الجمعة، 24 يوليو 2020

قصائد على بحر الكامل


امرؤ القيس:

حَيِّ الحُمولَ بِجانِبِ العَزلِ      إِذ لا يُلائِمُ شَكلَها شَكلي

ماذا يَشُكُّ عَلَيكَ مِن ظَعنٍ      إِلّا صِباكَ وَقِلَّةُ العَقلِ

مَنّيتَنا بِغَدٍ وَبَعدَ غَدٍ      حَتّى بَخَلتَ كَأَسوَءِ البُخلِ

يا رُبَّ غانِيَةٍ لَهَوتُ بِه      وَمَشَيتُ مُتَّئِداً عَلى رُسلي

لا أَستَقيدُ لِمَن دَعا لِصِب      قَسراً وَلا أَصطادُ بِالخَتلِ

وَتَنوفَةٍ حَرداءَ مُهلِكَةٍ      جاوَرتُها بِنَجائِبٍ فُتلِ

فَيَبِتنَ يَنهَسنَ الجَبوبَ بِه      وَأَبيتُ مُرتَفِقاً عَلى رَحلي

مُتَوَسِّداً عَضباً مَضارِبُهُ      في مَتنِهِ كَمَدَبَّةِ النَملِ

يُدعى صَقيلاً وَهوَ لَيسَ لَهُ      عَهدٌ بِتَمويهٍ وَلا صَقلِ

عَفَتِ الدِيارُ فَما بِها أَهلي      وَلَوَت شُموسُ بَشاشَةَ البَذلِ

نَظَرَت إِلَيكَ بِعَينِ جازِئَةٍ      حَوراءَ حانِيَةٍ عَلى طِفلِ

فَلَها مُقَلَّدُها وَمُقلَتُه      وَلَها عَلَيهِ سَراوَةُ الفَضلِ

أَقبَلتُ مُقتَصِداً وَراجَعَني      حِلمي وَسُدِّدَ لِلتُقى فِعلي

وَاللَهُ أَنجَحُ ما طَلَبتَ بِهِ      وَالبِرُّ خَيرُ حَقيبَةِ الرَحلِ

وَمِنَ الطَريقَةِ جائِرٌ وَهُدى      قَصدُ السَبيلِ وَمِنهُ ذو دَخلِ

إِنّي لَأَصرِمُ مَن يُصارِمُني      وَأُجِدُّ وَصلَ مَنِ اِبتَغى وَصلي

وَأَخي إِخاءٍ ذي مُحافَظَةٍ      سَهلَ الخَليقَةِ ماجِدِ الأَصلِ

حُلوٍ إِذا ما جِئتُ قالَ أَل      في الرُحبِ أَنتَ وَمَنزِلُ السَهلِ

نازَعتُهُ كَأسَ الصَبوحِ وَلَم      أَجهَل مُجِدَّةَ عِذرَةِ الرَجُلِ

إِنّي بِحَبلِكَ واصِلٌ حَبلي      وَبِريشِ نَبلِكَ رائِشٌ نَبلي

ما لَم أَجِدكَ عَلى هُدى أَثَرٍ      يَقرو مَقَصَّكَ قائِفٌ قَبلي

وَشَمائِلي ما قَد عَلِمتَ وَم      نَبَحَت كِلابُكَ طارِقاً مِثلي

عنترة بن شداد:     

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ      أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي      وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه      فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُن      بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ      أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت      عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَه      زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ      مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُه      بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّم      زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِه      وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً      سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ      عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ

وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ      سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَه      غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ

جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ      فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ

سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ      يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ

وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ      غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ      قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ      وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ

وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى      نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ

هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ      لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ

خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ      تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً      بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ

تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت      حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ

يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ      حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ

صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ      كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت      زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ

وَكَأَنَّما تَنأى بِجانِبِ دَفَّها ال      وَحشِيِّ مِن هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ

هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ      غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ

بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّم      بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَد      حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ

يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ      زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ

إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني      طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ

أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني      سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ

وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ      مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ

وَلَقَد شَرِبتُ مِنَ المُدامَةِ بَعدَم      رَكَدَ الهَواجِرُ بِالمَشوفِ المُعلَمِ

بِزُجاجَةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ      قُرِنَت بِأَزهَرَ في الشَمالِ مُفَدَّمِ

فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ      مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ

وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً      وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي

وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّل      تَمكو فَريصَتُهُ كَشَدقِ الأَعلَمِ

سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ      وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَونِ العَندَمِ

هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ      إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي

إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ      نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ

طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً      يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ

يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني      أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ

وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ      لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ

جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ      بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ

فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ      لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ

فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ      يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ

وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَه      بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ

رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَت      هَتّاكِ غاياتِ التِجارِ مُلَوَّمِ

لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ      أَبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ

عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّم      خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ

فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ      بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ

بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ      يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ

يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ      حَرُمَت عَلَيَّ وَلَيتَها لَم تَحرُمِ

فَبَعَثتُ جارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي      فَتَجَسَّسي أَخبارَها لِيَ وَاِعلَمي

قالَت رَأَيتُ مِنَ الأَعادي غِرَّةً      وَالشاةُ مُمكِنَةٌ لِمَن هُوَ مُرتَمِ

وَكَأَنَّما اِلتَفَتَت بِجيدِ جَدايَةٍ      رَشإٍ مِنَ الغِزلانِ حُرٍّ أَرثَمِ

نِبِّئتُ عَمرواً غَيرَ شاكِرِ نِعمَتي      وَالكُفرُ مَخبَثَةٌ لَنَفسِ المُنعِمِ

وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى      إِذ تَقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ

في حَومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي      غَمَراتِها الأَبطالُ غَيرَ تَغَمغُمِ

إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ لَم أَخِم      عَنها وَلَكِنّي تَضايَقَ مُقدَمي

لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم      يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ

يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّه      أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ

ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ      وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ

فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ      وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ

لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى      وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي

وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَه      قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ

وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِس      مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ

ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي      لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ

وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر      لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ

الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُم      وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي

إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُم      جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ

أبو تمام:     

رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ      وَغَدا الثَرى في حَليِهِ يَتَكَسَّرُ

نَزَلَت مُقَدِّمَةُ المَصيفِ حَميدَةً      وَيَدُ الشِتاءِ جَديدَةٌ لا تُكفَرُ

لَولا الَّذي غَرَسَ الشِتاءُ بِكَفِّهِ      لاقى المَصيفُ هَشائِماً لا تُثمِرُ

كَم لَيلَةٍ آسى البِلادَ بِنَفسِهِ      فيها وَيَومٍ وَبلُهُ مُثعَنجِرُ

مَطَرٌ يَذوبُ الصَحوُ مِنهُ وَبَعدَهُ      صَحوٌ يَكادُ مِنَ الغَضارَةِ يُمطِرُ

غَيثانِ فَالأَنواءُ غَيثٌ ظاهِرٌ      لَكَ وَجهُهُ وَالصَحوُ غَيثٌ مُضمَرُ

وَنَدىً إِذا اِدَّهَنَت بِهِ لِمَمُ الثَرى      خِلتَ السِحابَ أَتاهُ وَهُوَ مُعَذِّرُ

أَرَبَيعَنا في تِسعَ عَشرَةَ حِجَّةً      حَقّاً لَهِنَّكَ لَلرَبيعُ الأَزهَرُ

ما كانَتِ الأَيّامُ تُسلَب بَهجَةً      لَو أَنَّ حُسنَ الرَوضِ كانَ يُعَمَّرُ

أَوَلا تَرى الأَشياءَ إِن هِيَ غُيِّرَت      سَمُجَت وَحُسنُ الأَرضِ حينَ تُغَيَّرُ

يا صاحِبَيَّ تَقَصَّيا نَظَرَيكُما      تَرَيا وُجوهَ الأَرضِ كَيفَ تَصَوَّرُ

تَرَيا نَهاراً مُشمِساً قَد شابَهُ      زَهرُ الرُبا فَكَأَنَّما هُوَ مُقمِرُ

دُنيا مَعاشٌ لِلوَرى حَتّى إِذا      جُلِيَ الرَبيعُ فَإِنَّما هِيَ مَنظَرُ

أَضحَت تَصوغُ بُطونُها لِظُهورِها      نَوراً تَكادُ لَهُ القُلوبُ تُنَوِّرُ

مِن كُلِّ زائِرَةٍ تَرَقرَقُ بِالنَدى      فَكَأَنَّها عَينٌ عَلَيهِ تَحَدَّرُ

تَبدو وَيَحجُبُها الجَميمُ كَأَنَّها      عَذراءُ تَبدو تارَةً وَتَخَفَّرُ

حَتّى غَدَت وَهَداتُها وَنِجادُها      فِئَتَينِ في خِلَعِ الرَبيعِ تَبَختَرُ

مُصفَرَّةً مُحمَرَّةً فَكَأَنَّها      عُصَبٌ تَيَمَنَّ في الوَغا وَتَمَضَّرُ

مِن فاقِعٍ غَضِّ النَباتِ كَأَنَّهُ      دُرُّ يُشَقَّقُ قَبلُ ثُمَّ يُزَعفَرُ

أَو ساطِعٍ في حُمرَةٍ فَكَأَنَّ ما      يَدنو إِلَيهِ مِنَ الهَواءِ مُعَصفَرُ

صُنعُ الَّذي لَولا بَدائِعُ صُنعِهِ      ما عادَ أَصفَرَ بَعدَ إِذ هُوَ أَخضَرُ

خُلُقٌ أَطَلَّ مِنَ الرَبيعِ كَأَنَّهُ      خُلُقُ الإِمامِ وَهَديُهُ المُتَيَسِّرُ

في الأَرضِ مِن عَدلِ الإِمامِ وَجودِهِ      وَمِنَ النَباتِ الغَضِّ سُرجٌ تَزهَرُ

تُنسى الرِياضُ وَما يُرَوَّضُ فِعلُهُ      أَبَداً عَلى مَرِّ اللَيالي يُذكَرُ

إِنَّ الخَليفَةَ حينَ يُظلِمُ حادِثٌ      عَينُ الهُدى وَلَهُ الخِلافَةُ مَحجَرُ

كَثُرَت بِهِ حَرَكاتُها وَلَقَد تُرى      مِن فَترَةٍ وَكَأَنَّها تَتَفَكَّرُ

ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ عُقدَةَ أَمرِها      في كَفِّهِ مُذ خُلِّيَت تَتَخَيَّرُ

سَكَنَ الزَمانُ فَلا يَدٌ مَذمومَةٌ      لِلحادِثاتِ وَلا سَوامٌ يُذعَرُ

نَظَمَ البِلادَ فَأَصبَحَت وَكَأَنَّها      عِقدٌ كَأَنَّ العَدلَ فيهِ جَوهَرُ

لَم يَبقَ مَبدىً موحِشٌ إِلّا اِرتَوى      مِن ذِكرِهِ فَكَأَنَّما هُوَ مَحضَرُ

مَلِكٌ يَضِلُّ الفَخرُ في أَيّامِهِ      وَيَقِلُّ في نَفَحاتِهِ ما يَكثُرُ

فَليَعسُرَنَّ عَلى اللَيالي بَعدَهُ      أَن يُبتَلى بِصُروفِهِنَّ المُعسِرُ

المتنبي:      

أَمِنَ اِزدَيارَكِ في الدُجى الرُقَباءُ      إِذ حَيثُ أَنتِ مِنَ الظَلامِ ضِياءُ

قَلَقُ المَليحَةِ وَهيَ مِسكٌ هَتكُها      وَمَسيرُها في اللَيلِ وَهيَ ذُكاءُ

أَسَفي عَلى أَسَفي الَّذي دَلَّهتِني      عَن عِلمِهِ فَبِهِ عَلَيَّ خَفاءُ

وَشَكِيَّتي فَقدُ السَقامِ لِأَنَّهُ      قَد كانَ لَمّا كانَ لي أَعضاءُ

مَثَّلتِ عَينَكِ في حَشايَ جِراحَةً      فَتَشابَها كِلتاهُما نَجلاءُ

نَفَذَت عَلَيَّ السابِرِيَّ وَرُبَّما      تَندَقُّ فيهِ الصَعدَةُ السَمراءُ

أَنا صَخرَةُ الوادي إِذا ما زوحِمَت      وَإِذا نَطَقتُ فَإِنَّني الجَوزاءُ

وَإِذا خَفيتُ عَلى الغَبِيِّ فَعاذِرٌ      أَن لا تَراني مُقلَةٌ عَمياءُ

شِيَمُ اللَيالي أَن تُشَكِّكَ ناقَتي      صَدري بِها أَفضى أَمِ البَيداءُ

فَتَبيتُ تُسئِدُ مُسئِداً في نَيِّها      إِسآدَها في المَهمَهِ الإِنضاءُ

أَنساعُها مَمغوطَةٌ وَخِفافُها      مَنكوحَةٌ وَطَريقُها عَذراءُ

يَتَلَوَّنُ الخِرّيتُ مِن خَوفِ التَوى      فيها كَما يَتَلَوَّنُ الحِرباءُ

بَيني وَبَينَ أَبي عَلِيٍّ مِثلُهُ      شُمُّ الجِبالِ وَمِثلَهُنَّ رَجاءُ

وَعِقابُ لُبنانٍ وَكَيفَ بِقَطعِها      وَهُوَ الشِتاءُ وَصَيفُهُنَّ شِتاءُ

لَبَسَ الثُلوجُ بِها عَلَيَّ مَسالِكي      فَكَأَنَّها بِبَياضِها سَوداءُ

وَكَذا الكَريمُ إِذا أَقامَ بِبَلدَةٍ      سالَ النُضارُ بِها وَقامَ الماءُ

جَمَدَ القِطارُ وَلَو رَأَتهُ كَما تَرى      بُهِتَت فَلَم تَتَبَجَّسِ الأَنواءُ

في خَطِّهِ مِن كُلِّ قَلبٍ شَهوَةٌ      حَتّى كَأَنَّ مِدادَهُ الأَهواءُ

وَلِكُلِّ عَينٍ قُرَّةٌ في قُربِهِ      حَتّى كَأَنَّ مَغيبَهُ الأَقذاءُ

مَن يَهتَدي في الفِعلِ ما لا تَهتَدي      في القَولِ حَتّى يَفعَلَ الشُعَراءُ

في كُلِّ يَومٍ لِلقَوافي جَولَةٌ      في قَلبِهِ وَلِأُذنِهِ إِصغاءُ

وَإِغارَةٌ فيما اِحتَواهُ كَأَنَّما      في كُلِّ بَيتٍ فَيلَقٌ شَهباءُ

مَن يَظلِمُ اللُؤَماءَ في تَكليفِهِم      أَن يُصبِحوا وَهُمُ لَهُ أَكفاءُ

وَنَذيمُهُم وَبِهِم عَرَفنا فَضلَهُ      وَبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأَشياءُ

مَن نَفعُهُ في أَن يُهاجَ وَضَرُّهُ      في تَركِهِ لَو تَفطَنُ الأَعداءُ

فَالسَلمُ يَكسِرُ مِن جَناحَي مالِهِ      بِنَوالِهِ ما تَجبُرُ الهَيجاءُ

يُعطي فَتُعطى مِن لُهى يَدِهِ اللُهى      وَتُرى بِرُؤيَةِ رَأيِهِ الآراءُ

مُتَفَرِّقُ الطَعمَينِ مُجتَمِعُ القُوى      فَكَأَنَّهُ السَرّاءُ وَالضَرّاءُ

وَكَأَنَّهُ ما لا تَشاءُ عُداتُهُ      مُتَمَثِّلاً لِوُفودِهِ ما شاؤوا

يا أَيُّها المُجدى عَلَيهِ روحُهُ      إِذ لَيسَ يَأتِيهِ لَها اِستِجداءُ

اِحمَد عُفاتَكَ لا فُجِعتَ بِفَقدِهِم      فَلَتَركُ ما لَم يَأخُذوا إِعطاءُ

لا تَكثُرُ الأَمواتُ كَثرَةُ قِلَّةٍ      إِلّا إِذا شَقِيَت بِكَ الأَحياءُ

وَالقَلبُ لا يَنشَقُّ عَمّا تَحتَهُ      حَتّى تَحُلَّ بِهِ لَكَ الشَحناءُ

لَم تُسمَ يا هارونُ إِلّا بَعدَما اِق      تَرَعَت وَنازَعَتِ اِسمَكَ الأَسماءُ

فَغَدَوتَ وَاِسمُكَ فيكَ غَيرُ مُشارِكٍ      وَالناسُ فيما في يَدَيكَ سَواءُ

لَعَمَمتَ حَتّى المُدنُ مِنكَ مِلاءُ      وَلَفُتَّ حَتّى ذا الثَناءُ لَفاءُ

وَلَجُدتَ حَتّى كِدتَ تَبخَلُ حائِلاً      لِلمُنتَهى وَمِنَ السُرورِ بُكاءُ

أَبَدَأتَ شَيءً مِنكَ يُعرَفُ بَدؤُهُ      وَأَعَدتَ حَتّى أُنكِرَ الإِبداءُ

فَالفَخرُ عَن تَقصيرِهِ بِكَ ناكِبٌ      وَالمَجدُ مِن أَن تُستَزادَ بَراءُ

فَإِذا سُئِلتَ فَلا لِأَنَّكَ مُحوِجٌ      وَإِذا كُتِمتَ وَشَت بِكَ الآلاءُ

وَإِذا مُدِحتَ فَلا لِتَكسِبَ رَفعَةً      لِلشاكِرينَ عَلى الإِلَهِ ثَناءُ

وَإِذا مُطِرتَ فَلا لِأَنَّكَ مُجدِبٌ      يُسقى الخَصيبُ وَتُمطَرُ الدَأماءُ

لَم تَحكِ نائِلَكَ السَحابُ وَإِنَّما      حُمَّت بِهِ فَصَبيبُها الرُحَضاءُ

لَم تَلقَ هَذا الوَجهَ شَمسُ نَهارِنا      إِلّا بِوَجهٍ لَيسَ فيهِ حَياءُ

فَبِأَيِّما قَدَمٍ سَعَيتَ إِلى العُلا      أُدُمُ الهِلالِ لِأَخمَصَيكَ حِذاءُ

وَلَكَ الزَمانُ مِنَ الزَمانِ وِقايَةٌ      وَلَكَ الحِمامُ مِنَ الحِمامِ فِداءُ

لَو لَم تَكُن مِن ذا الوَرى الَّذي مِنكَ هو      عَقِمَت بِمَولِدِ نَسلِها حَوّاءُ

المتنبي:

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ      أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ

يَعلَمنَ ذاكِ وَما عَلِمتِ وَإِنَّما      أَولاكُما بِبُكى عَلَيهِ العاقِلُ

وَأَنا الَّذي اِجتَلَبَ المَنِيَّةَ طَرفُهُ      فَمَنِ المُطالَبُ وَالقَتيلُ القاتِلُ

تَخلو الدِيارُ مِنَ الظِباءِ وَعِندَهُ      مِن كُلِّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ

اللاءِ أَفتَكُها الجَبانُ بِمُهجَتي      وَأَحَبُّها قُرباً إِلَيَّ الباخِلُ

الرامِياتُ لَنا وَهُنَّ نَوافِرٌ      وَالخاتِلاتُ لَنا وَهُنَّ غَوافِلُ

كافَأنَنا عَن شِبهِهِنَّ مِنَ المَها      فَلَهُنَّ في غَيرِ التُرابِ حَبائِلُ

مِن طاعِني ثُغَرِ الرِجالِ جَآذِرٌ      وَمِنَ الرِماحِ دَمالِجٌ وَخَلاخِلُ

وَلِذا اِسمُ أَغطِيَةِ العُيونِ جُفونُها      مِن أَنَّها عَمَلَ السُيوفِ عَوامِلُ

كَم وَقفَةٍ سَجَرَتكَ شَوقاً بَعدَما      غَرِيَ الرَقيبُ بِنا وَلَجَّ العاذِلُ

دونَ التَعانُقِ ناحِلَينِ كَشَكلَتَي      نَصبٍ أَدَقَّهُما وَصَمَّ الشاكِلُ

اِنعَم وَلَذَّ فَلِلأُمورِ أَواخِرٌ      أَبَداً إِذا كانَت لَهُنَّ أَوائِلُ

ما دُمتَ مِن أَرَبِ الحِسانِ فَإِنَّما      رَوقُ الشَبابِ عَلَيكَ ظِلٌّ زائِلُ

لِلَّهوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّها      قُبَلٌ يُزَوَّدُها حَبيبٌ راحِلُ

جَمَحَ الزَمانُ فَما لَذيذٌ خالِصٌ      مِمّا يَشوبُ وَلا سُرورٌ كامِلُ

حَتّى أَبو الفَضلِ اِبنُ عَبدِ اللَهِ رُؤ      يَتُهُ المُنى وَهيَ المَقامُ الهائِلُ

مَمطورَةٌ طُرقي إِلَيها دونَها      مِن جودِهِ في كُلِّ فَجٍّ وابِلُ

مَحجوبَةٌ بِسُرادِقٍ مِن هَيبَةٍ      تَثني الأَزِمَّةَ وَالمَطِيُّ ذَوامِلُ

لِلشَمسِ فيهِ وَلِلرِياحِ وَلِلسَحا      بِ وَلِلبِحارِ وَلِلأُسودِ شَمائِلُ

وَلَدَيهِ مِلعِقيانِ وَالأَدَبِ المُفا      دِ وَمِلحَياةِ وَمِلمَماتِ مَناهِلُ

لَو لَم يُهَب لَجَبُ الوُفودِ حَوالَهُ      لَسَرى إِلَيهِ قَطا الفَلاةِ الناهِلُ

يَدري بِما بِكَ قَبلَ تُظهِرُهُ لَهُ      مِن ذِهنِهِ وَيُجيبُ قَبلَ تُسائِلُ

وَتَراهُ مُعتَرِضاً لَها وَمُوَلِّياً      أَحداقُنا وَتَحارُ حينَ يُقابِلُ

كَلِماتُهُ قُضُبٌ وَهُنَّ فَواصِلٌ      كُلُّ الضَرائِبِ تَحتَهُنَّ مَفاصِلُ

هَزَمَت مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلَّها      حَتّى كَأَنَّ المَكرُماتِ قَنابِلُ

وَقَتَلنَ دَفراً وَالدُهَيمَ فَما تُرى      أُمُّ الدُهَيمِ وَأُمُّ دَفرٍ هابِلُ

عَلّامَةُ العُلَماءِ وَاللُجُّ الَّذي      لا يَنتَهي وَلِكُلِّ لُجٍّ ساحِلُ

لَو طابَ مَولِدُ كُلِّ حَيٍّ مِثلَهُ      وَلَدَ النِساءُ وَما لَهُنَّ قَوابِلُ

لَو بانَ بِالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ      لَدَرَت بِهِ ذَكَرٌ أَمُ اَنثى الحامِلُ

لِيَزِد بَنو الحَسَنِ الشِرافُ تَواضُعاً      هَيهاتَ تُكتَمُ في الظَلامِ مَشاعِلُ

سَتَروا النَدى سَترَ الغُرابِ سِفادَهُ      فَبَدا وَهَل يَخفى الرَبابُ الهاطِلُ

جَفَخَت وَهُم لا يَجفَخونَ بِهابِهِم      شِيَمُ عَلى الحَسَبِ الأَغَرِّ دَلائِلُ

مُتَشابِهِي وَرَعِ النُفوسِ كَبيرُهُم      وَصَغيرُهُم عَفُّ الإِزارِ حُلاحِلُ

يا اِفخَر فَإِنَّ الناسِ فيكَ ثَلاثَةٌ      مُستَعظِمٌ أَو حاسِدٌ أَو جاهِلُ

وَلَقَد عَلَوتَ فَما تُبالي بَعدَما      عَرَفوا أَيَحمَدُ أَم يَذُمُّ القائِلُ

أُثني عَلَيكَ وَلَو تَشاءُ لَقُلتَ لي      قَصَّرتَ فَالإِمساكُ عَنّي نائِلُ

لا تَجسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ هَهُنا      بَيتاً وَلَكِنّي الهِزَبرُ الباسِلُ

ما نالَ أَهلُ الجاهِلِيَّةِ كُلُّهُم      شِعري وَلا سَمِعَت بِسِحرِيَ بابِلُ

وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ      فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ

مَن لي بِفَهمِ أُهَيلِ عَصرٍ يَدَّعي      أَن يَحسُبَ الهِندِيَّ فيهِم باقِلُ

وَأَما وَحَقِّكَ وَهوَ غايَةُ مُقسِمٍ      لِلحَقُّ أَنتَ وَما سِواكَ الباطِلُ

الطيبُ أَنتَ إِذا أَصابَكَ طيبُهُ      وَالماءُ أَنتَ إِذا اِغتَسَلتَ الغاسِلُ

ما دارَ في الحَنَكِ اللِسانُ وَقَلَّبَت      قَلَماً بِأَحسَنَ مِن نَثاكَ أَنامِلُ

      أحمد شوقي:

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ      وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ      لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ

وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي      وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا      بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ      وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ

نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ      في اللَوحِ وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ      أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ

يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً      مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا

بَيتُ النَبِيّينَ الَّذي لا يَلتَقي      إِلّا الحَنائِفُ فيهِ وَالحُنَفاءُ

خَيرُ الأُبُوَّةِ حازَهُمْ لَكَ آدَمٌ      دونَ الأَنامِ وَأَحرَزَت حَوّاءُ

هُم أَدرَكوا عِزَّ النُبُوَّةِ وَانتَهَت      فيها إِلَيكَ العِزَّةُ القَعساءُ

خُلِقَت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها      إِنَّ العَظائِمَ كُفؤُها العُظَماءُ

بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت      وَتَضَوَّعَت مِسكًا بِكَ الغَبراءُ

وَبَدا مُحَيّاكَ الَّذي قَسَماتُهُ      حَقٌّ وَغُرَّتُهُ هُدىً وَحَياءُ

وَعَلَيهِ مِن نورِ النُبُوَّةِ رَونَقٌ      وَمِنَ الخَليلِ وَهَديِهِ سيماءُ

أَثنى المَسيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمائِهِ      وَتَهَلَّلَت وَاهتَزَّتِ العَذراءُ

يَومٌ يَتيهُ عَلى الزَمانِ صَباحُهُ      وَمَساؤُهُ بِمُحَمَّدٍ وَضّاءُ

الحَقُّ عالي الرُكنِ فيهِ مُظَفَّرٌ      في المُلكِ لا يَعلو عَلَيهِ لِواءُ

ذُعِرَت عُروشُ الظالِمينَ فَزُلزِلَت      وَعَلَت عَلى تيجانِهِم أَصداءُ

وَالنارُ خاوِيَةُ الجَوانِبِ حَولَهُمْ      خَمَدَت ذَوائِبُها وَغاضَ الماءُ

وَالآيُ تَترى وَالخَوارِقُ جَمَّةٌ      جِبريلُ رَوّاحٌ بِها غَدّاءُ

نِعمَ اليَتيمُ بَدَت مَخايِلُ فَضلِهِ      وَاليُتمُ رِزقٌ بَعضُهُ وَذَكاءُ

في المَهدِ يُستَسقى الحَيا بِرَجائِهِ      وَبِقَصدِهِ تُستَدفَعُ البَأساءُ

بِسِوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم      يَعرِفهُ أَهلُ الصِدقِ وَالأُمَناءُ

يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا      مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ

لَو لَم تُقِم دينًا لَقامَت وَحدَها      دينًا تُضيءُ بِنورِهِ الآناءُ

زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ      يُغرى بِهِنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ

أَمّا الجَمالُ فَأَنتَ شَمسُ سَمائِهِ      وَمَلاحَةُ الصِدّيقِ مِنكَ أَياءُ

وَالحُسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ      ما أوتِيَ القُوّادُ وَالزُعَماءُ

فَإِذا سَخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى      وَفَعَلتَ ما لا تَفعَلُ الأَنواءُ

وَإِذا عَفَوتَ فَقادِرًا وَمُقَدَّرًا      لا يَستَهينُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ

وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ      هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ

وَإِذا غَضِبتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ      في الحَقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ

وَإِذا رَضيتَ فَذاكَ في مَرضاتِهِ      وَرِضا الكَثيرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ

وَإِذا خَطَبتَ فَلِلمَنابِرِ هِزَّةٌ      تَعرو النَدِيَّ وَلِلقُلوبِ بُكاءُ

وَإِذا قَضَيتَ فَلا ارتِيابَ كَأَنَّما      جاءَ الخُصومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ

وَإِذا حَمَيتَ الماءَ لَم يورَد وَلَو      أَنَّ القَياصِرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ

وَإِذا أَجَرتَ فَأَنتَ بَيتُ اللهِ لَم      يَدخُل عَلَيهِ المُستَجيرَ عَداءُ

وَإِذا مَلَكتَ النَفسَ قُمتَ بِبِرِّها      وَلَوَ اَنَّ ما مَلَكَت يَداكَ الشاءُ

وَإِذا بَنَيتَ فَخَيرُ زَوجٍ عِشرَةً      وَإِذا ابتَنَيتَ فَدونَكَ الآباءُ

وَإِذا صَحِبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسَّمًا      في بُردِكَ الأَصحابُ وَالخُلَطاءُ

وَإِذا أَخَذتَ العَهدَ أَو أَعطَيتَهُ      فَجَميعُ عَهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ

وَإِذا مَشَيتَ إِلى العِدا فَغَضَنفَرٌ      وَإِذا جَرَيتَ فَإِنَّكَ النَكباءُ

وَتَمُدُّ حِلمَكَ لِلسَفيهِ مُدارِيًا      حَتّى يَضيقَ بِعَرضِكَ السُفَهاءُ

في كُلِّ نَفسٍ مِن سُطاكَ مَهابَةٌ      وَلِكُلِّ نَفسٍ في نَداكَ رَجاءُ

وَالرَأيُ لَم يُنضَ المُهَنَّدُ دونَهُ      كَالسَيفِ لَم تَضرِب بِهِ الآراءُ

يأَيُّها الأُمِيُّ حَسبُكَ رُتبَةً      في العِلمِ أَن دانَت بِكَ العُلَماءُ

الذِكرُ آيَةُ رَبِّكَ الكُبرى الَّتي      فيها لِباغي المُعجِزاتِ غَناءُ

صَدرُ البَيانِ لَهُ إِذا التَقَتِ اللُغى      وَتَقَدَّمَ البُلَغاءُ وَالفُصَحاءُ

نُسِخَت بِهِ التَوراةُ وَهيَ وَضيئَةٌ      وَتَخَلَّفَ الإِنجيلُ وَهوَ ذُكاءُ

لَمّا تَمَشّى في الحِجازِ حَكيمُهُ      فُضَّت عُكاظُ بِهِ وَقامَ حِراءُ

أَزرى بِمَنطِقِ أَهلِهِ وَبَيانِهِمْ      وَحيٌ يُقَصِّرُ دونَهُ البُلَغاءُ

حَسَدوا فَقالوا شاعِرٌ أَو ساحِرٌ      وَمِنَ الحَسودِ يَكونُ الاستِهزاءُ

قَد نالَ بِالهادي الكَريمِ وَبِالهُدى      ما لَم تَنَل مِن سُؤْدَدٍ سَيْناءُ

أَمسى كَأَنَّكَ مِن جَلالِكَ أُمَّةٌ      وَكَأَنَّهُ مِن أُنسِهِ بَيداءُ

يُوحَى إِلَيكَ الفَوزُ في ظُلُماتِهِ      مُتَتابِعًا تُجلى بِهِ الظَلماءُ

دينٌ يُشَيِّدُ آيَةً في آيَةٍ      لَبِناتُهُ السوراتُ وَالأَدواءُ

الحَقُّ فيهِ هُوَ الأَساسُ وَكَيفَ لا      وَاللهُ جَلَّ جَلالُهُ البَنّاءُ

أَمّا حَديثُكَ في العُقولِ فَمَشرَعٌ      وَالعِلمُ وَالحِكَمُ الغَوالي الماءُ

هُوَ صِبغَةُ الفُرقانِ نَفحَةُ قُدسِهِ      وَالسينُ مِن سَوراتِهِ وَالراءُ

جَرَتِ الفَصاحَةُ مِن يَنابيعَ النُهى      مِن دَوحِهِ وَتَفَجَّرَ الإِنشاءُ

في بَحرِهِ لِلسابِحينَ بِهِ عَلى      أَدَبِ الحَياةِ وَعِلمِها إِرساءُ

أَتَتِ الدُهورُ عَلى سُلافَتِهِ وَلَم      تَفنَ السُلافُ وَلا سَلا النُدَماءُ

بِكَ يا ابنَ عَبدِ اللهِ قامَت سَمحَةٌ      بِالحَقِّ مِن مَلَلِ الهُدى غَرّاءُ

بُنِيَت عَلى التَوحيدِ وَهيَ حَقيقَةٌ      نادى بِها سُقراطُ وَالقُدَماءُ

وَجَدَ الزُعافَ مِنَ السُمومِ لِأَجلِها      كَالشَهدِ ثُمَّ تَتابَعَ الشُهَداءُ

وَمَشى عَلى وَجهِ الزَمانِ بِنورِها      كُهّانُ وادي النيلِ وَالعُرَفاءُ

إيزيسُ ذاتُ المُلكِ حينَ تَوَحَّدَت      أَخَذَت قِوامَ أُمورِها الأَشياءُ

لَمّا دَعَوتَ الناسَ لَبّى عاقِلٌ      وَأَصَمَّ مِنكَ الجاهِلينَ نِداءُ

أَبَوا الخُروجَ إِلَيكَ مِن أَوهامِهِمْ      وَالناسُ في أَوهامِهِمْ سُجَناءُ

وَمِنَ العُقولِ جَداوِلٌ وَجَلامِدٌ      وَمِنَ النُفوسِ حَرائِرٌ وَإِماءُ

داءُ الجَماعَةِ مِن أَرِسطاليسَ لَم      يوصَف لَهُ حَتّى أَتَيتَ دَواءُ

فَرَسَمتَ بَعدَكَ لِلعِبادِ حُكومَةً      لا سوقَةٌ فيها وَلا أُمَراءُ

اللهُ فَوقَ الخَلقِ فيها وَحدَهُ      وَالناسُ تَحتَ لِوائِها أَكفاءُ

وَالدينُ يُسرٌ وَالخِلافَةُ بَيعَةٌ      وَالأَمرُ شورى وَالحُقوقُ قَضاءُ

الإِشتِراكِيّونَ أَنتَ إِمامُهُمْ      لَولا دَعاوي القَومِ وَالغُلَواءُ

داوَيتَ مُتَّئِدًا وَداوَوا ظَفرَةً      وَأَخَفُّ مِن بَعضِ الدَواءِ الداءُ

الحَربُ في حَقٍّ لَدَيكَ شَريعَةٌ      وَمِنَ السُمومِ الناقِعاتِ دَواءُ

وَالبِرُّ عِندَكَ ذِمَّةٌ وَفَريضَةٌ      لا مِنَّةٌ مَمنونَةٌ وَجَباءُ

جاءَت فَوَحَّدَتِ الزَكاةُ سَبيلَهُ      حَتّى التَقى الكُرَماءُ وَالبُخَلاءُ

أَنصَفَت أَهلَ الفَقرِ مِن أَهلِ الغِنى      فَالكُلُّ في حَقِّ الحَياةِ سَواءُ

فَلَوَ اَنَّ إِنسانًا تَخَيَّرَ مِلَّةً      ما اختارَ إِلّا دينَكَ الفُقَراءُ

يأَيُّها المُسرى بِهِ شَرَفًا إِلى      ما لا تَنالُ الشَمسُ وَالجَوزاءُ

يَتَساءَلونَ وَأَنتَ أَطهَرُ هَيكَلٍ      بِالروحِ أَم بِالهَيكَلِ الإِسراءُ

بِهِما سَمَوتَ مُطَهَّرَينِ كِلاهُما      نورٌ وَرَيحانِيَّةٌ وَبَهاءُ

فَضلٌ عَلَيكَ لِذي الجَلالِ وَمِنَّةٌ      وَاللهُ يَفعَلُ ما يَرى وَيَشاءُ

تَغشى الغُيوبَ مِنَ العَوالِمِ كُلَّما      طُوِيَت سَماءٌ قُلِّدَتكَ سَماءُ

في كُلِّ مِنطَقَةٍ حَواشي نورُها      نونٌ وَأَنتَ النُقطَةُ الزَهراءُ

أَنتَ الجَمالُ بِها وَأَنتَ المُجتَلى      وَالكَفُّ وَالمِرآةُ وَالحَسناءُ

اللهُ هَيَّأَ مِن حَظيرَةِ قُدسِهِ      نَزُلًا لِذاتِكَ لَم يَجُزهُ عَلاءُ

العَرشُ تَحتَكَ سُدَّةً وَقَوائِمًا      وَمَناكِبُ الروحِ الأَمينِ وِطاءُ

وَالرُسلُ دونَ العَرشِ لَم يُؤذَن لَهُمْ      حاشا لِغَيرِكَ مَوعِدٌ وَلِقاءُ

الخَيلُ تَأبى غَيرَ أَحمَدَ حامِيًا      وَبِها إِذا ذُكِرَ اسمُهُ خُيَلاءُ

شَيخُ الفَوارِسِ يَعلَمونَ مَكانَهُ      إِن هَيَّجَت آسادَها الهَيجاءُ

وَإِذا تَصَدّى لِلظُبا فَمُهَنَّدٌ      أَو لِلرِماحِ فَصَعدَةٌ سَمراءُ

وَإِذا رَمى عَن قَوسِهِ فَيَمينُهُ      قَدَرٌ وَما تُرمى اليَمينُ قَضاءُ

مِن كُلِّ داعي الحَقِّ هِمَّةُ سَيفِهِ      فَلِسَيفِهِ في الراسِياتِ مَضاءُ

ساقي الجَريحِ وَمُطعِمُ الأَسرى وَمَن      أَمِنَت سَنابِكَ خَيلِهِ الأَشلاءُ

إِنَّ الشَجاعَةَ في الرِجالِ غَلاظَةٌ      ما لَم تَزِنها رَأفَةٌ وَسَخاءُ

وَالحَربُ مِن شَرَفِ الشُعوبِ فَإِن بَغَوا      فَالمَجدُ مِمّا يَدَّعونَ بَراءُ

وَالحَربُ يَبعَثُها القَوِيُّ تَجَبُّرًا      وَيَنوءُ تَحتَ بَلائِها الضُعَفاءُ

كَم مِن غُزاةٍ لِلرَسولِ كَريمَةٍ      فيها رِضىً لِلحَقِّ أَو إِعلاءُ

كانَت لِجُندِ اللهِ فيها شِدَّةٌ      في إِثرِها لِلعالَمينَ رَخاءُ

ضَرَبوا الضَلالَةَ ضَربَةٌ ذَهَبَت بِها      فَعَلى الجَهالَةِ وَالضَلالِ عَفاءُ

دَعَموا عَلى الحَربِ السَلامَ وَطالَما      حَقَنَت دِماءً في الزَمانِ دِماءُ

الحَقُّ عِرضُ اللهِ كلُّ أَبِيَّةٍ      بَينَ النُفوسِ حِمىً لَهُ وَوِقارُ

هَل كانَ حَولَ مُحَمَّدٍ مِن قَومِهِ      إِلا صَبِيٌّ واحِدٌ وَنِساءُ

فَدَعا فَلَبّى في القَبائِلِ عُصبَةٌ      مُستَضعَفونَ قَلائِلٌ أَنضاءُ

رَدّوا بِبَأسِ العَزمِ عَنهُ مِنَ الأَذى      ما لا تَرُدُّ الصَخرَةُ الصَمّاءُ

وَالحَقُّ وَالإيمانُ إِن صُبّا عَلى      بُردٍ فَفيهِ كَتيبَةٌ خَرساءُ

نَسَفوا بِناءَ الشِركِ فَهوَ خَرائِبٌ      وَاستَأصَلوا الأَصنامَ فَهيَ هَباءُ

يَمشونَ تُغضي الأَرضُ مِنهُمْ هَيبَةً      وَبِهِمْ حِيالَ نَعيمِها إِغضاءُ

حَتّى إِذا فُتِحَت لَهُمْ أَطرافُها      لَم يُطغِهِمْ تَرَفٌ وَلا نَعماءُ

يا مَن لَهُ عِزُّ الشَفاعَةِ وَحدَهُ      وَهوَ المُنَزَّهُ ما لَهُ شُفَعاءُ

عَرشُ القِيامَةِ أَنتَ تَحتَ لِوائِهِ      وَالحَوضُ أَنتَ حِيالَهُ السَقاءُ

تَروي وَتَسقي الصالِحينَ ثَوابَهُمْ      وَالصالِحاتُ ذَخائِرٌ وَجَزاءُ

أَلِمِثلِ هَذا ذُقتَ في الدُنيا الطَوى      وَانشَقَّ مِن خَلَقٍ عَلَيكَ رِداءُ

لي في مَديحِكَ يا رَسولُ عَرائِسٌ      تُيِّمنَ فيكَ وَشاقَهُنَّ جَلاءُ

هُنَّ الحِسانُ فَإِن قَبِلتَ تَكَرُّمًا      فَمُهورُهُنَّ شَفاعَةٌ حَسناءُ

أَنتَ الَّذي نَظَمَ البَرِيَّةَ دينُهُ      ماذا يَقولُ وَيَنظُمُ الشُعَراءُ

المُصلِحونَ أَصابِعٌ جُمِعَت يَدًا      هِيَ أَنتَ بَل أَنتَ اليَدُ البَيضاءُ

ما جِئتُ بابَكَ مادِحًا بَل داعِيًا      وَمِنَ المَديحِ تَضَرُّعٌ وَدُعاءُ

أَدعوكَ عَن قَومي الضِعافِ لِأَزمَةٍ      في مِثلِها يُلقى عَلَيكَ رَجاءُ

أَدرى رَسولُ اللهِ أَنَّ نُفوسَهُمْ      رَكِبَت هَواها وَالقُلوبُ هَواءُ

مُتَفَكِّكونَ فَما تَضُمُّ نُفوسَهُمْ      ثِقَةٌ وَلا جَمَعَ القُلوبَ صَفاءُ

رَقَدوا وَغَرَّهُمُ نَعيمٌ باطِلٌ      وَنَعيمُ قَومٍ في القُيودِ بَلاءُ

ظَلَموا شَريعَتَكَ الَّتي نِلنا بِها      ما لَم يَنَل في رومَةَ الفُقَهاءُ

مَشَتِ الحَضارَةُ في سَناها وَاهتَدى      في الدينِ وَالدُنيا بِها السُعَداءُ

صَلّى عَلَيكَ اللهُ ما صَحِبَ الدُجى      حادٍ وَحَنَّت بِالفَلا وَجناءُ

وَاستَقبَلَ الرِضوانَ في غُرُفاتِهِمْ      بِجِنانِ عَدنٍ آلُكَ السُمَحاءُ

خَيرُ الوَسائِلِ مَن يَقَع مِنهُم عَلى      سَبَبٍ إِلَيكَ فَحَسبِيَ الزَهراءُ

      أبو العلاء المعري:

أدْنى الفوارِسِ مَن يُغِيرُ لمَغْنَمِ      فاجْعَلْ مُغَارَكَ للمَكارِم تَكرُمِ

وتَوَقّ أمْرَ الغانِياتِ فإنّهُ      أمْرٌ إذا خالفْتَه لم تَنْدَمِ

أنا أقْدَمُ الخُلاّنِ فارْضَ نصيحتي      إنّ الفَضِيلةَ للحُسامِ الأقْدَمِ

والْحَقْ بتُبّاعِ الأميرِ فكُنْ له      تَبَعاً لتُصْبِحَ بالمحَلّ الأعظَمِ

واسْتَزْرِ بالبِيضِ الحِسانِ ولا يكُنْ      لكَ غيرُ هِمّةِ صارمٍ أو لَهْذَمِ

المُتّقي بالخيْلْ كلّ عظيمةٍ      والمُسْتَبِيحِ بهِنّ كلّ عَرَمْرَمِ

ومُزِيرِها الغَوْرَ الذي لو سَلّمَتْ      ريحٌ على أرجائِها لم تَسْلَم

أو بَكّرَ الوَسمِيُّ يَطْلُبُ أَرضَه      نَفِدَ الرّبيعُ وتُرْبُها لم يُوسمِ

لا تَسْتَبِينُ الشّهْبُ فيه تنائِياً      ويَلُوحُ فيه البَدْرُ مثلَ الدّرهَمِ

هذا وكم جَبَلٍ عصَاها أهْلُه      فَهَوَتْ عليه مع الطّيورِ الحُوّمِ

وأجازَهَا قُذَفاتِ كلّ مُنِيفَةٍ      وَكْرُ العُقابِ بها وبيْتُ الأعْصَمِ

فوطِئْنَ أوْكارَ الأنُوقِ ورُوّعَت      مِنها وباتَ المُهْرُ ضَيْفَ الهَيْثَمِ

علِمَتْ وأضْعَفَها الحِذارُ فلم تَطِرْ      من ضَعْفِها فكأنّها لم تَعْلَمِ

وبَعيدةِ الأطرافِ رُعْنَ بماجِدٍ      يَرْدِينَ فوقَ أساوِدٍ لم تَطْعَمِ

تَرعى خوافي الرُّبْدِ في حَجَراتِها      سَغْباً وتَعْثُرُ بالغَطَاطِ النُّوَمِ

يَجْمَعْنَ أنفُسَهُنّ كي يَبْلُغْن ما      يَهْوَى فمُجْفَرُهنّ مثْلُ الأهضَمِ

ضَمَرَتْ وشَزّبَها القِيادُ فأصْبحتْ      والطّرْفُ يرْكُضُ في مَسابِ الأرقَمِ

مِن كلّ مُعْطِيَةِ الأعِنّةِ سرْجُها      تَرْقى فوارِسُها إليه بسُلّمِ

غَرّاءَ سَلْهَبَةٍ كَأنّ لجامَها      نالَ السماءَ به بَنانُ المُلْجِمِ

ومُقابَلٍ بينَ الوَجيهِ ولاحِقٍ      وافاكَ بينَ مُطَهَّمٍ ومُطَهَّمِ

صاغَ النّهارُ حُجُولَهُ فكأنّما      قَطعتْ له الظّلماءُ ثوبَ الأدهَمِ

قلِقَ السّماكُ لرَكْضِهِ ولربّما      نَفَضَ الغُبارَ على جبِينِ المِرْزَمِ

مِثلُ العرائسِ ما انثَنَتْ من غارةٍ      إلا مُخَضَّبَةَ السّنابِكِ بالدّمِ

سَهِرَتْ وقد هجَعَ الدليلُ بلابسٍ      بُرْدَ الحُبابِ مُعيدِ فعْلِ الضّيْغَمِ

أدْمَتْ نواجِذَها الظُّبَى فكأنّما      صُبِغَتْ شكائِمُها بمثْلِ العَنْدَمِ

وبنَتْ حوافِرُها قَتاماً ساطعاً      لولا انْقِيادُ عِداكَ لم يَتَهَدّمِ

باضَ النّسورُ به وخيّمَ مُصْعِداً      حتى تَرَعْرَعَ فيه فَرْخُ القَشْعَمِ

وسما إلى حَوْضِ الغَمامِ فماؤهُ      كَدِرٌ بمُنْهالِ الغُبارِ الأقْتَمِ

جاءتْ بأمْثالِ القِداحِ مُفِيضَةً      من كلّ أشْعَثَ بالسّيوفِ مُوَسَّمِ

فوُجِدْنَ أمْضى من سِهامِ التُّرك إذ      نُفِضَتْ وأنْفَدَ مِن حِرابِ الدّيْلمِ

حتى تركْنَ الماءَ ليس بطاهِرٍ      والتُّرْبَ ليس يَحِلُّ للمُتَيَمّمِ

المنخل اليشكري:     

إِنْ كُنْتِ عَاذِلَتِي فَسِيرِي     نَحْوَ الْعِرَاقِ وَلاَ تَحُورِي
لاَ تَسْأَلِي عَنْ جُلِّ مَا     لِي وَانْظُرِي حَسَبِي وَخِيرِي
وَإِذَا الرِّيَاحُ تَكَمَّشَتْ     بِجَوَانِبِ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ
أَلْفَيْتِنِي هَشَّ النَّدَى     بِشَرِيجِ قِدْحِي أَوْ شَجِيرِي
وَفَوَارِسٍ كَأُوَارِ حَـ     ـرِّ النَّارِ أَحْلاَسِ الذُّكُورِ
شَدُّوا دَوَابِرَ بَيْضِهِمْ     فِي كُلِّ مُحْكَمَةِ الْقَتِيرِ
وَاسْتَلْأَمُوا وَتَلَبَّبُوا     إِنَّ التَّلَبُّبَ لِلْمُغِيرِ
وَعَلَى الْجِيَادِ المُضْمَرا     تِ فَوَارِسٌ مِثْلُ الصُّقُورِ
يَخْرُجْنَ مِنْ خَلَلِ الْغُبَا     رِ يَجِفْنَ بِالنَّعَمِ الْكَثِيرِ
أَقْرَرْتُ عَيْنِي مِنْ أُولَـ     ـئِكَ وَالفَوَائِحِ بِالعَبِيرِ
يَرْفُلْنَ فِي المِسْكِ الذَّكِـ     ـيِّ وَصَائِكٍ كَدَمِ النَّحِيرِ
يَعْكُفْنَ مِثْلَ أَسَاوِدِ الـ     تَّنُّومِ لَمْ تُعْكَفْ لِزُورِ
وَلَقَدْ دَخَلْتُ عَلَى الفَتَا     ةِ الخِدْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ
الْكَاعِبِ الْحَسْنَاءِ تَرْ     فُلُ فِي الدِّمَقْسِ وَفِي الْحَرِيرِ
فَدَفَعْتُهَا فتَدَافَعَتْ     مَشْيَ الْقَطَاةِ إِلَى الْغَدِيرِ
وَلَثَمْتُهَا فَتَنَفَّسَتْ     كَتَنَفُّسِ الظَّبْيِ الْبَهِيرِ
فَدَنَتْ وَقَالَتْ يَا مُنَـ     ـخَّلُ مَا بِجِسْمِكَ مِنْ حَرُورِ
مَا شَفَّ جِسْمِي غَيْرُ حُـ     ـبِّكِ فَاهْدَئِي عَنِّي وَسِيرِي
وَأُحِبُّهَا وَتُحِبُّنِي     وَيُحِبُّ نَاقَتَها بَعِيرِي
يَا رُبِّ يَوْمٍ لِلْمُنـ     ـخَّلِ قَدْ لَهَا فِيهِ قَصِيرِ
فَإِذَا انْتَشَيْتُ فَإِنَّنِي     رَبُّ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ
وَإِذَا صَحَوْتُ فَإِنَّنِي     رَبُّ الشُّوَيْهَةِ وَالبَعِيرِ
وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ الْمُدَا     مَةِ بِالْقَلِيلِ وَبِالْكَثِيرِ
يَا هِنْدُ مَنْ لِمُتَيَّمٍ     يَا هِنْدُ لِلْعَانِي الأَسِيرِ

بشار بن برد:

يا ليلتي تزداد نكرا      مِن حُبِّ من أَحْبَبْتُ بِكْرَا

حَوْرَاءٌ إِنْ نَظَرَتْ إِلَيْـ      ـكَ سَقَتْكَ بالعينين خَمرا

وكأن رجع حديثها      قِطَعُ الرِّيَاضِ كُسِينَ زَهْرَا

وكأن رحت لسانها      هاروت ينفث فيه سحر

وَتَخَال ما جَمَعَتْ عَلَيْـ      ـه ثيابَها ذَهَباً وعِطْرَا

وكأَنَّهَا بَرْدُ الشرا      ب صفا ووافق منك فطرا

جِنيَّة ٌ إِنْسِيَّة ٌ      أو بين ذاك أجلٌ أمرا

وكفاك أني لم أحط      بشكَاة ِ من أحْبَبْتُ خُبْرَا

إذا مقالة زائر      نثرت لي الأحزان نثرا

متخشعاً تحت الهوى      عشرا وتحت الموت عشرا

تنسي الغويّ معاده      وتكون للحكماء ذكرا

ابن دريد الأزدي:     

لا تَركُنَنَّ إِلى الهَوى      وَاِذكُر مُفارَقَةَ الهَواءِ

يَوماً تَصيرُ إِلى الثَرى      وَيَفوزُ غَيرُكَ بِالثَراءِ

كَم مِن صَغيرٍ في رَجا      بِئرٍ لِمُنقَطِعِ الرَجاءِ

غَطّى عَلَيهِ بِالصَفا      أَهلُ المَوَدَّةِ وَالصَفاءِ

ذَهَبَ الفَتى عَن أَهلِهِ      أَينَ الفَتِيُّ مِنَ الفَتاءِ

زالَ السَنا عَن ناظِرَي      هِ وَزالَ عَن شَرَفِ السَناءِ

ما زالَ يَلتَمِسُ الخَلا      حَتّى تَوَحَّدَ في الخَلاءِ

قَطَعَ النسا مِنهُ الزَما      نُ فَلَم يُمَتَّع بِالنَساءِ

وَأَرى العَشا في العَينِ أَك      ثَرَ ما يَكونُ مِنَ العَشاءِ

وَأَرى الخَوى يُذكي عُقو      لَ ذَوي التَفَكُّرِ في الخَواءِ

وَلَرُبَّ مَمنوعِ العَرا      وَلَسَوفَ يُنبَذُ بِالعَراءِ

مَن خافَ مِن أَلَمِ الحَفا      فَليَجتَنِب مَشيَ الحَفاءِ

كَم مَن تَوارى بِالنَقا      بَعدَ النَظافَةِ وَالنَقاءِ

وَأَخو الغَرا مَن لا يَزا      لُ بِما يَضُرُّ أَخا غَراءِ

إِنَّ الحَياةَ مَعَ الحَيا      وَأَرى البَهاءَ مَعَ الحَياءِ

عَقلُ الكَبيرِ مِنَ الوَرى      في الصالِحاتِ مِنَ الوَراءِ

لَو تَعلَمُ الشاةُ النَجا      مِنها لَجَدَّت في النَجاءِ

وَأَرى الدَوا طولَ السَقا      مِ فَلا تُفَرِّط في الدَواءِ

وَإِذا سَمِعتَ وَحَى الزَما      نِ فَلا تُقَصِّر في الوَحاءِ

فَلَرُبَّما وَدّى السَفا      نَحوَ السَفا أَهلَ السَفاءِ

يا اِبنَ البَرى إِنَّ الأحِب      بَةَ يوذِنونكَ بِالبَراءِ

فَكُلِ الفَنا إِن لَم تَجِد      حَلّاً فَإِنَّكَ في الفَناءِ

وَأَراكَ قَد حالَ العَمى      ما بَينَ عَينِكَ وَالعَماءِ

فَاِنظُر لِعَينِكَ في الجَلا      إِن خِفتَ مِن يَومِ الجَلاءِ

فَلَرُبَّما وَدّى الفَضا      مُتَزَوِّديهِ إِلى الفَضاءِ

فَاِهدَأ هُديتَ إِلى الذَكا      إِن كُنتَ مِن أَهلِ الذَكاءِ

فَالمَرءُ نُبِّهَ بِالعَفا      إِن لَم يُفَكِّر في العَفاءِ

سَيَضيقُ مُتَّسَعُ المَلا      بِالمُخرَجينَ مِنَ المَلاءِ

فَاِرغَب لِرَبِّكَ في الجَدا      ما أَنتَ عَنهُ ذو جَداءِ

توصي وَعَقلُكَ في بَذا      فَلِذاكَ رَأيُكَ ذو بَذاءِ

فَكَأَنَّما ريحُ الصَبا      تَجر بِطُلّابِ الصَباءِ

باعوا التَيَقُّظَ بِالكَرى      فَعُقولُهُم بِذُرى كَراءِ

فَكَأَنَّهُم مَعزُ الأَبا      أَو كَالحُطامِ مِنَ الأَباءِ

كَم مِن عِظامٍ بِاللِوى      قد فارَقَت خَفقَ اللِواءِ

وَأَرى الغِنى يَدعو الغَنِي      يَ إِلى المَلاهي وَالغِناءِ

يُمضي الإِنا بَعدَ الإِنا      وَمُناهُ في مَلءِ الإِناءِ

فَلَرُبَّما فَضَحَ الرِجا      لَ ذَوي اللِحى كَشفُ اللِحاءِ

وَلَرُبَّما صادَ العِدى      ذا السَبقِ في صَيدِ العِداءِ

وَلَرُبَّما هُجِرَ البِنا      بَعدَ التَأَنُّقِ في البِناءِ

فَلِيَستَوي أَهلُ الكِبا      وَذَوو التَعَطُّرِ بِالكِباءِ

وَلَرُبَّ ماءٍ ذي رِوى      يُحتاج فيهِ إِلى الرِواءِ

وَأَرى البِلى يُبلي الجَدي      دَ وَكُلُّ شَيءٍ لِلبَلاءِ

كَم مِن إِنا يُفني اللَيا      لي ثُمَّ يَفنى بِالأَناءِ

وَأَرى القِرى ما لا يُدو      مُ عَلى الزَمانِ لِذي قراءِ

وَذَوو السِوى يَرِثُ الفَتى      وَليَنزَعَنَّ مِنَ السَواءِ

حُبُّ النِساءِ إِلى قِلى      وَأَرى الصَلاحَ مَعَ القلاءِ

ماءُ الحَياةِ رِوىً وَأَن      نى لِلمُجَلّى بِالرَواءِ

كَم مِن إِيا شَمسٍ رَأَي      تُ وَلا تَرى مِثلَ الأَياءِ

تَهوى لقى ما لا يَحِل      لُ وَبَعدَهُ يَومُ اللِقاءِ

وَسَكَنتَ بَيتاً ذا غَمى      وَلَتَخرُجَنَّ مِنَ الغِماءِ

فَاِنظُر لِسَمهِكَ في غَرا      لا تَستَقيمُ بِلا غِراءِ

وَاِحذَر صَلى نارِ الجَحي      مِ فَإِنَّهُ شَرُّ الصِلاءِ

فَجَرى الشَبابُ يَزولُ عَن      كَ وَقَلَّ ما أَغنى الجِراءِ

وَأَرى الغذا لا يُستطا      عُ فَمن لِنَفسِكَ بِالغِذاءِ

كَم قَد وَرَدتَ إِلى أَضا      وَصَدَرتَ عَن ذاكَ الإِضاءِ

وَأَراكَ تَنظُرُ في السَحا      لا ضَيرَ في نَظَرِ السِحاءِ

شَمسُ الضُحى طَلَعَت عَلَي      كَ وَلا تَرى شَمسَ الضَحاءِ

إبراهيم اليازجي:     

دَع مَجلس الغِيدِ الأَوانِسْ      وَهَوى لَواحِظِها النَواعِسْ

واسلُ الكُؤوسَ يُديرُها      رَشأٌ كَغُصنِ البانِ مائِسْ

وَدَعِ التَنَعُّمَ بِالمَطا      عِمِ وَالمَشاربِ وَالمَلابسْ

أَيُّ النَعيمِ لِمَن يَبي      تُ عَلى بِساط الذُلِّ جالسْ

وَلِمَن تَراهُ بائِساً      أَبداً لِذَيلِ التُركِ بائسْ

وَلِمَن أَزمّته بِكَفْ      فِ عِداهُ يَظلمُ وَهُوَ آئسْ

وَلِمَن غَدا في الرِّقِ لَيْ      سَ يَفوتُهُ إِلّا المناخِسْ

وَلِمَن تُباعُ حقُوقُهُ      وَدِماؤُهُ بَيع الخَسائِسْ

وَلِمَن يَرى أَوطانَهُ      خَرَباً وَأَطلالاً دَوارِسْ

كُسِيَتْ شُحوبُ الثاكِلا      تِ وَكُنَّ قَبلاً كَالعَرائِسْ

عُجْ بي فَدَيتُكَ نادِباً      ما بَينَ أَرسُمِها الطَوامِسْ

وَاِستَنطِقِ الآثارَ عَمْ      ما كانَ في تِلكَ البَسابِسْ

مِن عِزّةٍ كانَت تَذِلْ      لُ لَها الجَبابِرةُ الأَشاوِسْ

وَكَتائبٍ كانَت تَها      بُ لِقاءَ سَطوَتِها المَتارِسْ

وَمَعاقِلٍ كانَت تُعَزْ      زُ بِالطَلائعِ وَالمحارِسْ

وَمَدائنٍ غَنَّاءَ قَد      كانَت تَحفُّ بِها الفَرادِسْ

أَينَ المَتاجِرُ وَالصَنا      ئِعُ وَالمَكاتبُ وَالمَدارِسْ

بَل أَينَ هاتيكَ المُرو      جُ بِها المَزارعُ وَالمَغارِسْ

بَل أَينَ هاتيكَ الأُلو      فُ بِها فَسيحُ البرِّ آنِسْ

هَلِكوا فَلَستَ تَرى سِوى      عِبَرٍ تَثور بِها الهَواجِسْ

بيدٌ صَوامَتُ لَيسَ يُس      مَعُ في مَداها صَوتُ نابِسْ

إِلّا رِياحَ الجورِ تَكْ      سَحُ وَجهَها كَسحَ المَكانِسْ

أَمسَت بَلاقِعَ لا تُرى      إِلّا بِأَبصارٍ نَواكِسْ

ضَحِكَت زَماناً ثُم عا      دَت وَهيَ كالحةٌ عَوابِسْ

غَضِبَت عَلى الإِنسانِ وَاِتْ      تَخَذَت عَلَيها الوَحشَ حارِسْ

فَإِذا أَتاها الإِنس را      ح يَدوسها دَوسَ المُخالِسْ

هَذِهْ مَنازلُ مَن مَضَوا      مِن قَومنا الصِّيدِ القَناعِسْ

دَرَست كَما دَرَسوا وَقَد      ذَهَبَ النَفيسُ مَعَ المُنافِسْ

ماذا نُؤمِّلُ بَعدَهُم      إِلّا مُقارَعَةَ الفَوارِسْ

فَإِلَيكُمُ يا قَوم وَاِطْ      طَرِحوا المُدالِس وَالمُوالِسْ

وَتَشَبَّهوا بِفعَال غَيْ      رِكُمُ مِنَ القَومِ الأَحامِسْ

بَعَصائبٍ أَنِفُوا فَجا      دوا بِالنُفوسِ وَبِالنَفائِسْ

هَبَتْ طَلائِعُهُم يَلِي      هَا كُلُّ صَنديدٍ مُمارِسْ

تَرَكوا جُموعَ التُركِ تَعْ      صِفُ فَوقَها النَكُبُ الرَوامِسْ

مَلأوا البطاحَ بِهِم فَدا      سَ عَلى الجَماجِمِ كُلُّ دائسْ

فَخُذوا لِأَنفُسِكُم مِثا      لَ أولئِكَ القَومِ المَداعِسْ

أَوَلَستُمُ العربَ الكِرا      مَ وَمَن هُمُ الشمَّ المَعاطِسْ

فَاِستَوقَدوا لِقتالِهِم      ناراً تَروِّعُ كُلَّ قابِسْ

وَعَلَيهِمُ اِتَّحِدوا فكُلْ      لُكُمُ لِكُلِّكُمُ مجانِسْ

وَدَعوا مَقال ذَوي الشِّقا      قِ مِنَ المَشايخِ وَالقَمامِسْ

فَهُمُ رِجالُ اللَهِ في      كُم بَل هُمُ القَومَ الأَبالِسْ

يَمشون بَينَ ظُهورِكُم      تَحتَ الطَيالِس وَالأَطالِسْ

فَالشَرُّ كُلُّ الشَرِّ ما      بَينَ العَمائِم وَالقَلانِسْ

دَبَّتْ عَقارِبَهُم إِلَيْ      كُم بِالمَفاسِدِ وَالدَسائِسْ

في كُلِّ يَومٍ بَينَكُم      يَصلى التَعَصُب حَربَ داحِسْ

يُلقُونَ بَينَكُمُ التَبا      غُضَ وَالعَداوةَ وَالوَساوِسْ

نَثَروا اِتحادَكُمُ كَما      نُثِرَت مِن النَخلِ الكَبائِسْ

سادَ الفَسادُ بِهِمْ فَسا      دَ التُّركَ فيهِ بَلا مُعاكِسْ

قَومٌ لَقَد حَكَموا بِكُم      حُكمَ الجَوارحِ في الفَرائِسْ

وَعدَتْ عَوادي البَغيِ تَعْ      رِقُكُم بِأَنيابٍ نَواهِسْ

كَم تَأمَلونَ صَلاحَهُم      وَلَهُم فَسادُ الطَبعِ سائِسْ

وَيَغرُّكُم بَرقُ المُنى      جَهلاً وَلَيلُ اليَأسِ دامِسْ

أَو ما تَرونَ الحُكمَ في      أَيدي المَصادِرِ وَالمماكِسُ

وَعَلى الرِّشَى وَالزُّورِ قَد      شادوا المَحاكِمَ وَالمَجالِسْ

وَالحَقُّ أَصبَحَ عِندَ مَن      أَلِفَ الخَلاعةَ وَالخَلابِسْ

مِن كُلِّ مَن يُمسي إِذا      ذَكَروا لَهُ الإِصلاحَ خانِسْ

عَمّت قَبائِحَهُم فَأَمْ      سَتْ لا تُحيطُ بِها الفَهارِسْ

حالٌ بِها طابَ التَّبَسْ      سُمُ لِلوَغى وَالمَوتُ عابِسْ

وَحَلا بِها بَذلُ الدِما      ءِ فَسَفكُها لِلجورِ حابِسْ

برحَ الخَفاءُ وَمَن يَعِشْ      يَرَ ما تَشيبُ لَهُ القَوانِسْ

جرمانوس فرحات:     

قف بي خليلي واستمحْ      مولاي عني تسترحْ

لقد اتقيت مصائباً      عن ساحتي لا تنتزح

عهدي وجرحي معضلٌ      بالمتقي لا ينجرح

دمعي ينم بغربتي      فلذاك سرّي يفتضح

دمعي كسري كالنوى      من جفن عيني ينسفح

يا صبر ما لك راحلاً      وأنا الأسير المنجرح

يا قلب ما لك طائراً      دوني وغصني ما كسح

عهدي بودك صادقاً      فعلام عني قد برح

يا لائمي كن مسعدي      فيما تراني أصطلح

دع عنك لومي إنني      أمسي بحزني واَصطبح

عيني تلت آياتها      لكن كراها ما شرح

ناديته لكنه      لو كان حيّاً لم أبح

ما بين جفني والكرى      حرب الحنين المفتضح

ذا من عيوني طائرٌ      والجفن في دمعي سبح

وزناد همي في دجا      ليل البلايا ينقدح

والقلب فيَّ كأنه ال      خاطي بنارٍ ينتفح

إن رمت شرح مصابه      مضمومنه لا ينشرح

ولذاك يأبى صدره      من حزنه أن ينشرح

يا رُبَّ خلٍّ قائلٍ      قول النصوح المنتصح

حتام في ليل الأسى      وجواد عزمك ينطرح

جبريل مالك غافلاً      وثناك أسود منكلح

جبريل فق حتى متى      عن باب ربك منتزح

جبريل إحذر شهوةً      قد عشت فيها منفضح

جبريل تب عن عادةٍ      قد خلت فيها تنصلح

جبريل جدَّ بتوبةٍ      اسجم دموعاً تنفسح

جبريل أحسن تستتر      حقّاً وإلّا تفتضح

واعلم بأن الموت قد      وافاك يوماً ينتطح

كم هام مثلك مثقلٌ      لما بصخرته نطح

خفقت عليك بنوده      من تحتها كم منجرح

كم قد سمعت نصائحاً      من ناصحٍ حرٍّ ملح

أترك وساوسك التي      شغلت فؤادك تسترح

أهملت نصحَ موبخٍ      إذ لم تشأ أن تنتصح

ألآن قد وضح الذي      قد خلته لا يتضح

ورأيت نار جهنمٍ      وشرورها لا تنصفح

ونعيم ربٍّ خالدٍ      خيراته لا تنتزح

لو شئته لورثته      إرث النبي المنمسح

ونجوت من نارٍ غدت      بزناد شرِّكَ تنقدح

فندمت لكن بعد ما      غربت شموسك تتقح

وغدوت تهتف نائحاً      يا ويح من لا يصطلح

لو كنت أكبح همتي      كانت وحقك تنكبح

لكن وثقت بمدتي      والعمر فخٌّ منطرح

فذهلت حتى غشني      وأبيك فعلي ما ربح

والموت وافى صارخاً      بالباب بابك قد فتح

لو كان سعيي منجحاً      كنت السعيد أخا النجح

يا توبتي يا شقوتي      يا حسرتي لو انتصح

لما أرى بين الورى      ميزان إثمي قد رجح

يا رب إقبل توبتي      من قبل أني أفتضح

يوماً تقوم مناقشاً      والسر عندك يتضح

إن كانت الأبرار من      صوت اقتدارك تنطرح

ما حال من قد كان عن      آثامه لا ينتزح

يا مريم البكر التي      مَن أَمَّها يوماً رجح

ما جاءك المضنوك من      أحزانه إلّا فرح

غيثي افتقاري إنني      في باب جودك منطرح

كم من عدوٍّ قد غدا      من حد سيفك منجرح

فبها أصير مؤيداً      بسواك أيدي لا يصح

وأعود حرّاً مطلقاً      منها وفيها أمتدح

وأعود حياّ قائلاً      قول المثاب المنشرح

أحييت ميتاً كان في      سكين شهوته ذبح

ابن الرومي:     

حيّ المعاهدَ والمنازلْ      المقفراتِ بل الأواهلْ

بُدِّلنَ آراماً خوا      ذلَ بعدَ آرامٍ خواذلْ

حرَّكنَ شجْوك للسؤا      لِ وما أحَرْنَ جوابَ سائلْ

فابعثْ بهنّ من الدمو      عِ وقِفْ بهن من الرواحلْ

وسلِ الملائحَ بالملا      ئِحِ والعطابلَ بالعطابِلْ

اللائي أشْبَهنَ الغصو      نَ المستقيماتِ الموائلْ

وكَملْنَ كلَّ وسامةٍ      في غير أسنانٍ كواملْ

حُلّين حَلياً خِلقةً      مجبولة لا نحلَ ناحلْ

فإذا عطلْن من الحُلْي      ي فلسْن منه بالعواطلْ

وإذا غدونَ يمِسْن في      تلك الغلائِل والمراسلْ

غارت عليهن الثُّديْ      يُ هناك من مس الغلائلْ

وإذا لبسْنَ خلاخِلاً      كذَّبْن أسماء الخلاخلْ

تأبى تخلخلَهُنَّ أسْ      وُقُ مُرجحنّاتٍ بخادلْ

لكنهنّ بخائِلٌ      لهْفي على تلكَ البخائلْ

قد غُلِّظتْ تلك القلو      بُ ولُطّفتْ تلك الأناملْ

لي شاغلٌ في حبهنْ      نَ عن التي تدعى بشاغلْ

بظراء تُمسخُ لامُها      راءً إذا رأتِ الفياشِلْ

ولربما جُنَّتْ لها      فترى عواليها سوافلْ

عجباً لبردِ غنائها      وغناؤها ثُكْلُ الثواكلْ

ما باله كالزمهري      رِ مُهيّجاً وجَعَ المفاصلْ

هلّا استحرَّ لأنه      ثكلٌ وللشّبَقِ المُدَاخلْ

حُلقتْ ذوائبُها التي      خُلقت لصُنَّاع المناخِلْ

بل لحيةُ الرجلِ الذي      أضحى بها جَمَّ البلابلْ

ماذا يُضيعُ من الوسا      ئِلِ في هواها والرسائلْ

لكن شهوته اللِّبا      ءُ فما يُحبُّ سوى الحواملْ

وهي التي قد أقسمتْ      أن لا تُعَدَّ مع الحوائلْ

أتراك تسلمُ يا سلا      مةُ أن تكون من الثيَاتلْ

وقد احتملْتَ بها قرو      ناً لا ينوء بهنّ حاملْ

كنْتَ القصيرَ فقد غدوْ      تَ بطولهنّ من الأطاولْ

لا تَخْلونَ بشاغلٍ      حتى تُعِدَّ لها قوابلْ

إن التي عُلّقْتَها      تَزْنِي الفرائضَ والنوافلْ

قالوا تُعاهِرُ في الدرو      بِ فقلتُ كلا بل تُعاظلْ

لكن أراك تُحِبُّها      حُبَّ المُشاكلِ للمشاكلْ

أشْبهتها في بردِ أع      لاها أو في حَرّ الأسافلْ

كم قد سترْتُ معايباً      لمعتْ بها فيكَ المخائلْ

ووقفتُ دونك للخصو      مِ بموقفِ الخَصْم المُجادلْ

قالوا صديقك سيدٌ      بادي النباهةِ غيرُ خاملْ

نمَّتْ بذاك شواهدٌ      فيه أنمُّ من الجلاجلْ

ولربَّ عيبٍ قد تَبَيْ      يَنَ بالشواهدِ والدلائلْ

صدقُوا وما كذبوا عليْ      ك فلم أناضح أو أُناضلْ

إني لأعلم أنك ال      مطعونُ في غيرِ المقاتلْ

ما إنْ تزال فريسةً      في خَلْوةٍ تحت الكلاكلْ

وإن استترتَ بقحبةٍ      لك عند ناكتها طوائلْ

أنشأتَ تَخدَعُنا وأمْ      رُكَ بيّنٌ بادي الشَّواكلْ

وعدلتَ من طبلٍ إلى عو      دٍ وأنت من الطوابلْ

بل ليتَ كنتَ من الطوا      بِل أنت من سَقْط الزَّواملْ

وخضبْتَ خُنْثَك بالتغزْ      زُلِ والبغاءُ هناك ناصلُ

مثل التي أضحت تكا      تمُ حَملها والضَّرعُ حافلْ

تتنحَّلُ المتعشِّقا      تِ وأنت بغَّاءٌ حُلاحِلْ

أنَّى يصلنك لا وصلْ      نَ ولو بقين بلا مُواصِلْ

أنت الذي فاق الورى      في القُبح من حافٍ وناعلْ

وتُناك غيرَ مُساترٍ      للغانيات ولا مخاتلْ

فعلامَ يمنحنَ الهوى      غيرَ الجميل ولا المجاملْ

ولقد شهدنك راكباً      فوق الغِلاظ من الغراملْ

تبغي بها تقويمَ أيْ      رِك وهو كالسكران مائلْ

فبصُرْن فيك بفارسٍ      يغْشى الحروبَ ولا يُقاتلْ

وأرى غِناءك في المجا      لسِ مثلَ ذكرك في المحافلْ

وأراك فيه ناهقاً      وتظنّ أنك فيه صاهلْ

وتُراكَ فيه فارساً      والحق أنك فيه راجلْ

وتُراكَ فيه عالياً      والحق أنك فيه سافلْ

وأراكَ تعملُ صالحاً      تُعتدُّ فيه أضلَّ عامِلْ

أكفلْتَ نَغْلَي شيخةٍ      ولدتهما من غيرِ طائلْ

ولدتْهُما من غيرِ شي      خِك ذي الفضائل والفواضلْ

وكذا الكريمُ ابنُ الكرا      مِ يعولُ أيتامَ القبائلْ

اذهبْ فإنك بعدَها      كهفُ اليتامَى والأراملْ

أقسمتُ أنك جاهلٌ      والمُمتري في ذاك جاهلْ

أتعولُ ويحك إخوةً      لا من أبيك وأنت غافلْ

ويُريبُني كلَّ الإرا      بةِ منك تأنيثُ الشمائلْ

قد كان شيخُك باسلاً      بطلاً فما لَكَ غيرُ باسلْ

إني لأحسبُ أن أُمْ      مَك لبَّستْ حقّاً بباطلْ

واغتالت الشيخَ الشقيْ      يَ فقيَّرتْه وهْو غافلْ

خذها إليك تحيةً      تَلقى المعاطس بالجنادلْ

يا معشرَ السفهاءِ وال      متمردين ذَوي المجاهلْ

أنذرتكم قبل الخسو      فِ بما ترون من الزلازلْ

أحمد شوقي:

شَيّعـتُ أَحْـلامـي بقلـبٍ بـاكِ      ولَمَحتُ من طُرُق المِـلاحِ شِباكـي

ورجـعـتُ أَدراجَ الشبـاب ووِرْدَه      أَمشي مكانَهمـا علـى الأَشـواكِ

وبجـانبِـي واهٍ كـأَن خُفـوقَـه      لَمـا تلفَّـتَ جَهْشَـةُ المُتبـاكـي

شاكِي السلاحِ إذا خـلا بضلوعـه      فإذا أُهيـبَ بـه فليـس بـشـاكِ

قد راعـه أَنـي طوَيْـتُ حبائلـي      من بعـد طـول تنـاولٍ وفكـاكِ

وَيْحَ ابنِ جَنْبـي ؟ كلُّ غايـةِ لـذَّةٍ      بعـدَ الشبـابِ عـزيـزةُ الإدراكِ

لـم تَبـقَ منَّا ، يا فـؤادُ ، بقيّـةٌ      لـفـتـوّةٍ ، أَو فَضلـةٌ لـعِـراكِ

كنا إذا صفَّقْـتَ نستبـق الـهوى      ونَشُـدُّ شَـدَّ العُصبـةِ الـفُتَّـاكِ

واليومَ تبعـث فـيّ حيـن تَهُزُّنـي      مـا يبعـث الناقـوسُ فِي النُّسّـاكِ

يا جارةَ الوادي ، طَرِبْـتُ وعادنـي      ما يشبـهُ الأَحـلامَ مـن ذكـراكِ

مَثَّلْتُ فِي الذِكْرَى هَواكِ وفِي الكَرَى      والذِّكرياتُ صَدَى السّنينَ الحَاكـي

ولقد مررتُ على الريـاض برَبْـوَةٍ      غَـنَّـاءَ كنـتُ حِيالَهـا أَلقـاكِ

ضحِكَتْ إلـيَّ وجُوهها وعيونُهـا      ووجـدْتُ فِـي أَنفاسهـا ريّـاكِ

فذهبتُ فِي الأَيـام أَذكـر رَفْرَفـاً      بيـن الجـداولِ والعيـونِ حَـواكِ

أَذكَرْتِ هَرْوَلَةَ الصبابـةِ والـهوى      لـما خَطَـرْتِ يُقبِّـلان خُطـاكِ ؟

لم أَدر ما طِيبُ العِناقِ على الـهوى      حتـى ترفَّـق ساعـدي فطـواكِ

وتأَوَّدَتْ أَعطـافُ بانِك فِي يـدي      واحـمرّ مـن خَفَرَيْهمـا خـدّاكِ

ودخَلْتُ فِي ليلين: فَرْعِك والدُّجـى      ولثمـتُ كالصّبـح المنـوِّرِ فـاكِ

ووجدْتُ فِي كُنْهِ الجوانـحِ نَشْـوَةً      من طيب فيك ، ومن سُلاف لَمَـاكِ

وتعطَّلَتْ لغـةُ الكـلامِ وخاطبَـتْ      عَيْنَـيَّ فِي لُغَـة الـهَوى عينـاكِ

ومَحَوْتُ كلَّ لُبانـةٍ من خاطـري      ونَسِيـتُ كلَّ تَعاتُـبٍ وتَشاكـي

لا أَمسِ من عمرِ الزمـان ولا غَـد      جُمِع الزمانُ فكـان يـومَ رِضـاكِ

لُبنانُ ، ردّتنـي إليكَ مـن النـوى      أَقـدارُ سَـيْـرٍ للـحـيـاةِ دَرَاكِ

جمعَتْ نزيلَيْ ظَهرِهـا مـن فُرقـةٍ      كُـرَةٌ وراءَ صَـوالـجِ الأَفــلاكِ

نـمشي عليها فوقَ كـلِّ فجـاءَة      كالطير فـوقَ مَكامِـنِ الأَشـراكِ

ولو أَنّ بالشوق الـمزارُ وجدتنـي      مُلْقي الرحالِ على ثَـراك الذاكـي

بِنْـتَ البِقـاع وأُمَّ بَـرَ دُونِـيِّـها      طِيبي كجِلَّـقَ ، واسكنـي بَـرداكِ

ودِمَشْقُ جَنَّـاتُ النعيـم ،وإنـما      أَلفَيْـتُ سُـدَّةَ عَـدْنِهِـنَّ رُبـاكِ

قَسَماً لو انتمت الـجداول والرُّبـا      لتهلَّـل الفـردوسُ ، ثـمَّ نَمـاكِ

مَـرْآكِ مَـرْآه وَعَيْنُـكِ عَيْـنُـه      لِـمْ يا زُحَيْلـةُ لا يكـون أَبـاكِ ؟

تلـك الكُـرومُ بقيَّـةٌ مـن بابـلٍ      هَيْهَـاتَ! نَسَّـى البابلـيَّ جَنـاكِ

تُبْدِي كَوَشْيِ الفُرْسِ أَفْتَـنَ صِبْغـةٍ      للناظـريـن إلـى أَلَـذِّ حِـيـاكِ

خَرَزاتِ مِسْكٍ ، أَو عُقودَ الكهربـا      أُودِعْـنَ كافـوراً مـن الأَسـلاكِ

فكَّرْتُ فِي لَبَـنِ الجِنـانِ وخمرِهـا      لـما رأَيْتُ الـماءَ مَـسَّ طِـلاكِ

لـم أَنْسَ من هِبَةِ الزمـانِ عَشِيَّـةً      سَلَفَتْ بظلِّـكِ وانقضَـتْ بِـذَراكِ

كُنتِ العروسَ على مِنصَّة جِنْحِـها      لُبنانُ فِي الوَشْـيِ الكريـم جَـلاكِ

يـمشي إليكِ اللّحظُ فِي الديباج أَو      فِي العاج من أَي الشِّعـابِ أَتـاكِ

ضَمَّـتْ ذراعيْـها الطبيعـةُ رِقَّـةً      صِنِّيـنَ والحَـرَمُـونَ فاحتضنـاكِ

والبـدرُ فِي ثَبَـج السمـاءِ مُنَـوِّرٌ      سالت حُلاه على الثـرى وحُـلاكِ

والنيِّـرات مـن السحـاب مُطِلَّـةٌ      كالغِيـد من سِتْـرٍ ومـن شُبّـاكِ

وكأَنَّ كـلَّ ذُؤابـةٍ مـن شاهِـقٍ      كنُ الـمجرَّةِ أَو جـدارُ سِمـاكِ

سكنَتْ نواحـي الليـلِ ، إلا أَنَّـةً      فِي الأَيْكِ، أَو وَتَر اًشَجِـيَّ حَـراكِ

شرفاً ، عروسَ الأَرْز ، كلُّ خريـدةٍ      تـحتَ السماءِ من البـلاد فِـداكِ

رَكَـز البيـانُ علـى ذراك لـواءَه      ومشى ملـوكُ الشعـر فِي مَغنـاكِ

أُدباؤكِ الزُّهرُ الشمـوسُ ، ولا أَرى      أَرضاً تَمَخَّضُ بالشمـوس سِـواكِ

من كـلّ أَرْوَعَ علْمُـه فِي شعـره      ويراعـه مـن خُلْقـه بـمِـلاكِ

جمع القصائـدَ من رُبـاكِ ، وربّمـا      سرق الشمائلَ مـن نسيـم صَبـاكِ

موسى ببابكِ فِي الـمكارم والعـلا      وعَصاه فِي سحـر البيـانِ عَصـاكِ

أَحْلَلْتِ شعري منكِ فِي عُليا الـذُّرا      وجَمـعْـتِـه بـروايـة الأَمـلاكِ

إن تُكرمي يا زَحْلُ شعـري إننـي      أَنكـرْتُ كـلَّ قَـصـيـدَةٍ إلاَّكِ

أَنتِ الخيـالُ : بديعُـهُ ، وغريبُـه      اللهُ صـاغـك ، والـزمـانُ رَواكِ