الأحد، 22 نوفمبر 2020

قصائد على بحر الطويل

 الشنفرى (525م):

أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم

فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ

فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ

وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ

وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى

وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ

لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ

سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ

وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ

وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ

هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ

لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ

وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي

إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ

وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ

بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ

وَما ذاكَ إِلاّ بَسطَةٌ عَن تَفَضُّلٍ

عَلَيهِم وَكانَ الأَفضَلَ المُتَفَضَّلُ

وَلي صاحِبٌ من دونِهم لا يَخونني

إِذا التبسَت كفِّي بِهِ يَتَأكّلُ

وَإِنّي كَفانِي فَقدُ مَن لَيسَ جازِياً

بِحُسنى وَلا في قُربٍه مُتَعَلَّلُ

ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ

وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ

هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها

رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ

إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها

مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ

وَأَغدو خميصَ البَطنِ لا يَستَفِزُّني

إِلى الزاد حِرصٌ أَو فُؤادٌ مُوَكّلُ

وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ

مُجَدَّعَةً سُقبانَها وَهيَ بُهَّلُ

وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ

يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ

وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ

يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ

وَلا خالِفٍ دارِيَّةٍ مُتَغَزَّلٍ

يَروحُ وَيَغدو داهِناً يَتَكَحَّلُ

وَلَستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دونَ خَيرِهِ

أَلَفَّ إِذا ما رُعتَهُ اِهتاجَ أَعزَلُ

وَلَستُ بِمِحيارِ الظَلامِ إِذا اِنتَحَت

هُدى الهَوجِل العِسّيفِ يَهماءُ هَوجَلُ

إِذا الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي

تَطايَرَ مِنهُ قادِحٌ وَمُفَلَّلُ

أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ

وَأَضرِبُ عَنهُ الذِكرَ صَفحاً فَأَذهَلُ

وَأَستَفُّ تُربَ الأَرضِ كَيلا يَرى لَهُ

عَلَيَّ مِنَ الطَولِ اِمُرؤ مُتَطَوَّلُ

وَلَولا اجتِنابُ الذَأم لَم يُلفَ مَشرَبٌ

يُعاشُ بِهِ إِلّا لَدَيَّ وَمَأكَلُ

وَلَكِنَّ نَفساً مُرَّةً لا تُقيمُ بي

عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ

وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت

خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

وَأَغدو عَلى القوتِ الزَهيدِ كَما غَدَا

أَزَلُّ تَهاداهُ التَنائِفُ أَطحَلُ

غَدا طاوِياً يُعارِضُ الريحَ هافِياً

يَخوتُ بِأَذنابِ الشِعابِ وَيَعسَلُ

فَلَمّا لَواهُ القوتُ مِن حَيثُ أَمَّهُ

دَعا فَأَجابَتهُ نَظائِرُ نُحَّلُ

مُهَلهَةٌ شِيبُ الوُجوهِ كَأَنَّها

قِداحٌ بِكَفَّي ياسِرٍ تَتَقَلقَلُ

أَو الخَشرَمُ المَبعوثُ حَثحَثَ دَبرَهُ

مَحابيضُ أَرداهُنَّ سامٍ مُعَسَّلُ

مُهَرَّتَهٌ فوهٌ كَأَنَّ شُدوقَها

شُقوقُ العِصِيَّ كَالِحاتٌ وَبُسلُ

فَضَجَّ وَضَجَّت بِالبَراح كَأَنَّها

وَإِيّاه نوحٌ فَوقَ عَلياءَ ثُكَّلُ

وَأَغضى وَأَغضَت وَاِتَّسى وَاِتَّسَت بِهِ

مَراميلُ عَزّاها وَعَزَّتهُ مُرمِلُ

شَكا وَشَكَت ثُمَّ اِرعَوى بَعدُ وَاِرعَوَت

وَلَلصَّبرُ إِن لَم يَنفَع الشَكوُ أَجمَلُ

وَفاءَ وَفاءَت بادِراتٌ وَكُلُّهَا

عَلى نَكَظٍ مِمّا يُكاتِمُ مُجمِلُ

وَتَشرِبُ أَسآرِيَ القَطا الكُدرُ بَعدَما

سَرَت قَرَباً أَحناؤُها تَتَصَلصَلُ

هَمَمتُ وَهَمَّت وَاِبتَدَرنا وَأَسدَلَت

وَشَمَّرَ مِنّي فارِطٌ مُتَمَهَّلُ

فَوَلَّيتُ عَنها وَهَي تَكبو لِعَقرِهِ

يُباشِرُهُ مِنها ذُقونٌ وَحَوصَلُ

كَأَنَ وَغاها حَجرَتَيهِ وَحَولَهُ

أَضاميمُ مِن سِفرِ القَبائِلِ نُزَّلُ

تَوافَينَ مِن شَتّى إِلَيهِ فَضَمَّها

كَما ضَمَّ أَذوادَ الأَصاريمِ مَنهَلُ

فَعَبَّت غِشاشاً ثُمَّ مَرَّت كَأَنَّها

مَعَ الصُبحِ رَكبٌ مِن أُحاضَةَ مُجفِلُ

وَآلَفَ وَجهَ الأَرضِ عِندَ افتِراشِها

بِأَهدَأ تُنبيهِ سَناسِنُ قُحَّلُ

وَأَعدِلُ مَنحوضاً كَأَنَّ فُصوصَهُ

كِعابٌ دَحاها لاعِبٌ فَهيَ مُثَّلُ

فَإِن تَبتَئِس بِالشَنفَرى أُمُّ قَسطَلٍ

لَما اِغتَبَطَت بِالشَنفَرى قَبلُ أَطوَلُ

طَريدُ جِناياتٍ تَياسَرنَ لَحمَهُ

عَقيرَتُهُ لأَيَّها حُمَّ أَوَّلُ

تَنامُ إِذا ما نامَ يَقظى عُيونُها

حِثاثاً إِلى مَكروهِهِ تَتَغَلغَلُ

وَإِلفُ هُمومٍ ما تَزالُ تَعودُهُ

عِياداً كَحُمّى الرَبعِ أَو هِيَ أَثقَلُ

إِذا وَرَدت أَصدَرتُها ثُمَّ إِنَّها

تَثوبُ فَتَأتي مِن تُحَيتٍ وَمِن عَلُ

فَإِمّا تَرَيني كَاِبنَةِ الرَملِ ضاحِياً

عَلى رِقَّةٍ أَحفى وَلا أَتَنَعَّلُ

فَإِنّي لَمَولى الصَبرِ أَجتابُ بَزَّهُ

عَلى مِثلِ قَلبِ السِمعِ وَالحَزمَ أَفعَلُ

وَأُعدِمُ أَحياناً وَأَغنى وَإِنَّما

يَنالُ الغِنى ذو البُعَدةِ المُتَبَذَّلُ

فَلا جَزعٌ مِن خَلَّةٍ مُتَكَثَّفٌ

وَلا مَرحٌ تَحتَ الغِنى أَتَخَيَّلُ

وَلا تَزدَهي الأَجهالُ حِلمي وَلا أَرى

سِؤولاً بِأعقابِ الأَقاويلِ أَنمُلُ

وَلَيلَةِ نَحسٍ يَصطَلِيَ القَوسَ رَبُّها

وَأَقطُعَهُ اللاتي بِها يَتَنَبَّلُ

دَعَستُ عَلى غَطشٍ وَبَغشٍ وَصُحبَتي

سُعارٌ وَإِرزيزٌ وَوَجرٌ وَأَفكُلُ

فَأَيَّمتُ نِسواناً وَأَيتَمتُ آلَدَةً

وَعُدتُ كَما أَبدَأتُ وَاللَيلُ أَليَلُ

وَأَصبَحَ عني بِالغُمَيصاءِ جالِساً

فَريقانِ مَسؤولٌ وَآخَرُ يَسأَلُ

فَقالوا لَقَد هَرَّت بِلَيلٍ كِلابُنَا

فَقُلنا أَذِئُبٌ عَسَّ أَم عَسَّ فُرغُلُ

فَلَم تَكُ إِلّا نَبأَةً ثُمَّ هَوَّمَت

فَقُلنا قَطاةٌ ريعَ أَم رِيَعَ أَجدَلُ

فَإِن يَكُ مِن جِنٍّ لَأَبَرحُ طارِقاً

وَإِن يَكُ أُنساً ماكَها الأُنسُ تَفعَلُ

وَيَومٍ مِنَ الشِعرى يَذوبُ لَوابُهُ

أَفاعيهِ في رَمضائِهِ تَتَمَلمَلُ

نَصَبتُ لَهُ وَجهي وَلا كِنَّ دونَهُ

وَلا سِترَ إِلّا الأَتُحَمِيَ المُرَعبَلُ

وَضافٍ إِذا هَبَّت لَهُ الريحُ طَيَّرَت

لَبائِدَ عَن أَعطافِهِ ما تَرَجَّلُ

بَعيدٌ بِمَسَّ الدُهنِ وَالفَليُ عَهدُهُ

لَهُ عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسلِ مُحوِلُ

وَخَرقٍ كَضَهرِ التِرسِ قَفرٍ قَطَعتُهُ

بِعامِلَتَينِ ظَهرُهُ لَيسَ يُعمَلُ

وَأَلحَقتُ أولاهُ بِأُخراهُ موفِياً

عَلى قُنَّةٍ أُقعي مِراراً وَأَمثِلُ

تَرودُ الأَراوِيَ الصُحمُ حَولِي كَأَنَّها

عَذارى عَلَيهنَّ المُلاءُ المُذَيَّلُ

وَيَركُدنَ بالآصالِ حَولِي كَأَنَّني

مِنَ العُصم أَدفى يَنتَحي الكَيحَ أَعقَلُ

 

امرؤ القيس (ت 540م):

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ

بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ

فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لمْ يَعْفُ رَسْمُها

لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ

تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَا

وَقِيْعَانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ

كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا

لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُمُ

يَقُوْلُوْنَ: لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ

وإِنَّ شِفائِيَ عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ

فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا

وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ

إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا

نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ

فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً

عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي

ألَا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ

وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي

فَيَا عَجَبًا مِنْ كورها المُتَحَمَّلِ

فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا

وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ

ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ

فَقَالَتْ:لَكَ الوَيْلَاتُ!،إنَّكَ مُرْجِلِي

تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا:

عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ

فَقُلْتُ لَهَا:سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَه

ولَا تُبْعدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّلِ

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ

فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ

بِشَقٍّ،وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ

ويَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ

عَلَيَّ، وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ

أفاطِمَ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ

وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَةٌ

فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي

وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ؟

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلَّا لِتَضْرِبِي

بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ

وبَيْضَةِ خِدْرٍ لَا يُرَامُ خِبَاؤُهَا

تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ

تَجَاوَزْتُ أحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا

عَلَّي حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِي

إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ

تَعَرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ

فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا

لَدَى السِّتْرِ إلَّا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ

فَقَالتْ:يَمِيْنَ اللهِ، مَا لَكَ حِيْلَةٌ،

وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِي

خَرَجْتُ بِهَا تمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا

عَلَى أَثَرَيْنا ذيل مِرْطٍ مُرَحَّلِ

فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى

بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ

هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فَتَمَايَلَتْ

عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ

إذا التفتت نحوي تضوّع ريحُها

نسيمَ الصَّبا جاءت بريا القرنفُلِ

مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ

تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ

كَبِكْرِ المُقَانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْرَةٍ

غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ مُحَلَّلِ

تَصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقي

بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ

وجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ

إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلَا بِمُعَطَّلِ

وفَرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِمٍ

أثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ

غَدَاثِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُلا

تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ

وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ

وسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ

وتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّهُ

أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِلِ

تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا

مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ

وَتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَا

نَؤُومُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ

إِلَى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَةً

إِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ

تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَا

ولَيْسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْسَلِ

ألَّا رُبَّ خَصْمٍ فِيْكِ أَلْوَى رَدَدْتُهُ

نَصِيْحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِ

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ

عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ

وأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ

ألَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألَا انْجَلِي

بِصُبْحٍ، وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ

فَيَا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَهُ

بكل مُغار الفتل شُدّت بيذبل

كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها

بِأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْدَل ِ

وَقَدْ أغْتَدِي والطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا

بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا

كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

كَمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ

كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالمُتَنَزَّلِ

مِسِحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الوَنى

أَثَرْنَ الغُبَارَ بِالكَدِيْدِ المَرَكَّلِ

عَلَى الذبل جَيَّاشٍ كأنَّ اهْتِزَامَهُ

إِذَا جَاشَ فِيْهِ حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَلِ

يزل الغُلَامُ الخِفَّ عَنْ صَهَوَاتِهِ

وَيُلْوِي بِأَثْوَابِ العَنِيْفِ المُثَقَّلِ

دَرِيْرٍ كَخُذْرُوفِ الوَلِيْدِ أمَرَّهُ

تقلب كَفَّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ

لَهُ أيْطَلا ظَبْيٍ، وَسَاقَا نَعَامَةٍ

وإِرْخَاءُ سَرْحَانٍ، وَتَقْرِيْبُ تَتْفُلِ

كَأَنَّ عَلَى الكتفين مِنْهُ إِذَا انْتَحَى

مَدَاكُ عَرُوسٍ أَوْ صَلايَةَ حَنْظَلِ

وبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ ولِجَامُهُ

وَبَاتَ بِعَيْنِي قَائِمًا غَيْرَ مُرْسَلِ

فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ

عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاءٍ مُذيَل

فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ

بِجِيْدٍ مُعَمٍّ فِي العَشِيْرَةِ مُخْوِلِ

فَأَلْحَقَنَا بِالهَادِيَاتِ ودُوْنَهُ

جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّلِ

فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ

دِرَاكًا، وَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ

وَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِن بَيْنِ مُنْضِجٍ

صَفِيفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيْرٍ مُعَجَّلِ

ورُحْنَا وَراحَ الطَّرْفُ ينفض رأسه

مَتَى ما تَرَقَّ العَيْنُ فِيْهِ تَسَفَّلِ

كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْرِهِ

عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْبٍ مُرَجَّلِ

وأنت إِذَا اسْتَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ

بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بِأَعْزَلِ

أحارِ تَرَى بَرْقًا أُرِيْكَ وَمِيْضَهُ

كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ

يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِبٍ

أَمان السَّلِيْطَ بالذُّبَالِ المُفَتَّلِ

قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ حامر

وبَيْنَ إكام، بُعْدَمَا مُتَأَمَّلِي

فأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ عن كل فيقةٍ

يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ

وتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَةٍ

وَلَا أُطُمًا إِلَّا مَشِيدًا بِجِنْدَلِ

كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً

مِنَ السَّيْلِ وَالغُثّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ

كَأَنَّ أبانًا فِي أفانين ودقه

كَبِيْرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ

وأَلْقَى بِصَحْرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَهُ

نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المحملِ

كَأَنَّ سباعًا فِيْهِ غَرْقَى غُديّة

بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيْشُ عَنْصُلِ

عَلَى قَطَنٍ، بِالشَّيْمِ، أَيْمَنُ صَوْبِهِ

وَأَيْسَرُهُ عَلَى السِّتَارِ فَيَذْبُل

وَأَلْقى بِبَيسانَ مَعَ الليلِ بَرْكَهُ

فَأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كُلِّ مَنْزِلِ

 

طرفة بن العبد (ت569م):

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم

يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ

كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً

خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ

عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ

يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي

يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بِها

كَما قَسَمَ التُربَ المُفايِلُ بِاليَدِ

وَفي الحَيِّ أَحوى يَنفُضُ المَردَ شادِنٌ

مُظاهِرُ سِمطَي لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ

خَذولٌ تُراعي رَبرَباً بِخَميلَةٍ

تَناوَلُ أَطرافَ البَريرِ وَتَرتَدي

وَتَبسِمُ عَن أَلمى كَأَنَّ مُنَوِّراً

تَخَلَّلَ حُرَّ الرَملِ دِعصٌ لَهُ نَدي

سَقَتهُ إِياةُ الشَمسِ إِلّا لِثاتِهِ

أُسِفَّ وَلَم تَكدِم عَلَيهِ بِإِثمِدِ

وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها

عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ لَم يَتَخَدَّدِ

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ

بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

أَمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نَصَأتُها

عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ

جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها

سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ

تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتبَعَت

وَظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ

تَرَبَّعَتِ القُفَّينِ في الشَولِ تَرتَعي

حَدائِقَ مَوليِّ الأَسِرَّةِ أَغيَدِ

تَريعُ إِلى صَوتِ المُهيبِ وَتَتَّقي

بِذي خُصَلٍ رَوعاتِ أَكلَفَ مُلبِدِ

كَأَنَّ جَناحَي مَضرَحيٍّ تَكَنَّفا

حِفافَيهِ شُكّا في العَسيبِ بِمَسرَدِ

فَطَوراً بِهِ خَلفَ الزَميلِ وَتارَةً

عَلى حَشَفٍ كَالشَنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ

لَها فَخِذانِ أُكمِلَ النَحضُ فيهِما

كَأَنَّهُما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ

وَطَيُّ مَحالٍ كَالحَنيِّ خُلوفُهُ

وَأَجرِنَةٌ لُزَّت بِدَأيٍ مُنَضَّدِ

كَأَنَّ كِناسَي ضالَةٍ يُكنِفانِها

وَأَطرَ قِسيٍّ تَحتَ صُلبٍ مُؤَيَّدِ

لَها مِرفَقانِ أَفتَلانِ كَأَنَّها

تَمُرُّ بِسَلمَي دالِجٍ مُتَشَدَّدِ

كَقَنطَرَةِ الروميِّ أَقسَمَ رَبُّها

لَتُكتَنَفَن حَتّى تُشادَ بِقَرمَدِ

صُهابيَّةُ العُثنونِ موجَدَةُ القَرا

بَعيدَةُ وَخدِ الرِجلِ مَوّارَةُ اليَدِ

أُمِرَّت يَداها فَتلَ شَزرٍ وَأُجنِحَت

لَها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ

جُنوحٌ دِفاقٌ عَندَلٌ ثُمَّ أُفرِعَت

لَها كَتِفاها في مُعالىً مُصَعَّدِ

كَأَنَّ عُلوبَ النِسعِ في دَأَياتِها

مَوارِدُ مِن خَلقاءَ في ظَهرِ قَردَدِ

تَلاقى وَأَحياناً تَبينُ كَأَنَّها

بَنائِقُ غُرٌّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ

وَأَتلَعُ نَهّاضٌ إِذا صَعَّدَت بِهِ

كَسُكّانِ بوصيٍّ بِدِجلَةَ مُصعِدِ

وَجُمجُمَةٌ مِثلُ العَلاةِ كَأَنَّما

وَعى المُلتَقى مِنها إِلى حَرفِ مِبرَدِ

وَخَدٌّ كَقِرطاسِ الشَآمي وَمِشفَرٌ

كَسِبتِ اليَماني قَدُّهُ لَم يُجَرَّدِ

وَعَينانِ كَالماوَيَّتَينِ اِستَكَنَّتا

بِكَهفَي حِجاجَي صَخرَةٍ قَلتِ مَورِدِ

طَحورانِ عُوّارَ القَذى فَتَراهُما

كَمَكحولَتَي مَذعورَةٍ أُمِّ فَرقَدِ

وَصادِقَتا سَمعِ التَوَجُّسِ لِلسُرى

لِهَجسٍ خَفِيٍّ أَو لِصَوتٍ مُنَدَّدِ

مُؤَلَّلَتانِ تَعرِفُ العِتقَ فيهِما

كَسامِعَتَي شاةٍ بِحَومَلَ مُفرَدِ

وَأَروَعُ نَبّاضٌ أَحَذُّ مُلَملَمٌ

كَمِرداةِ صَخرٍ في صَفيحٍ مُصَمَّدِ

وَأَعلَمُ مَخروتٌ مِنَ الأَنفِ مارِنٌ

عَتيقٌ مَتى تَرجُم بِهِ الأَرضَ تَزدَدِ

وَإِن شِئتُ لَم تُرقِل وَإِن شِئتُ أَرقَلَت

مَخافَةَ مَلويٍّ مِنَ القَدِّ مُحصَدِ

وَإِن شِئتُ سامى واسِطَ الكورِ رَأسُها

وَعامَت بِضَبعَيها نَجاءَ الخَفَيدَدِ

عَلى مِثلِها أَمضي إِذا قالَ صاحِبي

أَلا لَيتَني أَفديكَ مِنها وَأَفتَدي

وَجاشَت إِلَيهِ النَفسُ خَوفاً وَخالَهُ

مُصاباً وَلَو أَمسى عَلى غَيرِ مَرصَدِ

إِذا القَومُ قالوا مَن فَتىً خِلتُ أَنَّني

عُنيتُ فَلَم أَكسَل وَلَم أَتَبَلَّدِ

أَحَلتُ عَلَيها بِالقَطيعِ فَأَجذَمَت

وَقَد خَبَّ آلُ الأَمعَزِ المُتَوَقِّدِ

فَذالَت كَما ذالَت وَليدَةُ مَجلِسٍ

تُري رَبَّها أَذيالَ سَحلٍ مُمَدَّدِ

وَلَستُ بِحَلّالِ التِلاعِ مَخافَةً

وَلَكِن مَتى يَستَرفِدِ القَومُ أَرفِدِ

فَإِن تَبغِني في حَلقَةِ القَومِ تَلقَني

وَإِن تَقتَنِصني في الحَوانيتِ تَصطَدِ

مَتى تَأتِني أُصبِحكَ كَأساً رَويَّةً

وَإِن كُنتَ عَنها ذا غِنىً فَاِغنَ وَاِزدَدِ

وَإِن يَلتَقِ الحَيُّ الجَميعُ تُلاقِني

إِلى ذِروَةِ البَيتِ الرَفيعِ المُصَمَّدِ

نَدامايَ بيضٌ كَالنُجومِ وَقَينَةٌ

تَروحُ عَلَينا بَينَ بُردٍ وَمَجسَدِ

رَحيبٌ قِطابُ الجَيبِ مِنها رَقيقَةٌ

بِجَسِّ النَدامى بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ

إِذا نَحنُ قُلنا أَسمِعينا اِنبَرَت لَنا

عَلى رِسلِها مَطروقَةً لَم تَشَدَّدِ

إِذا رَجَّعَت في صَوتِها خِلتَ صَوتَها

تَجاوُبَ أَظآرٍ عَلى رُبَعٍ رَدي

وَما زالَ تَشرابي الخُمورَ وَلَذَّتي

وَبَيعي وَإِنفاقي طَريفي وَمُتلَدي

إِلى أَن تَحامَتني العَشيرَةُ كُلُّها

وَأُفرِدتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ

رَأَيتُ بَني غَبراءَ لا يُنكِرونَني

وَلا أَهلُ هَذاكَ الطِرافِ المُمَدَّدِ

أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى

وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي

فَإِن كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ مَنيَّتي

فَدَعني أُبادِرها بِما مَلَكَت يَدي

وَلَولا ثَلاثٌ هُنَّ مِن عيشَةِ الفَتى

وَجَدِّكَ لَم أَحفِل مَتى قامَ عُوَّدي

فَمِنهُنَّ سَبقي العاذِلاتِ بِشَربَةٍ

كُمَيتٍ مَتى ما تُعلَ بِالماءِ تُزبِدِ

وَكَرّي إِذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً

كَسيدِ الغَضا نَبَّهتَهُ المُتَوَرِّدِ

وَتَقصيرُ يَومَ الدَجنِ وَالدَجنُ مُعجِبٌ

بِبَهكَنَةٍ تَحتَ الطِرافِ المُعَمَّدِ

كَأَنَّ البُرينَ وَالدَماليجَ عُلِّقَت

عَلى عُشَرٍ أَو خِروَعٍ لَم يُخَضَّدِ

كَريمٌ يُرَوّي نَفسَهُ في حَياتِهِ

سَتَعلَمُ إِن مُتنا غَداً أَيُّنا الصَدي

أَرى قَبرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بِمالِهِ

كَقَبرِ غَويٍّ في البَطالَةِ مُفسِدِ

تَرى جُثوَتَينِ مِن تُرابٍ عَلَيهِما

صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفيحٍ مُنَضَّدِ

أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ وَيَصطَفي

عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ

أَرى العَيشَ كَنزاً ناقِصاً كُلَّ لَيلَةٍ

وَما تَنقُصِ الأَيّامُ وَالدَهرُ يَنفَدِ

لَعَمرُكَ إِنَّ المَوتَ ما أَخطَأَ الفَتى

لَكَالطِوَلِ المُرخى وَثِنياهُ بِاليَدِ

فَما لي أَراني وَاِبنَ عَمِّيَ مالِكاً

مَتى أَدنُ مِنهُ يَنأَ عَنّي وَيَبعُدِ

يَلومُ وَما أَدري عَلامَ يَلومُني

كَما لامَني في الحَيِّ قُرطُ بنُ مَعبَدِ

وَأَيأَسَني مِن كُلِّ خَيرٍ طَلَبتُهُ

كَأَنّا وَضَعناهُ إِلى رَمسِ مُلحَدِ

عَلى غَيرِ ذَنبٍ قُلتُهُ غَيرَ أَنَّني

نَشَدتُ فَلَم أُغفِل حَمولَةَ مَعبَدِ

وَقَرَّبتُ بِالقُربى وَجَدِّكَ إِنَّني

مَتى يَكُ أَمرٌ لِلنَكيثَةِ أَشهَدِ

وَإِن أُدعَ لِلجُلّى أَكُن مِن حُماتِها

وَإِن يَأتِكَ الأَعداءُ بِالجَهدِ أَجهَدِ

وَإِن يَقذِفوا بِالقَذعِ عِرضَكَ أَسقِهِم

بِكَأسِ حِياضِ المَوتِ قَبلَ التَهَدُّدِ

بِلا حَدَثٍ أَحدَثتُهُ وَكَمُحدِثٍ

هِجائي وَقَذفي بِالشَكاةِ وَمُطرَدي

فَلَو كانَ مَولايَ اِمرَأً هُوَ غَيرَهُ

لَفَرَّجَ كَربي أَو لَأَنظَرَني غَدي

وَلَكِنَّ مَولايَ اِمرُؤٌ هُوَ خانِقي

عَلى الشُكرِ وَالتَسآلِ أَو أَنا مُفتَدِ

وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً

عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

فَذَرني وَخُلقي إِنَّني لَكَ شاكِرٌ

وَلَو حَلَّ بَيتي نائِياً عِندَ ضَرغَدِ

فَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خالِدٍ

وَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ عَمروَ بنَ مَرثَدِ

فَأَصبَحتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وَزارَني

بَنونَ كِرامٌ سادَةٌ لِمُسَوَّدِ

أَنا الرَجُلُ الضَربُ الَّذي تَعرِفونَهُ

خَشاشٌ كَرَأسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ

فَآلَيتُ لا يَنفَكُّ كَشحي بِطانَةً

لِعَضبٍ رَقيقِ الشَفرَتَينِ مُهَنَّدِ

حُسامٍ إِذا ما قُمتُ مُنتَصِراً بِهِ

كَفى العَودَ مِنهُ البَدءُ لَيسَ بِمِعضَدِ

أَخي ثِقَةٍ لا يَنثَني عَن ضَريبَةٍ

إِذا قيلَ مَهلاً قالَ حاجِزُهُ قَدّي

إِذا اِبتَدَرَ القَومُ السِلاحَ وَجَدتَني

مَنيعاً إِذا بَلَّت بِقائِمِهِ يَدي

وَبَركٍ هُجودٍ قَد أَثارَت مَخافَتي

بَوادِيَها أَمشي بِعَضبٍ مُجَرَّدِ

فَمَرَّت كَهاةٌ ذاتُ خَيفٍ جُلالَةٌ

عَقيلَةُ شَيخٍ كَالوَبيلِ يَلَندَدِ

يَقولُ وَقَد تَرَّ الوَظيفُ وَساقُها

أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيتَ بِمُؤيِدِ

وَقالَ أَلا ماذا تَرَونَ بِشارِبٍ

شَديدٍ عَلَينا بَغيُهُ مُتَعَمِّدِ

وَقالَ ذَروهُ إِنَّما نَفعُها لَهُ

وَإِلّا تَكُفّوا قاصِيَ البَركِ يَزدَدِ

فَظَلَّ الإِماءُ يَمتَلِلنَ حُوارَها

وَيُسعى عَلَينا بِالسَديفِ المُسَرهَدِ

فَإِن مُتُّ فَاِنعيني بِما أَنا أَهلُهُ

وَشُقّي عَلَيَّ الجَيبَ يا اِبنَةَ مَعبَدِ

وَلا تَجعَليني كَاِمرِئٍ لَيسَ هَمُّهُ

كَهَمّي وَلا يُغني غَنائي وَمَشهَدي

بَطيءٍ عَنِ الجُلّى سَريعٍ إِلى الخَنى

ذَلولٍ بِأَجماعِ الرِجالِ مُلَهَّدِ

فَلَو كُنتُ وَغلاً في الرِجالِ لَضَرَّني

عَداوَةُ ذي الأَصحابِ وَالمُتَوَحِّدِ

وَلَكِن نَفى عَنّي الرِجالَ جَراءَتي

عَلَيهِم وَإِقدامي وَصِدقي وَمَحتِدي

لَعَمرُكَ ما أَمري عَلَيَّ بِغُمَّةٍ

نَهاري وَلا لَيلي عَلَيَّ بِسَرمَدِ

وَيَومٍ حَبَستُ النَفسَ عِندَ عِراكِهِ

حِفاظاً عَلى عَوراتِهِ وَالتَهَدُّدِ

عَلى مَوطِنٍ يَخشى الفَتى عِندَهُ الرَدى

مَتى تَعتَرِك فيهِ الفَرائِصُ تُرعَدِ

وَأَصفَرَ مَضبوحٍ نَظَرتُ حِوارَهُ

عَلى النارِ وَاِستَودَعتُهُ كَفَّ مُجمِدِ

سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً

وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ

وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ

بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وَقتَ مَوعِدِ

زهير بن أبي سُلمى (ت 609م):

أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ

بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ

دَارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا

مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ

بِهَا العِيْنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفَـةً

وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ

وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً

فَـلأيَاً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّـمِ

أَثَـافِيَ سُفْعاً فِي مُعَرَّسِ مِرْجَـلِ

وَنُـؤْياً كَجِذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّـمِ

فَلَـمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَـا

أَلاَ أَنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَـمِ

تَبَصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِـنٍ

تَحَمَّلْـنَ بِالْعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُـمِ

جَعَلْـنَ القَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وَحَزْنَـهُ

وَكَـمْ بِالقَنَانِ مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْـرِمِ

عَلَـوْنَ بِأَنْمَـاطٍ عِتَاقٍ وكِلَّـةٍ

وِرَادٍ حَوَاشِيْهَـا مُشَاكِهَةُ الـدَّمِ

وَوَرَّكْنَ فِي السُّوبَانِ يَعْلُوْنَ مَتْنَـهُ

عَلَيْهِـنَّ دَلُّ النَّـاعِمِ المُتَنَعِّــمِ

بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحْرَنَ بِسُحْـرَةٍ

فَهُـنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَـمِ

وَفِيْهـِنَّ مَلْهَـىً لِلَّطِيْفِ وَمَنْظَـرٌ

أَنِيْـقٌ لِعَيْـنِ النَّـاظِرِ المُتَوَسِّـمِ

كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ فِي كُلِّ مَنْـزِلٍ

نَـزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّـمِ

فَـلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقاً جِمَامُـهُ

وَضَعْـنَ عِصِيَّ الحَاضِرِ المُتَخَيِّـمِ

ظَهَرْنَ مِنْ السُّوْبَانِ ثُمَّ جَزَعْنَـهُ

عَلَى كُلِّ قَيْنِـيٍّ قَشِيْبٍ وَمُفْـأَمِ

فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذِّي طَافَ حَوْلَهُ

رِجَـالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُـمِ

يَمِينـاً لَنِعْمَ السَّـيِّدَانِ وُجِدْتُمَـا

عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْـرَمِ

تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا

تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ

وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعـاً

بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القَوْلِ نَسْلَـمِ

فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِـنٍ

بَعِيـدَيْنِ فِيْهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَـمِ

عَظِيمَيْـنِ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ هُدِيْتُمَـا

وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِنَ المَجْدِ يَعْظُـمِ

تُعَفِّـى الكُلُومُ بِالمِئينَ فَأَصْبَحَـتْ

يُنَجِّمُهَـا مَنْ لَيْسَ فِيْهَا بِمُجْـرِمِ

يُنَجِّمُهَـا قَـوْمٌ لِقَـوْمٍ غَرَامَـةً

وَلَـمْ يَهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَـمِ

فَأَصْبَحَ يَجْرِي فِيْهِمُ مِنْ تِلاَدِكُـمْ

مَغَـانِمُ شَتَّـى مِنْ إِفَـالٍ مُزَنَّـمِ

أَلاَ أَبْلِـغِ الأَحْلاَفَ عَنِّى رِسَالَـةً

وَذُبْيَـانَ هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْسَـمِ

فَـلاَ تَكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفُوسِكُـمْ

لِيَخْفَـى وَمَهْمَـا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَـمِ

يُؤَخَّـرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَـرْ

لِيَـوْمِ الحِسَـابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَـمِ

وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ

وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ

مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً

وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ

فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا

وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ

فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ

كَأَحْمَـرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِـمِ

فَتُغْـلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِـلُّ لأَهْلِهَـا

قُـرَىً بِالْعِـرَاقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَـمِ

لعَمْـرِي لَنِعْمَ الحَـيِّ جَرَّ عَلَيْهِـمُ

بِمَا لاَ يُؤَاتِيْهِم حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَـمِ

وَكَانَ طَوَى كَشْحاً عَلَى مُسْتَكِنَّـةٍ

فَـلاَ هُـوَ أَبْـدَاهَا وَلَمْ يَتَقَـدَّمِ

وَقَـالَ سَأَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِـي

عَـدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلْجَـمِ

فَشَـدَّ فَلَمْ يُفْـزِعْ بُيُـوتاً كَثِيـرَةً

لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَـمِ

لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِلاحِ مُقَـذَّفٍ

لَـهُ لِبَـدٌ أَظْفَـارُهُ لَـمْ تُقَلَّــمِ

جَـريءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقَبْ بِظُلْمِـهِ

سَرِيْعـاً وَإِلاَّ يُبْدِ بِالظُّلْـمِ يَظْلِـمِ

دَعَـوْا ظِمْئهُمْ حَتَى إِذَا تَمَّ أَوْرَدُوا

غِمَـاراً تَفَرَّى بِالسِّـلاحِ وَبِالـدَّمِ

فَقَضَّـوْا مَنَايَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَصْـدَرُوا

إِلَـى كَلَـأٍ مُسْتَـوْبَلٍ مُتَوَخِّـمِ

لَعَمْرُكَ مَا جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُـمْ

دَمَ ابْـنِ نَهِيْـكٍ أَوْ قَتِيْـلِ المُثَلَّـمِ

وَلاَ شَارَكَتْ فِي المَوْتِ فِي دَمِ نَوْفَلٍ

وَلاَ وَهَـبٍ مِنْهَـا وَلا ابْنِ المُخَـزَّمِ

فَكُـلاً أَرَاهُمْ أَصْبَحُـوا يَعْقِلُونَـهُ

صَحِيْحَـاتِ مَالٍ طَالِعَاتٍ بِمَخْـرِمِ

لِحَـيِّ حَلالٍ يَعْصِمُ النَّاسَ أَمْرَهُـمْ

إِذَا طَـرَقَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَـمِ

كِـرَامٍ فَلاَ ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَـهُ

وَلا الجَـارِمُ الجَانِي عَلَيْهِمْ بِمُسْلَـمِ

سَئِمْـتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِـشُ

ثَمَانِيـنَ حَـوْلاً لا أَبَا لَكَ يَسْـأَمِ

وأَعْلـَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَـهُ

وَلكِنَّنِـي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَـمِ

رأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ

تُمِـتْهُ وَمَنْ تُخْطِىء يُعَمَّـرْ فَيَهْـرَمِ

وَمَنْ لَمْ يُصَـانِعْ فِي أُمُـورٍ كَثِيـرَةٍ

يُضَـرَّسْ بِأَنْيَـابٍ وَيُوْطَأ بِمَنْسِـمِ

وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ

يَفِـرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْـمَ يُشْتَـمِ

وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْـلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِـهِ

عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْـنَ عَنْـهُ وَيُذْمَـمِ

وَمَنْ يُوْفِ لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُـهُ

إِلَـى مُطْمَئِـنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَـمِ

وَمَنْ هَابَ أَسْـبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَـهُ

وَإِنْ يَرْقَ أَسْـبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّـمِ

وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِـهِ

يَكُـنْ حَمْـدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْـدَمِ

وَمَنْ يَعْصِ أَطْـرَافَ الزُّجَاجِ فَإِنَّـهُ

يُطِيـعُ العَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْـذَمِ

وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِـهِ

يُهَـدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَـمِ

وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُواً صَدِيقَـهُ

وَمَنْ لَم يُكَـرِّمْ نَفْسَـهُ لَم يُكَـرَّمِ

وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيقَـةٍ

وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَـمِ

وَكَاءٍ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِـبٍ

زِيَـادَتُهُ أَو نَقْصُـهُ فِـي التَّكَلُّـمِ

لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُـؤَادُهُ

فَلَمْ يَبْـقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالـدَّمِ

وَإَنَّ سَفَاهَ الشَّـيْخِ لا حِلْمَ بَعْـدَهُ

وَإِنَّ الفَتَـى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُـمِ

سَألْنَـا فَأَعْطَيْتُـمْ وَعُداً فَعُدْتُـمُ

وَمَنْ أَكْـثَرَ التّسْآلَ يَوْماً سَيُحْـرَمِ

قيس بن الملوح (68ه):

شَكَوتُ إِلى سِربِ القَطا إِذ مَرَرنَ بي

فَقُلتُ وَمِثلي بِالبُكاءِ جَديرُ

أَسِربَ القَطا هَل مِن مُعيرٍ جَناحَهُ

لَعَلّي إِلى مَن قَد هَوَيتُ أَطيرُ

فَجاوَبنَني مِن فَوقِ غُصنِ أَراكَةٍ

أَلا كُلُّنا يا مُستَعيرُ مُعيرُ

وَأَيُّ قَطاةٍ لَم تُعِركَ جَناحَها

فَعاشَت بِضُرٍّ وَالجَناحُ كَسيرُ

وَإِلّا فَمَن هَذا يُؤَدّي رِسالَةً

فَأَشكُرَهُ إِنَّ المُحِبَّ شَكورُ

إِلى اللَهِ أَشكو صَبوَتي بَعدَ كُربَتي

وَنيرانُ شَوقي ما بِهِنَّ فُتورُ

فَإِنّي لَقاسي القَلبِ إِن كُنتَ صابِراً

غَداةَ غَدٍ فيمَن يَسيرُ تَسيرُ

فَإِن لَم أَمُت غَمّاً وَهَمّاً وَكُربَةً

يُعاوِدُني بَعدَ الزَفيرِ زَفيرُ

إِذا جَلَسوا في مَجلِسٍ نَدَروا دَمي

فَكَيفَ تُراها عِندَ ذاكَ تُجيرُ

وَدونَ دَمي هَزُّ الرِماحِ كَأَنَّها

تَوَقَّدُ جَمرٍ ثاقِبٍ وَسَعيرُ

وَزُرقُ مَقيلِ المَوتِ تَحتَ ظُباتِها

وَنَبلٌ وَسُمرٌ ما لَهُنَّ مُجيرُ

إِذا غُمِزَت أَصلابُهُنَّ تَرَنَّمَت

مُعَطَّفَةٌ لَيسَت بِهِنَّ كُسورُ

قَطَعنَ الحَصى وَالرَملَ حَتّى تَفَلَّقَت

قَلائِدُ في أَعناقِها وَضُفورُ

وَقالَت أَخافُ المَوتَ إِن يَشحَطِ النَوى

فَيا كَبِداً مِن خَوفِ ذاكَ تَغورُ

سَلوا أُمَّ عَمروٍ هَل يُنَوَّلُ عاشِقٌ

أَخو سَقَمٍ أَم هَل يُفَكُّ أَسيرُ

أَلا قُل لِلَيلى هَل تُراها مُجيرَتي

فَإِنّي لَها فيما لَدَيَّ مُجيرُ

أَظَلُّ بِحُزنٍ إِن تَغَنَّت حَمامَةٌ

مِنَ الوُرقِ مِطرابُ العَشِيِّ بَكورُ

بَكَت حينَ دَرَّ الشَوقُ لي وَتَرَنَّمَت

فَلا صَحَلٌ تُربي بِهِ وَصَفيرُ

لَها رُفقَةٌ يُسعِدنَها فَكَأَنَّما

تَعاطَينَ كَأساً بَينَهُنَّ تَدورُ

بِجِزعٍ مِنَ الوادي فَضاءٍ مَسيلُهُ

وَأَعلاهُ أَثلٌ ناعِمٌ وَسَديرُ

بِهِ بَقَرٌ لا يَبرَحُ الدَهرَ ساكِناً

وَآخَرُ وَحشِيُّ السِخالِ يَثورُ

 

أبو فراس الحمداني ( ):

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ

أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟

بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ

ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ!

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى

وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ

تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي

إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ

معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ

إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!

حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا

و أحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ

و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ

لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ

بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً

هوايَ لها ذنبٌ، وبهجتها عذرُ

تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي

لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَةٍ، وَقرُ

بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني

أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلها، قفرُ

وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ

وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ

فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ

فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ

وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ

لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ

وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها

فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ

تسائلني: " منْ أنتَ ؟ "، وهي عليمة ٌ

وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟

فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى:

قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ

فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي

وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!

فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!

فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ

وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ

إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ

وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ

إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ

فأيقنتُ أنْ لا عزَّ، بعدي، لعاشقٍ؛

وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ

وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً

إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ

فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها

لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ

كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً

على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ

تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما

تنادي طلا ـ، بالوادِ، أعجزهُ الحضرُ

فلا تنكريني، يابنة َ العمِّ، إنهُ

ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ

ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ

إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ

وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ

معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ

و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ

كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ

فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا

وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ

وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ

وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ

وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ

طلعتُ عليها بالردى، أنا والفجرُ

و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ

هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ

وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا

فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ، ولا وعرُ

وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ

و رحتُ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ

و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى

ولا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر

و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ؟

إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ

أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى

ولا فرسي مهرٌ، ولا ربهُ غمرُ !

ولكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ

فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ!

وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى؟"

فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ

وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني

وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ

يقولونَ لي: "بعتَ السلامة َ بالردى"

فَقُلْتُ: "أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ"

وهلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً

إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟

هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه

فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ

ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ

كما ردها، يوماً بسوءتهِ "عمرو"

يمنونَ أنْ خلوا ثيابي وإنما

عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ

و قائم سيفي، فيهمُ، اندقَّ نصلهُ

وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ

سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ

"وفي الليلة ِ الظلماءِ يفتقدُ البدرُ"

فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه

و تلكَ القنا، والبيضُ والضمرُ الشقرُ

وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ

وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ

ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ

وما كانَ يغلو التبرُ، لو نفقَ الصفرُ

وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا

لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا

و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ

أعزُّ بني الدنيا، وأعلى ذوي العلا

وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ

 

محمود سامي البارودي (ت1904م):

سِوَايَ بِتَحْنَانِ الأَغَارِيدِ يَطْرَبُ

وَغَيْرِيَ بِاللَّذَّاتِ يَلْهُو وَيُعْجَبُ

وَما أَنَا مِمَّنْ تَأْسِرُ الْخَمْرُ لُبَّهُ

وَيَمْلِكُ سَمْعَيْهِ الْيَرَاعُ الْمُثَقَّبُ

وَلَكِنْ أَخُو هَمٍّ إِذا ما تَرَجَّحَتْ

بِهِ سَوْرَةٌ نحَوْ َالْعُلاَ رَاحَ يَدْأَبُ

نَفَى النَّوْمَ عَنْ عَيْنَيْه نَفْسٌ أَبِيَّةٌ

لَها بينَ أَطْرافِ الأَسِنَّة مَطْلَبُ

بَعِيدُ مَناطِ الْهَمِّ فَالغَرْبُ مَشْرِقٌ

إِذَا مَا رَمَى عَيْنَيْهِ والشَّرْقُ مَغْرِبُ

لَهُ غُدُواتٌ يَتْبَعُ الْوَحْشُ ظِلَّها

وَتَغْدُو عَلى آثارِها الطَّيْرُ تَنْعَبُ

هَمَامَةُ نَفْسٍ أَصْغَرَتْ كُلَّ مَأْرَبٍ

فَكَلَّفَتِ الأَيَّامَ ما لَيْسَ يُوهَبُ

وَمَنْ تَكُنِ العَلْياءُ هِمَّةَ نَفْسِهِ

فَكُلُّ الَّذِي يَلْقَاهُ فيها مُحَبَّبُ

إِذا أَنا لَم أُعْطِ الْمَكارِمَ حَقَّها

فَلا عَزَّنِي خالٌ وَلا ضَمَّنِي أَبُ

وَلا حَمَلَتْ دِرْعِي كُمَيْتٌ طِمِرَّةٌ

وَلا دارَ في كَفِّي سِنانٌ مُذَرَّبُ

خُلِقْتُ عَيُوفاً لا أَرَى لابْنِ حُرَّةٍ

لَدَيَّ يَداً أُغْضِي لَها حِينَ يَغْضَبُ

فَلَسْتُ لأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقّعَاً

وَلَسْتُ عَلى شَيءٍ مَضَى أَتَعَتَّبُ

أَسِيرُ عَلَى نَهْجٍ يَرَى النَّاسُ غَيْرَهُ

لِكُلِّ امْرِئٍ في ما يُحاوِلُ مَذْهَبُ

وَإِنِّي إِذا ما الشَكُّ أَظْلَمَ لَيْلُهُ

وَأَمْسَتْ بِهِ الأَحْلامُ حَيْرَى تَشَعَّبُ

صَدَعْتُ حِفافَيْ طُرَّتَيْهِ بِكَوكَبٍ

مِنَ الرَّأْي لا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمُغيَّبُ

وَبَحْرٍ مِنَ الْهَيجَاءِ خُضْتُ عُبابَهُ

وَلا عاصِمٌ إِلَّا الصَّفِيحُ المُشَطَّبُ

تَظَلُّ بِهِ حُمْرُ المَنَايا وَسُودُها

حَواسِرَ في أَلْوَانِهَا تَتَقَلَّبُ

تَوَسَّطْتُهُ وَالْخَيْلُ بِالْخَيْلِ تَلْتَقِي

وَبِيضُ الظُّبَا في الْهَامِ تَبْدُو وَتَغْرُبُ

فَما زِلْتُ حتَّى بَيَّنَ الْكَرُّ مَوْقِفِي

لَدَى ساعَةٍ فيها الْعُقُولُ تَغَيَّبُ

لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى أَتَى الليلُ وَالْتَقَى

عَلَى غَيْهَبٍ مِنْ ساطِعِ النَّقْعِ غَيْهَبُ

كَذَلِكَ دَأْبِي في الْمِراسِ وَإِنَّنِي

لأَمْرَحُ في غَيِّ التَّصابِي وأَلْعَبُ

وفِتْيَان لَهْوٍ قَدْ دَعَوْتُ ولِلْكَرَى

خِباءٌ بِأَهْدَابِ الْجُفُونِ مُطَنَّبُ

إِلَى مَرْبَعٍ يَجْرِي النَّسِيمُ خِلالَهُ

بِنَشْرِ الْخُزَامَى والنَّدَى يَتَصَبَّبُ

فَلَمْ يَمْضِ أَنْ جاءُوا مُلَبِّينَ دَعْوَتِي

سِراعاً كَما وَافَى عَلَى الْماءِ رَبْرَبُ

بِخَيْلٍ كَآرَامِ الصَّرِيمِ وَرَاءَها

ضَوارِي سَلُوقٍ عاطِلٌ وَمُلَبَّبُ

مِنَ اللاءِ لا يَأْكُلْنَ زاداً سِوَى الَّذِي

يُضَرِّسْنَهُ وَالصَّيْدُ أَشْهَى وَأَعْذَبُ

تَرَى كُلَّ مُحْمَرِّ الْحَمالِيقِ فاغِرٍ

إِلَى الْوَحْشِ لا يَأْلُو وَلا يَتَنَصَّبُ

يَكَادُ يَفُوتُ الْبَرقَ شَدَّاً إِذَا انْبَرَتْ

لَهُ بِنْتُ ماءٍ أَوْ تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ

فَمِلْنا إِلَى وادٍ كَأَنَّ تِلاعَهُ

مِنَ الْعَصْبِ مَوْشِيُّ الْحَبائِكِ مُذْهَبُ

تُرَاحُ بِهِ الآمَالُ بَعْدَ كَلالِها

وَيَصْبُو إِلَيْهِ ذُو الْحِجَا وَهْوَ أَشْيَبُ

فَبَيْنَا نَرُودُ الأَرْضَ بِالْعَيْنِ إِذْ رَأَى

رَبِيئَتُنَا سِرْباً فَقَالَ أَلا ارْكَبُوا

فَقُمْنَا إِلَى خَيْلٍ كَأَنَّ مُتُونَها

مِنَ الضُّمْرِ خُوطُ الضَّيْمَرَانِ الْمُشَذَّبُ

فَلَمَّا انْتَهَيْنا حَيْثُ أَخْبَرَ أُطْلِقَتْ

بُزَاةٌ وَجَالَتْ في المَقَاوِدِ أَكْلُبُ

فَما كَانَ إِلَّا لَفْتَةُ ُالْجِيدِ أَنْ غَلَتْ

قُدُورٌ وَفارَ اللَّحْمُ وَانْفَضَّ مَأْرَبُ

وَقُلْنَا لِساقِينَا أَدِرْها فَإِنَّما

قُصَارَى بَنِي الأَيّامِ أَنْ يَتَشَعَّبُوا

فَقامَ إِلَى رَاقُودِ خَمْرٍ كَأَنَّهُ

إِذَا اسْتَقْبَلَتْهُ الْعَيْنُ أَسْوَدُ مُغْضَبُ

يَمُجُّ سُلافاً في إناءٍ كَأَنَّهُ

إِذَا ما اسْتَقَلَّتْهُ الأَنَامِلُ كَوْكَبُ

فَلَمْ نَأْلُ أَنْ دَارَتْ بِنَا الأَرْضُ دَوْرَةً

وَحَتَّى رَأَيْنَا الأُفْقَ يَنْأَى وَيَقْرُبُ

إِلَى أَنْ تَوَلَّى الْيَومُ إِلَّا أَقَلَّهُ

وَقَدْ كادَتِ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ تَغْرُبُ

فَرُحْنَا نَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً لِمنزلٍ

بِهِ لأَخِ اللَّذَّاتِ واللَّهْو مَلْعَبُ

مَسارِحُ سِكِّيرٍ وَمَرْبِضُ فاتِكٍ

وَمُخْدَعُ أَكْوابٍ بِهِ الخَمْرُ تُسْكَبُ

فَلَمَّا رآنا صاحبُ الدّارِ أَشْرَقَتْ

أَسارِيرُهُ زَهْواً وَجاءَ يُرَحِّبُ

وقَالَ انْزِلُوا يا بَارَكَ اللهُ فيكُمُ

فَعِنْدِي لَكُمْ ما تَشْتَهُونَ وَأَطْيَبُ

وَرَاحَ إِلَى دَنٍّ تَكَامَلَ سِنُّهُ

وَشَيَّبَ فَوْدَيْهِ مِنَ الدَّهْرِ أَحْقُبُ

فَما زالَ حتَّى اسْتَلَّ مِنْهُ سَبِيكَةً

مِنَ الخمرِ تَطْفُو في الإِنَاءِ وتَرْسُبُ

يَحُومُ علَيهَا الطَّيْرُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ

وَيَسْرِي عَلَيْهَا الطّارِقُ الْمُتَأَوِّبُ

فَيا حُسْنَ ذاكَ اليومِ لَوْ كانَ باقياً

ويا طِيبَ هَذا الليلِ لَوْ دامَ طَيِّبُ

يَوَدُّ الْفَتَى ما لا يَكُونُ طَمَاعَةً

وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الدَّهْرَ بِالنَّاسِ قُلَّبُ

وَلَوْ عَلِمَ الإنْسَانُ ما فِيهِ نَفْعُهُ

لأَبْصَرَ ما يَأْتِي وَمَا يَتَجَنَّبُ

وَلَكِنَّها الأَقْدَارُ تَجْرِي بِحُكْمِها

عَلَيْنَا وَأَمْرُ الْغَيْبِ سِرٌّ مُحَجَّبُ

نَظُنُّ بِأَنَّا قادِرُونَ وَأَنَّنا

نُقادُ كَمَا قِيدَ الْجَنِيبُ وَنُصْحَبُ

فَرَحْمَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى امْرِئٍ

أَصَابَ هُداهُ أَو دَرَى كَيْفَ يَذْهَبُ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق