المرقِّش الأكبر (550م):
أَجْوارِنا قُومِي فَحَيِّينا
|
وإِنْ سَقَيْتِ كِرامَ النَّاسِ فاسْقينا
|
وإِنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ
|
يوماً سَراَةَ خِيارِ الناسِ فادْعِينا
|
شُعْثٌ مَقادِمُنا نُهْبى مَراجِلُنا
|
نأسُو بأَمْوالِنا آثارَ أَيْدِينا
|
المُطْعِمُونَ إذا هبَّتْ شآمِيَّةٌ
|
وخَيْرُ نادٍ رآهُ النَّاس نادِينا
|
إن تبتدر غاية يوماً لمكرمة
|
تلق السوابق منّا والمصلينا
|
وليس يهلك منّا سيّد أبداً
|
إلاّ افتلينا غلاماً سيّداً فينا
|
إنّا لنرخص يوم الروع أنفسنا
|
ولو نسام بها في الأمن أُغْلينا
|
إنّا لمن معشر أفنى أوائلهم
|
قيل الكماة ألا أين المحامونا
|
لو كان في الألف منّا واحد فدعوا
|
من فارس خالهم إيّاه يعنونا
|
إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم
|
حدّ الظباة وصلناها بأيدينا
|
ولا نراهم وإن جلَّت مصيبتهم
|
مع البكاة على من مات يبكونا
|
ونركب الكره أحياناً فَيَفْرُجُهُ
|
عنّا الحفاظ وأسياف تواتينا
|
عبيد بن الأبرص (ت598م):
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ
|
فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ
|
فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ
|
فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ
|
فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ
|
لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ
|
إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشاً
|
وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ
|
أَرضٌ تَوارَثُها شُعوبُ
|
وَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ
|
إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِكاً
|
وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ
|
عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ
|
كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ
|
واهِيَةٌ أَو مَعينٌ مُمعِنٌ
|
أَو هَضبَةٌ دونَها لُهوبُ
|
أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ
|
لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ
|
أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ
|
لِلماءِ مِن تَحتِهِ قَسيبُ
|
تَصبو فَأَنّى لَكَ التَصابي
|
أَنّى وَقَد راعَكَ المَشيبُ
|
إِن تَكُ حالَت وَحُوِّلَ أَهلُها
|
فَلا بَديءٌ وَلا عَجيبُ
|
أَو يَكُ أَقفَرَ مِنها جَوُّها
|
وَعادَها المَحلُ وَالجُدوبُ
|
فَكُلُّ ذي نِعمَةٍ مَخلوسٌ
|
وَكُلُّ ذي أَمَلٍ مَكذوبُ
|
وَكُلُّ ذي إِبِلٍ مَوروثٌ
|
وَكُلُّ ذي سَلَبٍ مَسلوبُ
|
وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ
|
وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ
|
أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ
|
أَم غَنِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ
|
أَفلِح بِما شِئتَ فَقَد يُبلَغُ بِال
|
ضَعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَريبُ
|
لا يَعِظُ الناسُ مَن لَم يَعِظِ ال
|
دَهرُ وَلا يَنفَعُ التَلبيبُ
|
إِلّا سَجِيّاتِ ما القُلوبِ
|
وَكَم يَصيرَنَّ شانِئاً حَبيبُ
|
ساعِد بِأَرضٍ إِذا كُنتَ بِها
|
وَلا تَقُل إِنَّني غَريبُ
|
قَد يوصَلُ النازِحُ النائي وَقَد
|
يُقطَعُ ذو السُهمَةِ القَريبُ
|
مَن يَسَلِ الناسَ يَحرِموهُ
|
وَسائِلُ اللَهِ لا يَخيبُ
|
وَالمَرءُ ما عاشَ في تَكذيبٍ
|
طولُ الحَياةِ لَهُ تَعذيبُ
|
بَل رُبَّ ماءٍ وَرَدتُ آجِنٍ
|
سَبيلُهُ خائِفٌ جَديبُ
|
ريشُ الحَمامِ عَلى أَرجائِهِ
|
لِلقَلبِ مِن خَوفِهِ وَجيبُ
|
قَطَعتُهُ غُدوَةً مُشيحاً
|
وَصاحِبي بادِنٌ خَبوبُ
|
عَيرانَةٌ مُؤجَدٌ فَقارُها
|
كَأَنَّ حارِكَها كَثيبُ
|
أَخلَفَ ما بازِلاً سَديسُها
|
لا حِقَّةٌ هِي وَلا نَيوبُ
|
كَأَنَّها مِن حَميرِ غابٍ
|
جَونٌ بِصَفحَتِهِ نُدوبُ
|
أَو شَبَبٌ يَحفِرُ الرُخامى
|
تَلُفُّهُ شَمأَلٌ هُبوبُ
|
فَذاكَ عَصرٌ وَقَد أَراني
|
تَحمِلُني نَهدَةٌ سُرحوبُ
|
مُضَبَّرٌ خَلقُها تَضبيراً
|
يَنشَقُّ عَن وَجهِها السَبيبُ
|
زَيتِيَّةٌ ناعِمٌ عُروقُها
|
وَلَيِّنٌ أَسرُها رَطيبُ
|
كَأَنَّها لِقوَةٌ طَلوبُ
|
تُخزَنُ في وَكرِها القُلوبُ
|
باتَت عَلى إِرَمٍ عَذوباً
|
كَأَنَّها شَيخَةٌ رَقوبُ
|
فَأَصبَحَت في غَداةِ قِرَّةٍ
|
يَسقُطُ عَن ريشِها الضَريبُ
|
فَأَبصَرَت ثَعلَباً مِن ساعَةٍ
|
وَدونَهُ سَبسَبٌ جَديبُ
|
فَنَفَضَت ريشَها وَاِنتَفَضَت
|
وَهيَ مِن نَهضَةٍ قَريبُ
|
يَدِبُّ مِن حِسِّها دَبيباً
|
وَالعَينُ حِملاقُها مَقلوبُ
|
فَنَهَضَت نَحوَهُ حَثيثَةً
|
وَحَرَدَت حَردَةً تَسيبُ
|
فَاِشتالَ وَاِرتاعَ مِن حَسيسِها
|
وَفِعلَهُ يَفعَلُ المَذؤوبُ
|
فَأَدرَكَتهُ فَطَرَّحَتهُ
|
وَالصَيدُ مِن تَحتِها مَكروبُ
|
فَجَدَّلَتهُ فَطَرَّحَتهُ
|
فَكَدَّحَت وَجهَهُ الجَبوبُ
|
يَضغو وَمِخلَبُها في دَفِّهِ
|
لا بُدَّ حَيزومُهُ مَنقوبُ
|
عنترة بن شداد (ت 608 م):
لا تَقتَضي الدَينَ إِلّا بِالقَنا الذُبُلِ
|
وَلا تُحَكِّم سِوى الأَسيافِ في القُلَلِ
|
وَلا تُجاوِر لِئاماً ذَلَّ جارُهُمُ
|
وَخَلِّهِم في عِراصِ الدارِ وَاِرتَحِلِ
|
وَلا تَفِرَّ إِذا ما خُضتُ مَعرَكَةً
|
فَما يَزيدُ فِرارُ المَرءِ في الأَجَلِ
|
يا عَبلَ أَنتِ سَوادُ القَلبِ فَاِحتَكِمي
|
في مُهجَتي وَاِعدِلي يا غايَةَ الأَمَلِ
|
وَإِن تَرَحَّلتِ عَن عَبسٍ فَلا تَقِفي
|
في دارِ ذُلٍّ وَلا تُصغي إِلى العَذَلِ
|
لِأَنَّ أَرضَهُمُ مِن بَعدِ رِحلَتِن
|
تَبقى بِلا فارِسٍ يُدعى وَلا بَطَلِ
|
سَلي فَزارَةَ عَن فِعلي وَقَد نَفَرَت
|
في جَحفَلٍ حافِلٍ كَالعارِضِ الهَطِلِ
|
تَهُزُّ سُمرَ القَنا حِقداً عَلَيَّ وَقَد
|
رَأَت لَهيبَ حُسامي ساطِعَ الشُعَلِ
|
يُخبِركِ بَدرُ بنُ عَمروٍ أَنَّني بَطَلٌ
|
أَلقى الجُيوشَ بِقَلبٍ قُدَّ مِن جَبَلِ
|
قاتَلتُ فُرسانَهُم حَتّى مَضوا فِرَق
|
وَالطَعنُ في إِثرِهِم أَمضى مِنَ الأَجَلِ
|
وَعادَ بي فَرَسي يَمشي فَتُعثِرُهُ
|
جَماجِمٌ نُثِرَت بِالبيضِ وَالأَسَلِ
|
وَقَد أَسَرتُ سَراةَ القَومِ مُقتَدِر
|
وَعُدتُ مِن فَرَحي كَالشارِبِ الثَمِلِ
|
يا بَينُ رَوَّعتَ قَلبي بِالفِراقِ وَم
|
أَبكي لِفُرقَةِ أَصحابٍ وَلا طَلَلِ
|
بَل مِن فِراقِ الَّتي في جَفنِها سَقَمٌ
|
قَد زادَني عِلَلاً مِنهُ عَلى عِلَلي
|
أُمسي عَلى وَجَلٍ خَوفَ الفِراقِ كَم
|
تُمسي الأَعادِيُّ مِن سَيفي عَلى وَجَلِ
|
مَن لي بِرَدِّ الصِبا وَاللَهوِ وَالغَزَلِ
|
هَيهاتَ ما فاتَ مِن أَيّامِكَ الأُوَلِ
|
طَوى الجَديدانِ ما قَد كُنتُ أَنشُرُهُ
|
وَأَنكَرَتني ذَواتُ الأَعيُنِ النُجُلِ
|
وَما ثَنى الدَهرُ عَزمي عَن مُهاجَمَةٍ
|
وَخَوضِ مَعمَعَةٍ في السَهلِ وَالجَبَلِ
|
في الخَيلِ وَالخافِقاتِ السودِ لي شُغلٌ
|
لَيسَ الصَبابَةُ وَالصَهباءُ مِن شُغلي
|
لَقَد ثَناني النُهى عَنها وَأَدَّبَني
|
فَلَستُ أَبكي عَلى رَسمٍ وَلا طَلَلِ
|
سَلوا جَوادِيَ عَنّي يَومَ يَحمِلُني
|
هَل فاتَني بَطَلٌ أَو حُلتُ عَن بَطَلِ
|
وَكَم جُيوشٍ لَقَد فَرَّقتُها فِرَق
|
وَعارِضُ الحَتفِ مِثلُ العارِضِ الهَطِلِ
|
وَمَوكِبٍ خُضتُ أَعلاهُ وَأَسفَلَهُ
|
بِالضَربِ وَالطَعنِ بَينَ البيضِ وَالأَسَلِ
|
ماذا أُريدُ بِقَومٍ يَهدُرونَ دَمي
|
أَلَستُ أَولاهُمُ بِالقَولِ وَالعَمَلِ
|
لا يَشرَبُ الخَمرَ إِلّا مَن لَهُ ذِمَمٌ
|
وَلا يَبيتُ لَهُ جارٌ عَلى وَجَلِ
|
زهير بن أبي سُلمى (ت609م): |
إِنَّ الخَليطَ أَجَدَّ البَينَ فَاِنفَرَقا
|
وَعُلِّقَ القَلبُ مِن أَسماءَ ما عَلِقا
|
وَفارَقَتكَ بِرَهنٍ لا فِكاكَ لَهُ
|
يَومَ الوِداعِ فَأَمسى الرَهنُ قَد غَلِقا
|
وَأَخلَفَتكَ اِبنَةُ البَكرِيِّ ما وَعَدَت
|
فَأَصبَحَ الحَبلُ مِنها واهِناً خَلَقا
|
قامَت تَراءى بِذي ضالٍ لِتَحزُنَني
|
وَلا مَحالَةَ أَن يَشتاقَ مَن عَشِقا
|
بِجيدِ مُغزِلَةٍ أَدماءَ خاذِلَةٍ
|
مِنَ الظِباءِ تُراعي شادِناً خَرِقا
|
كَأَنَّ ريقَتَها بَعدَ الكَرى اِغتُبِقَت
|
مِن طَيِّبِ الراحِ لَمّا يَعدُ أَن عَتُقا
|
شَجَّ السُقاةُ عَلى ناجودِها شَبِماً
|
مِن ماءِ لينَةَ لا طَرقاً وَلا رَنِقا
|
ما زِلتُ أَرمُقُهُم حَتّى إِذا هَبَطَت
|
أَيدي الرِكابِ بِهِم مِن راكِسٍ فَلَقا
|
دانِيَةٍ لِشَروَرى أَو قَفا أَدمٍ
|
تَسعى الحُداةُ عَلى آثارِهِم حِزَقا
|
كَأَنَّ عَينَيَّ في غَربَي مُقَتَّلَةٍ
|
مِنَ النَواضِحِ تَسقي جَنَّةً سُحُقا
|
تَمطو الرِشاءَ فَتَجري في ثِنايَتِها
|
مِنَ المَحالَةِ ثَقباً رائِداً قَلِقا
|
لَها مَتاعٌ وَأَعوانٌ غَدَونَ بِهِ
|
قِتبٌ وَغَربٌ إِذا ما أُفرِغَ اِنسَحَقا
|
وَخَلفَها سائِقٌ يَحدو إِذا خَشِيَت
|
مِنهُ اللِحاقَ تَمُدُّ الصُلبَ وَالعُنُقا
|
وَقابِلٌ يَتَغَنّى كُلَّما قَدَرَت
|
عَلى العَراقي يَداهُ قائِماً دَفَقا
|
يُحيلُ في جَدوَلٍ تَحبو ضَفادِعُهُ
|
حَبوَ الجَواري تَرى في مائِهِ نُطُقا
|
يَخرُجنَ مِن شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ
|
عَلى الجُذوعِ يَخَفنَ الغَمَّ وَالغَرَقا
|
بَلِ اِذكُرَن خَيرَ قَيسٍ كُلِّها حَسَباً
|
وَخَيرَها نائِلاً وَخَيرَها خُلُقا
|
القائِدَ الخَيلَ مَنكوباً دَوابِرُها
|
قَد أُحكِمَت حَكَماتِ القِدِّ وَالأَبَقا
|
غَزَت سِماناً فَآبَت ضُمَّراً خُدُجاً
|
مِن بَعدِ ما جَنَبوها بُدَّناً عُقُقا
|
حَتّى يَأُوبَ بِها عوجاً مُعَطَّلَةً
|
تَشكو الدَوابِرَ وَالأَنساءَ وَالصُفُقا
|
يَطلُبُ شَأوَ اِمرِأَينِ قَدَّما حَسَناً
|
نالا المُلوكَ وَبَذّا هَذِهِ السُوَقا
|
هُوَ الجَوادُ فَإِن يَلحَق بِشَأوِهِما
|
عَلى تَكاليفِهِ فَمِثلُهُ لَحِقا
|
أَو يَسبِقاهُ عَلى ما كانَ مِن مَهَلٍ
|
فَمِثلُ ما قَدَّما مِن صالِحٍ سَبَقا
|
أَغَرُّ أَبيَضُ فَيّاضٌ يُفَكِّكُ عَن
|
أَيدي العُناةِ وَعَن أَعناقِها الرِبَقا
|
وَذاكَ أَحزَمُهُم رَأياً إِذا نَبَأٌ
|
مِنَ الحَوادِثِ غادى الناسَ أَو طَرَقا
|
فَضلَ الجِيادِ عَلى الخَيلِ البِطاءِ فَلا
|
يُعطي بِذَلِكَ مَمنوناً وَلا نَزِقا
|
قَد جَعَلَ المُبتَغونَ الخَيرَ في هَرِمٍ
|
وَالسائِلونَ إِلى أَبوابِهِ طُرُقا
|
إِن تَلقَ يَوماً عَلى عِلّاتِهِ هَرِماً
|
تَلقَ السَماحَةَ مِنهُ وَالنَدى خُلُقا
|
وَلَيسَ مانِعَ ذي قُربى وَذي نَسَبٍ
|
يَوماً وَلا مُعدِماً مِن خابِطٍ وَرَقا
|
لَيثٌ بِعَثَّرَ يَصطادُ الرِجالَ إِذا
|
ما كَذَّبَ اللَيثُ عَن أَقرانِهِ صَدَقا
|
يَطعَنُهُم ما اِرتَمَوا حَتّى إِذا اِطَّعَنوا
|
ضارَبَ حَتّى إِذا ما ضارَبوا اِعتَنَقا
|
هَذا وَلَيسَ كَمَن يَعيا بِخُطَّتِهِ
|
وَسطَ النَدِيِّ إِذا ما ناطِقٌ نَطَقا
|
لَو نالَ حَيٌّ مِنَ الدُنيا بِمَنزِلَةٍ
|
أُفقَ السَماءِ لَنالَت كَفُّهُ الأُفُقا
|
|
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ |
وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ |
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها |
تَمشي الهُوَينى كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ |
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها |
مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ |
تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت |
كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ |
لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها |
وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ |
يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها |
إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ |
إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت |
وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ |
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ |
إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ |
صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا |
جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ |
أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ |
رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ |
نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها |
لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ |
هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها |
كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ |
إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً |
وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ |
ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ |
خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ |
يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ |
مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ |
يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ |
وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ |
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً |
غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ |
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها |
مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ |
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني |
فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ |
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ |
ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ |
قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها |
وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ |
يا مَن يَرى عارِضاً قَد بِتُّ أَرقُبُهُ |
كَأَنَّما البَرقُ في حافاتِهِ الشُعَلُ |
لَهُ رِدافٌ وَجَوزٌ مُفأَمٌ عَمِلٌ |
مُنَطَّقٌ بِسِجالِ الماءِ مُتَّصِلُ |
لَم يُلهِني اللَهوُ عَنهُ حينَ أَرقُبُهُ |
وَلا اللَذاذَةُ مِن كَأسٍ وَلا الكَسَلُ |
فَقُلتُ لِلشَربِ في دُرنى وَقَد ثَمِلوا |
شيموا وَكَيفَ يَشيمُ الشارِبُ الثَمِلُ |
بَرقاً يُضيءُ عَلى أَجزاعِ مَسقِطِهِ |
وَبِالخَبِيَّةِ مِنهُ عارِضٌ هَطِلُ |
قالوا نِمارٌ فَبَطنُ الخالِ جادَهُما |
فَالعَسجَدِيَّةُ فَالأَبلاءُ فَالرِجَلُ |
فَالسَفحُ يَجري فَخِنزيرٌ فَبُرقَتُهُ |
حَتّى تَدافَعَ مِنهُ الرَبوُ فَالجَبَلُ |
حَتّى تَحَمَّلَ مِنهُ الماءَ تَكلِفَةً |
رَوضُ القَطا فَكَثيبُ الغَينَةِ السَهِلُ |
يَسقي دِياراً لَها قَد أَصبَحَت عُزُباً |
زوراً تَجانَفَ عَنها القَودُ وَالرَسَلُ |
وَبَلدَةً مِثلِ ظَهرِ التُرسِ موحِشَةٍ |
لِلجِنِّ بِاللَيلِ في حافاتِها زَجَلُ |
لا يَتَنَمّى لَها بِالقَيظِ يَركَبُها |
إِلّا الَّذينَ لَهُم فيما أَتَوا مَهَلُ |
جاوَزتُها بِطَليحٍ جَسرَةٍ سُرُحٍ |
في مِرفَقَيها إِذا اِستَعرَضتَها فَتَلُ |
إِمّا تَرَينا حُفاةً لا نِعالَ لَنا |
إِنّا كَذَلِكَ ما نَحفى وَنَنتَعِلُ |
فَقَد أُخالِسُ رَبَّ البَيتِ غَفلَتَهُ |
وَقَد يُحاذِرُ مِنّي ثُمَّ ما يَئلُ |
وَقَد أَقودُ الصَبى يَوماً فَيَتبَعُني |
وَقَد يُصاحِبُني ذو الشِرَّةِ الغَزِلُ |
وَقَد غَدَوتُ إِلى الحانوتِ يَتبَعُني |
شاوٍ مِشَلٌّ شَلولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ |
في فِتيَةٍ كَسُيوفِ الهِندِ قَد عَلِموا |
أَن لَيسَ يَدفَعُ عَن ذي الحيلَةِ الحِيَلُ |
نازَعتُهُم قُضُبَ الرَيحانِ مُتَّكِئاً |
وَقَهوَةً مُزَّةٌ راوُوقُها خَضِلُ |
لا يَستَفيقونَ مِنها وَهيَ راهَنَةٌ |
إِلّا بِهاتِ وَإِن عَلَّوا وَإِن نَهِلوا |
يَسعى بِها ذو زُجاجاتٍ لَهُ نُطَفٌ |
مُقَلِّصٌ أَسفَلَ السِربالِ مُعتَمِلُ |
وَمُستَجيبٍ تَخالُ الصَنجَ يَسمَعُهُ |
إِذا تُرَجِّعُ فيهِ القَينَةُ الفُضُلُ |
مِن كُلِّ ذَلِكَ يَومٌ قَد لَهَوتُ بِهِ |
وَفي التَجارِبِ طولُ اللَهوِ وَالغَزَلُ |
وَالساحِباتُ ذُيولَ الخَزِّ آوِنَةً |
وَالرافِلاتُ عَلى أَعجازِها العِجَلُ |
أَبلِغ يَزيدَ بَني شَيبانَ مَألُكَةً |
أَبا ثُبيتٍ أَما تَنفَكُّ تَأتَكِلُ |
أَلَستَ مُنتَهِياً عَن نَحتِ أَثلَتِنا |
وَلَستَ ضائِرَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ |
تُغري بِنا رَهطَ مَسعودٍ وَإِخوَتِهِ |
عِندَ اللِقاءِ فَتُردي ثُمَّ تَعتَزِلُ |
لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّ النَفيرُ بِنا |
وَشُبَّتِ الحَربُ بِالطُوّافِ وَاِحتَمَلوا |
كَناطِحٍ صَخرَةً يَوماً لِيَفلِقَها |
فَلَم يَضِرها وَأَوهى قَرنَهُ الوَعِلُ |
لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّت عَداوَتُنا |
وَاِلتُمِسَ النَصرُ مِنكُم عوضُ تُحتَمَلُ |
تُلزِمُ أَرماحَ ذي الجَدَّينِ سَورَتَنا |
عِندَ اللِقاءِ فَتُرديهِم وَتَعتَزِلُ |
لا تَقعُدَنَّ وَقَد أَكَّلتَها حَطَباً |
تَعوذُ مِن شَرِّها يَوماً وَتَبتَهِلُ |
قَد كانَ في أَهلِ كَهفٍ إِن هُمُ قَعَدوا |
وَالجاشِرِيَّةِ مَن يَسعى وَيَنتَضِلُ |
سائِل بَني أَسَدٍ عَنّا فَقَد عَلِموا |
أَن سَوفَ يَأتيكَ مِن أَنبائِنا شَكَلُ |
وَاِسأَل قُشَيراً وَعَبدَ اللَهِ كُلُّهُمُ |
وَاِسأَل رَبيعَةَ عَنّا كَيفَ نَفتَعِلُ |
إِنّا نُقاتِلُهُم ثُمَّتَ نَقتُلُهُم |
عِندَ اللِقاءِ وَهُم جاروا وَهُم جَهِلوا |
كَلّا زَعَمتُم بِأَنّا لا نُقاتِلُكُم |
إِنّا لِأَمثالِكُم يا قَومَنا قُتُلُ |
حَتّى يَظَلَّ عَميدُ القَومِ مُتَّكِئاً |
يَدفَعُ بِالراحِ عَنهُ نِسوَةٌ عُجُلُ |
أَصابَهُ هِندُوانِيٌّ فَأَقصَدَهُ |
أَو ذابِلٌ مِن رِماحِ الخَطِّ مُعتَدِلُ |
قَد نَطعَنُ العيرَ في مَكنونِ فائِلِهِ |
وَقَد يَشيطُ عَلى أَرماحِنا البَطَلُ |
هَل تَنتَهونَ وَلا يَنهى ذَوي شَطَطٍ |
كَالطَعنِ يَذهَبُ فيهِ الزَيتُ وَالفُتُلُ |
إِنّي لَعَمرُ الَّذي خَطَّت مَناسِمُها |
لَهُ وَسيقَ إِلَيهِ الباقِرُ الغُيُلُ |
لَئِن قَتَلتُم عَميداً لَم يَكُن صَدَداً |
لَنَقتُلَن مِثلَهُ مِنكُم فَنَمتَثِلُ |
لَئِن مُنيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعرَكَةٍ |
لَم تُلفِنا مِن دِماءِ القَومِ نَنتَفِلُ |
نَحنُ الفَوارِسُ يَومَ الحِنوِ ضاحِيَةً |
جَنبي فُطَيمَةَ لا ميلٌ وَلا عُزُلُ |
قالوا الرُكوبَ فَقُلنا تِلكَ عادَتُنا |
أَو تَنزِلونَ فَإِنّا مَعشَرٌ نُزُلُ |
كعب بن زهير (ت26هـ):
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
|
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ
|
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
|
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
|
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
|
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
|
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
|
كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
|
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ
|
صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
|
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ
|
مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
|
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت
|
ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
|
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها
|
فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
|
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها
|
كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
|
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت
|
إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
|
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً
|
وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
|
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ
|
وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
|
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت
|
إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
|
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها
|
إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
|
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ
|
فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
|
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت
|
عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
|
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ
|
إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
|
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها
|
في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
|
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ
|
وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ
|
يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ
|
مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ
|
عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ
|
مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ
|
كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها
|
مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ
|
تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ
|
في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ
|
قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها
|
عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ
|
تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ
|
ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ
|
سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً
|
لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ
|
يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً
|
كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ
|
كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت
|
وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ
|
وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت
|
وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا
|
شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ
|
قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ
|
نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها
|
لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ
|
تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها
|
مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ
|
يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم
|
إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ
|
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ
|
لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
|
فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ
|
فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
|
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
|
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
|
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني
|
وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
|
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال
|
قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
|
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم
|
أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
|
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ
|
أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
|
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ
|
مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
|
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً
|
جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
|
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ
|
في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
|
لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ
|
وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ
|
مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً
|
بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ
|
يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما
|
لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ
|
إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ
|
أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ
|
مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً
|
وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ
|
وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ
|
مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ
|
إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ
|
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
|
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم
|
بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
|
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ
|
عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
|
شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ
|
مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
|
بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ
|
كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
|
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم
|
ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
|
لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ
|
قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
|
لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ
|
ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
|
البحتري (ت 205هـ):
خَيالُ ماوِيَّةَ المُطيفُ
|
أَرَّقَ عَيناً لَها وَكيفُ
|
أَكثَرَ لَومي عَلى هَواها
|
رَكبٌ عَلى دِمنَةٍ وُقوفُ
|
يَرتَجُّ مِن خَلفِها كَثيبٌ
|
يَعيا بِهِ خَصرُها الضَعيفُ
|
وَاِهتَزَّ في بُردِها قَضيبٌ
|
مُعتَدِلٌ قَدُّهُ قَضيفُ
|
وَصيفَةٌ في النِساءِ رودٌ
|
كَأَنَّها خِفَّةً وَصيفُ
|
أَصبَحَ في الحارِثِ بنِ كَعبٍ
|
طَودٌ عَلى مَذحِجٍ مُنيفُ
|
تُرجى الرَغيباتُ في ذُراهُ
|
وَيُؤمَنُ الحادِثُ المَخوفُ
|
لِلَّهِ عَبدونُ أَيُّ فَذٍّ
|
تَخِفُّ عَن وَزنِهِ الأُلوفُ
|
تَرى أَجِلّاءَ كُلِّ قَومٍ
|
وَهُم عَلى رِفدِهِ عُكوفُ
|
شَرُفتُمُ وَاِعتَلى عَلَيكُم
|
بِطَولِهِ ذَلِكَ الشَريفُ
|
عَمَّ بِجَدواهُ كُلَّ حَيٍّ
|
فَذا تِلادٌ وَذا طَريفُ
|
بِتُّ وَوالي السَوادِ مِثلي
|
يَجمَعُنا بِرُّهُ اللَطيفُ
|
باتَ مُضيفاً وَبِتُّ ضَيفاً
|
فَاِشتَبَهَ الضَيفُ وَالمُضيفُ
|
أبو العتاهية (ت211هـ):
ما كُلُّ ما تَشتَهي يَكونُ
|
وَالدَهرُ تَصريفُهُ فُنونُ
|
قَد يَعرِضُ الحَتفُ في حِلابٍ
|
دَرَّت بِهِ اللَقحَةُ اللَبونُ
|
الصَبرُ أَنجى مَطيِّ عَزمٍ
|
يُطوى بِهِ السَهلُ وَالحُزونُ
|
وَالسَعيُ شَيءٌ لَهُ انقِلابٌ
|
فَمِنهُ فَوقٌ وَمِنهُ دونُ
|
وَرُبَّما لانَ مَن تُعاصي
|
وَرُبَّما عَزَّ مَن يَهونُ
|
وَرُبَّ رَهنٍ بِبَيتِ هَجرٍ
|
فيمِثلِهِ تَغلَقُ الرُهونُ
|
لَم أَرَ شَيئاً جَرى بِبَينٍ
|
يَقطَعُ ما تَقطَعُ المَنونُ
|
ما أَيسَرَ المُكثَ في مَحَلٍّ
|
مالَ إِلَيهِ بِنا الرُكونُ
|
لا يَأمَنَنَّ اِمرُؤٌ هَواهُ
|
فَإِنَّ بَعضَ الهَوى جُنونُ
|
وَكُلُّ حينٍ يَخونُ قَوماً
|
أَيُّ الأَحايِينِ لا يَخونُ
|
إِذا اعتَرى الحَينُ أَهلَ مُلكٍ
|
خَلَت لَهُ مِنهُمُ الحُصونُ
|
كَرُّ الجَديدَينِ حَيثُ كانا
|
مِمّا تَفانَت بِهِ القُرونُ
|
وَلِلبِلى فيهِمُ دَبيبٌ
|
كَأَنَّ تَحريكَهُ سُكونُ
|
كَيفَ رَضينا بِضيقِ دارٍ
|
أَم كَيفَ قَرَّت بِها العُيونُ
|
تَكَنَّفَتنا الهُمومُ مِنها
|
فَهُنَّ فيهَ لَنا سُجونُ
|
وَلَيسَ يَجري بِنا زَمانٌ
|
إِلّا لَهُ كَلكَلٌ طَحونُ
|
وَالمَرءُ ما عاشا لَيسَ يَخلو
|
مِن حادِثٍ كانَ أَو يَكونُ
|
أبو تمام (ت 231هـ):
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
|
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
|
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
|
مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
|
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
|
بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
|
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
|
صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
|
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
|
لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
|
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
|
عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
|
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
|
إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
|
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
|
ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ
|
يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ
|
ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ
|
لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ
|
لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ
|
فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
|
نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ
|
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
|
وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
|
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
|
مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ
|
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
|
وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ
|
أُمٌّ لَهُم لَو رَجَوا أَن تُفتَدى جَعَلوا
|
فِداءَها كُلَّ أُمٍّ مِنهُمُ وَأَبِ
|
وَبَرزَةِ الوَجهِ قَد أَعيَت رِياضَتُها
|
كِسرى وَصَدَّت صُدوداً عَن أَبي كَرِبِ
|
بِكرٌ فَما اِفتَرَعتَها كَفُّ حادِثَةٍ
|
وَلا تَرَقَّت إِلَيها هِمَّةُ النُوَبِ
|
مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَو قَبلَ ذَلِكَ قَد
|
شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ
|
حَتّى إِذا مَخَّضَ اللَهُ السِنينَ لَها
|
مَخضَ البَخيلَةِ كانَت زُبدَةَ الحِقَبِ
|
أَتَتهُمُ الكُربَةُ السَوداءُ سادِرَةً
|
مِنها وَكانَ اِسمُها فَرّاجَةَ الكُرَبِ
|
جَرى لَها الفَألُ بَرحاً يَومَ أَنقَرَةٍ
|
إِذ غودِرَت وَحشَةَ الساحاتِ وَالرُحَبِ
|
لَمّا رَأَت أُختَها بِالأَمسِ قَد خَرِبَت
|
كانَ الخَرابُ لَها أَعدى مِنَ الجَرَبِ
|
كَم بَينَ حيطانِها مِن فارِسٍ بَطَلٍ
|
قاني الذَوائِبِ مِن آني دَمٍ سَرَبِ
|
بِسُنَّةِ السَيفِ وَالخَطِيِّ مِن دَمِهِ
|
لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ
|
لَقَد تَرَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ بِها
|
لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخرِ وَالخَشَبِ
|
غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً
|
يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ
|
حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُجى رَغِبَت
|
عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ
|
ضَوءٌ مِنَ النارِ وَالظَلماءِ عاكِفَةٌ
|
وَظُلمَةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ
|
فَالشَمسُ طالِعَةٌ مِن ذا وَقَد أَفَلَت
|
وَالشَمسُ واجِبَةٌ مِن ذا وَلَم تَجِبِ
|
تَصَرَّحَ الدَهرُ تَصريحَ الغَمامِ لَها
|
عَن يَومِ هَيجاءَ مِنها طاهِرٍ جُنُبِ
|
لَم تَطلُعِ الشَمسُ فيهِ يَومَ ذاكَ عَلى
|
بانٍ بِأَهلٍ وَلَم تَغرُب عَلى عَزَبِ
|
ما رَبعُ مَيَّةَ مَعموراً يُطيفُ بِهِ
|
غَيلانُ أَبهى رُبىً مِن رَبعِها الخَرِبِ
|
وَلا الخُدودُ وَقَد أُدمينَ مِن خَجَلٍ
|
أَشهى إِلى ناظِري مِن خَدِّها التَرِبِ
|
سَماجَةً غَنِيَت مِنّا العُيونُ بِها
|
عَن كُلِّ حُسنٍ بَدا أَو مَنظَرٍ عَجَبِ
|
وَحُسنُ مُنقَلَبٍ تَبقى عَواقِبُهُ
|
جاءَت بَشاشَتُهُ مِن سوءِ مُنقَلَبِ
|
لَو يَعلَمُ الكُفرُ كَم مِن أَعصُرٍ كَمَنَت
|
لَهُ العَواقِبُ بَينَ السُمرِ وَالقُضُبِ
|
تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ
|
لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ
|
وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ
|
يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ
|
لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ
|
إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ
|
لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا
|
مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ
|
رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها
|
وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ
|
مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها
|
وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ
|
وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ
|
لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ
|
أَمانِياً سَلَبَتهُم نُجحَ هاجِسِها
|
ظُبى السُيوفِ وَأَطرافُ القَنا السُلُبِ
|
إِنَّ الحِمامَينِ مِن بيضٍ وَمِن سُمُرٍ
|
دَلوا الحَياتَينِ مِن ماءٍ وَمِن عُشُبِ
|
لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ
|
كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ
|
عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن
|
بَردِ الثُغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ
|
أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً
|
وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ
|
حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِراً
|
وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ
|
لَمّا رَأى الحَربَ رَأيَ العَينِ توفِلِسٌ
|
وَالحَربُ مُشتَقَّةُ المَعنى مِنَ الحَرَبِ
|
غَدا يُصَرِّفُ بِالأَموالِ جِريَتَها
|
فَعَزَّهُ البَحرُ ذو التَيّارِ وَالحَدَبِ
|
هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ
|
عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ
|
لَم يُنفِقِ الذَهَبَ المُربي بِكَثرَتِهِ
|
عَلى الحَصى وَبِهِ فَقرٌ إِلى الذَهَبِ
|
إِنَّ الأُسودَ أُسودَ الغيلِ هِمَّتُها
|
يَومَ الكَريهَةِ في المَسلوبِ لا السَلَبِ
|
وَلّى وَقَد أَلجَمَ الخَطِّيُّ مَنطِقَهُ
|
بِسَكتَةٍ تَحتَها الأَحشاءُ في صَخَبِ
|
أَحذى قَرابينُهُ صَرفَ الرَدى وَمَضى
|
يَحتَثُّ أَنجى مَطاياهُ مِنَ الهَرَبِ
|
مُوَكِّلاً بِيَفاعِ الأَرضِ يُشرِفُهُ
|
مِن خِفَّةِ الخَوفِ لا مِن خِفَّةِ الطَرَبِ
|
إِن يَعدُ مِن حَرِّها عَدوَ الظَليمِ فَقَد
|
أَوسَعتَ جاحِمَها مِن كَثرَةِ الحَطَبِ
|
تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت
|
جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ
|
يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم
|
طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ
|
وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ
|
حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ
|
وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ
|
تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ
|
كَم نيلَ تَحتَ سَناها مِن سَنا قَمَرٍ
|
وَتَحتَ عارِضِها مِن عارِضٍ شَنِبِ
|
كَم كانَ في قَطعِ أَسبابِ الرِقابِ بِها
|
إِلى المُخَدَّرَةِ العَذراءِ مِن سَبَبِ
|
كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً
|
تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ
|
بيضٌ إِذا اِنتُضِيَت مِن حُجبِها رَجَعَت
|
أَحَقَّ بِالبيضِ أَتراباً مِنَ الحُجُبِ
|
خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن
|
جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ
|
بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها
|
تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التَعَبِ
|
إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدَهرِ مِن رَحِمٍ
|
مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ
|
فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها
|
وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النَسَبِ
|
أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاِسمِهِمُ
|
صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ
|
يا ساحراً طَرْفُهُ إِذْ
يَلْحَظُ
|
وفاتِناً لَفْظُهُ إِذْ
يَلْفُظُ
|
يا غُصناً يَنْثَني مِنْ
لِينهِ
|
وَجهُكَ مِنْ كُلِّ عَينٍ
يُحْفَظُ
|
أَيقظَ طَرفي إِذْ بَدا
مِن نَعْسهِ
|
مَنْ طَرْفُهُ ناعِسٌ
مُسْتَيْقِظُ
|
ظَبيٌ لَهُ وَجْنَةٌ مِنْ
رِقَّةٍ
|
تَجْرَحُها مُقْلَتي إذ
تَلْحَظُ
|
ابن عبد ربه (ت328هـ):
يا غُضُناً مائِساً بَينَ الرِّياطْ
|
ما لي بَعدَكَ بالعَيْشِ اغْتِباطْ
|
يا مَنْ إِذا ما بَدا لي مَاشِياً
|
وَدِدْتُ أَنَّ لَهُ خَدِّي بِساطْ
|
تَتْرُكُ عَيْناهُ مَنْ أَبْصَرَهُ
|
مُخْتَلطَاً عَقلُهُ كُلَّ اخْتِلاطْ
|
قُلْتُ مَتَى نَلْتَقي يَا سَيِّدي
|
قالَ غَداً نَلْتَقي عِنْدَ الصِّراطْ
|
ظالمتي في الهوى لا تَظلمي
|
|
فتَصْرمي حَبلَ مَنَ لم
يصْرِمِ
|
أَهكذا باطلاً عاقَبتنِي
|
لا يَرحمُ اللَّهُ مَن لم
يَرحمِ
|
قَتلتِ نفساً بلا نفسٍ وما
|
ذنبٌ بأعظمَ من سَفكِ
الدّمِ
|
لمثلِ هذا بكَتْ عيني ولا
|
للمنزلِ القفرِ وللأرْسُمِ
|
ماذا وُقوفي على رسمٍ عَفا
|
مُخلَوْلقٍ دارِسٍ
مُسْتعجمِ
|
|
أبو الطيب المتنبي (ت354هـ):
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
|
وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
|
مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي
|
وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
|
إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
|
فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
|
قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَتٌ
|
وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
|
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ
|
وَكانَ أَحسَنَ مافي الأَحسَنِ الشِيَمُ
|
فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ
|
في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
|
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت
|
لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ
|
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها
|
أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
|
أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً
|
تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
|
عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ
|
وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا
|
أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ
|
تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ
|
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي
|
فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
|
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً
|
أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
|
وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ
|
إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
|
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي
|
وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
|
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها
|
وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
|
وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي
|
حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
|
إِذا نَظَرتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً
|
فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ مُبتَسِمُ
|
وَمُهجَةٍ مُهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها
|
أَدرَكتُها بِجَوادٍ ظَهرُهُ حَرَمُ
|
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجلٌ وَاليَدانِ يَدٌ
|
وَفِعلُهُ ما تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
|
وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ
|
حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ
|
فَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني
|
وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
|
صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنفَرِداً
|
حَتّى تَعَجَّبَ مِنّي القورُ وَالأَكَمُ
|
يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم
|
وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
|
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ
|
لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ
|
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا
|
فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ
|
وَبَينَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ
|
إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ
|
كَم تَطلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُم
|
وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ
|
ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي
|
أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ
|
لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ
|
يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِيَمُ
|
أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ
|
لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُسُمُ
|
لَئِن تَرَكنَ ضُمَيراً عَن مَيامِنِنا
|
لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ
|
إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا
|
أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ
|
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ
|
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ
|
وَشَرُّ ما قَنَصَتهُ راحَتي قَنَصٌ
|
شُهبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَخَمُ
|
بِأَيِّ لَفظٍ تَقولُ الشِعرَ زِعنِفَةٌ
|
تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجَمُ
|
هَذا عِتابُكَ إِلّا أَنَّهُ مِقَةٌ
|
قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ
|
أبو العلاء المعري
(ت449هـ):
يا ساهِرَ البَرْقِ أيقِظْ راقِدَ السَّمُرِ
|
لعَلّ بالجِزْعِ أعواناً على السّهَرِ
|
وإنْ بخِلْتَ عن الأحياء كلّهمِ
|
فاسْقِ المَواطِرَ حَيّاً من بَني مَطَرِ
|
ويا أسيرةَ حِجْلَيْها أرى سَفَهاً
|
حَمْلَ الحُلِيّ لمَنْ أعْيا عن النّظَرِ
|
ما سِرْتُ إلا وطَيْفٌ منكِ يصْحَبُني
|
سُرىً أمامي وتأوِيباً على أثري
|
لو حَطّ رَحْليَ فَوْقَ النجْمِ رافِعُه
|
وجَدتُ ثَمّ خَيالاً منكِ مُنتظِري
|
يَوَدّ أنّ ظَلامَ اللّيْلِ دامَ له
|
وزِيدَ فيهِ سَوَادُ القَلْبِ والبَصَرِ
|
لو اخْتَصَرْتم من الإحسانِ زُرْتُكمُ
|
والعَذْبُ يُهْجَرُ للإفراطِ في الخَصَرِ
|
أبَعْدَ حَوْلٍ تُناجي الشّوْق نَاجيةٌ
|
هَلاّ ونحنُ على عَشْرٍ من العُشَرِ
|
كم باتَ حوْلَكِ من ريمٍ وجازِيَةٍ
|
يَستَجدِيانِكِ حُسْنَ الدّلّ والحَوَرِ
|
فما وَهبْتِ الذي يَعرِفنَ مِن خِلَقٍ
|
لكن سمَحتِ بما يُنْكِرْنَ من دُرَرِ
|
وما تَركْتِ بذاتِ الضّالِ عاطِلَةً
|
من الظّباء ولا عَارٍ من البَقَرِ
|
قَلّدْتِ كلّ مَهاةٍ عِقْدَ غانيَةٍ
|
وفُزْتِ بالشّكْرِ في الآرامِ والعُفُرِ
|
ورُبّ ساحِبِ وَشْيٍ مِنْ جآذِرِهَا
|
وكان يَرْفُلُ في ثَوْبٍ من الوَبَرِ
|
حسّنْتِ نَظْمَ كلامٍ تُوصَفينَ به
|
ومَنْزِلاً بكِ مَعْموراً من الخَفَرِ
|
فالحُسنُ يَظهرُ في شيئين رَوْنقُه
|
بيتٍ من الشِّعْرِ أو بيْتٍ من الشّعَرِ
|
أقولُ والوحْشُ تَرْميني بأعْيُنِها
|
والطّيرُ تَعجَبُ منّي كيفَ لم أطِرِ
|
لمُشْمَعِلّيْنِ كالسّيْفَين تحتَهما
|
مثلُ القَناتَين من أينٍ ومِن ضُمُرِ
|
في بَلدةٍ مثْلِ ظَهْرِ الظّبْيِ بِتُّ بها
|
كأنّني فوقَ رَوْقِ الظّبْي مِن حَذَرِ
|
لا تَطْوِيا السّرّ عنّي يَومَ نائبةٍ
|
فإنّ ذلك ذَنْبٌ غيرُ مُغْتَفَرِ
|
والخِلُّ كالماء يُبْدي لي ضمائرَه
|
مع الصّفاء ويُخْفيها مع الكَدَرِ
|
يا رَوّعَ الله سَوْطي كم أرُوعُ به
|
فُؤادَ وجْنَاءَ مثلَ الطائرِ الحَذِرِ
|
باهَتْ بمَهْرَةَ عدناناً فقلتُ لها
|
لولا الفُصَيْصِيّ كان المجدُ في مُضَرِ
|
وقد تَبَيّنَ قَدْري أن معرِفَتي
|
مَن تَعلَمينَ ستُرْضيني عن القَدَرِ
|
القاتِلُ المحْل إذ تبْدو السماءُ لنا
|
كأنها من نَجيعِ الجَدْبِ في أُزُرِ
|
وقاسِمُ الجُودِ في عالٍ ومنخفِضٍ
|
كقِسْمةِ الغيثِ بين النّجم والشَجَرِ
|
ولو تَقَدّمَ في عَصر مضى نزلَتْ
|
في وَصْفِهِ مُعْجِزاتُ الآيِ والسَوَرِ
|
يُبينُ بالبِشْر عن إحْسان مصطنع
|
كالسّيْفِ دَلّ على التّأثيرِ بالأثَرِ
|
فلا يَغُرّنْكَ بِشْرٌ مِن سِواه بَدا
|
ولو أنار فكمْ نَوْرٍ بلا ثَمَرِ
|
يا ابن الأولى غيرَ زَجْرِ الخيلِ ما عرَفوا
|
إذ تَعرِفُ العُرْبُ زَجرَ الشاء والعَكَرِ
|
والقائِديهَا مع الأضيافِ تتْبعُها
|
أُلاّفُها وأُلوفُ اللأمِ والبِدَرِ
|
جَمالَ ذي الأرض كانوا في الحياة وهُم
|
بعدَ المماتِ جَمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ
|
وافَقْتَهُمْ في اختلافٍ من زَمانكمُ
|
والبَدرُ في الوهْنِ مثلُ البدرِ في السّحرِ
|
المُوقِدُونَ بنجْدٍ نارَ باديَةٍ
|
لا يَحضُرونَ وفَقْدُ العِزّ في الحَضَرِ
|
إذا هَمَى القَطْرُ شَبَتْها عَبيدُهمُ
|
تحتَ الغَمائم للسّارين بالقُطُرِ
|
مِن كُلّ أزْهَرَ لم تَأشَرْ ضَمائِرُهُ
|
لِلَثْمِ خدّ ولا تقْبِيلِ ذي أُشُرِ
|
لكنْ يُقْبّلُ فُوهُ سامعَيْ فَرَسٍ
|
مقابلَ الخَلْقِ بينَ الشمْسِ والقَمَرِ
|
كأنّ أُذْنَيْه أعطَتْ قلبَه خبَراً
|
عنِ السماءِ بما يلقى من الغِيَرِ
|
يُحِسّ وطءَ الرّزايا وهْيَ نازلةٌ
|
فيُنْهِبُ الجرْيَ نفْسَ الحادثِ المَكِرِ
|
مِن الجِيادِ اللّواتي كان عَوّدَها
|
بنُو الفُصَيصِ لقاء الطعن بالثُّغَرِ
|
تغْنى عن الوِرْدِ إنْ سلّوا صَوارِمَهُمْ
|
أمامَها لاشْتِباهِ البِيضِ بالغُدُرِ
|
أعاذَ مجْدَكَ عبْدَ اللهِ خالقُه
|
من أعْينِ الشّهْبِ لا من أعْينِ البَشَرِ
|
فالعَيْنُ يَسْلَمُ منها ما رأتْ فنبَتْ
|
عنه وتَلْحَقُ ما تَهْوَى من الصّورِ
|
فكم فريسةِ ضِرْغامٍ ظفِرْتَ بها
|
فحُزْتَها وهْيَ بيْنَ النّابِ والظُّفُرِ
|
ماجَتْ نُمَيرٌ فهاجَتْ منكَ ذا لِبَدٍ
|
واللّيْثُ أفْتَكُ أفعالاً من النّمِرِ
|
همّوا فأمّوا فلمّا شارفوا وقَفوا
|
كوِقْفَةِ العَيْرِ بين الوِرْدِ والصّدَرِ
|
وأضعفَ الرّعْبُ أيدِيهِم فطعْنُهُمُ
|
بالسّمهرِيّةِ دُونَ الوَخْزِ بالإبَرِ
|
تُلقي الغواني حفيظَ الدُّر من جَزَعٍ
|
عنها وتُلْقي الرّجالُ السَّرْدَ من خَوَرِ
|
فكم دِلاصٍ على البطحاء ساقطةٍ
|
وكم جُمانٍ مع الحَصْباءِ مُنْتَثِرِ
|
دعِ اليَرَاعَ لِقَوْمٍ يَفخرونَ به
|
وبالطّوَالِ الرّديْنيّات فافتَخرِ
|
فهُنّ أقلامُكَ اللاتي إذا كتبَتْ
|
مجْداً أتَتْ بمِدادٍ من دمٍ هَدَرِ
|
وكُلِّ أبيضَ هنديٍّ به شُطَبٌ
|
مثْلُ التّكسّرِ في جارٍ بمنْحَدرِ
|
تَغَايَرَتْ فيه أرواحٌ تمُوتُ به
|
من الضَرَاغِمِ والفُرْسانِ والجُزُرِ
|
رَوْضُ المَنايا على أنّ الدّماءَ به
|
وإنْ تَخَالَفْنَ أبْدالٌ من الزّهرِ
|
ما كنْتُ أحسَبُ جَفْناً قبل مسْكنِه
|
في الجفْنِ يُطْوَى على نارٍ ولا نَهَرِ
|
ولا ظَنَنْتُ صِغارَ النّمْلِ يُمكِنُها
|
مَشْيٌ على اللُّجّ أو سَعْيٌ على السُّعُرِ
|
قالت عُداتُك ليس المجدُ مُكتسَباً
|
مقالةَ الهُجن ليس السّبْقُ بالحُضُرِ
|
رأوْك بالعَينِ فاسْتَغْوَتْهُمُ ظِنَنٌ
|
ولم يَرَوْكَ بفِكْرٍ صادِقِ الخَبَرِ
|
والنّجْمُ تستصْغِرُ الأبصارُ صورتَه
|
والذنْبُ للطَّرْفِ لا للنجمِ في الصّغَرِ
|
يا غيْثَ فَهْمِ ذَوي الأفهام إِن سَدِرَتْ
|
إبْلي فمرْآك يَشْفِيها من السَّدَرِ
|
والمَرْءُ ما لم تُفِدْ نَفْعاً إقامتُه
|
غَيْمٌ حَمَى الشمسَ لم يُمْطِرْ ولم يَسِرِ
|
فزانَها اللهُ أن لاقتْكَ زِينتَه
|
بَناتِ أَعْوَجَ بالأحْجالِ والغُرَرِ
|
أفْنَى قُواها قليلُ السّيرِ تُدْمِنُهُ
|
والغَمْرُ يُفنِيه طولُ الغَرْفِ بالغُمَرِ
|
حتى سطَرْنا بها البَيْداءَ عن عُرُضٍ
|
وكلُّ وَجْناءَ مثْلُ النّونِ في السَّطَرِ
|
علُوْتُمُ فتواضَعْتُمْ على ثِقَةٍ
|
لمّا تَوَاضَعَ أقْوامٌ على غَرَرِ
|
والكِبْرُ والحمْدُ ضِدّانِ اتّفاقُهما
|
مثْلُ اتّفاقِ فَتَاءِ السّنّ والكِبَرِ
|
يُجْنَى تَزَايُدُ هذا من تَناقُضِ ذا
|
والليلُ إنْ طالَ غالَ اليومَ بالقِصَرِ
|
خَفّ الوَرى وأقرّتْكمْ حُلُومُكُمُ
|
والجَمْرُ تُعْدَمُ فيه خِفّةُ الشّرَرِ
|
وأنْتَ مَنْ لو رأى الإنسانُ طَلْعَتَه
|
في النّوْم لم يُمْسِ من خَطْبٍ على خَطَرِ
|
وعَبْدُ غيْرِكَ مضْرُورٌ بخِدْمَتِهِ
|
كالغِمْدِ يُبْليه صَوْنُ الصّارِمِ الذّكَرِ
|
لولا قُدومُكَ قبْلَ النّحْرِ أخّرَهُ
|
إلى قدومِك أهْلُ النفْعِ والضّرَرِ
|
سافَرْتَ عنّا فظَلّ النّاسُ كلّهُمُ
|
يُراقبونَ إيابَ العِيدِ مِن سَفَرِ
|
لوْ غِبْتَ شَهْرَكَ موْصُولاً بتابِعِه
|
وأبْتَ لانْتقلَ الأضْحَى إلى صَفَرِ
|
فاسْعَدْ بمَجْدٍ ويوْمٍ إذ سَلِمتَ لنا
|
فما يَزيدُ على أيّامِنا الأُخَرِ
|
ولا تَزَلْ لكَ أَزمانٌ ممَتِّعَةٌ
|
بالآلِ والحالِ والعَلياءِ والعُمُر
|
أحمد بن زيدون
(ت 463هـ):
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
|
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
|
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
|
حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
|
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
|
حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
|
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
|
أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
|
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
|
بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
|
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
|
وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا
|
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا
|
فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا
|
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم
|
هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا
|
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم
|
رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا
|
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ
|
بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا
|
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ
|
وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا
|
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
|
شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
|
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
|
يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا
|
حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت
|
سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا
|
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
|
وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا
|
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً
|
قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا
|
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما
|
كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا
|
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
|
أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا
|
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً
|
مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا
|
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ
|
مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا
|
وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا
|
إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا
|
وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا
|
مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا
|
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً
|
مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا
|
رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ
|
مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا
|
أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ
|
مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعاً وَتَحسينا
|
إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً
|
تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا
|
كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه
|
بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا
|
كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ
|
زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا
|
ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً
|
وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا
|
يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا
|
وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا
|
وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها
|
مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا
|
وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ
|
في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا
|
لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً
|
وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا
|
إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ
|
فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا
|
يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها
|
وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا
|
كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا
|
وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا
|
إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم
|
في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا
|
سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا
|
حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا
|
لا غَروَ في أَن ذَكَرنا الحُزنَ حينَ نَهَت
|
عَنهُ النُهى وَتَرَكنا الصَبرَ ناسينا
|
إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَراً
|
مَكتوبَةً وَأَخَذنا الصَبرَ تَلقينا
|
أَمّا هَواكِ فَلَم نَعدِل بِمَنهَلِهِ
|
شُرَباً وَإِن كانَ يُروينا فَيُظمينا
|
لَم نَجفُ أُفقَ جَمالٍ أَنتِ كَوكَبُهُ
|
سالينَ عَنهُ وَلَم نَهجُرهُ قالينا
|
وَلا اِختِياراً تَجَنَّبناهُ عَن كَثَبٍ
|
لَكِن عَدَتنا عَلى كُرهٍ عَوادينا
|
نَأسى عَلَيكِ إِذا حُثَّت مُشَعشَعَةً
|
فينا الشَمولُ وَغَنّانا مُغَنّينا
|
لا أَكؤُسُ الراحِ تُبدي مِن شَمائِلِنا
|
سِيَما اِرتِياحٍ وَلا الأَوتارُ تُلهينا
|
دومي عَلى العَهدِ ما دُمنا مُحافِظَةً
|
فَالحُرُّ مَن دانَ إِنصافاً كَما دينا
|
فَما اِستَعَضنا خَليلاً مِنكِ يَحبِسُنا
|
وَلا اِستَفَدنا حَبيباً عَنكِ يَثنينا
|
وَلَو صَبا نَحوَنا مِن عُلوِ مَطلَعِهِ
|
بَدرُ الدُجى لَم يَكُن حاشاكِ يُصبينا
|
أَبكي وَفاءً وَإِن لَم تَبذُلي صِلَةً
|
فَالطَيّفُ يُقنِعُنا وَالذِكرُ يَكفينا
|
وَفي الجَوابِ مَتاعٌ إِن شَفَعتِ بِهِ
|
بيضَ الأَيادي الَّتي ما زِلتِ تولينا
|
عَلَيكِ مِنّا سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت
|
صَبابَةٌ بِكِ نُخفيها فَتَخفينا
|
أبو البقاء
الرندي (ت684):
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
|
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
|
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
|
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
|
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ
|
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
|
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ
|
إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
|
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو
|
كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
|
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ
|
وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
|
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
|
وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
|
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
|
وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
|
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
|
حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
|
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ
|
كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
|
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ
|
وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
|
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ
|
يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
|
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ
|
وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
|
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها
|
وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
|
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
|
هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
|
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
|
حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
|
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
|
وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
|
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
|
مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
|
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
|
وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
|
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
|
عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
|
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
|
كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
|
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
|
قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
|
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
|
فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
|
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
|
حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
|
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ
|
إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
|
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ
|
أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
|
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها
|
وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
|
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ
|
أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
|
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً
|
كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
|
وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً
|
كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ
|
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ
|
لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ
|
أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ
|
فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
|
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم
|
قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ
|
ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ
|
وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ
|
أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ
|
أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
|
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم
|
أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
|
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم
|
وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
|
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم
|
عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
|
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ
|
لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
|
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما
|
كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
|
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت
|
كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
|
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً
|
وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
|
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ
|
إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
|
أحمد شوقي
(ت1932م):
يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
|
نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا
|
ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَداً
|
قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا
|
رَمى بِنا البَينُ أَيكاً غَيرَ سامِرِنا
|
أَخا الغَريبِ وَظِلّاً غَيرَ نادينا
|
كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا
|
سَهماً وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا
|
إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ
|
مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا
|
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا
|
إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا
|
لَم تَألُ ماءَكَ تَحناناً وَلا ظَمَأً
|
وَلا اِدِّكاراً وَلا شَجوا أَفانينا
|
تَجُرُّ مِن فَنَنٍ ساقاً إِلى فَنَنٍ
|
وَتَسحَبُ الذَيلَ تَرتادُ المُؤاسينا
|
أُساةُ جِسمِكَ شَتّى حينَ تَطلُبُهُم
|
فَمَن لِروحِكَ بِالنُطسِ المُداوينا
|
آها لَنا نازِحي أَيكٍ بِأَندَلُسٍ
|
وَإِن حَلَلنا رَفيقاً مِن رَوابينا
|
رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسمِ الوَفاءِ لَهُ
|
نَجيشُ بِالدَمعِ وَالإِجلالِ يَثنينا
|
لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم
|
وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا
|
لَو لَم يَسودوا بِدينٍ فيهِ مَنبَهَةٌ
|
لِلناسِ كانَت لَهُم أَخلاقُهُم دينا
|
لَم نَسرِ مِن حَرَمٍ إِلّا إِلى حَرَمٍ
|
كَالخَمرِ مِن بابِلٍ سارَت لِدارينا
|
لَمّا نَبا الخُلدُ نابَت عَنهُ نُسخَتُهُ
|
تَماثُلَ الوَردِ خِيرِيّاً وَنَسرينا
|
نَسقي ثَراهُم ثَناءً كُلَّما نُثِرَت
|
دُموعُنا نُظِمَت مِنها مَراثينا
|
كادَت عُيونُ قَوافينا تُحَرِّكُهُ
|
وَكِدنَ يوقِظنَ في التُربِ السَلاطينا
|
لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَةٍ
|
عَينٌ مِنَ الخُلدِ بِالكافورِ تَسقينا
|
عَلى جَوانِبِها رَفَّت تَمائِمُنا
|
وَحَولَ حافاتِها قامَت رَواقينا
|
مَلاعِبٌ مَرِحَت فيها مَآرِبُنا
|
وَأَربُعٌ أَنِسَت فيها أَمانينا
|
وَمَطلَعٌ لِسُعودٍ مِن أَواخِرِنا
|
وَمَغرِبٌ لِجُدودٍ مِن أَوالينا
|
بِنّا فَلَم نَخلُ مِن رَوحٍ يُراوِحُنا
|
مِن بَرِّ مِصرَ وَرَيحانٍ يُغادينا
|
كَأُمِّ موسى عَلى اِسمِ اللَهِ تَكفُلُنا
|
وَبِاِسمِهِ ذَهَبَت في اليَمِّ تُلقينا
|
وَمِصرُ كَالكَرمِ ذي الإِحسانِ فاكِهَةٌ
|
لِحاضِرينَ وَأَكوابٌ لِبادينا
|
يا سارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا
|
بَعدَ الهُدوءِ وَيَهمي عَن مَآقينا
|
لَمّا تَرَقرَقَ في دَمعِ السَماءِ دَماً
|
هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينا
|
اللَيلُ يَشهَدُ لَم نَهتِك دَياجِيَهُ
|
عَلى نِيامٍ وَلَم نَهتِف بِسالينا
|
وَالنَجمُ لَم يَرَنا إِلّا عَلى قَدَمٍ
|
قِيامَ لَيلِ الهَوى لِلعَهدِ راعينا
|
كَزَفرَةٍ في سَماءِ اللَيلِ حائِرَةٍ
|
مِمّا نُرَدِّدُ فيهِ حينَ يُضوينا
|
بِاللَهِ إِن جُبتَ ظَلماءَ العُبابِ عَلى
|
نَجائِبِ النورِ مَحدُوّاً بِجرينا
|
تَرُدُّ عَنكَ يَداهُ كُلَّ عادِيَةٍ
|
إِنساً يَعِثنَ فَساداً أَو شَياطينا
|
حَتّى حَوَتكَ سَماءُ النيلِ عالِيَةٍ
|
عَلى الغُيوثِ وَإِن كانَت مَيامينا
|
وَأَحرَزَتكَ شُفوفُ اللازَوَردِ عَلى
|
وَشيِ الزَبَرجَدِ مِن أَفوافِ وادينا
|
وَحازَكَ الريفُ أَرجاءً مُؤَرَّجَةً
|
رَبَت خَمائِلَ وَاِهتَزَّت بَساتينا
|
فَقِف إِلى النيلِ وَاِهتُف في خَمائِلِهِ
|
وَاِنزِل كَما نَزَلَ الطَلُّ الرَياحينا
|
وَآسِ ما باتَ يَذوي مِن مَنازِلِنا
|
بِالحادِثاتِ وَيَضوى مِن مَغانينا
|
وَيا مُعَطِّرَةَ الوادي سَرَت سَحَراً
|
فَطابَ كُلُّ طُروحٍ مِن مَرامينا
|
ذَكِيَّةُ الذَيلِ لَو خِلنا غِلالَتَها
|
قَميصَ يوسُفَ لَم نُحسَب مُغالينا
|
جَشِمتِ شَوكَ السُرى حَتّى أَتَيتِ لَنا
|
بِالوَردِ كُتباً وَبِالرَيّا عَناوينا
|
فَلَو جَزَيناكِ بِالأَرواحِ غالِيَةً
|
عَن طيبِ مَسراكِ لَم تَنهَض جَوازينا
|
هَل مِن ذُيولِكِ مَسكِيٌّ نُحَمِّلُهُ
|
غَرائِبَ الشَوقِ وَشياً مِن أَمالينا
|
إِلى الَّذينَ وَجَدنا وُدَّ غَيرِهِمُ
|
دُنيا وَوُدَّهُمو الصافي هُوَ الدينا
|
يا مَن نَغارُ عَلَيهِم مِن ضَمائِرِنا
|
وَمِن مَصونِ هَواهُم في تَناجينا
|
غابَ الحَنينُ إِلَيكُم في خَواطِرِنا
|
عَنِ الدَلالِ عَلَيكُم في أَمانينا
|
جِئنا إِلى الصَبرِ نَدعوهُ كَعادَتِنا
|
في النائِباتِ فَلَم يَأخُذ بِأَيدينا
|
وَما غُلِبنا عَلى دَمعٍ وَلا جَلَدٍ
|
حَتّى أَتَتنا نَواكُم مِن صَياصينا
|
وَنابِغي كَأَنَّ الحَشرَ آخِرُهُ
|
تُميتُنا فيهِ ذِكراكُم وَتُحيينا
|
نَطوي دُجاهُ بِجُرحٍ مِن فُراقِكُمو
|
يَكادُ في غَلَسِ الأَسحارِ يَطوينا
|
إِذا رَسا النَجمُ لَم تَرقَأ مَحاجِرُنا
|
حَتّى يَزولَ وَلَم تَهدَأ تَراقينا
|
بِتنا نُقاسي الدَواهي مِن كَواكِبِهِ
|
حَتّى قَعَدنا بِها حَسرى تُقاسينا
|
يَبدو النَهارُ فَيَخفيهِ تَجَلُّدُنا
|
لِلشامِتينَ وَيَأسوهُ تَأَسّينا
|
سَقياً لِعَهدٍ كَأَكنافِ الرُبى رِفَةً
|
أَنّى ذَهَبنا وَأَعطافِ الصَبا لينا
|
إِذِ الزَمانُ بِنا غَيناءُ زاهِيَةٌ
|
تَرِفُّ أَوقاتُنا فيها رَياحينا
|
الوَصلُ صافِيَةٌ وَالعَيشُ ناغِيَةٌ
|
وَالسَعدُ حاشِيَةٌ وَالدَهرُ ماشينا
|
وَالشَمسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها
|
بَلقيسَ تَرفُلُ في وَشيِ اليَمانينا
|
وَالنيلُ يُقبِلُ كَالدُنيا إِذا اِحتَفَلَت
|
لَو كانَ فيها وَفاءٌ لِلمُصافينا
|
وَالسَعدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّرَدَت
|
وَالسَيلُ لَو عَفَّ وَالمِقدارُ لَو دينا
|
أَلقى عَلى الأَرضِ حَتّى رَدَّها ذَهَباً
|
ماءً لَمَسنا بِهِ الإِكسيرَ أَو طينا
|
أَعداهُ مِن يُمنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَت
|
عَلى جَوانِبِهِ الأَنوارُ مِن سينا
|
لَهُ مَبالِغُ ما في الخُلقِ مِن كَرَمٍ
|
عَهدُ الكِرامِ وَميثاقُ الوَفِيّينا
|
لَم يَجرِ لِلدَهرِ إِعذارٌ وَلا عُرُسٌ
|
إِلّا بِأَيّامِنا أَو في لَيالينا
|
وَلا حَوى السَعدُ أَطغى في أَعِنَّتِهِ
|
مِنّا جِياداً وَلا أَرحى مَيادينا
|
نَحنُ اليَواقيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا
|
وَلَم يَهُن بِيَدِ التَشتيتِ غالينا
|
وَلا يَحولُ لَنا صِبغٌ وَلا خُلُقٌ
|
إِذا تَلَوَّنَ كَالحِرباءِ شانينا
|
لَم تَنزِلِ الشَمسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت
|
في مُلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا
|
أَلَم تُؤَلَّه عَلى حافاتِهِ وَرَأَت
|
عَلَيهِ أَبناءَها الغُرَّ المَيامينا
|
إِن غازَلَت شاطِئَيهِ في الضُحى لَبِسا
|
خَمائِلَ السُندُسِ المَوشِيَّةِ الغينا
|
وَباتَ كُلُّ مُجاجِ الوادِ مِن شَجَرٍ
|
لَوافِظَ القَزِّ بِالخيطانِ تَرمينا
|
وَهَذِهِ الأَرضُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَلٍ
|
قَبلَ القَياصِرِ دِنّاها فَراعينا
|
وَلَم يَضَع حَجَراً بانٍ عَلى حَجَرٍ
|
في الأَرضِ إِلّا عَلى آثارِ بانينا
|
كَأَنَّ أَهرامَ مِصرٍ حائِطٌ نَهَضَت
|
بِهِ يَدُ الدَهرِ لا بُنيانُ فانينا
|
إيوانُهُ الفَخمُ مِن عُليا مَقاصِرِهِ
|
يُفني المُلوكَ وَلا يُبقي الأَواوينا
|
كَأَنَّها وَرِمالاً حَولَها اِلتَطَمَت
|
سَفينَةٌ غَرِقَت إِلّا أَساطينا
|
كَأَنَّها تَحتَ لَألاءِ الضُحى ذَهَباً
|
كُنوزُ فِرعَونَ غَطَّينَ المَوازينا
|
أَرضُ الأُبُوَّةِ وَالميلادِ طَيَّبَها
|
مَرُّ الصِبا في ذُيولٍ مِن تَصابينا
|
كانَت مُحَجَّلَةٌ فيها مَواقِفُنا
|
غُرّاً مُسَلسَلَةَ المَجرى قَوافينا
|
فَآبَ مِن كُرَةِ الأَيّامِ لاعِبُنا
|
وَثابَ مِن سِنَةِ الأَحلامِ لاهينا
|
وَلَم نَدَع لِلَيالي صافِياً فَدَعَت
|
بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
|
لَوِ اِستَطَعنا لَخُضنا الجَوَّ صاعِقَةً
|
وَالبَرَّ نارَ وَغىً وَالبَحرَ غِسلينا
|
سَعياً إِلى مِصرَ نَقضي حَقَّ ذاكِرِنا
|
فيها إِذا نَسِيَ الوافي وَباكينا
|
كَنزٌ بِحُلوانَ عِندَ اللَهِ نَطلُبُهُ
|
خَيرَ الوَدائِعِ مِن خَيرِ المُؤَدّينا
|
لَو غابَ كُلُّ عَزيزٍ عَنهُ غَيبَتَنا
|
لَم يَأتِهِ الشَوقُ إِلّا مِن نَواحينا
|
إِذا حَمَلنا لِمِصرٍ أَو لَهُ شَجَناً
|
لَم نَدرِ أَيُّ هَوى الأُمَّينِ شاجينا
|
عبد الله
البردوني (ت1999م):
مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب
|
وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب
|
بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها
|
أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب
|
وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا
|
فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
|
أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى
|
أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
|
قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا
|
شـيئاً.. كـما أكلوا الإنسان أو شربوا
|
مـاذا جـرى... يـا أبا تمام تسألني؟
|
عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السبب
|
يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله
|
كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقب
|
مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟
|
كلا وأخزى من (الأفشين) مـا صلبوا
|
الـيوم عـادت عـلوج (الروم( فاتحة
|
ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب
|
مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم
|
نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتب
|
فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا
|
وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطب
|
وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة
|
أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا
|
حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا
|
وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا
|
هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم
|
ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن يـثبوا
|
الـحاكمون و»واشـنطن« حـكومتهم
|
والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا
|
الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً
|
لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَب
|
لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً ولهم
|
هـوىً إلـى »بـابك الخرمي« ينتسب
|
مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت
|
أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟
|
عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على
|
وجـودها اسـم ولا لـون.ولا لـقب
|
تـسـعون ألـفاً (لـعمورية( اتـقدوا
|
ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب
|
قـبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا
|
نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا
|
والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا
|
نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب
|
تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها
|
إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذئب
|
حـبيب وافـيت من صنعاء يحملني
|
نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العرب
|
مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟
|
مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجرب
|
مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا ثمن
|
ولـم يمت في حشاها العشق والطرب
|
كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت
|
فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب
|
لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت
|
حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كرب)
|
وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي (يمن
|
ثـان كـحلم الـصبا... ينأى ويقترب
|
»حـبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟
|
شـبابة فـي شـفاه الـريح تـنتحب
|
كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر ناجية
|
أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـبب
|
أرعـيت كـل جـديب لـحم راحـلة
|
كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكب
|
ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر
|
أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب
|
لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر
|
رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب
|
إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا
|
فـي داخـلي... أمتطي ناري واغترب
|
قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي
|
وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب
|
»حـبيب« هـذا صـداك اليوم أنشده
|
لـكن لـماذا تـرى وجـهي وتكتئب؟
|
مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟
|
إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟
|
والـيوم أذوي وطـيش الـفن يعزفني
|
والأربـعـون عـلى خـدّي تـلتهب
|
كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة على
|
وجـه الأديـب أضـاء الفكر والأدب
|
وأنـت مـن شبت قبل الأربعين على
|
نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب
|
وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة
|
وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب
|
شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى ملك
|
يـحثك الـفقر... أو يـقتادك الـطلب
|
طوفت حتى وصلت (الموصل( انطفأت
|
فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب
|
لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ يـبدأه
|
ولادة مـن صـباها تـرضع الـحقب
|
»حـبيب« مـازال فـي عينيك أسئلة
|
تـبدو... وتـنسى حـكاياها فـتنتقب
|
ومـاتـزال بـحـلقي ألـف مـبكيةٍ
|
مـن رهبة البوح تستحيي وتضطرب
|
يـكـفيك أن عـدانـا أهـدروا دمـنا
|
ونـحن مـن دمـنا نـحسو ونـحتلب
|
سـحائب الـغزو تـشوينا وتـحجبنا
|
يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا السحب؟
|
ألا تـرى يـا »أبـا تـمام« بـارقنا
|
(إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب)
|