفي الثاني الضمير المستتر،
وفي الثالث قوله: "الرجل".
([70]) سورة هود 44، ونائب الفاعل جملة النداء
"يا أرض"؛ لأنها في الأصل مقول القول، أو نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره
"هو" يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، والتقدير: وقيل هو أي القول
المعهود، وجملة النداء مفسرة.
([72]) ليت: حرف تَمَنٍّ ونصب-وهل: الواو
استئنافية، "هل": حرف استفهام معناه النفي-ينفع: فعل مضارع مرفوع وعلامة
رفعه الضمة-شيئا: مفعول به مقدم لينفع-ليتُ: فاعل "ينفع" قُصِدَ لفظه،
والجملة معترضة لا محل لها-لَيْتَ: مؤكد للأول حرف مبني على الفتح-شبابًا: اسم
"لَيْتَ" الأول-بُوعَ: فعل ماضي مبني على الفتح مبني للمهجوِّ، ونائب
فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره "هو" يعود على الشباب، والجملة من الفعل
ونائب الفاعل في محل رفع خبر "لَيْتَ" الأول-فاشتريت: الفاء واقعة في
جواب التمني، واشتريت: فعل وفاعل.
([76]) المصدر ينقسم إلى قسمين: متصرف وغير متصرف،
فالمتصرف هو ما يخرج عن النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة، نحو:
ضَرْبٍ وقَتْلٍ، فنقول: ضربتُ زيدًا ضَرْبًا، فتنصبه على المصدرية وتقول: ضَرْبُكَ
ضَرْبٌ شديدٌ، فترفع الأول على الابتداء والثاني على الخبر، وتقول: عجبتُ من
ضَرْبِكَ زيدًا، فتجره بحرف الجر، فهذا النوع ينوب عن الفاعل.
وغير المتصرف هو ما لم
يستعمل إلا منصوبا على المصدرية: نحو "مَعَاذَ اللهِ" فإنه مصدر ميمي
منصوب بفعل محذوف أي: أعوذ بالله معاذًا، ولَمْ يستعمل إلا منصوبًا مضافًا، ونحو:
سُبْحَانَ الله، فهو اسم مصدر منصوب بفعل محذوف أي: أُسَبِّحُ اللهَ سُبْحَانَ،
ولَمْ يستعمل إلا منصوبًا مضافًا، فهذا النوع لا ينوب عن الفاعل؛ لأنه غير متصرف.
والمصدر المتصرف ينقسم إلى
قسمين: مختص ومبهم، فالمختص هو المبين لنوع عامله أو عدده، نحو: ضربتُ زيدا ضربًا
شديدًا، وضربتُ زيدا ضربتين أو ضرباتٍ، وضربَ محمدٌ زيدا ضَرْبَ الظالِمِ، وهذا
النوع ينوب عن الفاعل باتفاق.
والثاني: المبهم: وهو
المؤكد لعامله نحو: ضربتُ زيدًا ضربًا، فالراجح في هذا النوع أنه لا ينوب عن
الفاعل؛ لأنه لا يفيد معنى زائدًا على ما دل عليه الفعل.
([79]) المراد بالسببي كل شيء له علاقة بالاسم
المتقدم السابق، كأن يكون مضافا إلى ضمير الاسم السابق، نحو: زيدًا ضربتُ أخاه، أو
أن يكون اسما أجنبيا أُتْبِعَ بتابعٍ مشتملٍ على ضميرِ الاسمِ السابقِ، بشرط أن
يكون التابع نعتًا نحو: زيدًا ضربتُ رجلاً يُحِبُّهُ، أو معطوفا بالواو نحو: زيدًا
ضربتُ عمرًا وأخاه، أو عطف بيان نحو: زيدًا ضربتُ عمرًا أخاه.
([80]) وإذا أُعْرِبَ الاسمُ السابقُ مبتدأً فإن
النحاة اشترطوا أن يكون هذا الاسم صالحا للابتداء به، فلا يجوز أن يكون نكرة غير
مخصصة، ولذا قالوا في قوله-تعالى-: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾: إنه
ليس من باب الاشتغال؛ لأن"رهبانيةً"لا تصلح للابتداء، بل هي معطوفة على
"رَأْفَةً" في قوله قبلها: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾، وجملة "ابْتَدَعُوهَا" صفة
لـ"رهبانيةً".
([81]) وليس من صور الاشتغال ما يجب فيه الرفع؛
لأن حد الباب لا يشمله؛ لأن المعتبر فيه أن العامل لو فُرِّغَ من الضمير وسُلِّطَ
على الاسم المتقدم لنصبه، وواجب الرفع ليس كذلك، ولكننا سنذكر مواضع وجوب الرفع لتتم
هذه القسمة.
([83]) لكن يجوز رفعه على أنه فاعل أو نائب فاعل
لفعل محذوف، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾
فأحد فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور كما سبق، وقوله تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ﴾ فالشمس نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير: إذا
كُوِّرَتْ الشمسُ كُوِّرَتْ.
([85]) النحل، الآيتان 4، 5، "فإذا":
الفاء صلة للتوكيد، و"إذا": فجائية حرف مبني على السكون لا محل له،
"هو" مبتدأ، "خصيم" خبر، "مبين" صفة، وجملة
"خلقها" مفسرة لا محل لها من الإعراب.
([88]) هذا مذهب البصريين، وهو الراجح، واختلف
الكوفيون، فذهب هشامٌ الضريرُ إلى أن ناصب المفعول هو الفاعل لأنه بدون وجوده لا
يكون هناك مفعول، وذهب الفراء إلى أن ناصب المفعول هو الفعل والفاعل معا، وحجته أن
الفعل والفاعل ككلمة واحدة، ولا يعمل بعض الكلمة دون بعضها الآخر، وذهب خَلَفٌ
الأحمرُ إلى أن ناصب المفعول هو معنى المفعولية الذي اتصف به المفعول.
([89]) الفعل الثلاثي اللازم يمكن أن يصير متعديا،
وللتعدية وسائل منها: تعديته بحرف الجر الأصلي، كما في المثال: مررت بخالد،
فـ"خالد" صار من ناحية المعنى في حكم المفعول به، لوقوع أثر الفعل عليه،
ومنها: زيادة همزة التعدية في أول الفعل، فقولنا: ضاع الكتاب، "ضاع" فعل
لازم، والكتاب فاعل، فإذا قلنا: أَضَعْتُ الكتابَ، صار الفعل متعديا، والكتابُ
مفعولاً به، ومنها: تضعيف ثانِي الفعل، كقولنا: فَرِحَ الولدُ بالهدية، فنقول:
فَرَّحْتُ الولدَ بالهدية، ومنها: تحويل الثلاثي اللازم إلى صيغة "فَاعَلَ"
الدالة على المشاركة نحو: جَلَسَ القاضي، فنقول: جَالَسْتُ القاضيَ.
-أن يكون الفعل دَالاَّ
على نظافة، نحو: طَهُرَ الثوبُ، نَظُفُ المكانُ، وَضُؤَ وجهُ محمدٍ.
-أن يكون الفعل دَالاَّ
على دَنَسٍ، نحو: دَنِسَ الثوبُ، ووَسِخَ، وقَذِرَ المكانُ ونَجِسَ.
-أن يكون الفعل على وزن
"افْعَلَلَّ" مثل: اشْمَأَزَّ، واقْشَعَرَّ واطْمَأَنَّ.
-أن يكون الفعل على وزن
"افْعَنْلَلَ" مثل: اقْعَنْسَسَ الجَمَلُ بمعنى أَبَي أن ينقاد،
واحْرَنْجَمَ الرَّجُلُ: أي أراد الأمر ثم رجع عنه.
([92]) البيت من بحر الطويل، للفرزدق يهجو جريرا،
وكليب: قبيلة جرير، والشاهد فيه قوله: "أشارتْ كُلَيْبٍ" حيث حذف حرف
الجر "إِلَى" وأبقى عمله وهذا شاذٌّ، والأصل: أشارت إِلَى كليبٍ.
([96]) البيت من الوافر لجرير يهجو الأخطل، وقوله:
"ولَمْ تعوجوا" يقال: عَاجَ فلانٌ بالمكان: إذا أقام به، والشاهد فيه
قوله: "تمرون الديار" حيث حذف الباء الجارة من المفعول وأوصل الفعل
بنفسه إليه فنصبه، وهذا ضرورة من أجل الوزن؛ لأن هذا الفعل لَمْ يستعمل عن العرب
إلا متعديا بحرف الجر.
([97]) فيجب الاقتصار في هذا على الأفعال التي
سُمِعَت عن العرب، ولا يقاس عليها، ومثله قولهم: تَوَجَّهْتُ مَكَّةَ، وذهبتُ
الشامَ، وهو قليل جدا عن العرب، فلا يقاس عليه؛ لأن استعماله قد يوهم أن الفعل
متعدٍّ بنفسه، أما نحو: دخلتُ البيتَ، فهو منصوب على المفعولية على الأصح لا على
نزع الخافض؛ لأن الفعل "دخل" يستعمل متعديا تارة بنفسه، وتارة بحرف
الجر.
([98]) البيت من بحر البسيط للمُتَلَمِّسِ،
وآلَيْتُ: أي حَلَفْتُ، أَطْعَمُهُ: أَذُوقُهُ، والمعنى: أن حب العراق لا يبقى
طويلا، بل يسرع إليه الفساد بسبب السوس ونحوه، و"أَطْعَمُهُ" منفي
بـ"لا" المحذوفة، وهو جواب القسم أي: حلفت لا أطعمه، ولهذا لَمْ يَجُزْ
نصب "الحَب" على الاشتغال لأن "لا" النافية في جواب القسم لا
يعمل ما بعدها فيما قبلها.
([99]) يشترط في "كي" أن تقدر مصدرية،
فإن قُدِّرَتْ حرفَ تعليلٍ لَمْ يُقَدَّرْ قبلها حرف الجر، بل تكون هي حرفَ جَرٍّ،
و"أن" المصدرية مضمرة بعدها. و"أَنَّ" و"أَنْ"
و"كَيْ" بعد حذف الجار في محل نَصْبٌ وهو الراجح، وقيل: في محل جر، وهو
ضعيف.
([108]) وقد يحذف المفعولان في باب
"أعطى"، قال-تعالى-: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾، فقد حذف
المفعولان للإيجاز، وقد يحذف المفعول الأول كقوله-تعالى-: ﴿حَتَّى يُعْطُوا
الجِزْيَةَ﴾ أي: حتى يعطوكم، وقد يحذف الثاني كقوله-تعالى-: ﴿وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ فقد حُذِفَ الثاني ليشمل كل ما أعطاه
الله-تعالى-لنبيه محمد-r-من خير الدنيا والآخرة.
([115]) وإنما قال النحاة: "الغالب"؛ لأن
المفعول المطلق قد يكون غير مصدر، كما سيأتي، فبين المصدر والمفعول المطلق إذًا
عمومٌ وخصوصٌ من وجه، يجتمعان في نحو: ضربت زيدا ضربًا شديدًا، وينفرد المصدر في
نحو: أعجبني ضَرْبُكَ؛ لأنه مرفوع والمفعول المطلق لا يكون إلا منصوبًا، وينفرد
المفعول المطلق في نحو: ضربته سوطًا، لأنه ليس بمصدر.
([116]) اسم المصدر: اسم يدل على معنى المصدر وهو
الدلالة على الحدث المجرد عن الزمان، ولكن حروفه تنقص عن حروف مصدر الفعل المستعمل
معه، كما في الأمثلة المذكورة.
([127]) البيت من الطويل، والشَّتِيتَانِ:
المتفرقان اللذان تَبَاعَدَ ما بينهما، والمعنى: لَسْتُ يائسًا من لقائي بِلَيْلَى
مرةً أخرى رغم تباعد ما بيننا، فالله قادر على أن يجمع شمل الأليفين اللذين تفرقا
وتباعدا، والشاهد فيه قوله: "يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ" حيث جاء لفظ
"كل" مفعولا مطلقا للفعل "يظن"، و"كل"في الحقيقة
صفة لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا، والأصل: يَظُنَّانِ ظَنًّا كُلَّ الظَّنِّ.
([129]) ومن هذا النوع أيضا: رَضِيتُ عنه أَجْمَلَ
الرِّضَا أي: رَضِيتُ عنه رِضًا أَجملَ الرِّضَا، وسِرْتُ أحسنَ السَّيْرِ أي:
سَيْرًا أحسنَ السير، واشْتَمَلَ محمدٌ الصَّمَّاءَ أي: الشِّمْلَةَ الصَّمَّاءَ،
ومنه في أحد الأقوال قوله تعالى: "فَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا" أي:
أَكْلاً رَغَدًا، وقال سيبويه: "رَغَدًا" حال من مصدر الفعل المفهوم
منه، وليس مفعولا مطلقا، والتقدير: فَكُلاَ حَالَةَ كونِ الأكلِ رَغَدًا.
([131]) مذهب المازني أن هذا النوع منصوب بالفعل
المذكور قبله، ومذهب الجمهور أنه منصوب بفعل مقدر من لفظه، والتقدير: شَنِئْتُهُ
وَبَغَضْتُهُ بُغْضًا، وأَحْبَبْتُهُ وَوَمِقْتُهُ مِقَةً، وفَرِحْتُ وَجَذِلْتُ
جَذَلاً، وهذا هو الراجح.
([134]) سورة نوح 17، وذهب سيبويه إلى أن
"نباتا" هنا اسم مصدر للفعل "نَبَتَ" ناب عن مصدر
"أَنْبَتَ" وهو "إنباتًا"، فيكون هذا من النوع الرابع وهو
مرادف المصدر المحذوف.
([146]) البيت من الطويل، والضمير في
"نَضَّتْ" يعود إلى فاطمة التي يتحدث عنها في القصيدة، ونضت ثيابها:
خلعتها، لِبْسَةُ المتفضِّلِ: ما تلبسه وقت النوم، والشاهد فيه قوله:
"نَضَّتْ لِنَوْمٍ" حيث إن النوم علة لخلع الثياب، ولكنه متأخر عنه
فلذلك جر اللام.
([147]) البيت من الطويل لأبي صخر الهُذَلِيِّ،
وتعروني: تصيبني وَتَطْرَأُ عَلَيَّ، والشاهد فيه قوله: "تعروني لذكراك"
حيث إن ذكرى مصدر، وهو علة للفعل "تعروني"، ولكن فاعل "تعرو"
هو الهِزَّةُ، وفاعل الذكرى هو المتكلم، فلما اختلف الفاعلان وجب جر المصدر
باللام.
([149]) هناك نوع آخر من المفعول لأجله، وهو المصدر
المؤول من "أَنْ" والفعل على حذف مضاف تقديره: "كَرَاهَةَ
أَنْ"، أو "مَخَافَةَ أَنْ" عند البصريين، وعلى تقدير
"لا" النافية عند الكوفيين، كقوله-تعالى-: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ فـ"أن تصيبوا" في تأويل مصدر منصوب
أي: كَرَاهَةَ أن تصيبوا أو لِئَلاَّ تصيبوا، وكقوله-تعالى-: ﴿يُبَيِّنُ اللهُ
لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ فـ"أن تضلوا" في تأويل مصدر منصوب أي: كراهة
أن تضلوا، أو لئلا تضلوا.
([154]) قد يكون النائب عن الظرفِ المحذوفِ اسمَ
عَيْنٍ (ذاتٍ)، كقولهم فِي المثل: لا أُكَلِّمُهُ القَارِظَيْنِ، والأصل: مُدَّةَ
غَيْبَةِ القَارِظَيْنِ، فحذف "مُدَّةَ" وأُنِيبَ عنها
"غَيْبَةِ" وهو مصدر، ثم حذف "غَيْبَةَ" وأنيب عنها
"القَارِظَيْنِ" وهو اسمُ ذاتٍ، وهو مثنى قَارِظٍ وهو الذي يَجْنِي
القَرَظَ وهو وَرَقُ شَجَرٍ تُدْبَغُ به الجُلُودُ، وهما رجلان من قبيلة عَنَزَةَ
خَرَجَا يَجْنِيَانِ القَرَظَ، فلم يَعُودَا، ويُضْرَبُ بهما الـمَثَلُ فِي الأمر
الـمَيْئُوسِ منه.
وقد يكون الظرفُ المَنُوبُ
عنه مكانًا نحو: جلستُ قُرْبَ زيدٍ، والأصل: مَكَانَ قُرْبِ زيدٍ، فحُذف الظرفُ
المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو المصدر.
([162]) المؤمنون 22، وسورة غافر 80.
وقال الشيخ خالد الأزهري:
"لَمَّا اشتمل "مَا لَكَ وزيدًا؟" على ما يَشْتَدُّ طَلَبُهُ للفعل
وهو "ما" الاستفهامية الإنكاريةُ، قَدَّرُوا عاملاً بعدها لشدة طلبها
للفعل، والتقدير: ما كَانَ لك وزيدًا؟".
([164]) المراد بقوله: (وبني أبيكم) الإخوة،
والمعنى: كُونُوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض، كاتصال
الكليتين وقربهما من الطحال، وأراد بهذا الحث على التقارب والائتلاف.
([165]) شَتَتْ: أقامتْ شتاءً، يقال: شَتَا بالبلد:
أي أقام به في الشتاء، وقيل: شَتَتْ بمعنى بَدَتْ، وعَلَفَ فعل ماض، والتاء فاعل،
والهاء: مفعول أول يعود إلى دابته، تبنا: مفعول ثان، حتى: ابتدائية حرف لا محل له
من الإعراب، وشتا فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هي" يعود إلى الدابة،
وهمالةً: حال من الضمير المستتر، عيناها: فاعل بهمالة، والجملة لا محل لها
مستأنفة.
([166]) البيت من الوافر للراعي النميري،
والغانيات: جمع غانية وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الزينة، بَرَزْنَ:
ظَهَرْنَ، تزجيج الحواجب: تدقيقها وتطويلها.
([168]) وفيها لغات عن العرب، فيقال: حَاشَا وحَاشَ
وحَشَا، وقد قُرِئَ شاذا: "وَقُلْنَ حَشَا لِلَّهِ"، وقال عمر بن
أَبي ربيعة:
مَن رَامَهَا،
حَاشَا النَّبيِّ وأَهْلِهِ فِي
الفَخْرِ، غَطْمَطَهُ هناك المُزْبِدُ
وأَنشد الفراء:
حَشَا رَهْطِ
النَّبِيِّ، فَإِنَّ مِنْهُمْ بُحُورًا
لا تُكَدِّرُها الدِّلاَءُ
وينظر خلاف النحاة في
"حاشا" في الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري 1/278: 287.
([169]) مما استدل به القائلون بأنها فعل
قوله-تعالى-: ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ﴾، قالوا: لأنها لو كانت حرفَ جَرٍّ لَمَا
دخلت على اللام الجارَّةِ؛ لأن حرف الجر لا يدخل على مثله، والفاعل مضمر،
والتقدير: حاشا هو أي: يوسفُ من المعصية لِخَوْفِ اللهِ، ومما استدلوا به أيضا:
لُحُوقُ نونِ الوقاية بها في نحو: قام القومُ حاشَانِي؛ لأن نون الوقاية لا تدخل
إلا على الأفعال.
([186]) ذكر ابن هشام أنه إذا تعذر إبدال المستثنى
من المستثنى منه لِمَانِعٍ لفظيٍّ، فإنه يجب إبداله من موضعه، ومَثَّلَ لذلك
بثلاثة أمثلة، الأول: كلمة التوحيد: لا إِلَهَ إلا اللهُ، فليس لفظ الجلالة بدلاً
من اسم "لا" النافية للجنس، وهو "إله"؛ لأنه لو أُبْدِلَ لفظُ
الجلالة من اسم "لا" لكان معمولا لها، و"لا" النافية للجنس لا
تعمل في معرفة، كما أن ما بعد "إلا" مثبت، و"لا" لا تعمل في
المثبت، ولهذا فإن لفظ الجلالة بدل من موضع اسم "لا" قبل دخولها، وهو
الرفع لأنه كان قبل دخولها مبتدأ.
وأما المثال الثاني فهو: ما فيها من أحدٍ
إلا زيدٌ، فلا يمكن إبدال المستثنى من لفظ المستثنى منه هنا؛ لأن "مِنْ"
في "أحد" زائدة، ولو أبدل "زيد" من لفظ "أحد" لكانت
"مِن" الزائدة عاملة في المعرفة، وهي لا تزاد إلا في النكرات بعد النفي،
ولهذا فإن زيدا بدل من موضع "أحد" وهو الرفع لأنه مبتدأ مجرور لفظا
بـ"مِن" الزائدة مرفوعٌ محلا، وخبره "فيها".
وأما المثال الثالث فهو: ليس زيدٌ بشيءٍ إلا
شيئًا لا يُعْبَأُ به، فلا يمكن البدل على اللفظ أيضا؛ لأن "شيئا"
الواقع بعد "إلا" وإن كان نكرة إلا أنه مُثْبَتٌ، والباء الزائدة لا
تدخل إلا على النكرة المنفية، ولذلك فإنه بدل من موضع "شيء" وهو النصب
لأنه خبر "ليس" مجرور لفظا بالباء الزائدة، منصوب محلا.
([188]) البيتان من الرجز المشطور لِجِرَانِ
العَوْدِ النميري، واليعافير جمع يَعْفُورٍ وهو ولد البقرة الوحشية، والعِيسُ جمع
عَيْسَاءَ وهي الإبل يخالط بياضَهَا شيءٌ من الشُّقْرَةِ، وقد خرجه سيبويه على أحد
وجهين:
أحدهما: أنه من الاستثناء المفرغ، فكأنه
قال: ليس بها إلا اليعافيرُ، فيكون ذكر "أنيس" كعدم ذكره.
والثاني: أنه جعل اليعافير والعيس إنسانَ
الدار، أي: الذي يقوم مقام الإنسان في الأُنْسِ، فكأنه توسع في معنى المستثنى حتى
جعله نوعا من المستثنى منه.
وفيه وجه ثالث: وهو أنه خَلَطَ مَنْ يعقل
بما لا يعقل، ثم عَبَّرَ عن ذلك بأحَدٍ، ثم أبدل اليعافير والعيس من لفظ مشتمل
عليهما وعلى غيرهما، فيكون الاستثناء على هذين الوجهين الأخيرين متصلا.
([189]) الشيعة: الأنصار والأعوان، والمذهب: المقصد
والطريقة، و"ما" نافية مهملة، لِي: خبر مقدم، شيعةٌ: مبتدأ مؤخر.
([191]) سبق هذا البيت، والاستشهاد به هنا على أن
"خلا" نصبت لفظ الجلالة بعدها وجوبا لأنها سبقت بـ"ما"
المصدرية، وهي لا تدخل إلا على الفعل، وقوله: "لا محالة" لا: نافية
للجنس، ومحالة: اسمها، وخبرها محذوف، و"زائل" خبر المبتدأ
"كُلُّ".
([192]) البيت من الطويل، والندامى: جمع نَدْمَانٍ
وهو الذي يُجَالِسُ صاحبَه لشرب الخمر، يهوى: يحبُّ، مولع: مغرم ومحبٌّ، والشاهد
فيه قوله: "ما عداني" حيث دخلت "ما" المصدرية على
"عدا" فَتَعَيَّنَ كونها فعلاً؛ لأن "ما" لا تدخل إلا على
الفعل، كما أن نون الوقاية لحقت "عدا"، وهي لا تلحق إلا الفعل.
([194]) بعض الأحوال لها حكم العمدة في إتمام معنى
الجملة، أو في منع فساد معناها، فالأولى كالحال التي تسد مسد الخبر، نحو: ضَرْبِي
زيدًا قائمًا، فإن معنى الجملة لا يتم إلا بذكر الحال، والثانية كقوله تعالى:
"رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً"، فلو حُذِفَ الحالُ لفسد
المعنى، لأنه يصير نفيًا.
([205]) ضابط هذا النوع: أن يُذْكَرَ المجموعُ
أَوَّلاً، ثم يفصل هذا المجموع بِذِكْرِ بعضِهِ مكرَّرًا، ومجموع الكلمتين
المكررتين هو الحال المؤولة الدالة على الترتيب، واللفظ الأول حال من الفاعل وهو
واو الجماعة، واللفظ الثاني المكرر توكيد لفظي له، وهذا هو الراجح، وقيل: هو معطوف
على الأول بعاطف مقدر، هو الفاء أو "ثُمَّ"، وقيل: الثاني صفة للأول.
([209]) الأعراف 74، والحال في هذه الآية تسمى
الحال المُقَدَّرَةَ أو الحال المُسْتَقْبَلَةَ، وهي التي يتحقق معناها بعد وقوع
معنى عاملها؛ فالجبال لم تكن وقت النحت بيوتاً؛ لأن زمن كونها بيوتا متأخرٌ عن زمن
نحتها.
([211]) الجَمَّاءُ: مؤنث الأَجَمِّ كأحمر وحمراء،
ومعناها: الجماعة الكثيرة، والغَفِيرُ: فعيل بمعنى فاعل، مشتق من الغَفْرِ بمعنى
السَّتْرِ، والمعنى: جاءوا الجماعةَ الكثيرةَ الساترةَ لوجه الأرض من كثرتها.
([216]) وكان الأصل: جاء رجلٌ ضاحكٌ، وفي الدار
رجلٌ جالسٌ على أن كلا من ضاحك وجالس نعت للرجل، فلما تقدم نعت النكرةِ عليها
أُعْرِبَ حالاً.
([219]) البِيضُ: جمع أَبْيَضَ، والمراد بها الدراهم؛
لأنها من الفضة، وهي بيضاء، و"بِيضًا" حال من "مائة" وهو نكرة
بغير مسوغ، ولا يجوز أن يكون تمييزا؛ لأن تمييز المائة لا يكون جَمْعًا منصوبًا،
بل يكون مفردا مجرورا، نحو: له مائةُ درهمٍ، ولأنك لو رفعته وقلت: عليه مائةٌ
بِيضٌ، لكان نعتا، والنعت والحال أخوان، فوجب أن يكون في حال النصب حالاً.
([220]) رواه البخاري في صحيحه 1/169 كتاب الأذان:
باب أهل العلم والفضل، 2/40 كتاب صلاة الكسوف: باب صلاة القاعد، وقول السيدة عائشة: "وهو شاكٍ":
بتخفيف الكاف بوزن قاضٍ من الشِّكَايَةِ وهي المرض، وكان ذلك بسبب سقوطه-r-عن
فَرَسٍ.
([232]) وهذه الواو تسمى واوَ الابتداء أيضًا،
وليست هذه الواوُ عاطفةً ولا أصلُها العطفَ، وهذا مذهب الجمهور، وزعم بعض
المتأخرين أنها كواوِ "رُبَّ"، بدليل عدم دخول العاطف عليها، وقَدَّرَها
سيبويه والأقدمون بـ"إِذْ"، ولا يريدون أنها بمعنى "إِذْ"، بل
يريدون أنها وما بعدها قَيْدٌ للفعل السابق، كما أن "إذْ" كذلك.
([242]) لَمْ تَعرُ: لَمْ تَنْزِلْ، نائبة: حادثة
من حوادث الدهر، لِمُرْتَاعٍ: اسم فاعل من ارْتَاعَ، وأصله الرَّوْعُ، وهو الخوف
والفزع، وَزَرًا: أي: مُعِينًا وناصرا، وامْرَأً: تمييزٌ لفاعِلِ "نِعْمَ وهو
الضمير المستتر فيه، وجملة "نِعْمَ" وفاعله في محل رفع خبر مقدم،
و"هَرِمٌ": مبتدأ مؤخر.
([244]) عَهِدْتُكَ: عرفتك، تَصْبُو: تميل إلى
اللهو والعبث، شبيبة: شباب وفتوة، صبًّا: عاشقا، وقوله: فما لك: الفاء عاطفة،
و"ما": اسم استفهام مبتدأ، لك: خبره، و"صبًّا": حال، ومتيما:
صفة.
([247]) البيت من البسيط، وهو من شواهد سيبويه
الخمسين التي لم يُعْرَفْ قائلها، والوجه هنا بمعنى القصد والنية، والشاهد قوله:
"أستغفر الله ذَنْبًا"، حيث حُذِفَ حرف الجر من المفعول الثاني"ذنبا"،
فتعدى إليه الفعلُ بنفسه، والأصل: أستغفر الله من ذنب.
([248]) من معاني "مِنْ" أن تأتي لبيانِ
الجنس، ويكثر وقوعها بعد "ما" و "مَهْمَا" لإفراط إبهامهما،
كقوله-تعالى-: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ
لَهَا"، وقوله-تعالى-: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ﴾،
وقد تقع بعد غيرهما كقوله-تعالى-: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾،
وقوله-تعالى-: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾.
وعلامتها: صحة وقوع الموصول موقعها مع ضمير
يعود على ما قبلها إن بَيَّنَتْ معرفةً، كقوله-تعالى-: ﴿فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ أي: الذي هو الأوثان؛ لأن الرجس عامٌّ يشمل
الأوثان، وقال-تعالى-: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ
وَإِسْتَبْرَقٍ﴾، أي: هي سندسٌ وإستبرقٌ.
([249]) وذهب قومٌ إلى أن ناصب التمييز المبين
للنسبة هو الجملة التي انتصب التمييز عن تَمَامِهَا، واختاره ابن عصفور الإشبيلي،
وحجتهم أن الجملة قد لا يكون فيها فعل ولا شبهه، نحو: زيدٌ أبوك عَطْفًا، ومحمدٌ
أخوك إخلاصًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق