الثلاثاء، 23 مارس 2021

قصائد على بحر المجتث

 

ابن سهل الأندلسي:

أَهدى نَسيمُ الصَباحِ      نَسيمَ مِسكٍ وَعَنبَر

يَحُثُّها خَندَريسا      مِن خَدِّ ساقيها تُعصَر

اليَومُ يَومٌ أَغَرُّ      كَما تَراهُ طَليق

زَهرٌ وَظِلٌّ وَنَهرُ      وَشادِنٌ وَرَحيق

وَذَيلُ سُكرٍ يُجَرُّ      وَمُنتَشٍ لا يُفيق

زَمانُهُ في اِصطِباحِ      إِذا أَفاقَ تَذَكَّر

فَقالَ هاتِ الكُؤوسا      واِشرَب وَدَع مَن تَعَذَّر

كَم ذا تَكَتَّمَ وَجدا      أَذابَ قَلبي زَفيرُه

مِن شادِنٍ لَو تَبَدّى      لِلبَدرِ أَظلَمَ نورُه

مَن بِالنُفوسِ يُفَدّى      أَنا المُعَنّى أَسيرُه

يَفري الحَشا بِاِلتِماحِ      مِن طَرفِ وَسِنانَ أَحوَر

ناهيكَ عِلقاً نَفيسا      في مِثلِهِ الصَبُّ يُعذَر

مُنَعَّمُ القَدِّ لَدنُ      كَالغُصنِ في عَليائِهِ

وَهيَ الكَواكِبُ تَعنو      لِحُسنِهِ وَبَهائِهِ

وَكُلُّ قَلبٍ يَحِنُّ      إِلَيهِ شَوقَ لِقائِهِ

مُطاوِعٌ ذو جِماحِ      يَهوى الوِصالَ وَيَحذَر

لِذاكَ عِرضاً دَنيساً      وَلَيسَ يَهوى لِمُنكَر

موسى حَوَيتَ الجَمالا      وَعِفَّةً في طِباعِك

لَم تَرضَ إِلّا الحَلالا      غُذيتَهُ في رِضاعِك

وَقَد أَمَلتَ الرِجالا      نِهايَةً بِاِصطِناعِك

فَاِلبَس رِداءَ اِمتِداحِ      وَجَرِّرِ الذَيلَ وَاِفخَر

فَلَن يَزالَ حَبيسا      يُطوى عَلَيكَ وَيُنشَر

لَمّا اِستَقامَ قَضيباً      وَكادَ يَنقَدُّ مَيلا

وَمَرَّ خِشفاً رَبيبا      وَزادَ حُسناً وَطَولا

ما شاءَ قُمتُ خَطيبا      فَقُلتُ وَالحَقُّ أَولى

     

ابن سهل الأندلسي     

يُدنيكَ زورُ الأَماني      مِنّي وَتَنأى طِلابا

كَأَنَّني حينَ أَبغي      رِضاكَ أَبغي الشَبابا

وَأَشتَهي مِنكَ ذَنباً      أَبني عَلَيهِ العِتابا

حَتّى إِذا كانَ ذَنبٌ      فَتَحتُ لِلعُذرِ بابا

ظَمِئتُ مِنكَ لِوَعدٍ      فَكانَ وِردي السَرابا

لا خابَ سُؤلُكَ أَمّا      سُؤلي لَدَيكَ فَخابا

 

أبو العتاهية:

سُكرُ الشَبابِ جُنونُ      وَالناسُ فَوقٌ وَدونُ

وَلِلأُمورِ ظُهورٌ      تَبدو لَنا وَظُنونُ

وَلِلزَمانِ تَثَنٍّ      كَما تَثَنّى الغُصونُ

مِنَ العُقولِ سُهولٌ      مَعروفَةٌ وَحُزونُ

فيهِنَّ رَطبٌ مُؤاتٍ      مِنهُنَّ كَزٌّ حَرونُ

إِنّي وَإِن خانَني مَن      أَهوى فَلَستُ أَخونُ

لاأُعمِلُ الظَنَّ إِلّا      فيما تَسوغُ الظُنونَ

يا مَن تَمَجَّنَ مَهلاً      قَد طالَ مِنكَ المُجونُ

هَوَّنتَ عَسفَ اللَيالي      هَوَّنتَ ما لا يَهونُ

يا لَيتَ شِعري إِذا ما      دُفِنتَ كَيفَ تَكونُ

لَو قَد تُرِكتَ صَريعاً      وَقَد بَكَتكَ العُيونُ

لَقَلَّ عَنكَ غَناءً      دَمعٌ عَلَيكَ هَتونُ

لا تَأمَنَنَّ اللَيالي      فَكُلُّهُنَّ خَأونُ

إِنَّ القُبورَ سُجونٌ      ما مِثلُهُنَّ سُجونُ

كَم في القُبورِ قُرونٌ      مِمَّن مَضى وَقُرونُ

ما في المَقابِرِ وَجهٌ      عَنِ التُرابِ مَصونُ

لَتُفنِيَنّا جَميعاً      وَإِن كَرِهنا المَنونُ

أَمّا النُفوسُ عَلَيها      فَلِلمَنايا دُيونُ

لاتَدفَعُ المَوتَ عَمَّن      حَلَّ الحُصونَ الحُصونُ

ما لِلمَنايا سُكونٌ      عَنّا وَنَحنُ سُكونُ

     

عبد الله الشبراوي:     

هَل ذاكَ ثغر تَبسم      أَم ذاكَ لُطف تجسم

أَم رَوضَة قَد تَغَنّى      شَحرورِها وَتَرَنَّم

أَم نَفحَة ذكرَتنا      بِطيبِ عَهد تقدم

أَم شَمال شحرى      بِنَفح وادي القَنانِم

أَم الصَبا حين هبت      أَزالَت الهم وَالغَم

أَم بَرق نُعمان لما      بَدا من النورِ أَوهَم

أَم ذاكَ بُلبُل فَضل      عَن المَحاسِنَ تَرجَم

أَم ذاكَ عَهد المَصلى      نَحا العَذيب وَيمم

قَد كُنت أَعتَب دَهري      وَأَحسَب الدَهر أَعقَم

وَطالَما ساءَ ظَنّي      وَقلت يا دَهر كَم كَم

كَم جاهِل يَتَأَلى      وَفاضِل يَتَأَلَّم

وَالجَهل عَمّ وَأَما      فَضل فَلا فَضل يَعلَم

وَكَم طَلَبت عليا      فَقالَ لا لا وَصمم

وَقُلتُ يا دَهر مه مه      فَصدّعني وَهمهَم

فَقُلتُ دَهري بَخيل      بِالفَضل وَاللَه أَكرَم

وَكادَ فِكري يُنادي      رُبع المَعالي تهدّم

حَتّى رَأَيت عَجيبا      من فَضلِكَ الباهِر الجَم

فَقالَ لي مَدح هذا      فَرض عَلَيكَ مُحتَم

وَفي اِمتِداح سِواه      لُزوم ما لَيسَ يَلزَم

وَهكَذا الفَضل يَبدو      بِالفَحصِ وَالجَهلِ يَكتم

هذا هو المَجد هذا      فَاِمدَحه اِن كُنت تَفهَم

هذا عَلى بن تاج      هذا المعلى المُعظَم

هذا اِبن بَيت عَتيق      لَدى كَدى وَالمحطم

هذا اِبن مكة فَاِنظُر      لِمَن لذى البُقعَة اِنضَم

اللَه أَكبَر هذا      مَقام من رامَ يَغنَم

هذا مَقام شَريف      من نَبعة تَأنف الذم

جُرثومَة من قُرَيش      تَقول ما ثُمَّ مَأثَم

وَعقد دُرّ فَريد      أَنماهُ بَيت مُحَرّم

مَرباه بانات نجد      وَسوح ذاكَ المُختَم

مَحاسِنَ لَيسَ تُحصى      وَحدّها لَيسَ يَعلَم

وَاِن تَرد منتهاها      أَعيتك وَالصَمت أَسلَم

يا واحد العصر لطفا      يا ابنَ الحطيم وَزَمزَم

يا اِبن الاولى من قُريش      حازوا السِباق المُسهَم

فاقوا البَرِيَّة فَخرا      بِالجِدِّ وَالخال وَالعَم

أَنتَ الاِمام المُفَدّى      اِن سلم الضدّ أَو لَم

أَنتَ الَّذي حُزت مجدا      يَكفي الوَرى لَو تقسم

أَنتَ الَّذي لَو رَآهُ      بَديع همدان سلم

أَو كانَ لِلسَعدِ سَعد      لَكانَ مِنكَ تَعلَم

فَيُا رَعى اللَه خطا      بِالحَظِّ مَعناه قَد عَم

أَفديهَ خطا وَلَفظا      أَتى من اليَد وَالفَم

اِن قُلت خط عَلَيّ      فَالحَظ أَعلى وَأَعظَم

وأَو قُلتُ حفظ قَوِيّ      فَالفِهم أَقوى وَأَقوَم

أَو قُلتُ فَرع زَكّى      فَالاِصل تاج مُكَرّم

لا آخذ اللَه دَهرا      فيما مَضى كانَ أَجرَم

سامَحت دَهري لما      رَأَيته بِك أَنعم

وَمُذ وَجَدتك تُبدي      لَفظا كدر منظم

قُلتُ المَزايا عَطايا      وَان تَكُن آخراكم

لِلَّهِ دُرُّكَ حبرا      أَعطيتَ في الفَضلِ ما لَم

فَكل لِفظِكَ لطف      وَكل مَعناكَ محكَم

فانَ تفه بِبَديع      فَهو البَديع المُتمم

وَان أَتَيت بِنُظم      أَشحَيت كل مُتَيم

وَان تكلمت نثرا      أَعرَبته وَهو معجَم

وَكُلَّما قُلت قَولا      فَذاكَ قَول مُسلِم

وَان أَقَمت دَليلاً      فَهو الدَليل المقَوّم

ماذا أَقول اِذا ما      أَرَدت أَن أَتَكَلَّم

أَوصافك الغر فاقَت      عَما أحيط وَأَعلَم

يا دَهر أَنعَمت فَاِغفِر      ما كانَ مني وَاِرحَم

وَيا لِساني تَأَخّر      وَيا بنان تَقَدّم

وَاِجري وَقُل هُو عقد      بِهِ الزَمان تَكَرَّم

وَما لَهُ من نَظير      في الذات وَالكيف وَالكَم

وَكل وَصف جَميل      لِغَيرِهِ فيه قَد تَم

وَكَيف أَثنى عَلَيهِ      وَفَضلُه الجَم أَفخَم

وَغايَة الأمر أَني      عَجِزتُ وَاللَهُ أَعلَم

 

حافظ إبراهيم:

أَتَيتُ سوقَ عُكاظٍ      أَسعى بِأَمرِ الرَئيسِ

أُزجي إِلَيهِ قَوافٍ      مُنَكَّساتِ الرُؤوسِ

لَيسَت بِذاتِ رُواءٍ      تُزهى بِهِ في الطُروسِ

وَلا بِذاتِ جَمالٍ      يَسري بِها في النُفوسِ

لَم يَحبُها فَضلُ شَوقي      بَقِيَّةً مِن نَسيسِ

فَهُنَّ قَفرٌ خَوالٍ      مِن كُلِّ مَعنىً نَفيسِ

وَهُنَّ جُهدُ مُقِلٍّ      حَليفَ هَمٍّ وَبوسِ

قالَ الرَئيسُ وَمَن ذا      يَقولُ بَعدَ الرَئيسِ

سَقى الحُضورَ شَراباً      يُنسى شَرابَ القُسوسِ

مُعَتَّقاً قَبلَ عادٍ      في مُظلِماتِ الحُبوسِ

تُذكي الدِياراتُ مِنهُ      ناراً كَنارِ المَجوسِ

يُريكَ وَاللَيلُ داجٍ      شُموسَهُ في الكُؤوسِ

بَناتُ أَفكارِ شَوقي      في جَلوَةٍ كَالعَروسِ

تُزهى بِمَعنىً سَرِيٍّ      أَتى بِمَعنىً شَموسِ

وَلَيلَةٍ مِن عُكاظٍ      ضَمَّت حُماةَ الوَطيسِ

أَحيا بِها ذِكرَ عَهدٍ      آثارُهُ في الطُروسِ

عَهدٌ سَما الشِعرُ فيهِ      إِلى مَجالي الشُموسِ

وَوِردُهُ كانَ أَصفى      مِن مَورِدِ القاموسِ

فَجِئتُها بِحَديثٍ      أَسوقُهُ لِلجُلوسِ

قَد زُرتُ مُتحَفَ مِصرٍ      في ظُهرِ يَومِ الخَميسِ

في زُمرَةٍ مِن رِفاقٍ      غُرِّ الشَمائِلِ شوسِ

فَضِقتُ ذَرعاً بِأَمرٍ      عَلى النُفوسِ بَئيسِ

وَكِدتُ أُصرَعُ غَمّاً      لِحَظِّها المَعكوسِ

وَصَرعَةُ الغَمِّ أَدهى      مِن صَرعَةِ الخَندَريسِ

رَأَيتُ جُثَّةَ خوفو      بِقُربِ سيزوستَريسِ

فَقُلتُ يا قَومُ هَذا      صُنعُ العَقوقِ الخَسيسِ

أَجسادُ أَملاكِ مِصرٍ      وَشائِدي مَنفيسِ

مِن بَعدِ خَمسينَ قَرناً      لَم تَستَرِح في الرُموسِ

أَرى فَراعينَ مِصرٍ      في ذِلَّةٍ وَنُحوسِ

مَعروضَةً لِلبَرايا      أَجسادُهُم بِالفُلوسِ

عَنهُم نَبَشنا زَماناً      في مُظلِماتِ الدُروسِ

فَديسَ ظُلماً حِماهُم      وَكانَ غَيرَ مَدوسِ

لَعَلَّهُم حَصَّنوهُم      مِن هادِماتِ الفُؤوسِ

عِلماً بِأَن سَوفَ يُمنى      بِيَومِ شَرٍّ عَبوسِ

لَو أَنَّ أَمثالَ مينا      في الغَربِ أَو رَمسيسِ

بَنوا عَلَيهِم وَخَطّوا      حَظائِرَ التَقديسِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق