الخميس، 18 يونيو 2020

قصائد على بحر المتقارب

امرؤ القيس (540م):

تَطاوَلَ لَيلُكَ بِالأَثمَدِ * * وَنامَ الخَلِيُّ وَلَم تَرقُدِ

وَباتَ وَباتَت لَهُ لَيلَةٌ * * كَلَيلَةِ ذي العائِرِ الأَرمَدِ

وَذَلِكَ مِن نَبَإٍ جاءَني * * وَخُبِّرتُهُ عَن أَبي الأَسوَدِ

وَلَو عَن نَثاً غَيرِهِ جاءَني * * وَجُرحُ اللِسانِ كَجُرحِ اليَدِ

لَقُلتُ مِنَ القَولِ ما لا يَز * * لُ يُؤثِرُ عَنّي يَدَ المُسنِدِ

بِأَيِّ عَلاقَتِنا تَرغَبونَ * * أَعَن دَمِ عَمروٍ عَلى مَرثِدِ

فَإِن تَدفُنوا الداءَ لا نُخفِهِ * * وَإِن تَبعَثوا الحَربَ لا نَقعُدِ

فَإِن تَقتُلونا نُقَتِّلُكُم * * وَإِن تَقصِدوا لِدَمٍ نَقصُدِ

مَتى عَهدُنا بِطِعانِ الكُما * * ةِ وَالحَمدِ وَالمَجدِ وَالسُؤدُدِ

وَبَنيِ القِبابِ وَمَلءِ الجِفا * * نِ وَالنارِ وَالحَطَبِ المُفأَدِ

وَأَعدَدتُ لِلحَربِ وَثّابَةً * * جَوادَ المَحَثَّةِ وَالمِروَدِ

سَموحاً جَموحاً وَإِحضارُه * * كَمَعمَعَةِ السَعَفِ الموقَدِ

وَمَشدودَةَ السَكِّ مَوضونَةٍ * * تَضاءَلُ في الطَيِّ كَالمِبرَدِ

تَفيضُ عَلى المَرءِ أَردانُه * * كَفَيضِ الأَتِيِّ عَلى الجَدجَدِ

وَمُطَّرِداً كَرِشاءِ الجَرو * * رِ مِن خُلُبِ النَخلَةِ الأَجرَدِ

وَذا شَطَبٍ غامِضاً كَلمُهُ * * إِذا صابَ بِالعَظمِ لَم يَنأَدِ


بشر بن أبي خازم (ت601م):

غَشيتَ لِلَيلى بِشَرقٍ مُقاما * * فَهاجَ لَكَ الرَسمُ مِنها سَقاما

بِسِقطِ الكَثيبِ إِلى عَسعَسٍ * * تَخالُ مَنازِلَ لَيلى وِشاما

تَجَرَّمَ مِن بَعدِ عَهدي بِها * * سَنونَ تُعَفّيهِ عاماً فَعاما

ذَكَرتُ بِها الحَيَّ إِذ هُم بِها * * فَأَسبَلَتِ العَينُ مِنّي سِجاما

أُبَكّي بُكاءَ أَراكِيَّةٍ * * عَلى فَرعِ ساقٍ تُنادي حَماما

سَراةَ الضُحى ثُمَّ هَيَّجتُها * * مَروحَ السُرى تَستَخِفُّ الزِماما

كَأَنَّ قُتودي عَلى أُحقَبٍ * * يُريدُ نَحوصاً تَؤُمُّ السِلاما

شَتيمٌ تَرَبَّعَ في عانَةٍ * * حِيالٍ يُكادِمُ فيها كِداما

فَسائِل بِقَومي غَداةَ الوَغى * * إِذا ما العَذارى جَلَونَ الخِداما

وَكَعباً فَسائِلهُمُ وَالرِبابَ * * وَسائِل هَوازِنَ عَنّا إِذا ما

لَقيناهُمُ كَيفَ نُعليهِمُ * * بَواتِرَ يَفرينَ بَيضاً وَهاما

بِنا كَيفَ نَقتَصُّ آثارَهُم * * كَما تَستَخِفُّ الجَنوبُ الجَهاما

عَلى كُلِّ ذي مَيعَةٍ سابِحٍ * * يُقَطِّعُ ذو أَبهَرَيهِ الحِزاما

وَجَرداءَ شَقّاءَ خَيفانَةٍ * * كَظِلِّ العُقابِ تَلوكُ اللِجاما

تَراهُنَّ مِن أَزمِها شُزَّباً * * إِذا هُنَّ آنَسنَ مِنها وَحاما

وَيَومُ النِسارِ وَيَومُ الجِفا * * رِ كانا عَذاباً وَكانا غَراما

فَأَمّا تَميمٌ تَميمُ بنُ مُرٍّ * * فَأَلفاهُمُ القَومُ رَوبى نِياما

وَأَمّا بَنو عامِرٍ بِالنَسارِ * * غَداةَ لَقونا فَكانوا نَعاما

نَعاماً بِخَطمَةَ صُعرَ الخُدو * * دِ لا تَطعَمُ الماءَ إِلّا صِياما

عنترة بن شداد (ت 608م)
فَإِن تَكُ أُمّي غُرابيَّةً *** مِنَ ابناءِ حامٍ بِها عِبتَني
فَإِنّي لَطيفٌ بِبيضِ الظُبى *** وَسُمرِ العَوالي إِذا جِئتَني
وَلَولا فِرارُكَ يَومَ الوَغى *** لَقُدتُكَ في الحَربِ أَو قُدتَني

الأعشى (ت 7هـ):

غَشيتَ لِلَيلى بِلَيلٍ خُدورا * * وَطالَبتَها وَنَذَرتَ النُذورا
وَبانَت وَقَد أَورَثَت في الفُؤا * * دِ صَدعاً عَلى نَأيِها مُستَطيرا
كَصَدعِ الزُجاجَةِ ما تَستَطي * * عُ كَفُّ الصَناعِ لَها أَن تُحيرا
مَليكِيَّةٌ جاوَرَت بِالحِجا * * زِ قَوماً عُداةً وَأَرضاً شَطيرا
بِما قَد تَرَبَّعُ رَوضَ القَطا * * وَرَوضَ التَناضِبِ حَتّى تَصيرا
كَبَردِيَّةِ الغيلِ وَسطَ الغَريفِ * * إِذا خالَطَ الماءُ مِنها السُرورا
وَتَفتَرُّ عَن مُشرِقٍ بارِدٍ * * كَشَوكِ السَيالِ أُسِفَّ النَؤورا
كَأَنَّ جَنِيّاً مِنَ الزَنجَبي * * لِ خالَطَ فاها وَأَرياً مَشورا
وَإِسفِنطَ عانَةَ بَعدَ الرُقا * * دِ شَكَّ الرِصافُ إِلَيها غَديرا
وَإِن هِيَ ناءَت تُريدُ القِيامَ * * تَهادى كَما قَد رَأَيتَ البَهيرا
لَها مَلِكٌ كانَ يَخشى القِرافَ * * إِذا خالَطَ الظَنُّ مِنهُ الضَميرا
إِذا نَزَلَ الحَيُّ حَلَّ الجَحيشَ * * شَقِيّاً غَوِيّاً مُبيناً غَيورا
يَقولُ لِعَبدَيهِ حُثّا النَجا * * وَغُضّا مِنَ الطَرفِ عَنّا وَسيرا
فَلَيسَ بِمُرعٍ عَلى صاحِبٍ * * وَلَيسَ بِمانِعِهِ أَن تَحورا
وَلَيسَ بِمانِعِها بابَها * * وَلا مُستَطيعٍ بِها أَن يَطيرا
فَبانَ بِحَسناءَ بَرّاقَةٍ * * عَلى أَنَّ في الطَرفِ مِنها فُتورا
مُبتَلَّةِ الخَلقِ مِثلِ المَها * * ةِ لَم تَرَ شَمساً وَلا زَمهَريرا
وَتَبرُدُ بَردَ رِداءِ العَرو * * سِ رَقرَقتَ بِالصَيفِ فيهِ العَبيرا
وَتَسخُنُ لَيلَةَ لا يَستَطيعُ * * نُباحاً بِها الكَلبُ إِلّا هَريرا
تَرى الخَزَّ تَلبَسُهُ ظاهِراً * * وَتُبطِنُ مِن دونِ ذاكَ الحَريرا
إِذا قَلَّدَت مِعصَماً يارَقَي * * نِ فُصِّلَ بِالدُرِّ فَصلاً نَضيرا
وَجَلَّ زَبَرجَدَةٌ فَوقَهُ * * وَياقوتَةٌ خِلتَ شَيئاً نَكيرا
فَأَلوَت بِهِ طارَ مِنكَ الفُؤادُ * * وَأَلفَيتَ حَيرانَ أَو مُستَحيرا
عَلى أَنَّها إِذ رَأَتني أُقا * * دُ قالَت بِما قَد أَراهُ بَصيرا
رَأَت رَجُلاً غائِبَ الوافِدَي * * نِ مُختَلِفَ الخَلقِ أَعشى ضَريرا
فَإِنَّ الحَوادِثَ ضَعضَعنَني * * وَإِنَّ الَّذي تَعلَمينَ اِستُعيرا
إِذا كانَ هادي الفَتى في البِلا * * دِ صَدرَ القَناةِ أَطاعَ الأَميرا
وَخافَ العِثارَ إِذا ما مَشى * * وَخالَ السُهولَةَ وَعثاً وَعورا
وَفي ذاكَ ما يَستَفيدُ الفَتى * * وَأَيُّ اِمرِئٍ لا يُلاقي الشُرورا
وَبَيداءَ يَلعَبُ فيها السَرا * * بُ لا يَهتَدي القَومُ فيها مَسيرا
قَطَعتُ إِذا سَمِعَ السامِعو * * نَ لِلجُندُبِ الجَونِ فيها صَريرا
بِناجِيَةٍ كَأَتانِ الثَميلِ * * تُوَفّي السُرى بَعدَ أَينٍ عَسيرا
جُمالِيَّةٍ تَغتَلي بِالرِدافِ * * إِذا كَذَّبَ الآثِماتُ الهَجيرا
إِلى مَلِكٍ كَهِلالِ السَما * * ءِ أَزكى وَفاءً وَمَجداً وَخَيرا
طَويلِ النَجادِ رَفيعِ العِما * * دِ يَحمي المُضافَ وَيُعطي الفَقيرا
أَهَوذَ وَأَنتَ اِمرُؤٌ ماجِدٌ * * وَبَحرُكَ في الناسِ يَعلو البُحورا
مَنَنتَ عَلَيَّ العَطاءَ الجَزيلَ * * وَقَد قَصَّرَ الضَنُّ مِنّي كَثيرا
فَأَهلي فِداؤُكَ يَومَ الجِفا * * رِ إِذ تَرَكَ القَيدُ خَطوي قَصيرا
وَأَهلي فِداؤُكَ عِندَ النِزالِ * * إِذا كانَ دَعوى الرِجالِ الكَريرا
فَسائِل تَميماً وَعِندي البَيانُ * * وَإِن تَكتُموا تَجِدوني خَبيرا
تَمَنَّوكَ بِالغَيبِ ما يَفتَأو * * نَ يَبنونَ في كُلِّ ماءٍ جَديرا
فَأَخطَرتَ أَهلَكَ عَن أَهلِهِم * * فَصادَفَ قِدحُكَ فَوزاً يَسيرا
وَلَمّا لُقيتَ مَعَ المُخطِرينَ * * وَجَدتَ الإِلَهَ عَلَيهِم قَديرا
وَأَعدَدتَ لِلحَربِ أَوزارَها * * رِماحاً طِوالاً وَخَيلاً ذُكورا
وَمِن نَسجِ داوُودَ مَوضونَةً * * تُساقُ مَعَ الحَيِّ عيراً فَعيرا
إِذا اِزدَحَمَت في المَكانِ المَضي * * قِ حَتَّ التَزاحُمُ مِنها القَتيرا
لَها جَرَسٌ كَحَفيفِ الحَصا * * دِ صادَفَ بِاللَيلِ ريحاً دَبورا
وَجَأواءَ تُتعِبُ أَبطالَها * * كَما أَتعَبَ السابِقونَ الكَسيرا
جِيادُكَ في الصَيفِ في نِعمَةٍ * * تُصانُ الجِلالَ وَتُعطى الشَعيرا
سَواهِمُ جُذعانُها كَالجِلا * * مِ أَقرَحَ مِنها القِيادُ النُسورا
وَلا بُدَّ مِن غَزوَةٍ في المَصي * * فِ حَتٍّ تُكِلُّ الوَقاحَ الشَكورا
يُنازِعنَ أَرسانَهُنَّ الروا * * ةَ شُعثاً إِذا ما عَلَونَ الثُغورا
فَأَنتَ الجَوادُ وَأَنتَ الَّذي * * إِذا ما النُفوسُ مَلَأنَ الصُدورا
جَديرٌ بِطَعنَةِ يَومِ اللِقا * * ءِ تَضرِبُ مِنها النِساءُ النُحورا
وَما مُزبِدٌ مِن خَليجِ الفُرا * * تِ يَغشى الإِكامَ وَيَعلو الجُسورا
يَكُبُّ السَفينَ لِأَذقانِهِ * * وَيَصرَعُ بِالعَبرِ أَثلاً وَدورا
بِأَجوَدَ مِنهُ بِما عِندَهُ * * فَيُعطي المِئينَ وَيُعطي البُدور

 الخنساء (ت24هـ):
أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا * * * أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ * * * أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ * * * سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا
إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ * * * إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا
فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ * * * مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا
يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم * * * وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا
تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ * * * يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا
وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ * * * تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى
الحطيئة (ت 30هـ)
نأتْكَ أُمامَةُ إِلّا سُؤالا ** وَأَبصَرتَ مِنها بِطَيفٍ خَيالا
خَيالاً يَروعُكَ عِندَ المَنامِ ** وَيَأبى مَعَ الصُبحِ إِلّا زَوالا
كِنانِيَّةٌ دارُها غَربَةٌ ** تُجِدُّ وِصالاً وَتُبلي وِصالا
كَعاطِيَةٍ مِن ظِباءِ السَليلِ ** حُسّانَةِ الجيدِ تُزجي غَزالا
تَعاطى العِضاهَ إِذا طالَها ** وَتَقرو مِنَ النَبتِ أَرطى وَضالا
تَصَيَّفُ ذَروَةَ مَكنونَةً ** وَتَبدو مَصابَ الخَريفِ الحِبالا
مُجاوِرَةً مُستَحيرَ السَرا ** ةِ أَفرَغَتِ الغُرُّ فيهِ السِجالا
كَأَنَّ بِحافَتِهِ وَالطِرافِ ** رِجالاً لِحِميَرَ لاقَت رِجالا
فَهَل تُبلِغَنَّكَها عِرمِسٌ ** صَموتُ السُرى لا تَشَكّى الكَلالا
مُفَرَّجَةَ الضَبعِ مَوّارَةً ** تَخُدُّ الإِكامَ وَتَنفي النِقالا
إِذا ما النَواعِجُ واكَبنَها ** جَشَمنَ مِنَ السَيرِ رَبواً عُضالا
وَإِن غَضِبَت خِلتَ بِالمِشفَرَينِ ** سَبائِخَ قُطنٍ وَبِرساً نُسالا
وَتَحدو يَدَيها زَجولا الحَصى ** أَمَرَّهُما العَصبُ ثُمَّ اِستَمالا
وَتُحصِفُ بَعدَ اِضطِرابِ النُسوعِ ** كَما أَحصَفَ العِلجُ يَحدو الحِيالا
تُطيرُ الحَصى بِعُرى المَنسَمَينِ ** إِذا الحاقِفاتُ أَلِفنَ الظِلالا
وَتَرمي الغُيوبَ بِماوِيَّتَينِ ** أُحدِثَتا بَعدَ صَقلٍ صِقالا
وَلَيلٍ تَخَطَّيتُ أَهوالَهُ ** إِلى عُمَرٍ أَرتَجيهِ ثُمالا
طَوَيتُ مَهامِهَ مَخشِيَّةً ** إِلَيكَ لِتُكذِبَ عَنّي المَقالا
بِمِثلِ الحَنِيِّ بَراها الكَلالُ ** يَنزِعنَ آلاً وَيَركُضنَ آلا
إِلى مَلِكٍ عادِلٍ حُكمُهُ ** فَلَمّا وَضَعنا لَدَيهِ الرِحالا
صَرى قَولَ مَن كانَ ذا إِحنَةٍ ** وَمَن كانَ يَأمُلُ فِيَّ الضَلالا
وَخَصمٍ تَمَنّى عَلَيَّ المُنى ** لَأَن جاشَ بَحرُ قُرَيعٍ فَسالا
أَمينَ الخَليفَةِ بَعدَ الرَسولِ ** وَأَوفى قُرَيشٍ جَميعاً حِبالا
وَأَطوَلَهُم في النَدى بَسطَةً ** وَأَفضَلَهُم حينَ عُدّوا فِعالا
أَتَتني لِسانٌ فَكَذَّبتُها ** وَما كُنتُ أَرهَبُها أَن تُقالا
بِأَنَّ الوُشاةَ بِلا جِرمَةٍ ** أَتَوكَ فَراموا لَدَيكَ المِحالا
فَجِئتُكَ مُعتَذِراً راجِياً ** لِعَفوِكَ أَرهَبُ مِنكَ النِكالا
فَلا تَسمَعَن بي مَقالَ العِدا ** وَلا توكِلَنّي هُديتَ الرِجالا
فَإِنَّكَ خَيرٌ مِنَ الزِبرَقانِ ** أَشَدُّ نَكالاً وَخَيرٌ نَوالا
أَعوذُ بِجَدِّكَ إِنّي اِمرُؤٌ ** سَقَتني الأَعادي إِلَيكَ السِجالا
فَإِنَّكَ خَيرٌ مِنَ الزِبرَقانِ ** أَشَدُّ نَكالاً وَأَرجى نَوالا
تَحَنَّن عَلَيَّ هَداكَ المَليكُ ** فَإِنَّ لِكُلِّ مَقامٍ مَقالا
وَلا تَأخُذَنّي بِقَولِ الوُشاةِ ** فَإِنَّ لِكُلِّ زَمانٍ رِجالا
فَإِن كانَ ما زَعَموا صادِقاً ** فَسيقَت إِلَيكَ نِسائي رِجالا
حَواسِرَ لا يَشتَكينَ الوَجى ** يَخفِضنَ آلاً وَيَرفَعنَ آلا

حسان بن ثابت (ت40هـ):
بَنو وائِلٍ وَبَنو واقِفٍ *** وَخَطمَةُ دونَ بَني الخَزرَجِ
مَتى ما دَعَت سَفَهاً وَيحَها *** بِعَولَتِها وَالمَنايا تَجي
فَهَزَّت فَتىً ماجِداً عِرقُهُ *** كَريمَ المَداخِلِ وَالمَخرَجِ
فَضَرَّجَها مِن نَجيعِ الدِماءِ *** بَعدَ الهُدوءِ فَلَم يَحرَجِ
فَأَورَدَكَ اللَهَ بَردَ الجِنانِ *** جَذلانَ في نِعمَةِ المَولِجِ

جميل بثينة (ت82هـ):
تَقولُ بُثَينَةُ لَمّا رَأَت * * * فُنوناً مِنَ الشَعَرِ الأَحمَرِ
كَبِرتَ جَميلُ وَأَودى الشَبابُ * * * فَقُلتُ بُثَينَ أَلا فَاِقصُري
أَتَنسينَ أَيّامَنا بِاللِوى * * * وَأَيّامَنا بِذَوي الأَجفَرِ
أَما كُنتِ أَبصَرتِني مَرَّةً * * * لَيالِيَ نَحنُ بِذي جَهوَرِ
لَيالِيَ أَنتُم لَنا جيرَةٌ * * * أَلا تَذكُرينَ بَلى فَاِذكُري
وَإِذ أَنا أَغيَدُ غَضُّ الشَبابِ * * * أَجُرُّ الرِداءَ مَعَ المِئزَرِ
وَإِذ لِمَّتي كَجَناحِ الغُرابِ * * * تُرَجَّلُ بِالمِسكِ وَالعَنبَرِ
فَغَيَّرَ ذَلِكَ ما تَعلَمينَ * * * تَغَيُّرَ ذا الزَمَنِ المُنكَرِ
وَأَنتِ كَلُؤلُؤَةِ المَرزُبانِ * * * بِماءِ شَبابِكِ لَم تُعصِري
قَريبانِ مَربَعُنا واحِدٌ * * * فَكَيفَ كَبِرتُ وَلَم تَكبَري
عمرو بن قميئة (ت85هـ)
نأتك أُمامة ُ إلا سَؤالا
وأعقبك الهجرُ منها الوصالا
وحادتْ بها نِيّة ٌ غَرْبة ٌ
تبدِّلُ أهلَ الصفاءِ الزِّيالا
ونادى أميرُهم بالفِرا
قِ، ثمَّ استقلّوا لبين عِجالا
فقرَّبن كلَّ منيف القرا
عريضِ الحصير يغولُ الحيالا
إذا ما تسربلن مجهولة ً
وراجعن بعد الرَّسيمِ النِّقالا
هداهنَّ مشتمراً لاحقاً
شدشدَ المطاَ أرحيباً جلالاَ
تخال حمولهم في السّرا
بِ لَمَّا تواهقنَ سحقاً طولاَ
وبيداءَ يلعب فيها السرَا
بُ، يخشى بها المُدْلِجون الضلالا
تجاوزتها راغباً راهباً
إذا ما الظباء اعتنقن الظِلالا
بضامزة ٍ كأتانِ الثَّميِ
عيرانة ٍ ما تشكّى الكلالا
إلى ابن الشقيقة ِ أعملتها
أخافُ العقابَ ، وأرجو النوالاَ
إلى ابنِ الشقيقة خيرِ الملوك
أوفاهمُ عند عَقْدٍ حِبالا
ألستَ أبرهمُ دمة ٍ
وأفضلهمْ إنْ أرادوا فِضالاَ
فأهلي فداؤك مُسْتَعْتِباً
عتبتْ فصدقتَ فيَّ المقالاَ
أتاكَ عدوٌ فصدقتهُ؛
فهلا نظرتَ هُديتَ السّؤالا
فما قلتُ مانطقوا
ولا كنتُ أرهبُه أن يُقالا
فإن كان حقاً كما خبّروا
فلا وصلت لي يمينٌ شمالا
تصدّق عليَّ فإني امرؤ
أخافُ على غير جُرم نَكالا
ويومٍ تَطلّعُ فيه النفوسُ
تطرفُ بالطعنِ فيهِ الرِّجالا
شهدتَ فأطفأتَ نِيرانَهُ
وأصدرتَ منه ظِماءً نِهالا
وذي لَجَب يُبرق الناظرينَ
كالليل أُلبس منه ظِلالا
كأن سنا البيض فوق الكما
ة - فيهِ المصابيحُ تخبي الذبالاَ
صبحتَ العدوَّ عَلَى نأيهِ
تَريشُ رجالاً وتَبْري رجالا
 أبو نواس (ت198هـ):
حَبيبي ظَلومٌ عَلَيَّ ضَنينُ * * * بِرَبّي عَلى ظُلمِهِ أَستَعينُ
يَعِزُّ عَلَيَّ وَلَكِنَّني * * * بِحَمدِ إِلَهي عَلَيهِ أَهونُ
فَيا لَيتَ شِعري أَمِن صَخرَةٍ * * * فُؤادُكَ هَذا الَّذي لا يَلينُ
يَقولُ إِذا ما اِشتَكَيتُ الهَوى * * * كَما يَشتَكي البائِسُ المُستَكينُ
أَفي النَومِ أَبصَرتَ ذا كُلَّهُ * * * فَخَيراً رَأَيتَ وَخَيراً يَكونُ
 ابن الرومي (ت 283هـ):
شكوتُ الزمانَ فقال الزمانُ * * * وكان خصيماً ألدَّ الخصامِ
لك الذنبُ لا ليَ فيما شكوتَ * * * بمدح اللئامِ وتركِ الكرامِ
عليك أبا الصقر ذاك الذي * * * يمحِّصُ عني ذنوبَ اللئامِ
بجدواه يُغفرُ لي لومُهم * * * ويُغمدُ عني لسان الملامِ
فلا يُخلني الله من مثله * * * يقومُ بعذريَ عند الأثامِ

 أبو الطيب المتنبي (ت354هـ):
أَيَقدَحُ في الخَيمَةِ العُذَّلُ * * * وَتَشمَلُ مَن دَهرَها يَشمَلُ
وَتَعلو الَّذي زُحَلٌ تَحتَهُ * * * مُحالٌ لَعَمرُكَ ما تُسأَلُ
فَلِم لا تُلومُ الَّذي لامَها * * * وَما فَصُّ خاتَمِهِ يَذبُلُ
تَضيقُ بِشَخصِكَ أَرجاؤُها * * * وَيَركُضُ في الواحِدِ الجَحفَلُ
وَتَقصُرُ ما كُنتَ في جَوفِها * * * وَتُركَزُ فيها القَنا الذُبَّلُ
وَكَيفَ تَقومُ عَلى راحَةٍ * * * كَأَنَّ البِحارَ لَها أَنمُلُ
فَلَيتَ وَقارَكَ فَرَّقتَهُ * * * وَحَمَّلتَ أَرضَكَ ما تَحمِلُ
فَصارَ الأَنامُ بِهِ سادَةً * * * وَسُدتَهُمُ بِالَّذي يَفضُلُ
رَأَت لَونَ نورِكَ في لَونِها * * * كَلَونِ الغَزالَةِ لا يُغسَلُ
وَأَنَّ لَها شَرَفاً باذِخاً * * * وَأَنَّ الخِيامَ بِها تَخجَلُ
فَلا تُنكِرَنَّ لَها صَرعَةً * * * فَمِن فَرَحِ النَفسِ ما يَقتُلُ
وَلَو بُلِّغَ الناسُ ما بُلِّغَت * * * لَخانَتهُمُ حَولَكَ الأَرجُلُ
وَلَمّا أَمَرتَ بِتَطنيبِها * * * أُشيعُ بِأَنَّكَ لا تَرحَلُ
فَما اِعتَمَدَ اللَهُ تَقويضَها * * * وَلَكِن أَشارَ بِما تَفعَلُ
وَعَرَّفَ أَنَّكَ مِن هَمِّهِ * * * وَأَنَّكَ في نَصرِهِ تَرفُلُ
فَما العانِدونَ وَما أَثَّلوا * * * وَما الحاسِدونَ وَما قَوَّلوا
هُم يَطلُبونَ فَمَن أَدرَكوا * * * وَهُم يَكذِبونَ فَمَن يَقبَلُ
وَهُم يَتَمَنَّونَ ما يَشتَهونَ * * * وَمِن دونِهِ جَدُّكَ المُقبِلُ
وَمَلمومَةٌ زَرَدٌ ثَوبُها * * * وَلَكِنَّهُ بِالقَنا مُخمَلُ
يُفاجِئُ جَيشاً بِها حَينُهُ * * * وَيُنذِرُ جَيشاً بِها القَسطَلُ
جَعَلتُكَ بِالقَلبِ لي عُدَّةً * * * لِأَنَّكَ بِاليَدِ لا تُجعَلُ
لَقَد رَفَعَ اللَهُ مِن دَولَةٍ * * * لَها مِنكَ يا سَيفَها مُنصُلُ
فَإِن طُبِعَت قَبلَكَ المُرهَفاتُ * * * فَإِنَّكَ مِن قَبلِها المِقصَلُ
وَإِن جادَ قَبلَكَ قَومٌ مَضَوا * * * فَإِنَّكَ في الكَرَمِ الأَوَّلُ
وَكَيفَ تُقَصِّرُ عَن غايَةٍ * * * وَأُمُّكَ مِن لَيثِها مُشبِلُ
وَقَد وَلَدَتكَ فَقالَ الوَرى * * * أَلَم تَكُنِ الشَمسُ لا تُنجَلُ
فَتَبّاً لِدينِ عَبيدِ النُجومِ * * * وَمَن يَدَّعي أَنَّها تَعقِلُ
وَقَد عَرَفَتكَ فَما بالُها * * * تَراكَ تَراها وَلا تَنزِلُ
وَلَو بِتُّما عِندَ قَدرَيكُما * * * لَبِتَّ وَأَعلاكُما الأَسفَلُ
أَنَلتَ عِبادَكَ ما أَمَّلوا * * * أَنالَكَ رَبُّكَ ما تَأمُلُ
أبو الطيب المتنبي (ت354هـ):
إِلامَ طَماعِيَةُ العاذِلِ * * * وَلا رَأى في الحُبِّ لِلعاقِلِ
يُرادُ مِنَ القَلبِ نِسيانُكُم * * * وَتَأبى الطِباعُ عَلى الناقِلِ
وَإِنّي لَأَعشَقُ مِن عِشقِكُم * * * نُحولي وَكُلَّ اِمرِئٍ ناحِلِ
وَلَو زُلتُمُ ثُمَّ لَم أَبكِكُم * * * بَكَيتُ عَلى حُبِّيَ الزائِلِ
أَيُنكِرُ خَدّي دُموعي وَقَد * * * جَرَت مِنهُ في مَسلَكٍ سابِلِ
أَأَوَّلُ دَمعٍ جَرى فَوقَهُ * * * وَأَوَّلُ حُزنٍ عَلى راحِلِ
وَهَبتُ السُلُوَّ لِمَن لامَني * * * وَبِتُّ مِنَ الشَوقِ في شاغِلِ
كَأَنَّ الجُفونَ عَلى مُقلَتي * * * ثِيابٌ شُقِقنَ عَلى ثاكِلِ
وَلَو كُنتَ في أَسرِ غَيرِ الهَوى * * * ضَمِنتُ ضَمانَ أَبي وائِلِ
فَدى نَفسَهُ بِضَمانِ النُضارِ * * * وَأَعطى صُدورَ القَنا الذابِلِ
وَمَنّاهُمُ الخَيلَ مَجنوبَةً * * * فَجِئنَ بِكُلِّ فَتىً باسِلِ
كَأَنَّ خَلاصَ أَبي وائِلٍ * * * مُعاوَدَةُ القَمَرِ الآفِلِ
دَعا فَسَمِعتَ وَكَم ساكِتٍ * * * عَلى البُعدِ عِندَكَ كَالقائِلِ
فَلَبَّيتَهُ بِكَ في جَحفَلٍ * * * لَهُ ضامِنٍ وَبِهِ كافِلِ
خَرَجنَ مِنَ النَقعِ في عارِضٍ * * * وَمِن عَرَقِ الرَكضِ في وابِلِ
فَلَمّا نَشِفنَ لَقينَ السِياطَ * * * بِمِثلِ صَفا البَلَدِ الماحِلِ
شَفَنَّ لِخَمسٍ إِلى مَن طَلَبنَ * * * قُبَيلَ الشُفونِ إِلى نازِلِ
فَدانَت مَرافِقُهُنَّ الثَرى * * * عَلى ثِقَةٍ بِالدَمِ الغاسِلِ
وَما بَينَ كاذَتَي المُستَغيرِ * * * كَما بَينَ كاذَتي البائِلِ
فَلُقّينَ كُلَّ رُدَينِيَّةٍ * * * وَمَصبوجَةٍ لَبَنَ الشائِلِ
وَجَيشَ إِمامٍ عَلى ناقَةٍ * * * صَحيحِ الإِمامَةِ في الباطِلِ
فَأَقبَلنَ يَنحَزنَ قُدّامَهُ * * * نَوافِرَ كَالنَحلِ وَالعاسِلِ
فَلَمّا بَدَوتَ لِأَصحابِهِ * * * رَأَت أُسدُها آكِلَ الآكِلِ
بِضَربٍ يَعُمُّهُمُ جائِرٍ * * * لَهُ فيهِمِ قِسمَةُ العادِلِ
وَطَعنٍ يُجَمِّعُ شُذّانَهُم * * * كَما اِجتَمَعَت دِرَّةُ الحافِلِ
إِذا ما نَظَرتَ إِلى فارِسٍ * * * تَحَيَّرَ عَن مَذهَبِ الراجِلِ
فَظَلَّ يُخَضِّبُ مِنهَ اللُحى * * * فَتىً لا يُعيدُ عَلى الناصِلِ
وَلا يَستَغيثُ إِلى ناصِرٍ * * * وَلا يَتَضَعضَعُ مِن خاذِلِ
وَلا يَزَعُ الطَرفَ عَن مُقدَمٍ * * * وَلا يَرجِعُ الطَرفَ عَن هائِلِ
إِذا طَلَبَ التَبلَ لَم يَشأَهُ * * * وَإِن كانَ ديناً عَلى ماطِلِ
خُذوا ما أَتاكُم بِهِ وَاِعذِروا * * * فَإِنَّ الغَنيمَةَ في العاجِلِ
وَإِن كانَ أَعجَبَكُم عامُكُم * * * فَعودوا إِلى حِمصَ مِن قابِلِ
فَإِنَّ الحُسامَ الخَضيبَ الَّذي * * * قُتِلتُم بِهِ في يَدِ القاتِلِ
يَجودُ بِمِثلِ الَّذي رُمتُمُ * * * فَلَم تُدرِكوهُ عَلى السائِلِ
أَمامَ الكَتيبَةِ تُزهى بِهِ * * * مَكانَ السِنانِ مِنَ العامِلِ
وَإِنّي لَأَعجَبُ مِن آمِلٍ * * * قِتالاً بِكُم عَلى بازِلِ
أَقالَ لَهُ اللَهُ لا تَلقَهُم * * * بِماضٍ عَلى فَرَسٍ حائِلِ
إِذا ما ضَرَبتَ بِهِ هامَةً * * * بَراها وَغَنّاكَ في الكاهِلِ
وَلَيسَ بِأَوَّلِ ذي هِمَّةٍ * * * دَعَتهُ لِما لَيسَ بِالنائِلِ
يُشَمِّرُ لِلُّجِّ عَن ساقِهِ * * * وَيَغمُرُهُ المَوجُ في الساحِلِ
أَما لِلخِلافَةِ مِن مُشفِقٍ * * * عَلى سَيفِ دَولَتِها الفاصِلِ
يَقُدُّ عِداها بِلا ضارِبٍ * * * وَيَسري إِلَيهِم بِلا حامِلِ
تَرَكتَ جَماجِمُهُم في النَقا * * * وَما يَتَخَلَّصنَ لِلناخِلِ
فَأَنبَتَّ مِنهُم رَبيعَ السِباعِ * * * فَأَثنَت بِإِحسانِكَ الشامِلِ
وَعُدتَ إِلى حَلَبٍ ظافِراً * * * كَعَودِ الحُلِيِّ إِلى العاطِلِ
وَمِثلُ الَّذي دُستَهُ حافِياً * * * يُؤَثِّرُ في قَدَمِ الناعِلِ
وَكَم لَكَ مِن خَبَرٍ شائِعٍ * * * لَهُ شِيَةَ الأَبلَقِ الجائِلِ
وَيَومٍ شَرابُ بَنيهِ الرَدى * * * بَغيضُ الحُضورِ إِلى الواغِلِ
تَفُكُّ العُناةَ وَتُغني العُفاةَ * * * وَتَغفِرُ لِلمُذنِبِ الجاهِلِ
فَهَنَّأَكَ النَصرَ مُعطيكَهُ * * * وَأَرضاهُ سَعيُكَ في الآجِلِ
فَذي الدارُ أَخوَنُ مِن مومِسٍ * * * وَأَخدَعُ مِن كَفَّةِ الحابِلِ
تَفانى الرِجالُ عَلى حُبِّها * * * وَما يَحصُلونَ عَلى طائِلِ
بشارة الخوري الأخطل الصغير (ت1968م):
أتَتْ هِنْدُ تَشْكو إلى أُمِّهَا * * * فسُبْحَانَ مَنْ جَمَع النّيِّرَيْنْ
فقالتْ لها إنَّ هذا الضُّحى * * * أتاني وقَبَّلَنِي قُبْلَتَينْ
وَفَرَّ فلما رَآني الدُّجَى * * * حَبانِيَ مِنْ شَعْرِهِ خُصْلَتَينْ
وما خَافَ يا أَمِّ بَلْ ضَمَّني * * * وألقَى على مَبْسِمِي نَجْمَتَيْنْ
وَذَوَّبَ مِنْ لونْهِ سائلاً * * * وكَحَّلَنِي مِنْهُ في المُقْلَتَينْ
وجِئْتُ إلى الرَّوضِ عِنْدَ الصباحِ * * * لأحْجُبَ نفسيَ عنْ كُلِّ عينْ
فناداني الرَّوضُ يا روضتي * * * وَهَمَّ لِيَفْعَلَ كالأوّلَينْ
فَخَبَّأتُ وجهي ولكنَّهُ * * * إلى الصَّدْرِ يا أمِّ مَدّ اليدينْ
ويا دهشتي حينَ فَتَّحتُ عيني * * * وشاهدتُ فِي الصَّدْرُ رُمَّانَتَينْ
وما زالَ بي الغُصْنُ حتى انحَنَى * * * على قَدَمِي سَاجِداً سَجْدَتَينْ
وكانَ على رأسِهِ وَرْدَتانِ * * * فَقَدَّمَ لي تَيْنِكَ الوَرْدَتينْ
وخِفْتُ مِنْ الغُصْنِ إذْ تَمتَمَتْ * * * بِأُذْنِيِ أورَاقُهُ كِلْمَتَينْ
فرُحْتُ إلى البَحْرِ للإِبْتِرَادِ * * * فَحَمَّلَنِي وَيْحَهُ مَوْجَتَينْ
فَمَا سِرْتُ إلاَّ وَقَدْ ثَارَتَا * * * بِرِدْ فَيَّ كالبَحْرِ رَجْرَاجَتَينْ
هو البَحْرِ يا أمِّ كَمْ مِنْ فَتًى * * * غَريقٍ وكَمْ مِنْ فَتًى بينَ بينْ
فَها أنا أشكو إليكِ الجميعَ * * * فبِاللهِ يا أمِّ ماذا تَرَيْنْ
فقالتْ وقدْ ضَحِكَتْ أمُّها * * * وَمَاسَتْ مِنَ العُجْبِ في بُرْدَتَيْنْ
عَرَفْتُهُمُ واحِداً وَاحداً * * * وذُقْتُ الذي ذُقْتِهِ مَرَّتَينْ
أحمد بن زيدون(ت463هـ):
أَفاضَ سَماحُكَ بَحرَ النَدى * * * وَأَقبَسَ هَديُكَ نورَ الهُدى
وَرَدَّ الشَبابَ اِعتِلاقُكَ بَعدَ * * * مُفارَقَتي ظِلَّهُ الأَبرَدا
وَما زالَ رَأيُكَ فِيَّ الجَميلَ * * * يُفَتِّحُ لي الأَمَلَ الموصَدا
وَحَسبِيَ مِن خالِدِ الفَخرِ أَن * * * رَضيتَ قُبوليَ مُستَعبَدا
وَيا فَرطَ بَأوي إِذا ما طَلَعتَ * * * فَقُمتُ أُقَبِّلُ تِلكَ اليَدا
وَرَدَّدتُ لَحظِيَ في غُرَّةٍ * * * إِذا اِجتُلِيَت شَفَتِ الأَرمَدا
وَطاعَةُ أَمرِكَ فَرضٌ أَرا * * * هُ مِن كُلِّ مُفتَرَضٍ أَوكَدا
هِيَ الشَرعُ أَصبَحَ دينَ الضَميرِ * * * فَلَو قَد عَصاكَ فَقَد أَلحَدا
وَحاشايَ مِن أَن أَضِلَّ الصِراطَ * * * فَيَعدونِيَ الكُفرُ عَمّا بَدا
وَأُخلِفَ مَوعِدَ مِن لا أَرى * * * لِدَهرِيَ إِلّا بِهِ مَوعِدا
أَتاني عِتابٌ مَتى أَدَّكِر * * * هُ في نَشَواتِ الكَرى أَسهَدا
وَإِن كانَ أَعقَبَهُ ما اِقتَضى * * * شِفاءَ السِقامِ وَنَقعَ الصَدى
ثَناءٌ ثَنى في سَناءِ المَحَ * * * لِّ زُهرَ الكَواكِبِ لي حُسَّدا
قَريضٌ مَتى أَبغِ لِلقَرضِ مِنهُ * * * أَداءً أَجِد شَأوَهُ أَبعَدا
لَوِ الشَمسُ مِن نَظمِهِ حُلِّيَت * * * أَوِ البَدرُ قامَ لَهُ مُنشِدا
لَضاعَفَ مِن شَرَفِ النَيِّرَي * * * نِ حَظّاً بِهِ قارَنَ الأَسعُدا
فَدَيتُكَ مَولىً إِذا ما عَثَرتُ * * * أَقالَ وَمَهما أَزِغ أُرشَدا
رَكَنتُ إِلى كَرَمِ الصَفحِ مِنهُ * * * فَآمَنَني ذاكَ أَن يَحقِدا
وَآنَستُ سوقَ اِحتِمالٍ أَبى * * * لِمُستَبضِعِ العُذرِ أَن يُكسِدا
شَفيعي إِلَيهِ هَوى مُخلِصٍ * * * كَما أَخلَصَ السابِكُ العَسجَدا
وَمِن وُصَلي هِجرَةٌ لا أَعُدُّ * * * لِحالي سِوى يَومِها مَولِدا
وَنُعمى تَفَيَّأتُها أَيكَةً * * * فَشُكري حَمامٌ بِها غَرَّدا
تَبارَكَ مَن جَمَعَ الخَيرَ فيكَ * * * وَأَشعَرَكَ الخُلُقَ الأَمجَدا
مَضاءُ الجَنانِ وَظَرفُ اللِسانِ * * * وَجودُ البَنانِ بِسَكبِ الجَدا
رَأى شيمَتَيكَ لِما تَستَحِقُّ * * * وَقَفّى فَأَظفَرَ إِذ أَيَّدا
لِيَهنِكَ أَنَّكَ أَزكى المُلوكِ * * * بِفَيءٍ وَأَشرَفُهُم سودَدا
سِوى ناجِلٍ لَكَ سامي الهُمو * * * مِ داني الفَواضِلِ نائي المَدى
هُمامٌ أَغَرُّ رَوَيتَ الفَخارَ * * * حَديثاً إِلى سَروِهِ مُسنَدا
سَلَكتَ إِلى المَجدِ مِنهاجَهُ * * * فَقَد طابَقَ الأَطرَفُ الأَتلَدا
هُوَ اللَيثُ قَلَّدَ مِنكَ النِجادَ * * * لِيَومِ الوَغى شِبلَهُ الأَنجَدا
يُعِدُّكَ صارِمَ عَزمٍ وَرَأيٍ * * * فَتُرضيهِ جُرِّدَ أَو أُغمِدا
وَما اِستَبهَمَ القُفلُ في الحادِثا * * * تِ إِلّا رَآكَ لَهُ مِقلَدا
فَأَمطاكَ مِنكَبَ طَرفِ النُجومِ * * * وَأَوطَأَ أَخمَصَكَ الفَرقَدا
فَلا زِلتُما يَرفَعُ الأَولِيا * * * أَ مُلكُكُما وَيَحُطُّ العِدا
وَنَفسي لِنَفسَيكُما البِرَّتَي * * * نِ مِن كُلِّ ما يُتَوَقّى الفِدا
فَمَن قالَ أَن لَستُما أَوحَدَي * * * نِ في الصالِحاتِ فَما وَحَّدا
أحمد شوقي (ت1932م):
أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُر * * * وَبُلِّغتَ في الأَرضِ أَقصى العُمُر
فَيالِدَةَ الدَهرِ لا الدَهرُ شَبَّ * * * وَلا أَنتَ جاوَزتَ حَدَّ الصِغَر
إِلامَ رُكوبُكَ مَتنَ الرِمالِ * * * لِطَيِّ الأَصيلِ وَجَوبِ السَحَر
تُسافِرُ مُنتَقِلاً في القُرونِ * * * فَأَيّانَ تُلقي غُبارَ السَفَر
أَبَينَكَ عَهدٌ وَبَينَ الجِبالِ * * * تَزولانِ في المَوعِدِ المُنتَظَر
أَبا الهَولِ ماذا وَراءَ البَقاءِ * * * إِذا ما تَطاوَلَ غَيرُ الضَجَر
عَجِبتُ لِلُقمانَ في حِرصِهِ * * * عَلى لُبَدٍ وَالنُسورِ الأُخَر
وَشَكوى لَبيدٍ لِطولِ الحَياةِ * * * وَلَو لَم تَطُل لَتَشَكّى القِصَر
وَلَو وُجِدَت فيكَ يا بنَ الصَفاةِ * * * لَحَقتَ بِصانِعِكَ المُقتَدِر
فَإِنَّ الحَياةَ تَفُلُّ الحَديدَ * * * إِذا لَبِسَتهُ وَتُبلى الحَجَر
أَبا الهَولِ ما أَنتَ في المُعضِلاتِ * * * لَقَد ضَلَّتِ السُبلَ فيكَ الفِكَر
تَحَيَّرَتِ البَدوُ ماذا تَكونُ * * * وَضَلَّت بِوادي الظُنونِ الحَضَر
فَكُنتَ لَهُم صورَةَ العُنفُوانُ * * * وَكُنتَ مِثالَ الحِجى وَالبَصَر
وَسِرُّكَ في حُجبِهِ كُلَّما * * * أَطَلَّت عَلَيهِ الظُنونُ اِستَتَر
وَما راعَهُم غَيرُ رَأسِ الرِجالِ * * * عَلى هَيكَلٍ مِن ذَواتِ الظُفُر
وَلَو صُوِّروا مِن نَواحي الطِباعِ * * * تَوالَوا عَلَيكَ سِباغَ الصُوَر
فَيا رُبَّ وَجهٍ كَصافي النَميرِ * * * تَشابَهَ حامِلُهُ وَالنَمِر
أَبا الهَولِ وَيحَكَ لا يُستَقَلُّ * * * مَعَ الدَهرِ شَيءٌ وَلا يُحتَقَر
تَهَزَّأتَ دَهراً بِديكِ الصَباحِ * * * فَنَقَّرَ عَينَيكَ فيما نَقَر
أَسالَ البَياضَ وَسَلَّ السَوادَ * * * وَأَوغَلَ مِنقارُهُ في الحُفَر
فَعُدتَ كَأَنَّكَ ذو المَحبِسَينِ * * * قَطيعَ القِيامِ سَليبَ البَصَر
كَأَنَّ الرِمالَ عَلى جانِبَيكَ * * * وَبَينَ يَدَيكَ ذُنوبُ البَشَر
كَأَنَّكَ فيها لِواءُ الفَضاءِ * * * عَلى الأَرضِ أَو دَيدَبانُ القَدَر
كَأَنَّكَ صاحِبُ رَملٍ يَرى * * * خَبايا الغُيوبِ خِلالَ السَطَر
أَبا الهَولِ أَنتَ نَديمُ الزَمانِ * * * نَجِيُّ الأَوانِ سَميرُ العُصُر
بَسَطتَ ذِراعَيكَ مِن آدَمٍ * * * وَوَلَّيتَ وَجهَكَ شَطرَ الزُمَر
تُطِلُّ عَلى عالَمٍ يَستَهِلُّ * * * وَتوفي عَلى عالَمٍ يُحتَضَر
فَعَينٌ إِلى مَن بَدا لِلوُجودِ * * * وَأُخرى مُشَيِّعَةٌ مِن غَبَر
فَحَدِّث فَقَد يُهتَدى بِالحَديثِ * * * وَخَبِّر فَقَد يُؤتَسى بِالخَبَر
أَلَم تَبلُ فِرعَونَ في عِزِّهِ * * * إِلى الشَمسِ مُعتَزِياً وَالقَمَر
ظَليلَ الحَضارَةِ في الأَوَّلينَ * * * رَفيعَ البِناءِ جَليلَ الأَثَر
يُؤَسِّسُ في الأَرضِ لِلغابِرينَ * * * وَيَغرِسُ لِلآخَرينَ الثَمَر
وَراعَكَ ما راعَ مِن خَيلِ قَمبي * * * زَ تَرمي سَنابِكَها بِالشَرَر
جَوارِفُ بِالنارِ تَغزو البِلادَ * * * وَآوِنَةً بِالقَنا المُشتَجِر
وَأَبصَرتَ إِسكَندَراً في المَلا * * * قَشيبَ العُلا في الشَبابِ النَضِر
تَبَلَّجَ في مِصرَ إِكليلُهُ * * * فَلَم يَعدُ في المُلكِ عُمرَ الزَهَر
وَشاهَدتَ قَيصَرَ كَيفَ اِستَبَدَّ * * * وَكَيفَ أَذَلَّ بِمِصرَ القَصَر
وَكَيفَ تَجَبَّرَ أَعوانُهُ * * * وَساقوا الخَلائِقَ سَوقَ الحُمُر
وَكَيفَ اِبتُلوا بِقَليلِ العَديدِ * * * مِنَ الفاتِحينَ كَريمِ النَفَر
رَمى تاجَ قَيصَرَ رَميَ الزُجاجِ * * * وَفَلَّ الجُموعَ وَثَلَّ السُرَر
فَدَع كُلَّ طاغِيَةٍ لِلزَمانِ * * * فَإِنَّ الزَمانَ يُقيمُ الصَعَر
رَأَيتَ الدِياناتِ في نَظمِها * * * وَحينَ وَهى سِلكُها وَاِنتَثَر
تُشادُ البُيوتُ لَها كَالبُروجِ * * * إِذا أَخَذَ الطَرفُ فيها اِنحَسَر
تَلاقى أَساساً وَشُمَّ الجِبالِ * * * كَما تَتَلاقى أُصولُ الشَجَر
وَإيزيسُ خَلفَ مَقاصيرِها * * * تَخَطّى المُلوكُ إِلَيها السُتُر
تُضيءُ عَلى صَفَحاتِ السَماءِ * * * وَتُشرِقُ في الأَرضِ مِنها الحُجَر
وَآبيسُ في نيرِهِ العالِمونَ * * * وَبَعضُ العَقائِدِ نيرٌ عَسِر
تُساسُ بِهِ مُعضِلاتُ الأُمورِ * * * وَيُرجى النَعيمُ وَتُخشى سَقَر
وَلا يَشعُرِ القَومُ إِلّا بِهِ * * * وَلَو أَخَذَتهُ المُدى ما شَعَر
يَقِلُّ أَبو المِسكِ عَبداً لَهُ * * * وَإِن صاغَ أَحمَدُ فيهِ الدُرَر
وَآنَستَ موسى وَتابوتَهُ * * * وَنورَ العَصا وَالوَصايا الغُرَر
وَعيسى يَلُمُّ رِداءَ الحَياءِ * * * وَمَريَمُ تَجمَعُ ذَيلَ الخَفَر
وَعَمرو يَسوقُ بِمِصرَ الصِحابَ * * * وَيُزجي الكِتابَ وَيَحدو السُوَر
فَكَيفَ رَأَيتَ الهُدى وَالضَلالَ * * * وَدُنيا المُلوكِ وَأُخرى عُمَر
وَنَبذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفُجورِ * * * وَأَخذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفَجِر
وَتَبديلَهُ ظُلُماتِ الضَلالِ * * * بِصُبحِ الهِدايَةِ لَمّا سَفَر
وَتَأليفَهُ القِبطَ وَالمُسلِمين * * * كَما أُلِّفَت بِالوَلاءِ الأُسَر
أَبا الهَولِ لَو لَم تَكُن آيَةً * * * لَكانَ وَفاؤُكَ إِحدى العِبَر
أَطَلتَ عَلى الهَرَمَينِ الوُقوفَ * * * كَثاكِلَةٍ لا تَريمُ الحُفَر
تُرَجّي لِبانيهِما عَودَةً * * * وَكَيفَ يَعودُ الرَميمُ النَخِر
تَجوسُ بِعَينٍ خِلالَ الدِيارِ * * * وَتَرمي بِأُخرى فَضاءَ النَهَر
تَرومُ بِمَنفيسَ بيضَ الظُبا * * * وَسُمرَ القَنا وَالخَميسَ الدُثَر
وَمَهدَ العُلومِ الخَطيرَ الجَلالِ * * * وَعَهدِ الفُنونِ الجَليلَ الخَطَر
فَلا تَستَبينُ سِوى قَريَةٍ * * * أَجَدَّ مَحاسِنَها ما اِندَثَر
تَكادُ لِإِغراقِها في الجُمودِ * * * إِذا الأَرضُ دارَت بِها لَم تَدُر
فَهَل مَن يُبَلِّغُ عَنّا الأُصولَ * * * بِأَنَّ الفُروعَ اِقتَدَت بِالسِيَر
وَأَنّا خَطَبنا حِسانَ العُلا * * * وَسُقنا لَها الغالِيَ المُدَّخَر
وَأَنّا رَكِبنا غِمارَ الأُمورِ * * * وَأَنّا نَزَلنا إِلى المُؤتَمَر
بِكُلِّ مُبينٍ شَديدِ اللِدادِ * * * وَكُلِّ أَريبٍ بَعيدِ النَظَر
تُطالِبُ بِالحَقِّ في أُمَّةٍ * * * جَرى دَمُها دونَهُ وَاِنتَشَر
وَلَم تَفتَخِر بِأَساطيلِها * * * وَلَكِن بِدُستورِها تَفتَخِر
فَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَحِف * * * وَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَطِر
تَحَرَّك أَبا الهَولِ هَذا الزَمانُ * * * تَحَرَّكَ ما فيهِ حَتّى الحَجَر
نَجِيَّ أَبي الهَولِ آنَ الأَوانُ * * * وَدانَ الزَمانُ وَلانَ القَدَر
خَبَأتُ لِقَومِكَ ما يَستَقونَ * * * وَلا يَخبَأُ العَذبَ مِثلُ الحَجَر
فَعِندي المُلوكُ بِأَعيانِها * * * وَعِندَ التَوابيتِ مِنها الأَثَر
مَحا ظُلمَةَ اليَأسِ صُبحُ الرَجاءِ * * * وَهَذا هُوَ الفَلَقُ المُنتَظَر

أبو القاسم الشابي (1933هـ):
إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ
تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ
مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ
وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ
وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ
رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ
وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَـالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ
وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ
وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ :
" أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ
وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ
وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ
وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ
وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم
لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ
مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ
مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر
سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ
وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ
لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ
وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ
مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ، شِتَاءُ الضَّبَابِ
شِتَاءُ الثُّلُوجِ، شِتَاءُ الْمَطَـر
فَيَنْطَفِئ السِّحْرُ، سِحْرُ الغُصُونِ
وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ
وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا
وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر
وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ
وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ
تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر
وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ
ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر
وَذِكْرَى فُصُول ٍ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ
وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر
مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ
وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ
وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ
وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر
وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ
حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر
فصدّعت الأرض من فوقـها
وأبصرت الكون عذب الصور
وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه
وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر
وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه
تعيد الشباب الذي قد غبـر
وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ
وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر
وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي
شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ
يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
إليك الفضاء، إليك الضيـاء
إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيـد
إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول
بِحلو الثمار وغـض الزهـر
وناجي النسيم وناجي الغيـوم
وناجي النجوم وناجي القمـر
وناجـي الحيـاة وأشواقـها
وفتنـة هذا الوجـود الأغـر
وشف الدجى عن جمال عميقٍ
يشب الخيـال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ
يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء
وَضَاعَ البَخُورُ، بَخُورُ الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ
بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ
في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ
لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ
فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق