الثلاثاء، 23 مارس 2021

قصائد على بحر المقتضب

 

أبو نواس:

حامِلُ الهَوى تَعِبُ      يَستَخِفُّهُ الطَرَبُ

إِن بَكى يُحَقُّ لَهُ      لَيسَ ما بِهِ لَعِبُ

تَضحَكينَ لاهِيَةً      وَالمُحِبُّ يَنتَحِبُ

تَعجَبينَ مِن سَقَمي      صِحَّتي هِيَ العَجَبُ

كُلَّما اِنقَضى سَبَبٌ      مِنكِ عادَ لي سَبَبُ

صفي الدين الحلي:

لَيسَ عَنكَ مُصطَبَرُ      حينَ أَسعَدَ القَدَرُ

إِنَّ صَفوَ عَيشَتِنا      لا يَشوبُهُ كَدَرُ

فَاِبتَدِر لِمَجلِسِنا      فَاللَبيبُ يَبتَدِرُ

وَاَعجَبَن لِشَمسِ ضُحىً      قَد سَعى بِها قَمَرُ

وَالخُطوبُ غافِلَةٌ      وَالرِفاقُ قَد حَضَروا

وَالعُيونُ ناظِرَةٌ      وَالقُلوبُ تَنتَظِرُ

غَيرَ أَنَّهُم نَفَرٌ      عَن رِضاكَ ما نَفَروا

إِن مَنَحتَهُم شَكَروا      أَو مَنَعتَهُم عَذَروا

صفي الدين الحلي:

أَينَ في الحِمى عَرَبُ      لي بِرَبعِهِم أَرَبُ

كُلَّما ذَكَرتُهُمُ      حَزَّني لَهُم طَرَبُ

جيرَةٌ بِحَيِّهِمُ      لَيسَ يُحفَظُ الحَسَبُ

العُهودُ وَالحُقو      قُ عِندَهُمُ تُغتَصَبُ

في خِيامِهِم قَمَرٌ      بِالصِفاحِ مُحتَجِبُ

ريقُهُ مُعَتَّقَةٌ      ثَغرُهُ لَها حَبَبُ

بِتُّ في دِيارِهِمُ      وَالفُؤادُ مُكتَئِبُ

الدُموعُ هاطِلَةٌ      وَالضُلوعُ تَلتَهِبُ

إِنَّ لِلغَرامِ يَداً      مَسَّني بِها العَطَبُ

إِن قَضَيتُ فيهِ أَسىً      فَهوَ بَعضُ ما يَجِبُ

أَبدَتِ الوُشاةُ رِضىً      مِنهُ يُلحَظُ الغَضَبُ

الوُجوهُ ضاحِكَةٌ      وَالقُلوبُ تَنتَحِبُ

لَو أَتوا بِمَكرُمَةٍ      أَعتَبوا وَما عَتَبوا

فَالغَرامُ نارُ لَظىً      عَذلُهُم لَها حَطَبُ

     

الأبيوردي:

قَلَّ في الهَوى حيَلي      يا كَثيرَةَ المَلَلِ

كَم أَبيتُ مُمتَرياً      خِلفَ دَمعيَ الهَطِلِ

رُبَّ عَبرَةٍ نَضَحَتْ      وَردَ خَدِّكِ الخَجِلِ

لَيتَني عَلى عَجَلٍ      أَجتَنيهِ بِالقُبَلِ

فالعَذولُ مُنتَظِرٌ      أَن تُخَيِّبي أَمَلي

وَالمُحِبُّ في كَمَدٍ      وَالعَذولُ في جَذَلِ

فَالهَوى وأَيسرُه      ما تَرينَ مِن وَجَلِي

هَل يَخِفُّ مَحمِلُهُ      يا ثَقيلَةَ الكَفَلِ

أحمد شوقي:

الضُلوعُ تَتَّقِدُ      وَالدُموعُ تَطَّرِدُ

أَيُّها الشَجِيُّ أَفِق      مِن عَناءِ ما تَجِدُ

قَد جَرَت لِغايَتِها      عَبرَةٌ لَها أَمَدُ

كُلُّ مُسرِفٍ جَزَعاً      أَو بُكىً سَيَقتَصِدُ

وَالزَمانُ سُنَّتُهُ      في السُلُوِّ يَجتَهِدُ

قُل لِثاكِلَينِ مَشى      في قِواهُما الكَمَدُ

لَم يُعافَ قَبلَكُما      والِدٌ وَلا وَلَدُ

الَّذينَ ميلَ بِهِم      في سِفارِهِم بَعُدوا

ما عَلِمنا أَشَقوا      بِالرَحيلِ أَم سَعِدوا

إِنَّ مَنزِلاً نَزَلوا      لا يَرُدُّ من يَرِدُ

كُلُّنا إِلَيهِ غَداً      لَيسَ بِالبَعيدِ غَدُ

البَنونَ هُم دَمُنا      وَالحَياةُ وَالوُرُدُ

لا تَلَدُّ مِثلَهُم      مُهجَةٌ وَلا كَبِدُ

يَستَوونَ واحِدُهُم      في الحَنانِ وَالعَدَدُ

زينَةٌ وَمَصلَحَةٌ      وَاِستِراحَةٌ وَدَدُ

فِتنَةٌ إِذا صَلُحوا      مِحنَةٌ إِذا فَسَدوا

شاغِلٌ إِذا مَرِضوا      فاجِعٌ إِذا فُقِدوا

جُرحُهُم إِذا اِنتُزِعوا      لا تَلُمُّهُ الضُمَدُ

العَزاءُ لَيسَ لَهُ      آسِياً وَلا الجَلَدُ

قُل لِهَيكَلٍ كَلِماً      مِن وَرائِها رَشَدُ

لَم يَشُب مُهَذَّبَها      باطِلٌ وَلا فَنَدُ

قَد عَجِبتُ مِن قَلمٍ      ثاكِلٍ وَيَنجَرِدُ

أَنتَ لَيثُ مَعرَكَةٍ      وَهوَ صارِمٌ فَرَدُ

وَالسُيوفُ نَخوَتُها      في الوَطيسِ تَتَّقِدُ

أَنتَ ناقِدٌ أَرِبٌ      وَالأَريبُ يَنتَقِدُ

ما تَقولُ في قَدَرٍ      بَعضُ سِنِّهِ الأَبَدُ

وَهوَ في الحَياةِ عَلى      كُلِّ خُطوَةٍ رَصَدُ

يَعثُرُ الأَنامُ بِهِ      إِن سَعَوا وَإِن قَعَدوا

يَنزِلُ الرِجالُ عَلى      حُكمِهِ وَإِن جَحَدوا

القَضاءُ مُعضِلَةٌ      لَم يُحِلَّها أَحَدُ

كُلَّما نَقَضتَ لَها      عُقدَةً بَدَت عُقَدُ

أَتعَبَت مُعالِجَها      وَاستَراحَ مُعتَقِدُ

عالَمٌ مُدَبِّرُهُ      بِالبَقاءِ مُنفَرِدُ

مِن بِلى كَوائِنِهِ      كائِناتُهُ الجُدُدُ

لا تَقُل بِهِ إِدَدٌ      إِنَّ حُسنَهُ اَلإِدَدُ

تَلتَقي نَقائِضُهُ      غايَةً وَتَتَّحِدُ

الفَناءُ فيهِ يَدٌ      لِلبَقاءِ أَو عَضُدُ

اِئتِلافُهُ رَشَدٌ      وَاِختِلافُهُ سَدَدُ

جَدَّ في عَمارَتِهِ      مُنصَفٌ وَمُضطَهَدُ

وَالغِنى لِخِدمَتِهِ      كَالفَقيرِ مُحتَشِدُ

وَهوَ في أَعِنَّتِهِ      مُمعِنٌ وَمُطَّرِدُ

وَالحَياةُ حَنظَلَةٌ      في حُروفِها شُهُدُ

هَيكَلُ الشَقاءِ لهُ      مِن مَدامِعٍ عَمَدُ

قامَتِ النُعوشُ عَلى      جانِبَيهِ وَالوَسَدُ

عُرسُهُ وَمَأتَمُهُ      غايَتاهُما نَفَدُ

 إسماعيل صبري:

كَم تَهيمُ كم تَجِبُ      كم تَهي وَتَضطَرِبُ

كُلما أَقولُ سَلا      جَدَّ ذلك اللَعِبُ

كُلَّما أَقولُ خَبا      شَبَّ ذلك اللَهَبُ

أَيُّها الفُؤادُ تما      ديكَ في الهَوى عَجبُ

ما نِفارُ فاتِنَتي      يا تُرى لهُ سَبَبُ

غيرَ أَنَّني كَلِفٌ      في الهَوى بها تَعِبُ

ذاكِرٌ إِذا نَسيَت      قائِمٌ بما يجِبُ

فِتنَتي الجَمالُ وَعُذ      رى الجمالُ وَالأَدَبُ

هَل دَرَت بِمَن حَمَلَت      في المَهامهِ النُجُبُ

هَل دَرَت مَكانةَ عَبّا      سَ بينَ مَن رَكِبوا

فَهيَ لَم يُلِمَّ بها      في طريقِها لَغَبُ

بل عَدَت وَلَذَّ لها      في المَفاوِزِ الخَبَبُ

هل رَأت وجوهَهُمُ      في سَمائِها الشُهُب

فَهيَ في مَنازِلها      ساهرٌ وَمُرتَقِب

هَل رَأَيتَ من ذَهَبوا      قافِلينَ لا ذَهبوا

لا عَدِمتَ رَكبَهُمُ      في الصَباح إِذ رَكِبوا

وَالحِجازُ قِبلَتُهُم      وَالفُروضُ وَالقُرَب

وَالنَبِيُّ يَطلُبُهم      وَالمُحِبُّ يَقتَربُ

وَالحَنينُ يَجذُبُهُم      وَالمَشوقُ يَنجَذِب

وَالجَلال يُؤنِسُهم      وَالنجارُ وَالحَسَبُ

هاتِ يا بَشيرُ أَدِر      ذِكرَهُم أَلا اِقتَرَبوا

ما الذي تُرَدِّدُه      في بِلادِها العَرَبُ

سالَ في رُبوعِهِمُ      مِن نَداهُمُ الذَهَبُ

وَاِنبَرَت تُقَلِّدُهُم      مِن سمائِها السُحُبُ

فَالفَقيرُ جاءَ لهُ      في ديارهِ النَشبُ

وَالسُهولُ واصَلَها      بَعدَ هَجرِهِ العُشُب

إيهِ يا بَشيرُ أَفِض      ما تَقولُ مُقتَضَبُ

إِن تَزِد فَذو كرمٍ      لِلكِرامِ يَنتَسِبُ

أَو تُرِد فَمَوعِدُنا      ما سَتَشرَحُ الخُطَبُ

وَالنَدِيُّ تَمرَحُ في      هِ القَصائِدُ القُشُبُ

وَالذي سَتَحفَظهُ      في صُدورِها الكُتُبُ

 مصطفى صادق الرافعي:

هل لذا الجفا سببُ      أم صدودهِ لعبُ

أم ذكاءُ ما برحتْ      تجتلي وتحتجبُ

أم غدا كمشبههِ      البدرُ ليس يقتربُ

شادنٌ لأعينهِ      أنفُسُ الورى سلبُ

إن يعد فليسَ يفي      والهوى لهُ أدبُ

يحكمُ الملاحُ على      الصدقِ أنهُ كذبُ

وانتمى الجمالُ لهُ      فهو للجمالِ أبُ

وهوَ من تدللهِ      هاجرٌ ومصطحبُ

وهو من ملاحتهِ      سافرٌ ومنتقبُ

كلُّ أمرهِ عجبُ      وكذا الهوى عجبُ

يا ليالياً سلفتْ      هل تعيدكِ الحقبُ

والرياضُ حاليةً      للسماءِ تنتسبُ

وهو بينَ أكوسها      البدرُ حولهُ الشهبُ

نجتليها عابسةً      باسماً لنا الحببُ

كالعروسِ قد حجبتْ      وهو دونها حُجبُ

أبطأوا بزفتها      والزفافُ مرتقبُ

أو كخدٍ أغيدَ لو      لم يسلْ بها العنبُ

أو كأنها شفة      عضها فتىً وصبُ

أو كدمعِ ذي كلف      بالدماءِ ينسكبُ

أو كقلبِ ذي حسدٍ      مازالَ يلتهبُ

إن لثمتها جذبتْ      معطفي فينجذبُ

ينبري لها رشأ      هزَّ عطفه الطربُ

في القلوبِ مختبئ      للقلوبِ مختلبُ

خدهُ بحمرتها      كالبنانِ مختضبُ

تلعبُ المدامُ بهِ      كلما احتسى يثبُ

وهو منها في ضحكٍ      وهي منهُ تنتحبُ

من كمثلي إن ذكروا      من سما بهِ الأدبُ

شيمةٌ مخلفةٌ      نافستْ بها العربُ

إنها المعادن لم      يصد مثلها الذهبُ

يا ضلوعي ما برحَ      القلبُ فيكِ يضطربُ

دارتْ العيونُ بهِ      فهو بينها نهبُ

وانجلتْ لواحظها      فانجلى لهُ العطبُ

أعينٌ يموجُ بها      سحرها فينسربُ

كم صرعنَ من أسدٍ      حينَ غالبوا غلبوا

في جفونها رسلٌ      لم تجئ بها كتبُ

ويحَ من أحبَّ أما      ينقضي لهُ أربُ

إن أراحهُ تعبٌ      شفَّ قلبهُ تعبُ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق