الجمعة، 13 نوفمبر 2020

قصائد على بحر المتدارَك

 

الحُصْري القيرواني (ت 488هـ):

يا ليلُ الصبُّ متى غدُه

أقيامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ

رقدَ السُّمَّارُ فأَرَّقه

أسفٌ للبيْنِ يردِّدهُ

فبكاهُ النجمُ ورقَّ له

ممّا يرعاه ويرْصُدهُ

كلِفٌ بغزالٍ ذِي هَيَفٍ

خوفُ الواشين يشرّدهُ

نصَبتْ عينايَ له شرَكاً

في النّومِ فعزَّ تصيُّدهُ

وكفى عجباً أَنِّي قنصٌ

للسِّرب سبانِي أغْيَدهُ

صنمٌ للفتنةٍ منتصبٌ

أهواهُ ولا أتعبَّدُهُ

صاحٍ والخمرُ جَنَى فمِهِ

سكرانُ اللحظ مُعرْبدُهُ

ينضُو مِنْ مُقْلتِه سيْفاً

وكأَنَّ نُعاساً يُغْمدُهُ

فيُريقُ دمَ العشّاقِ به

والويلُ لمن يتقلّدهُ

كلّا لا ذنْبَ لمن قَتَلَتْ

عيناه ولم تَقتُلْ يدهُ

يا من جَحَدتْ عيناه دمِي

وعلى خدَّيْه توَرُّدهُ

خدّاكَ قد اِعْتَرَفا بدمِي

فعلامَ جفونُك تجْحَدهُ

إنّي لأُعيذُكَ من قَتْلِي

وأظُنُّك لا تَتَعمَّدهُ

باللّه هَبِ المشتاق كَرَى

فلعَلَّ خيالَكَ يِسْعِدهُ

ما ضَرَّك لو داوَيْتَ ضَنَى

صَبٍّ يُدْنيكَ وتُبْعِدهُ

لم يُبْقِ هواك له رَمَقا

فلْيَبْكِ عليه عُوَّدُهُ

وغداً يَقْضِي أو بَعْدَ غَدٍ

هل مِنْ نَظَرٍ يتَزَوَّدهُ

يا أهْلَ الشوقِ لنا شَرَقٌ

بالدّمعِ يَفيضُ مَوْرِدُهُ

يهْوى المُشْتاقُ لقاءَكُمُ

وظروفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدهُ

ما أحلى الوَصْلَ وأَعْذَبهُ

لولا الأيّامُ تُنَكِّدهُ

بالبَينِ وبالهجرانِ فيا

لِفُؤَادِي كيف تَجَلُّدهُ؟

 

أبو حامد الغزالي (ت505ه):

الشدة أودت بالمهج

يا رب فعجل بالفرج

والأنفس أمست في حرج

وبيدك تفريج الحرج

هاجت لدعاك خواطرنا

والويل لها إن لم تهج

يا من عودت اللطف أعد

عاداتك باللطف البهج

أغلق ذا الضيق وشدته

وافتح ما سد من الفرج

عجنا لجنابك نقصده

والأنفس في أوج اللهج

وإلى أفضالك يا أملي

يا ضيعتنا أن لم نعج

من اللملهوف سواك يغث

أو للمضطر سواك نجي

وأساءتنا أن تقطعنا

عن بابك حتى لم نلج

فلكم عصا أخطأ ورجا

ك أبحث له ما منك نجي

يا سيدنا يا خالقنا

قد ضاق الحبل على الودج

وعبادك أضحوا في ألمٍ

ما بين مكيريب وشجي

والأحشاء صارت في حرق

والأعين غارت في لجج

والأعين صارت في لجج

غاصت في الموج مع المهج

والأزمة زادت شدتها

يا أزمة علك تنفرجي

جئناك بقلب منكسر

ولسان بالشكوى لهج

وبخوف الذلة في وجل

لكن برجاك ممتزج

فكم استشفى مزكوم الذنب

بنشر الرحمة والأرج

وبعينك ما نلقاه وما

فيه الأحوال من المرج

والفضل أعم ولكن قد

قلت ادعوني فلتبتهج

فبكل نبي نسأل يا

رب الأرباب وكل نجي

وبفضل الذكر وحكمته

وبما قد أوضح من نهج

وبسر الأحرف إذ وردت

وضياء النور المنبلج

وبسر أودع في بطد

وبما في واح مع زهج

وبسر الباء ونقطتها

من بسم اللضه لذي النهج

وبقاف القهر وقوتها

وبقهر القاهر المبهج

وببرد الماء واساغته

وعموم النفع مع الثلج

وبما طعمت من التطعيم

وما درجت من الدرج

يا قاهر يا ذا الشدة يا

ذا البطش أغث ذا الفرج

يا رب ظلمنا أنفسنا

ومصيبتنا ما حيث نجى

يا رب خلقنا من عجل

فذلك ندعو باللجج

يا رب وليس لنا جلد

إني والقلب على وهج

يا رب عبيدك قد وفدوا

يدعون بقلب منزعج

يا رب ضعاف ليس لهم

أحد يرجون لدى الهرج

يا رب فصاح الألسن قد

أضحوا في الشدة كالهمج

السابق منا صار إذا

يعدو يسبقه ذو العرج

والحكمة ربي بالغة

جلت عن حيف أو عوج

والأمر إليك تديره

فأغثنا باللطف البهج

أدرج في العفو أساءتنا

والخيبة إن لم تندرج

يا نفس وما لك من أحد

إلا مولاك له فعجى

وبه عوذي وبه فلذي

ولباب مكارمه فلجي

كي تنصلحي كي تنشرحي

كي تنبسطي كي تبتهجي

ويطيب مقامك من نفر

أضحوا في الحندس كالسرج

وفوا للَه بما عهدوا

من بيع الأنفس والمهج

فهم الهادي وصاحبته

ذو الرتبة والعطر الأرج

قوم سكنوا الجرعاء وهم

شرف الجرعاء ومنعرج

جاءوا للكون وظلمته

عمت وظلام الشرك دجى

ما زال النصر يحفهم

والظلمة تمحي بالبلج

حتى نصروا الإسلام فعا

د الدين عزيزاً في بهج

فَعَليهم صلى الرب على

مر الأيام معَ الحجج

وَعلى الصديق خليفته

وكذا الفاروق وكل نجي

وعلى عثمان شهيد الدار

وفي فرقي أعلى الدرج

وأبي الحسنين مع الأولاد

كذا الأزواج وكل شجي

ما مال المال وحال الحال

وسار الساري في الدمج

يا رب بهم وبآلهم

عجل بالنصر وبالفرج

واغفر يا رب لناظمها

وله رقى أعلى الدرج

واختم عملي بخواتمها

لأكون غداً في الحشر نجِ

وإذا بك ضاق الأمر فقل

الشدة أودت بالمهج

يا رب فعجل بالفرج

 

ابن حمديس (ت 527هـ):

صادَتْكَ مهاةٌ لم تُصَدِ

فلواحِظُها شَرَكُ الأُسُدِ

مَنْ تُوحي السحرَ بناظرةٍ

لا تُنْفَثُ منه في العُقَدِ

لمياءُ تَضَاحَكُ عن دُرَرٍ

وبروقِ حياً وحَصَى بَرَدِ

يَندى بِالمِسكِ لِراشِفِهِ

وسلافِ القَهوةِ والشهدِ

وَذَمَاءُ الليلِ على طَرْفٍ

كترحّلِ روحٍ عن جَسَدِ

ورضابُ الماءِ بفيكِ جَرَى

في جوهره عَرَضُ الصَّرَدِ

وكَأَنَّ كَليمَ اللَّه بَدا

منه في الأفْقِ بياضُ يَدِ

أَسَفي لِفِراقِ زَمانِ صبا

وركوبي قَيْدَ مَهَا الخُرُدِ

مِن كُلِّ مُطابَقَةٍ خُلُقي

بِوَفاءِ سُروريَ أَو كمدي

هيفاءُ يُعَجّزُهَا كَفَلٌ

فتقومُ وتقعدُ بالرُّفَدِ

لونُ الياقوتِ وقسوتُهُ

في الوجنةِ منها والكَبدِ

ولها في جيدِ مُرَوَّعَةٍ

حَلْيٌ صاغَتْهُ من الغَيَدِ

نَقَضَتْ وصلي بتتيُّعها

بالهجرِ ونَومي بِالسّهدِ

وأصابَ السودَ سهامُ البي

ضِ بِبَيْنِ البيض وبالنكَدِ

عَجَبي لإصابةِ مُرْسَلِهَا

منْ جَوْفِ ضلوعي في الخَلَدِ

يا نارَ نشاطي أين سنا

كِ وأين لظاكِ بمفتأدي

زَندي وَلَدتكَ وقَد عَقِمَتْ

عن حَملِ السِّقْطِ فَلَم تَلِدِ

أَحيَيتِ بِذِكري مَيْتَ صباً

أَبكيهِ مسايرةَ الأبَدِ

وطَلَبتِ الضدَّ لأوجِدَهُ

وجموحي في الصدِّ فَلَم أَجِدِ

ولوَ انَّ كَريماً تَفْقدُهُ

يُفْدى بالنفس إذنْ لَفُدي

أذهبتُ الحزن بمُذْهَبَةٍ

وبها ذَهّبْتُ لُجَيْنَ يدي

ولقد نادمْتُ ندامى الرّا

حِ بِمُطّرفي وبِمُتّلَدي

بمعتّقَةٍ قَدُمَتْ فأتَتْ

للشَّرْبِ بلذّاتٍ جُدُدِ

سُبِيَتْ بِسُيوفٍ من ذَهَبِ

مِن أَهلِ السبتِ أَوِ الأَحَدِ

وإذا ما عُدّ لها عُمُرٌ

مَلأتْ كَفَّيْكَ منَ العَدَدِ

يَطفو في الكاسِ لَها حَبَبٌ

كَصِغارِ مَساميرِ السّرَدِ

وإِذا ما غاصَ الماءُ بِها

في النّار تردّتْ بِالزبَدِ

ونَفَيتُ الهَمَّ بِبِنتِ الكَر

مِ وَنَقرِ العودِ فَلَم يَعدِ

ولَبِثتُ مُشَنَّفَةً أُذُني

بِتَرنُّم ذي النّغَم الغردِ

فالآن صددتُ كذي حَذَرٍ

عن وِرْدِ اللَّهوِ فلم أَرِدِ

وطردتُ منامَ الغيِّ عن ال

أجفان بإيقاظِ الرّشَدِ

ونَقَضتُ عُهودَ الشَّربِ فَلا

ودّ أُصفيه لأهلِ دَدِ

لا أَشرَبُ ما أَنا واصِفُهُ

فكأنّي بينهمُ قَعَدِي

وَنَقَلْتُ بعزمي من بَلَدٍ

قَدَمَ الإسْرَاءِ إِلى بَلَدِ

في بَطْنِ الفُلكِ مُصارَعَةً

زَمَني وعلى ظَهْرِ الأُجُدِ

ووجدتُ الدِّينَ له حسناً

سَنَداً فَلَجئتُ إلى السنَدِ

صَمَدَ اللاجونَ إلى مَلِكٍ

مَنصورٍ بالأحَدِ الصّمَدِ

كالشمسِ سناها مُقْتَرِبٌ

وذراها مِنكَ عَلى بُعُدِ

وَإِذا ما آنَسَ مِنهُ سَناً

مَنْ ضَلَّ بِجُنحِ اللَّيلِ هُدي

خُصَّتْ بِنَوالٍ شيمَتُهُ

عَجِلٍ وكلامٍ مُتّئِدِ

لا وَعْدَ له بالجود وَمَنْ

يبدأ بعطاءٍ لا يَعِدِ

وبِنِيّةِ شهمٍ مُنْتَصِرٍ

للَّه جميلِ المُعْتَقَدِ

فَيَصونُ العِرضَ بما بَذَلَتْ

لِلوَفدِ يَداهُ مِنَ الصّفدِ

وَيسدّ الثغرَ وسيرتُهُ

تَجري في المُلكِ على سَدَدِ

ويسلّ ظُبَاهُ بِكُلّ وغىً

ويسيلُ نداهُ بِكُلِّ يَدِ

وَتُريكَ اليَومَ بَصيرَتُهُ

ما يُخْفي عنك ضَميرُ غَدِ

ولهُ هممٌ تَبْني رُتَباً

خُصَّتْ بِعَلاءٍ مُنفَرِدِ

إِلهامَ الدينِ وَحامِيَهُ

قَوِّم بسُطاك ذَوي الأوَدِ

فُتّ السُّبَّاقَ بما كَحَلُوا

بغبارك عيناً في الأَمَدِ

والريحُ وراءَك عاثرةٌ

في الأيْنِ تُكَبّ وفي النُّجُدِ

نَصْرٌ أُيّدْتَ به ظَفَراً

والساعِدُ يُنْجَدُ بالعضُدِ

يا غيثَ المحلِ بلا كذبٍ

وشجاعَ الحربِ بلا فَنَدِ

لحظاتُ أناتِكَ جانِبُها

أرْسَى في غَيظِكِ من أُحُدِ

وَلِواؤُكَ تَقْدُمُ هَيْبَتُهُ

بعديدٍ يُلبِكُ في العَدَدِ

وَكَأنّ عدُوّكَ خافِقُهُ

بِجَناحِ فُؤادٍ مُرتَعِدِ

إن كنتُ قَصَرْتُ مُحَبَّرَةً

تَسهيمَ المُحكَمِ ذي الجُدَدِ

فَالعَذْبُ يَجِلّ بِقِلَّتِهِ

وعَلَيهِ عِمادُ المُعتَمدِ

وأُجاجُ الماءِ بِكَثرَتِهِ

لا رَيِّ بِهِ لِغَليلِ صَدِ

والشِّعر أَجَدتُ بِمَعرِفَتي

تَأنيسَ غَرائِبهِ الشُّرُدِ

لَو شِئتُ لَقُلتُ لِقافِيةٍ

في الوَزنِ تَخِبُّ إِلَيكَ خِدي

بِصَقيلِ اللَّفظِ مُنَقَّحِهِ

لا سَمعَ يَمرّ به بِصَدِ

لا زيفَ به فيريكَ قذىً

في عَيْنِ بَصيرةِ مُنتَقِدِ

لا يَسمَعُ فيهِ مُستَمِعٌ

زَفَراتُ أَسىً كَالمُفتَقِدِ

فصفيرُ البلبلِ مُطّرَحٌ

في الأيْكِ له صوتُ الصُّرَدِ

تَستَحسِنُ عَودَةَ مُنشِدِهِ

وتقولُ إذا ما زادَ زِدِ

فَبِغامُ الرِئمِ حلاوَتُهُ

وجزالتُه زَأرُ الأسدِ

وَبِذِلّةِ أهلِ السبت قَضَى

ويذلّ له أهْلُ الأحدِ

فَانصُرْ وافخَرْ وأدِرْ وأشِرْ

وَأَبِرْ وأَجِرْ وأَغِرْ وَسُدِ

ابن الأبار البلنسي ( 658هـ):

مَرْقُوم الخَدِّ مُوَرّدُه

يَكْسُونِي السُّقمَ مُجَرَّدُهُ

شَفّاف الدُّرِّ لَهُ جَسَدٌ

بِأبِي ما أَوْدَعَ مِجْسَدُهُ

فِي وَجْنَتِهِ منْ نِعْمَتِه

جَمْرٌ بِفُؤادِيَ مَوْقِدُهُ

وبِفيهِ شِفَاءُ ظَمَائِيَ لَوْ

يَدْنو لِذَمَائِيَ مَوْرِدُهُ

ويَدينُ بِصدْقِ اللهْجَةِ مَنْ

إِقْصادُ المُهْجَةِ مَقْصِدُهُ

أَسْتَنْجِزُ مَوْعِدَهُ فَيَرَى

خُلْفاً أن يُنْجَزَ مَوْعِدُهُ

وَأُقِيمُ العُذْرَ لِعُذَّلِه

في خَوْنِ العَهْدِ فيُقْعِدُهُ

كَمْ يَفرِدُني بِالذُّلّ هَوى

صَلِفٍ بِالدَّلِّ تَفَرُّدُهُ

يَجْفُو المَعْمُودَ فَيُعدِمُه

وَيَهُشُّ إلَيْهِ فَيُوجِدُهُ

لَمْ يَرْضَ سِوى قَلْبي وَطَناً

لَكِنْ بِالهَدّ يُهَدّدُهُ

ما سلّ حُسَاماً نَاظِرُهُ

إلا وَهُنَالِكَ يُغمدُهُ

وَلهُ في النّحْرِ لِنَاهِدِهِ

رُمْحٌ لِلنَّحْرِ يُسَدّدُهُ

نَظَرَتْ عَينَايَ لَهُ خَطَأ

فَأبى الأنْظَارَ تَعَمُّدُهُ

ريمٌ يَرْمي عَنْ أكْحَلِهِ

زُرقاً تُصْمِي مَنْ يَصْمِدُهُ

مُتَدانِي الخُطْوَةِ مِنْ تَرَفٍ

أَتُرَى الأَحجالُ تُقَيِّدُهُ

يُدْمِيهِ الوَشْيُ بِآيَة ما

يُنضِيهِ الحَلْيُ ويُجْهِدُهُ

وَلاهُ الحُسْنُ وأمّرَهُ

وأتَاهُ السّحْرُ يُؤَيّدُهُ

بِغُروب الجَوْنَةِ مَطلَعُهُ

وَوَفاة السّلْوَةِ مَوْلِدُهُ

قَمَرَ الأقْمَار سَنَاهُ كَما

أَوْدَى بِالغُصْنِ تَأوُّدُهُ

أَصْدى لِلوَصْلِ وَأَحفَدُه

فيَصُدّ كَأنّيَ أحْقِدُهُ

والبُغْضُ يُنَوّلُنِي صَفَداً

وأنَا في الحُبِّ مُصَفَّدُهُ

هَلا أَوْلى مِنْ قَسْوَتِهِ

بَدَلاً بِالْعَطفِ يُؤَكِّدُهُ

وتَقَبَّل مِن يَحْيَى شِيَمَاً

تَلْقَى المنجودَ فتُنْجِدُهُ

مَلِكٌ لَمْ تَألُ إيَالَتُهُ

نَظَراً لِلْمُلكِ يُمَهّدُهُ

بِالطَّوْلِ يُسَألُ مُهَنَّؤُهُ

والصوْل يُسَلُّ مُهَنَّدُهُ

مَصْرَعُهَا

والدّهْرُ يَهُون تَمَرُّدُهُ

وَأَعَادَ الدُّنْيَا لِنَضْرَتِها

وَعَتيد النّصر مُعَوّدُهُ

بَادٍ للّهِ تَوَاضُعُه

وَمُلوكِ العالَمِ أَعْبُدُهُ

في مَهْبط رُوحِ القُدسِ يُرى

وَفُوَيْق الأنْجُمِ مَصْعَدُهُ

مَنْ أوْسَعَ سُدّتَه خَدَماً

حَكَمتْ أنْ يُخدم سُؤْدَدُهُ

قامَت بِالحَقّ خِلافَتُهُ

يَتَقَلَّدُهُ وَيُقَلِّدُهُ

وَأتَى والدّين إلى تَلَفٍ

فَتَلافَى الدّينَ يُجَدّدُهُ

مَا أوْفَدَهُ العُدْوانُ غَدَا

يُطْفيهِ العَدْلُ ويُخْمِدُهُ

وَكَأنَّ عِدَاهُ وَصَارمَه

لَيْلٌ والصُّبْحُ يُبَدّدُهُ

قُبِضَتْ أيْدي الكُفّار بهِ

لَمّا بُسِطَتْ فيهِمْ يَدُهُ

عَلَمٌ لِلْهَدْيِ بِرَاحَتِهِ

عَلَمٌ يَحْمِيهِ ويَعْضُدُهُ

فَقَصيرُ البيضِ مُفَلّلُهُ

وطَويلُ السمْر مُقصّدُهُ

صَيْدٌ لِجَوانِحِ أنْصُلِهِ

يَعْسُوبُ الجَيْش وأصْيَدُهُ

وَلَدَيْهِ إِذا اغْبَرّت سَنَةٌ

مُخْضَرُّ العَيْشِ وَأَرْغَدُهُ

مِنْ عُرْف عَوارِفه أبَداً

أَنْ يَرْفِدَ مَنْ يَستَرفِدُهُ

سردَ التقريظَ لِسيرَتِه

صَومٌ لا يَفْتَأ يَسْرُدُهُ

يَوْمَاهُ يَعُمّهُما زُلَفاً

لِيُخَصّصَ بالزُّلفَى غَدُهُ

نَحْوَ الحُسْنَى مُتَشَوّفُه

وَمِن التّقْوى مُتزَوّدُهُ

شَيْحَانُ القَلْبِ مشيّعُه

يَقْظانُ الطّرف مُسَهَّدُهُ

يُحْيي بالوَحي الليلَ إذا

هَجَعَ الساهِي يَتَوَسّدُهُ

ويُميتُ النُّكْرَ وَحُقّ له

بالعُرْفِ يَهُبُّ فَيَلْحَدُهُ

أرْضَى أَعْمالِيَ عَاقِبَةً

إِذ أمْدَحُهُ أو أحْمَدُهُ

وَمَنِ الوافِي بِمَحامِدِه

لَكِنْ مَجْهودِيَ أنْفدُهُ

مازالَ يُزَلُّ الحِلْمُ إِلَى

مُعتاد الجَهل وَيَرْصُدُهُ

وَالعِلْمَ تَخَيّر مُستَبقاً

لِمَدَى خَيْرٍ يَتَزَيّدُهُ

فَخَمائِلُه مُتَنزَّهُهُ

وجَدَاوِلُهُ مُتَوَرَّدُهُ

قَد عادَ أخَصّ بِطانَتِهِ

فَيَغيبُ سِوَاه وَيَشْهَدُهُ

آخَاهُ فَأَحْمدَ عُهْدَتَهُ

وتَوخّاه يَتَعَهّدُهُ

حَتّى حَسَدَتْه خَصَائِصُه

والأنْفَسُ يَكْثُر حُسَّدُهُ

هُو هادي الخلقِ ومُرْشِدُهم

مِمّا يَهْديهِ ويُرْشِدُهُ

لَوْلاهُ لأخْوَى كَوكَبُه

حَقاً ولأَقْوى مَعْهَدُهُ

فَمَآل الأمْر إليْهِ غَدَا

فَيُنفِّقُهُ ويُكَسِّدُهُ

لا حُرْفَةَ للآدابِ وقَدْ

أَلْوَتْ بالأنحُسِ أسْعُدُهُ

أبْدَتْ زَهْواً بِمَحاسِنِه

يُفْنِي العَصْرَ مُؤَبّدُهُ

يَختالُ النّثْرُ يُحَبِّرُهُ

وَيَتِيه النّظْمُ يُجَوِّدُهُ

لِرَوّيتِهِ وَبَديهَتِه

مَا نُنْشِئُهُ أوْ نُنْشِدُهُ

وَرَسَائِلُه وقَصَائِدُه

ما نَعْرِضُه إذْ نَقْصدُهُ

كالنَّثرَةِ والشِّعرَى كَلِمٌ

تَسْري في العَالَم شُرّدُهُ

يَحْلو في الأنْفُسِ مَسْمَعُه

كالطّيْرِ يَشُوقُ تَغَرُّدُهُ

ما الزّهْرُ يَرفُّ مُفُوّفُه

ما الدُّرُّ يَشِفُّ مُنَضَّدُهُ

سَلَبَ الأعْرَابَ فَصَاحَتَها

في ماضي زَهْرَةَ مَوْلِدُهُ

شَبَهُ المَنْطوق بهِ لَهُمُ

ولهُ من ذلكَ عَسْجَدُهُ

لا ضَيْرَ بِهِمْ وتَمَضُّره

يُنمَى صُعُداً وتَمَعْددُهُ

صَلواتُ اللّهِ علَى فِئَة

فيها يَتَبَحْبَحُ مَحْتِدُهُ

عَدَوِيُّ البَيت مُطَنِّبُه

فَوْقَ الأمْلاكِ مُمَدّدُهُ

وَرِثَ العُمْرَيْنِ سَنَاءَهُما

يَعْتَدُّ بهِ وَيُعَدّدُهُ

عَنْ عبدِ الواحِدِ أحْرَزهُ

فَذُّ التوحيد وَأَوْحَدُهُ

وَوَلِيُّ العَهْدِ بذاكَ أبو

يَحْياهُ حَرَى ومُحَمّدُهُ

شَرَفٌ يُرْوَى في بَيْتِهِمُ

لِلْبَدْء الأوْل مُسْنَدُهُ

فَإذا فَلَقُ الإصْباح بَدا

مَنْ يُنْكِره أَو يَجْحَدُهُ

لا زال النّصْر تَوَدُّدُهُ

لِبُنُودهم وَتَرَدُّدُهُ

أحمد شوقي (ت 1932م):

النيلُ العَذبُ هُوَ الكَوثَر

وَالجَنَّةُ شاطِئُهُ الأَخضَر

رَيّانُ الصَفحَةِ وَالمَنظَر

ما أَبهى الخُلدَ وَما أَنضَر

البَحرُ الفَيّاضُ القُدسُ

الساقي الناسَ وَما غَرَسوا

وَهوَ المِنوالُ لِما لَبِسوا

وَالمُنعِمُ بِالقُطنِ الأَنوَر

جَعلَ الإِحسانَ لَهُ شَرعا

لَم يُخلِ الوادِيَ مِن مَرعى

فَتَرى زَرعاً يَتلو زَرعا

وَهُنا يُجنى وَهُنا يُبذَر

جارٍ وَيُرى لَيسَ بِجارِ

لِأَناةٍ فيهِ وَوَقار

يَنصَبُّ كَتَلٍ مُنهارِ

وَيَضِجُّ فَتَحسَبُهُ يَزأَر

حَبَشِيُّ اللَونِ كَجيرَتِهِ

مِن مَنبَعِهِ و بُحَيرَتِهِ

صَبَغَ الشَطَّينِ بِسُمرَتِهِ

لَوناً كَالمِسكِ وَكَالعَنبَر

البوصيري (ت696هـ):

الصُّبْحُ بَدَا مِنْ طَلْعَتِهِ

وَاللَّيْلُ دَجا مِنْ وَفْرَتِهِ

فَاقَ الرُّسُلاَ فَضْلاً وَعُلاَ

أَهْدَى السُّبُلاَ لِدَلاَلَتِهِ

كَنْزُ الْكَرِيمِ مُوْلِي النِّعَمِ

هَادِي الأُمَمِ لِشَرِيعَتِهِ

أَذْكَى النَّسَبِ أَعْلَى الحَسَبِ

كُلُّ العَرَبِ في خِدْمَتِهِ

سَعَتِ الشَّجَرُ نَطَقَ الحَجَرُ

شُقَّ القَمَرُ بإشَارَتِهِ

جِبْرِيلُ أَتَى لَيْلَةَ أَسْرَى

وَالرَّبُّ دَعَاهُ لِحَضْرَتِهِ

نالَ الشَّرَفَا وَاللهُ عَفَا

عَمَّا سَلَفَا مِنْ أُمَّتِهِ

فَمُحَمَّدُنا هُوَ سَيِّدُنا

فالعِزُّ لَنا لإجَابَتِهِ

أبو القاسم الشابي (ت1929م):

اسْكُني يا جِراحْ

واسْكُتي يا شُجُونْ

ماتَ عَهْدُ النُّواحْ

وزَمَانُ الجُنُونْ

وأَطَلَّ الصَّبَاحْ

مِنْ وراءِ القُرُونْ

في فِجاجِ الرَّدى

قَدْ دفنتُ الأَلمْ

ونثرتُ الدُّموعْ

لرِيَاحِ العَدَمْ

واتَّخذتُ الحَيَاةْ

معزفاً للنَّغَمْ

أَتغنَّى عليهْ

في رِحابِ الزَّمانْ

وأَذبتُ الأَسَى

في جمالِ الوُجُودْ

ودَحَوْتُ الفؤادْ

واحةً للنَّشيدْ

والضِّيا والظِّلالْ

والشَّذَى والورودْ

والهوى والشَّبابْ

والمنى والحَنانْ

اسكُني يا جراحْ

واسكُتي يا شُجونْ

ماتَ عَهْدُ النُّواحْ

وزَمَانُ الجُنُونْ

وأَطَلَّ الصَّبَاحْ

مِنْ وراءِ القُرُونْ

في فؤادي الرَّحيبْ

مَعْبَدٌ للجَمَالْ

شيَّدتْهُ الحَيَاةْ

بالرُّؤى والخَيالْ

فَتَلَوْتُ الصَّلاةْ

في خشوعِ الظِّلالْ

وحَرَقْتُ البُخُورْ

وأَضَأْتُ الشُّمُوعْ

إنَّ سِحْرَ الحَيَاةْ

خَالدٌ لا يزولْ

فَعَلامَ الشَّكَاةْ

مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ

ثمَّ يأتي الصَّباحْ

وتَمُرُّ الفُصُولْ

سوف يأتي رَبيعْ

إن تقضَّى رَبيعْ

اسكُني يا جراحْ

واسكُتي يا شُجونْ

ماتَ عَهْدُ النُّواحْ

وزَمَانُ الجُنُونْ

وأَطَلَّ الصَّبَاحْ

مِنْ وراءِ القُرُونْ

مِنْ وراءِ الظَّلامْ

وهديرِ المياهْ

قَدْ دعاني الصَّباحْ

ورَبيعُ الحَيَاهْ

يا لهُ مِنْ دُعاءْ

هزَّ قلبي صَداهْ

لمْ يَعُدْ لي بقاءْ

فَوْقَ هذي البقاعْ

الْوَداعَ الوَداعْ

يا جِبَالَ الهُمومْ

يا ضَبابَ الأَسى

يا فِجاجَ الجحيمْ

قَدْ جرى زَوْرَقي

في الخِضَّمِ العَظيمْ

ونشرتُ القلاعْ

فالوَداعْ الوداعْ

 

إبراهيم طوقان (ت 1941م):

أَنشِدي يا صَبا

وَارقصي يا غُصون

وَاسقني يا نَدى

بَين لَحظ العُيون

فيك يا وَردَتي

قَد حَلا لي الجُنون

أَنا مني الهَوى

أَنتَ منكَ الفتون

أَنشري ما طَوت

مِن غَرامي السُنون

كانَ في أَضلُعي

فَرَوَتهُ الجُفون

أَقربي مِن فمي

فَحَديثي شجون

إبراهيم طوقان (ت 1941م):

في ثَنايا العَجاج

وَالتحام السُيوف

بَينَما الجَوُّ داج

وَالمَنايا تَطوف

يَتَهادى نَسيم

فيهِ أَزكى سَلام

نَحوَ عَبد الكَريم

الأَمير الهَمام

ريفُنا غابُنا نَحنُ فيه

الأُسود ريفُنا نَحميه

كُلُّنا يُعجبُ

بِفَتى المَغربِ

كُلُّنا يَطربُ

لانتصار الأَبي

أَينَ جَيش العِدا

إِن دَعا للجِهاد

أَصبَحوا أَعبُدا

بِالسُيوف الحداد

ريفُنا غابُنا نَحنُ فيه

الأُسود ريفُنا نَحميه

طالَما اِستعبَدوا

وَأَذَلُّوا الرِقاب

أَيُّها الأَيِّدُ

جاءَ يَومَ الحِساب

فَليذوقوا الزَعاف

بِالظَبي وَالأَسَل

وَلنُعَلِّ الهتاف

للأَمير البَطَل

ريفُنا غابُنا نَحنُ فيه

الأُسود ريفُنا نَحميه

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق