الثلاثاء، 16 مارس 2021

قصائد على بحر المنسرح

النابغة الجعدي:

الحَمدُ لِلَهِ لاَ شَرِيكَ لَهُ      مَن لَم يَقُلها فَنَفسَهُ ظَلَما

المُولِجِ الليلَ في النهارِ      وَفِي الليلِ نَهاراً يُفرِّجُ الظُّلَما

الخافِضِ الرافِعِ السَماءَ عَلى ال      أَرضِ وَلَم يَبنِ تَحتَها دِعَما

الخالِقِ البارِئِ المُصَوِّرِ في ال      أَرحامِ ماءً حَتّى يَصِيرَ دَما

مِن نُطفَةٍ قَدَّها مُقدّرُها      يَخلُقُ مِنها الأَبشارَ وَالنَسَما

ثُمَّ عِظاماً أَقَامَها عَصَبٌ      ثُمَّتَ لَحماً كَساهُ فَالتأَما

ثُمَّ كَسا الرِيشَ والعَقائِقَ أَب      شاراً وَجِلداً تَخالُهُ أَدَما

وَالصوتَ وَاللَونَ وَالمَعايِشَ وَال      أَخلاَقَ شَتّى وَفَرَّقَ الكَلِما

ثُمَّتَ لاَ بُدَّ أَن سَيَجمَعُكُم      وَاللَهِ جَهراً شَهادَةً قَسَما

فَائتَمِرُوا الآنَ ما بَدا لَكُمُ      وَاِعتَصِمُوا إِن وَجَدتُمُ عِصَما

فِي هذِهِ الأَرضِ وَالسَماءِ وَلا      عِصمَةً مِنهُ إِلاَّ لِمَن رَحِما

يا أَيُّها الناسُ هَل تَرَونَ إلى      فَارِسَ بادَت وَخَدُّهَا رَغِما

أَمسُوا عَبِيداً يَرعَونَ شاءَكُمُ      كَأَنَّما كانَ مُلكهُم حُلُما

مِن سَبَأ الحاضِرينَ مآرِبُ إِذ      يَبنُونَ مِن دُونِ سَيلِهِ العَرِما

فَمُزِّقُوا فِي البِلادِ واعتَرَفُوا      الهونَ وَذاقُوا البَأساءَ والعَدَما

وَبُدِّلُوا السِدرَ وَالأَراكَ بِهِ الخَم      طَ وَأَضحى البُنيانُ مُنهَدِما

يا مالِكَ الأَرضِ وَالسَماءِ وَمَن      يَفرَق مِنَ اللَهِ لا يَخَف أَثَما

إِنِّي اِمرُؤٌ قَد ظَلَمتُ نَفسِي وَإِلاَّ      تَعفُ عَنّي أُغلا دَماً كَثِما

أُطرَحُ بِالكَافِرِينَ في الدَرَكِ ال      أَسفَلِ يَا رِبِّ أصطَلي الصَرِما

يَرفَعُ بالقارِ والحَدِيدِ مِنَ ال      جَوزِ طِوالاً جُذُوعُها عُمُما

نُودِيَ قُم وَاركَبَن بأَهلِكَ إنَّ      اللَهِ مُوفٍ لِلناسِ ما زَعَما

     

أوس بن حجر:

أَيَّتُها النَفسُ أَجمِلي جَزَعا      إِنَّ الَّذي تَحذَرينَ قَد وَقَعا

إِنَّ الَّذي جَمَّعَ السَماحَةَ وَال      نَجدَةَ وَالحَزمَ وَالقُوى جُمَعا

الأَلمَعِيَّ الَّذي يَظُنُّ لَكَ ال      ظَنَّ كَأَن قَد رَأى وَقَد سَمِعا

وَالمُخلِفَ المُتلِفَ المُرَزَّأَ لَم      يُمتَع بِضَعفٍ وَلَم يَمُت طَبَعا

وَالحافِظَ الناسَ في تَحوطَ إِذا      لَم يُرسِلوا تَحتَ عائِذٍ رُبَعا

وَاِزدَحَمَت حَلقَتا البِطانِ بِأَق      وامٍ وَطارَت نُفوسُهُم جَزَعا

وَعَزَّتِ الشَمأَلُ الرِياحَ وَقَد      أَمسى كَميعُ الفَتاةِ مُلتَفِعا

وَشُبِّهَ الهَيدَبُ العَبامُ مِنَ ال      أَقوامِ سَقباً مُلَبَّساً فَرَعا

وَكانَتِ الكاعِبُ المُمَنَّعَةُ ال      حَسناءُ في زادِ أَهلِها سَبُعا

أَودى وَهَل تَنفَعُ الإِشاحَةُ مِن      شَيءٍ لِمَن قَد يُحاوِلُ البِدَعا

لِيَبكِكَ الشَربُ وَالمُدامَةُ وَال      فِتيانُ طُرّاً وَطامِعٌ طَمِعا

وَذاتُ هِدمٍ عارٍ نَواشِرُها      تُصمِتُ بِالماءِ تَولَباً جَدِعا

وَالحَيُّ إِذ حاذَروا الصَباحَ وَقَد      خافوا مُغيراً وَسائِراً تَلِعا

عنترة بن شداد:

بَردُ نَسيمِ الحِجازِ في السَحَرِ     إِذا أَتاني بِريحِهِ العَطِرِ

أَلَذُّ عِندي مِمّا حَوَتهُ يَدي     مِنَ اللَآلي وَالمالِ وَالبِدَرِ

وَمُلكُ كِسرى لا أَشتَهيهِ إِذ     ما غابَ وَجهُ الحَبيبِ عَن نَظَري

سَقى الخِيامَ الَّتي نُصِبنَ عَلى     شَرَبَّةِ الأُنسِ وابِلُ المَطَرِ

مَنازِلٌ تَطلُعُ البُدورُ بِه     مُبَرقَعاتٍ بِظُلمَةِ الشَعَرِ

بيضٌ وَسُمرٌ تَحمي مَضارِبَه     أَسادُ غابٍ بِالبيضِ وَالسُمُرِ

صادَت فُؤادي مِنهُنَّ جارِيَةٌ     مَكحولَةُ المُقلَتَينِ بِالحَوَرِ

تُريكَ مِن ثَغرِها إِذا اِبتَسَمَت     كَأسَ مُدامٍ قَد حُفَّ بِالدُرَرِ

أَعارَتِ الظَبيَ سِحرَ مُقلَتِه     وَباتَ لَيثُ الشَرى عَلى حَذَرِ

حَودٌ رَداحٌ هَيفاءُ فاتِنَةٌ     تُخجِلُ بِالحُسنِ بَهجَةَ القَمَرِ

يا عَبلَ نارُ الغَرامِ في كَبدي     تَرمي فُؤادي بِأَسهُمِ الشَرَرِ

يا عَبلَ لَولا الخَيالُ يَطرُقُني     قَضَيتُ لَيلي بِالنَوحِ وَالسَهَرِ

يا عَبلَ كَم فِتنَةٍ بُليتُ بِه     وَخُضتُها بِالمُهَنَّدِ الذَكَرِ

وَالخَيلُ سودُ الوُجوهِ كالِحَةٌ     تَخوضُ بَحرَ الهَلاكِ وَالخَطَرِ

أُدافِعُ الحادِثاتِ فيكِ وَل     أُطيقُ دَفعَ القَضاءِ وَالقَدَرِ

ابن الزيات:

ما أَعجَبَ الحُبَّ في مَذاهِبِه      ما يَنقَضي القَولُ في عَجائِبِه

يُفسِدُ ذا الدّينِ بَعدَ عِفَّتِه      وَيُذهِلُ المَرءَ عَن مَآرِبِه

الحُبُّ نارٌ وَلا خُمودٌ لَها      تَترُكُ ذا اللُّبِّ جدّ عازِبِه

ثُمَّتَ تَرفَضُّ في مَفاصِلِه      فَتُشعِلُ السُّقمَ في جَوانِبِه

لَيسَ أَخو الحُبِّ مَن يَمَلُّ وَلا      مَن يَطرَحُ الحَبلَ فَوقَ غارِبِه

يَأخُذُ مِنهُ الَّذي يَطيبُ لَه      غَيرَ صَبورٍ عَلى نَوايِبِه

لَم أَرَ داءً وَلا دَواءَ لَه      إِلَّا وَفي الحُبِّ ما يُقاسُ بِه

سائِل عَنِ الحُبِّ من تَضَمَّنَه      ما شاهِدُ الأَمرِ مِثلُ غايِبِه

ما جَرَّبَ الحُبَّ فَوقَها أَحَدٌ      إِلَّا رَأى المَوتَ في تَجارِبِه

وَلا رَأى المَوتَ في تَجارِبِه      إِلَّا فَتىً مُخلِصٌ لِصاحِبِه

انظُر إِلى المُؤمِنِ الَّذي اِجتَمَعَت      أَلسِنَةُ النَّاسِ في مَناقِبِه

مِن بَعدِ سجَّادة مرَكَّبَةٍ      تَلوحُ لِلعَينِ فَوقَ حاجِبِه

وَلِحيَةٍ كَالمِجَنِّ وافِرَةٍ      أَليقُ شَيءٍ بِحُفِّ شارِبِه

لا يَرفَعُ الطَّرفَ في السَّماءِ من ال      إِشفاقِ وَالخَوفِ من مُحاسِبِه

أُتيح لِلحَينِ وَالقَضاءِ لَهُ      مَن قَصَّرَت عَنهُ كفُّ طالِبِه

اِنسَكَبَ الحَسنُ فَوقَ جَبهَتِه      فَمَرَّ يَجري إِلى ترايِبِه

ثُمَّ تَوافى إِلى أَظافِرِه      فَاِنطَمَسَت ثمَّ عَينُ عايِبِه

ثُمَّ أَعادَت عَلَيهِ ثانِيَةً      فَثَبَّتَ الحُسنَ كَفُّ ساكِبِه

فَالحُسنُ فيهِ مُضاعَف وَلَهُ      شيمَةُ بُخل عَلى مطالِبِه

لَم يَخلِقِ اللَّهُ مِثلَهُ أَحَداً      في مَشرِقِ الأَرضِ أَو مَغارِبِه

كَأَنَّهُ دُميَةٌ مُصَوَّرَةٌ      يَعبُدُها القَسُّ في مَحارِبِه

صَوَّرَها راهِبٌ وَزَخرَفَها      فَاِبتَزَّها القَسُّ دونَ راهِبِه

تَنازَعاها كِلاهُما حَنِقٌ      يَفقَأ بِالسِّنِّ عَينَ صاحِبِه

وَأَجلَبَ القسُّ أَهلَ بيعَتِه      وَجاءَ يَختالُ في كتايِبِه

فَصانَها دونَ ما حَوَت يَدُه      مِن جُلِّ مالٍ وَمِن رَغايِبِه

يَسطو عَلى أَهلِ بيعَتِه      كَسَطوِ كِسرى عَلى مَرازِبِه

تَبكي اِبن عَبَّاد إِنَّ لَه      فَضلاً سَأُبدِيهُ غَير كاذِبِه

في لَفظِهِ غنَّةٌ يخالُ بِها      دُراً جَرى مِن سُلوكِ ثاقِبِة

إِذا عَلا مَوضِع الحقابِ وَقَد      ضَمَّ يَدَيهِ عَلى مَناكِبِه

واهاً لَهُ مركباً لِراكِبِه      لا خَيَّبَ اللَّهُ سَعيَ جالِبِه

                                 الصنوبري:

أَقْرَرْتَ عَيني بذلكَ المنظرْ      يا جؤذراً فاق حُسْنَه الجُؤذَرْ

لما جلاكَ الحمَّامُ كنتَ كما      حَكَتْهُ عنك الظنونُ بلْ أَكثر

كشفتَ عن جوهرٍ عَنِيتَ به      عن كلِّ مُسْتَحْسَنٍ منَ الجوهر

ما خارجَ المئزرِ السَّقامُ ولَ      كنَّ شفاءَ السَّقامِ في المئزر

أرقتَ ماءً على أَرَقَّ من ال      ماءِ وأَذكى ريحاً من العنبر

وكدتُ أَنْ أُظهرَ الغرامَ ولا      بدَّ لهذا الغرامَ أَنْ يَظْهَر

الصنوبري:

هذا أُسَيْدٌ فقفْ على غدْرِهْ      غَلَيِّمٌ قد أُصيب في دُبْرِهْ

لذاك ما إِن تني مُنَكَّسةً      مغارفُ العالمينَ في قِدْرِه

مكتحلٌ من ورائهِ أَبداً      بميلِ لحمٍ علا على شِبْرِه

مَنْ رَمِدَتْ عينُه فآفةُ ذا      من رَمَدٍ يشتكيهِ في جُحْره

الصنوبري:

بكِّرْ فإن الشتاءَ قد بكَّرْ      ما قَصَّرَتْ سُحْبُهُ ولا قَصَّرْ

حَثَّتْ سُقاهُ الغَمامِ أكؤُسَها      فالأَرضُ سَكرَى وكيفَ لا تَسكَر

طَوَتْ رُباها غبارَها فَصَفَا ال      جوُّ وقد كان وجهُهُ أَغْبَر

غِيثَتْ فَسُرَّتْ وسُرَّ ساكنُها      واستبشرتْ بالغيوثِ واستبشَر

ذا خضرُ الصَّعْتَرِيِّ مُنْصَرِفٌ      عنه وهذا الحَماحِمُ الأحمر

مُسْتَخْلَفٌ منه في مجالسنا ال      نّمامُ والمرزَجُوشُ مُسْتُورْزَر

وناعمٌ من بنفسجٍ نَعِمَتْ      نفسي به في المشمِّ والمنظر

ونرجس مُضْعَف تضاعَف في      ه الحسنُ في أبيضٍ وفي أصفر

كأَنَّ من جوهرٍ تُنُوسِخَ أو      كأَنَّ منه تُنُوسِخَ الجوهر

الدرُّ والتبرُ فيه قد خُلطا      للعينِ والمسكُ فيه والعنبر

وهاتِ أُتْرَجّنا الكبارَ فَمَنْ      عايَنَهُ من معاينٍ كَبَّر

وهاتِ تُفّاحنا الذي هُوَ مِنْ      عطرِ ذوي العطرِ كلِّهم أعطر

مُلَمَّعٌ فهو أبيضٌ أحْمَرْ      كما تراهُ وأصْفَرٌ أَخْضَر

فالحمدُ للّهِ حَمْدَ مبتهِجٍ      بما قضاهُ عليه أو قَدَّر

لئن مضى الصيفُ وهو يُشْكَرُ فالش      تاءُ أيضاً في فِعْلِهِ يُشْكَر

الصنوبري:

إن كنتَ يوماً مبارزاً فابرزْ      ليس سوى الموتِ حاجزٌ يُحْجِزْ

تعالَ فالبسْ معي وألْبَسُ من      نسجِ السكاكين حُلَّتَيْ قِرْمِز

وذا الفتى الرافقيُّ فهو أخي      والرافقيون أَمْرُهُمْ مُعْجِز

شبْلُهُمُ الليثُ في فُتُوَّتِهِ      حين تَفَاتى وَفَرْخُهُمْ كُرَّز

فَسِرْ إليه عقداً يَسِرْ بلداً      أما تراهُ غضبانَ مُسْتَوفِز

مَنِ الجُلَنْدَى وأنو شروانَ مَن      شَاهَبُورُ مَنْ هرمز

هذا هو الموتُ حين يوجِزُ في      قبضِ جميعِ النفوسِ أو أوجز

مَنْ غيرُ ذا زاحَمَ الجبالَ ومن      زَلْزَلَ أركانها وَمَنْ هَزْهَز

مَنْ في بحار العذابِ يُعْجَنُ مذ      كان وَمَنْ في يحريقِهِ يُخْبَز

مَنْ ضربةُ السيفِ حين تَضْرِبُهُ      في وَجْهِهِ غَرْزُ إِبرةٍ تُغْرَز

فتى إذا مَرَّ مَرَّ مرتدياً      رداءَ بزٍّ بالشرِّ قد طُرِّز

قد حَزَّ ثِقْلُ الحديدِ في جَسَدٍ      منه بوخزِ السياطِ قد خُزِّز

مُكرَّهٌ لو دعا الحِمامَ إلى ال      برازِ خافَ الحِمامُ أَنْ يَبْرُز

يا جائزَ الأمرِ في السجونِ كما      يجوزُ أَمْرُ الأميرِ أو أَجْوَز

قُطْبُ رحى الفتكِ أنت بَرَّزْتَ في ال      فتكِ وذا الفتكُ قيلَ قد برَّز

بحقِّ مَنْ أحرزَ الفتوّة أو      أحرزها عنه بعضُ مَنْ أحرز

مِنْ مُطْلَقٍ جامزٍ بخنجرِهِ      أو مُوثَقٍ في قيودِهِ يَجْمُز

مقارفٍ كلَّ مَنْ يقارفُهُ      سكِّينُهُ من قِرابها تَقْفِز

شأنَكَ فانظرْ ماذا لقيتُ وما      ألقاه من ذا المؤاجرِ المُنْتَز

مؤاجرٌ يدّعي إِليَّ فكم      أُهْمَزُ من أَجله وكم أَلمز

نَفَّقَ بي نَفْسَهُ ألستَ ترى      بأَيِّ إِشفَا إِجارَةٍ يُخْرَز

يا أَسَدُ الشيءُ أنت تملكُهُ      فاذهبْ فبدِّدْ إِن شئتَ أو أَحْرِز

لستَ غلامي فأيّما وَتدٍ      أردتَ قفزاً عليه قُمْ فاقفز

تعالَ حتى تبيعَ في حلبٍ      إن كنت تشكو الكسادَ في كِلِّز

في تحسبنَّ الهوى بحالته      طارَ جرادُ الهوى وما غَرَّز

يا للنَّصارى لما جنى أسَدٌ      هو ابنُ يعقوبَ ذلك الجُرْبُز

أما لأسقُفِّكِمْ وَبَطْرَكِكُمْ      فيمن جَنى مثلَ ما جَنى مَغْمَز

جامُوس ذبحٍ جمَّ المعالِف قد      صُيِّرَ للذبحِ ثم قد لُزِّز

أخْشَنُ من قُنْفُذٍ وأخنزُ من      تيسٍ فبعداً للأَخْشَنِ الأخْنَز

كأَنما اصّدَّقَتْ بحلتها      عليه عَنْزٌ سوادءُ أو أعْنُز

قد حَذِقَ النَّتْفَ فهو إِنْ حُسِبَتْ      سِنُوهُ كَهْلٌ وبعدُ ما لَوَّز

فَقْحَتُهُ تُرْسُهُ فهمَّتُهُ      في رمحِ لحمٍ في تُرْسِهِ يُرْكَز

سلِ الدهاليزَ والخنادقَ كم      خنْدَقَ في دْهرِهِ وكم دَهْلَز

كم مجزرٍ قد رأَيتًَ مصْرَعَه      فيه وكم مطبخٍ وكم مَخْبَز

شَكْزٌ ولكن نشَا عليه فكم      يُشكَزُ يا إخوتي وكم يُلْكَز

لم أر شِبْهاً له وكيف أرى      كنزَ أيورٍ في جَوْفِهِ يكنز

إذا هوى للبساطِ منبسطاً      قدَّرَ من بروزٍ إلى بروز

فهو كصخرِ اللُّكامِ ملْمسُهُ      قد ذُرَّ من فوقه الحصى الأمعز

لو رهزَ الفيلُ فوقه سنةً      لم يدرِ بالفيلِ أنه يرهز

لا أَعجز اللهُ غير رأي أبي      عثمانَ فيه فرأيه الأعجز

ما بالهُ باع نعمةً بشقا      أمَا درى كيفَ ذا ولا مَيَّز

زلَّ ابنُ مروانَ زلَّةً علنت      فأعلنَ الرمزَ فيه منْ أرمز

فأينَ ذاكَ الإِبريزُ من خشَبٍ      دوويَ من دائهِ فقد برز

وصحَّ حتى كأنه هو ما      إن زال يُغْذى بالقِدِّ والعِلهِز

فهو إذا ما سمعتَ لهجته      سمعتَ في البدوِ راجزاً يَرْجُز

يكني عن الخبزِ بالهبيدِ كما      يُكْنى عن اسمِ البطيخِ بالخِرْبِز

كلُّ الرياحينِ عنده حبَقٌ      وضَيْمرانٌ وكلها عَنْقَز

وجارُهُ صخرةٌ على أُحُدٍ      بل تُغْمَزُ الصخرُ وهو لا يُغْمز

فليت شعري إبهامه هوَ في      رَزَّةِ هذا الغلامِ مَنْ رَزَّز

عهدي به المالكُ الحزين فيا      دهرُ لماذا مَسَخْتَهُ وَزْوَز

ها هو ذا المنتمي الصدوق وإن      جَوَّزَ في أمرنا الذي جوَّز

لا درَّ درُّ الذي ينبِّزُهُ      بابنِ الدِّمَقْرى فبئسَ ما نبَّز

يا من إلينا الغداةَ أوعزَ في      أمرِ سعيدٍ بالسوءِ إذ أَوْعَز

أتيتَ في ساعةٍ تُمّزِّقُ ما      رقَّعَ في عمره وما دَرَّز

 الصنوبري:

كلُّ نعيمٍ سوى الهوى بُوسُ      رَبْعُ الهوى في حشايَ مأنوس

حَرَسْتُ شوقي من السلوِّ ولا      بأسَ على الشوقِ وهو محروس

مُعَرَّسي بين فتيةٍ لهمُ      على نجومِ الجوزاء تَعْرِيس

في مُعْلَماتٍ نُشِرْنَ فوق ربىً      أهدت لها المعلَماتِ تنِّيس

ريشُ الطواويسِ زَهْرُنا وإذا      شينا سقانا العُقارَ طاووس

بين ظلالِ النعيمِ مُكْتَنَفٌ      وفي بحارِ السُّرورِ مغموس

إذا سلاحُ الحليِّ أَبرَزَهُ      فما لنفسِ المحبِّ تنفيس

وشاحُهُ سيفه وبارقُهُ      خنجرُهُ والسّوارُ دبُّوس

نقْبِسُ من كفِّهِ مُشَعْشَعَةً      تُظْلِمُ في ضوئها المقاييسُ

ابنةُ كرمٍ ترهَّبتْ زمناً      يكفُلُها راهبٌ وقسّيس

مَدارعُ القارِ لُبْسُها ولها      من مَدَرٍ فَوقَه برانيسُ

مثليَ تُحْدى له الكؤوسُ ولا      تكادُ تُحْدى بمثليَ العيسُ

ما للمواعيسِ والهِدَمْلةِ لا      كانت ولا كانتِ المواعيس

ما العيشُ إلا ببانقوسا إذا      غَنَّتْكَ من حولكِ النواقيسُ

والعَوَجانُ الذي تخالسُهُ      لواحظٌ كلُّهُنَّ مخلُوسُ

كأَنَّ أَمواجَهُ إذا ارتكضَتْ      في حافتيه خيلٌ كراديسُ

لو أَنَّ بلقيسَ عاينته إذن      لشبَّهَتْهُ بالصَّرحِ بلقيس

هناك ثوبُ المماتِ مُطَّرَحٌ      عنك وثوبُ الحياةِ مَلْبوسُ

أَقبلَ وَجْهُ الزمانِ منبسطاً      من بعدِ ما كان فيه تعبيس

وما له لا يضيءُ حندسَهُ      بدرٌ أَضاءَتْ له الحناديس

مُنْصُلُ رأيٍ لم يُخْفِ رَوْنَقَهُ      غِمْدٌ وليثٌ لم يُحوِه خِيس

أَشوَسُ ضِرغامةٌ وأورَّثَهُ      إِرْثَ المعالي ضراغمٌ شُوسُ

همُ المياسيرُ من حجىً ونُهىً      لكنَّهم من مفاليس

عليُّ أيُّ العلى يُقاسُ إلى      عُلاك إن صَحَّتِ المقاييس

أَسَّسْتَ للمكرمات أَرْوِقَةً      لها على المكرماتِ تأسيسُ

مجداً كساك النعمانُ حُلَّتَهُ      والمجدُ خِيْمٌ في مثلكمْ سوس

رددتَ عزَّ الشآمِ فيه فقد      عزَّ رئيسٌ وذلَّ مرؤوس

وفارقَ العدلُ رَمْسَهُ ولقد      مضى زمانٌ والعدلُ مرموس

ما أَوسَعَتْهُ عيناكَ من نَظَرٍ      فناظرُ الخطبِ عنه مطموس

نصحتَ فيه الوزير نُصْحَ تُقىً      والنُّصْحُ ثوبٌ ما فيه تدنيس

لك المدى الأبعدُ الذي أبداً      نجمُ مجاريكَ فيه منحوس

حُسنُ القراطيسِ حين تضحكُ عن      بكاءِ أقلامِكَ القراطيس

من حِكَمٍ لم يَجِفَّ مورِقُها      وَعُودُه في ثَراكَ مغروس

ناموسُ حلمٍ به انفردتَ ولا      تُخْدَعُ عنه والحلمُ ناموس

قَدَّمه منكَ حينَ قدَّمَه      أبٌ قديمُ الأرومِ قُدْمُوسُ

أيقنتُ إذ مَسَّه الحِمامُ ولم      يَخَفْهُ أنَّ الحمامَ ممسوس

لو كان طولُ البقاءِ مَكْرُمةً      لم يُعْطَ طولَ البقاءِ إبليس

يا أيها البازلُ الذي عجزت      عن شأوه البُزَّلُ القناعيس

أما وقوسُ الفخار قوسُك لا      مسَّ قناةَ الفخارِ تقويس

كلُّ المعالي لديكَ واقفةٌ      مجدٍ عليكَ محبوس

     محمود سامي الباردوي:

إِلامَ يَهْفُو بِحِلْمِكَ الطَّرَبُ      أَبَعْدَ خَمْسِينَ في الصِّبَا أَرَبُ

هَيْهَاتَ وَلَّى الشَّبابُ واقْتَرَبَتْ      سَاعَةُ وِرْدٍ دَنَا بِها الْقَرَبُ

فَلَيْسَ دُونَ الْحِمامِ مُبْتَعَدٌ      وَلَيْسَ نَحْوَ الْحَياةِ مُقْتَرَبُ

كُلُّ امْرِئٍ سائِرٌ لِمَنْزِلَةٍ      لَيْسَ لَهُ عَنْ فِنائِها هَرَبُ

وسَاكِنٌ بَيْنَ جِيرَةٍ قَذَفٍ      لا نَسَبٌ بَيْنَهُمْ ولا قُرَبُ

فِي قَفْرَةٍ لِلصِّلالِ مُزْدحَفٌ      فِيها ولِلضّارِياتِ مُضْطَرَبُ

وَشَاهِدٌ مَوْقِفاً يُدَانُ بِهِ      فَالْوَيْلُ لِلظَّالِمِينَ والْحَرَبُ

فَارْبَأْ يَفاعاً أَوِ اتَّخِذْ سَرَباً      إِنْ كَانَ يُغْنِي الْيَفَاعُ وَالسَّرَبُ

لا الْبَازُ يَنْجُو مِنَ الْحِمَامِ وَلا      يَخْلُصُ مِنْهُ الْحَمَامُ والْخَربُ

مُسَلَّطٌ في الْوَرَى فَلا عَجَمٌ      يَبْقَى عَلَى فَتْكِهِ وَلا عَرَبُ

فَكَمْ قُصُورٍ خَلَتْ وَكَمْ أُمَمٍ      بَادَتْ فَغَصَّتْ بِجَمْعِهَا التُّرَبُ

فَمَنْزِلٌ عَامِرٌ بِقَاطِنِهِ      وَمَنْزِلٌ بَعْدَ أَهْلِهِ خَربُ

يَغْدُو الْفَتَى لا هِياً بِعِيشَتِهِ      وَلَيْسَ يَدْرِي مَا الصَّابُ والضَرَبُ

وَيَقْتَنِي نَبْعَةً يَصِيدُ بِهَا      ونَبْعُ مَنْ حَارَبَ الرَّدَى غَرَبُ

لا يَبْلُغُ الرِّبْحَ أَوْ يُفارِقُهُ      كَمَاتحٍ خَانَ كَفَّهُ الْكَرَبُ

يا وارِدَاً لا يَمَلُّ مَوْرِدَهُ      حَذارِ مِنْ أَنْ يُصِيبَكَ الشَّرَبُ

تَصْبُو إِلَى اللَّهْوِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ      واللَّهْوُ فِيهِ الْبَوارُ والتَّرَبُ

وَتَتْرُكُ الْبِرَّ غَيْرَ مُحْتَسِبٍ      أَجْرَاً وَبِالْبِرِّ تُفْتَحُ الأُرَبُ

دَعِ الْحُمَيَّا فَلِابْنِ حانَتِها      مِنْ صَدْمَةِ الْكَأْسِ لَهْذَمٌ ذَرِبُ

تَرَاهُ نُصْبَ الْعُيُونِ مُتَّكِئاً      وَعَقْلُهُ في الضَّلالِ مُغْتَرِبُ

فَبِئْسَتِ الْخَمْرُ مِنْ مُخَادِعَةٍ      لِسَلْمِها فِي الْقُلُوبِ مُحْتَرَبُ

إِذا تَفَشَّتْ بِمُهْجَةٍ قَتَلَتْ      كَمَا تَفَشَّى فِي الْمَبْرَكِ الْجَرَبُ

فَتُبْ إِلى اللهِ قَبْلَ مَنْدَمَةٍ      تَكْثُرُ فِيها الْهُمُومُ والْكُرَبُ

واعْتَدْ عَلَى الْخَيْرِ فَالْمُوَفَّقُ مَنْ      هَذَّبَهُ الاعْتِيَادُ والدَّرَبُ

وَجُدْ بِمَا قَدْ حَوَتْ يَدَاكَ فَمَا      يَنْفَعُ ثَمَّ اللُّجَيْنُ والْغَرَبُ

فَإِنَّ لِلدَّهْرِ لَوْ فَطَنْتَ لَهُ      قَوْسَاً مِنَ الْمَوْتِ سَهْمُهَا غَرَبُ

     الراضي بالله:

قَدْ ضاعَ فيكَ صَبْرِي

يا راغِباً فِي الغَدْرِ

فَلَيْسَ فِيكَ أَدْرِي

مَنْفَعَتِي مِنْ ضُرِّي

فَهَلْ أَراكَ عُمْرِي

مُهاجِراً لِهَجْرِي

وَقَهْوَةٍ كَالجَمْرِ

تِبْرٌ وَلكِنْ تَجْرِي

أَدارَها فِي الْفَجْرِ

مُقَرْطَقٌ كَالْبَدْرِ

يَضْحَكُ لِي عَنْ ثَغْرِ

مِثْلِ صِغارِ الدُّرِّ

أَصْبَحَ فِيهِ سِرِّي

مَخْتَلِطاً بالْجِهْرِ

مُفْتَتِناً بِالْخَمْرِ

أَظْلِمُ فِيها وَفْرِي

ابن سناء الملك:

من يشتري لِي أَشجانْ

أُضيفُها للأَحْزانْ

أُضرمها بِنيرانْ

على فؤاد حرّان

وهو فؤادي الحيران

ويستحق الأَلْوانْ

من النَّوى والهِجْرانْ

فَرَّط في غُصْنِ البَان

ونامَ عنهُ أَوبَانْ

كمِثْل فِعلِ رَضْوان

إِذ بات وهْوَ وسْنان

ففرّ منه غَضْبَانْ

وفارَقَتْهُ الولْدَان

وصار ملْكي مَجَّان

فظلْتُ عنه كسلانْ

توثُّقاً واطمئنانْ

من حُرْقَةٍ وحِرْمَانِ

فسرقتْهُ الجِيران

بل خطفته العُقْبَانْ

فابكوا مَعِي يا إِخوان

راح وخلَّى الخِلاَّن

قَسَا وطالما لان

فراح كلُّ وَلْهان

من الهمومِ ملآن

وللهمومِ طُغْيان

وفي الحشا حَرّان

وتاب كلُّ ندمان

وعشَّئتْ في الأَدنان

طيرُ بناتِ ورْدَان

وخرَّسَتْ للعِيدان

فصاحةٌ وأَلحان

وانهدّ ذاك البُنيان

لا عجبَاً فالأَوطان

تَخْرَبُ بَعْد السّكان

وأَين أَين السُّلوانْ

وكيف كيف النِسْيان

مالي على ذَا سلْطان

ولا عَلَى ذَا أَعوانْ

بل لي عليه عَيْنَانْ

تُذْري الدّموعَ عقْبان

سبحان ربي سبحانْ

خالقِ غصنِ ريحان

يحمل أَلف بستانْ

من الرُّواءِ رَيَانْ

الحسن فيه طوفانْ

والبدرُ منه غيْران

وكلَّ يوم في شانْ

من الجَمال الفتان

وحسنُه والإِحسانْ

كلاهما صَدِيقان

ووجهُه كالإِيمان

أَشرَق فيه البُرْهان

ويلي عليه وَيْلاَنْ

لو أَن إِلْفي قد خان

لكان أَمري قَدْ هانْ

لكنَّ قَلْبي الخوّان

جانبَ فِعْل الفتيان

وباعَه بِخُسران

ما كنتُ فيه إِنسانْ

ورحت عنْه عطشان

كمثل ذاك الخفقان

ما كان ليت لا كانْ

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق