الخميس، 31 ديسمبر 2020

قصائد على بحر البسيط

 

المرقِّش الأكبر (550م):

أَجْوارِنا قُومِي فَحَيِّينا

وإِنْ سَقَيْتِ كِرامَ النَّاسِ فاسْقينا

وإِنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ

يوماً سَراَةَ خِيارِ الناسِ فادْعِينا

شُعْثٌ مَقادِمُنا نُهْبى مَراجِلُنا

نأسُو بأَمْوالِنا آثارَ أَيْدِينا

المُطْعِمُونَ إذا هبَّتْ شآمِيَّةٌ

وخَيْرُ نادٍ رآهُ النَّاس نادِينا

إن تبتدر غاية يوماً لمكرمة

تلق السوابق منّا والمصلينا

وليس يهلك منّا سيّد أبداً

إلاّ افتلينا غلاماً سيّداً فينا

إنّا لنرخص يوم الروع أنفسنا

ولو نسام بها في الأمن أُغْلينا

إنّا لمن معشر أفنى أوائلهم

قيل الكماة ألا أين المحامونا

لو كان في الألف منّا واحد فدعوا

من فارس خالهم إيّاه يعنونا

إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم

حدّ الظباة وصلناها بأيدينا

ولا نراهم وإن جلَّت مصيبتهم

مع البكاة على من مات يبكونا

ونركب الكره أحياناً فَيَفْرُجُهُ

عنّا الحفاظ وأسياف تواتينا

 

عبيد بن الأبرص (ت598م):

أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ

فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ

فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ

فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ

فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ

لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ

إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشاً

وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ

أَرضٌ تَوارَثُها شُعوبُ

وَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ

إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِكاً

وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ

عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ

كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ

واهِيَةٌ أَو مَعينٌ مُمعِنٌ

أَو هَضبَةٌ دونَها لُهوبُ

أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ

لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ

أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ

لِلماءِ مِن تَحتِهِ قَسيبُ

تَصبو فَأَنّى لَكَ التَصابي

أَنّى وَقَد راعَكَ المَشيبُ

إِن تَكُ حالَت وَحُوِّلَ أَهلُها

فَلا بَديءٌ وَلا عَجيبُ

أَو يَكُ أَقفَرَ مِنها جَوُّها

وَعادَها المَحلُ وَالجُدوبُ

فَكُلُّ ذي نِعمَةٍ مَخلوسٌ

وَكُلُّ ذي أَمَلٍ مَكذوبُ

وَكُلُّ ذي إِبِلٍ مَوروثٌ

وَكُلُّ ذي سَلَبٍ مَسلوبُ

وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ

وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ

أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ

أَم غَنِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ

أَفلِح بِما شِئتَ فَقَد يُبلَغُ بِال

ضَعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَريبُ

لا يَعِظُ الناسُ مَن لَم يَعِظِ ال

دَهرُ وَلا يَنفَعُ التَلبيبُ

إِلّا سَجِيّاتِ ما القُلوبِ

وَكَم يَصيرَنَّ شانِئاً حَبيبُ

ساعِد بِأَرضٍ إِذا كُنتَ بِها

وَلا تَقُل إِنَّني غَريبُ

قَد يوصَلُ النازِحُ النائي وَقَد

يُقطَعُ ذو السُهمَةِ القَريبُ

مَن يَسَلِ الناسَ يَحرِموهُ

وَسائِلُ اللَهِ لا يَخيبُ

وَالمَرءُ ما عاشَ في تَكذيبٍ

طولُ الحَياةِ لَهُ تَعذيبُ

بَل رُبَّ ماءٍ وَرَدتُ آجِنٍ

سَبيلُهُ خائِفٌ جَديبُ

ريشُ الحَمامِ عَلى أَرجائِهِ

لِلقَلبِ مِن خَوفِهِ وَجيبُ

قَطَعتُهُ غُدوَةً مُشيحاً

وَصاحِبي بادِنٌ خَبوبُ

عَيرانَةٌ مُؤجَدٌ فَقارُها

كَأَنَّ حارِكَها كَثيبُ

أَخلَفَ ما بازِلاً سَديسُها

لا حِقَّةٌ هِي وَلا نَيوبُ

كَأَنَّها مِن حَميرِ غابٍ

جَونٌ بِصَفحَتِهِ نُدوبُ

أَو شَبَبٌ يَحفِرُ الرُخامى

تَلُفُّهُ شَمأَلٌ هُبوبُ

فَذاكَ عَصرٌ وَقَد أَراني

تَحمِلُني نَهدَةٌ سُرحوبُ

مُضَبَّرٌ خَلقُها تَضبيراً

يَنشَقُّ عَن وَجهِها السَبيبُ

زَيتِيَّةٌ ناعِمٌ عُروقُها

وَلَيِّنٌ أَسرُها رَطيبُ

كَأَنَّها لِقوَةٌ طَلوبُ

تُخزَنُ في وَكرِها القُلوبُ

باتَت عَلى إِرَمٍ عَذوباً

كَأَنَّها شَيخَةٌ رَقوبُ

فَأَصبَحَت في غَداةِ قِرَّةٍ

يَسقُطُ عَن ريشِها الضَريبُ

فَأَبصَرَت ثَعلَباً مِن ساعَةٍ

وَدونَهُ سَبسَبٌ جَديبُ

فَنَفَضَت ريشَها وَاِنتَفَضَت

وَهيَ مِن نَهضَةٍ قَريبُ

يَدِبُّ مِن حِسِّها دَبيباً

وَالعَينُ حِملاقُها مَقلوبُ

فَنَهَضَت نَحوَهُ حَثيثَةً

وَحَرَدَت حَردَةً تَسيبُ

فَاِشتالَ وَاِرتاعَ مِن حَسيسِها

وَفِعلَهُ يَفعَلُ المَذؤوبُ

فَأَدرَكَتهُ فَطَرَّحَتهُ

وَالصَيدُ مِن تَحتِها مَكروبُ

فَجَدَّلَتهُ فَطَرَّحَتهُ

فَكَدَّحَت وَجهَهُ الجَبوبُ

يَضغو وَمِخلَبُها في دَفِّهِ

لا بُدَّ حَيزومُهُ مَنقوبُ

 

عنترة بن شداد (ت 608 م):

لا تَقتَضي الدَينَ إِلّا بِالقَنا الذُبُلِ

وَلا تُحَكِّم سِوى الأَسيافِ في القُلَلِ

وَلا تُجاوِر لِئاماً ذَلَّ جارُهُمُ

وَخَلِّهِم في عِراصِ الدارِ وَاِرتَحِلِ

وَلا تَفِرَّ إِذا ما خُضتُ مَعرَكَةً

فَما يَزيدُ فِرارُ المَرءِ في الأَجَلِ

يا عَبلَ أَنتِ سَوادُ القَلبِ فَاِحتَكِمي

في مُهجَتي وَاِعدِلي يا غايَةَ الأَمَلِ

وَإِن تَرَحَّلتِ عَن عَبسٍ فَلا تَقِفي

في دارِ ذُلٍّ وَلا تُصغي إِلى العَذَلِ

لِأَنَّ أَرضَهُمُ مِن بَعدِ رِحلَتِن

تَبقى بِلا فارِسٍ يُدعى وَلا بَطَلِ

سَلي فَزارَةَ عَن فِعلي وَقَد نَفَرَت

في جَحفَلٍ حافِلٍ كَالعارِضِ الهَطِلِ

تَهُزُّ سُمرَ القَنا حِقداً عَلَيَّ وَقَد

رَأَت لَهيبَ حُسامي ساطِعَ الشُعَلِ

يُخبِركِ بَدرُ بنُ عَمروٍ أَنَّني بَطَلٌ

أَلقى الجُيوشَ بِقَلبٍ قُدَّ مِن جَبَلِ

قاتَلتُ فُرسانَهُم حَتّى مَضوا فِرَق

وَالطَعنُ في إِثرِهِم أَمضى مِنَ الأَجَلِ

وَعادَ بي فَرَسي يَمشي فَتُعثِرُهُ

جَماجِمٌ نُثِرَت بِالبيضِ وَالأَسَلِ

وَقَد أَسَرتُ سَراةَ القَومِ مُقتَدِر

وَعُدتُ مِن فَرَحي كَالشارِبِ الثَمِلِ

يا بَينُ رَوَّعتَ قَلبي بِالفِراقِ وَم

أَبكي لِفُرقَةِ أَصحابٍ وَلا طَلَلِ

بَل مِن فِراقِ الَّتي في جَفنِها سَقَمٌ

قَد زادَني عِلَلاً مِنهُ عَلى عِلَلي

أُمسي عَلى وَجَلٍ خَوفَ الفِراقِ كَم

تُمسي الأَعادِيُّ مِن سَيفي عَلى وَجَلِ

مَن لي بِرَدِّ الصِبا وَاللَهوِ وَالغَزَلِ

هَيهاتَ ما فاتَ مِن أَيّامِكَ الأُوَلِ

طَوى الجَديدانِ ما قَد كُنتُ أَنشُرُهُ

وَأَنكَرَتني ذَواتُ الأَعيُنِ النُجُلِ

وَما ثَنى الدَهرُ عَزمي عَن مُهاجَمَةٍ

وَخَوضِ مَعمَعَةٍ في السَهلِ وَالجَبَلِ

في الخَيلِ وَالخافِقاتِ السودِ لي شُغلٌ

لَيسَ الصَبابَةُ وَالصَهباءُ مِن شُغلي

لَقَد ثَناني النُهى عَنها وَأَدَّبَني

فَلَستُ أَبكي عَلى رَسمٍ وَلا طَلَلِ

سَلوا جَوادِيَ عَنّي يَومَ يَحمِلُني

هَل فاتَني بَطَلٌ أَو حُلتُ عَن بَطَلِ

وَكَم جُيوشٍ لَقَد فَرَّقتُها فِرَق

وَعارِضُ الحَتفِ مِثلُ العارِضِ الهَطِلِ

وَمَوكِبٍ خُضتُ أَعلاهُ وَأَسفَلَهُ

بِالضَربِ وَالطَعنِ بَينَ البيضِ وَالأَسَلِ

ماذا أُريدُ بِقَومٍ يَهدُرونَ دَمي

أَلَستُ أَولاهُمُ بِالقَولِ وَالعَمَلِ

لا يَشرَبُ الخَمرَ إِلّا مَن لَهُ ذِمَمٌ

وَلا يَبيتُ لَهُ جارٌ عَلى وَجَلِ

زهير بن أبي سُلمى (ت609م):

إِنَّ الخَليطَ أَجَدَّ البَينَ فَاِنفَرَقا

وَعُلِّقَ القَلبُ مِن أَسماءَ ما عَلِقا

وَفارَقَتكَ بِرَهنٍ لا فِكاكَ لَهُ

يَومَ الوِداعِ فَأَمسى الرَهنُ قَد غَلِقا

وَأَخلَفَتكَ اِبنَةُ البَكرِيِّ ما وَعَدَت

فَأَصبَحَ الحَبلُ مِنها واهِناً خَلَقا

قامَت تَراءى بِذي ضالٍ لِتَحزُنَني

وَلا مَحالَةَ أَن يَشتاقَ مَن عَشِقا

بِجيدِ مُغزِلَةٍ أَدماءَ خاذِلَةٍ

مِنَ الظِباءِ تُراعي شادِناً خَرِقا

كَأَنَّ ريقَتَها بَعدَ الكَرى اِغتُبِقَت

مِن طَيِّبِ الراحِ لَمّا يَعدُ أَن عَتُقا

شَجَّ السُقاةُ عَلى ناجودِها شَبِماً

مِن ماءِ لينَةَ لا طَرقاً وَلا رَنِقا

ما زِلتُ أَرمُقُهُم حَتّى إِذا هَبَطَت

أَيدي الرِكابِ بِهِم مِن راكِسٍ فَلَقا

دانِيَةٍ لِشَروَرى أَو قَفا أَدمٍ

تَسعى الحُداةُ عَلى آثارِهِم حِزَقا

كَأَنَّ عَينَيَّ في غَربَي مُقَتَّلَةٍ

مِنَ النَواضِحِ تَسقي جَنَّةً سُحُقا

تَمطو الرِشاءَ فَتَجري في ثِنايَتِها

مِنَ المَحالَةِ ثَقباً رائِداً قَلِقا

لَها مَتاعٌ وَأَعوانٌ غَدَونَ بِهِ

قِتبٌ وَغَربٌ إِذا ما أُفرِغَ اِنسَحَقا

وَخَلفَها سائِقٌ يَحدو إِذا خَشِيَت

مِنهُ اللِحاقَ تَمُدُّ الصُلبَ وَالعُنُقا

وَقابِلٌ يَتَغَنّى كُلَّما قَدَرَت

عَلى العَراقي يَداهُ قائِماً دَفَقا

يُحيلُ في جَدوَلٍ تَحبو ضَفادِعُهُ

حَبوَ الجَواري تَرى في مائِهِ نُطُقا

يَخرُجنَ مِن شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ

عَلى الجُذوعِ يَخَفنَ الغَمَّ وَالغَرَقا

بَلِ اِذكُرَن خَيرَ قَيسٍ كُلِّها حَسَباً

وَخَيرَها نائِلاً وَخَيرَها خُلُقا

القائِدَ الخَيلَ مَنكوباً دَوابِرُها

قَد أُحكِمَت حَكَماتِ القِدِّ وَالأَبَقا

غَزَت سِماناً فَآبَت ضُمَّراً خُدُجاً

مِن بَعدِ ما جَنَبوها بُدَّناً عُقُقا

حَتّى يَأُوبَ بِها عوجاً مُعَطَّلَةً

تَشكو الدَوابِرَ وَالأَنساءَ وَالصُفُقا

يَطلُبُ شَأوَ اِمرِأَينِ قَدَّما حَسَناً

نالا المُلوكَ وَبَذّا هَذِهِ السُوَقا

هُوَ الجَوادُ فَإِن يَلحَق بِشَأوِهِما

عَلى تَكاليفِهِ فَمِثلُهُ لَحِقا

أَو يَسبِقاهُ عَلى ما كانَ مِن مَهَلٍ

فَمِثلُ ما قَدَّما مِن صالِحٍ سَبَقا

أَغَرُّ أَبيَضُ فَيّاضٌ يُفَكِّكُ عَن

أَيدي العُناةِ وَعَن أَعناقِها الرِبَقا

وَذاكَ أَحزَمُهُم رَأياً إِذا نَبَأٌ

مِنَ الحَوادِثِ غادى الناسَ أَو طَرَقا

فَضلَ الجِيادِ عَلى الخَيلِ البِطاءِ فَلا

يُعطي بِذَلِكَ مَمنوناً وَلا نَزِقا

قَد جَعَلَ المُبتَغونَ الخَيرَ في هَرِمٍ

وَالسائِلونَ إِلى أَبوابِهِ طُرُقا

إِن تَلقَ يَوماً عَلى عِلّاتِهِ هَرِماً

تَلقَ السَماحَةَ مِنهُ وَالنَدى خُلُقا

وَلَيسَ مانِعَ ذي قُربى وَذي نَسَبٍ

يَوماً وَلا مُعدِماً مِن خابِطٍ وَرَقا

لَيثٌ بِعَثَّرَ يَصطادُ الرِجالَ إِذا

ما كَذَّبَ اللَيثُ عَن أَقرانِهِ صَدَقا

يَطعَنُهُم ما اِرتَمَوا حَتّى إِذا اِطَّعَنوا

ضارَبَ حَتّى إِذا ما ضارَبوا اِعتَنَقا

هَذا وَلَيسَ كَمَن يَعيا بِخُطَّتِهِ

وَسطَ النَدِيِّ إِذا ما ناطِقٌ نَطَقا

لَو نالَ حَيٌّ مِنَ الدُنيا بِمَنزِلَةٍ

أُفقَ السَماءِ لَنالَت كَفُّهُ الأُفُقا

 

 

الأعشى (ت7هـ)

وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ

وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ

غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها

تَمشي الهُوَينى كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ

كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها

مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ

تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت

كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها

وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ

يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها

إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ

إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت

وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ

مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ

إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ

صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا

جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ

أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ

رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ

نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها

لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ

هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها

كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ

إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً

وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ

ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ

خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ

يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ

مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ

يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ

وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ

عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً

غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ

وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها

مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ

وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني

فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ

فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ

ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ

قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها

وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ

يا مَن يَرى عارِضاً قَد بِتُّ أَرقُبُهُ

كَأَنَّما البَرقُ في حافاتِهِ الشُعَلُ

لَهُ رِدافٌ وَجَوزٌ مُفأَمٌ عَمِلٌ

مُنَطَّقٌ بِسِجالِ الماءِ مُتَّصِلُ

لَم يُلهِني اللَهوُ عَنهُ حينَ أَرقُبُهُ

وَلا اللَذاذَةُ مِن كَأسٍ وَلا الكَسَلُ

فَقُلتُ لِلشَربِ في دُرنى وَقَد ثَمِلوا

شيموا وَكَيفَ يَشيمُ الشارِبُ الثَمِلُ

بَرقاً يُضيءُ عَلى أَجزاعِ مَسقِطِهِ

وَبِالخَبِيَّةِ مِنهُ عارِضٌ هَطِلُ

قالوا نِمارٌ فَبَطنُ الخالِ جادَهُما

فَالعَسجَدِيَّةُ فَالأَبلاءُ فَالرِجَلُ

فَالسَفحُ يَجري فَخِنزيرٌ فَبُرقَتُهُ

حَتّى تَدافَعَ مِنهُ الرَبوُ فَالجَبَلُ

حَتّى تَحَمَّلَ مِنهُ الماءَ تَكلِفَةً

رَوضُ القَطا فَكَثيبُ الغَينَةِ السَهِلُ

يَسقي دِياراً لَها قَد أَصبَحَت عُزُباً

زوراً تَجانَفَ عَنها القَودُ وَالرَسَلُ

وَبَلدَةً مِثلِ ظَهرِ التُرسِ موحِشَةٍ

لِلجِنِّ بِاللَيلِ في حافاتِها زَجَلُ

لا يَتَنَمّى لَها بِالقَيظِ يَركَبُها

إِلّا الَّذينَ لَهُم فيما أَتَوا مَهَلُ

جاوَزتُها بِطَليحٍ جَسرَةٍ سُرُحٍ

في مِرفَقَيها إِذا اِستَعرَضتَها فَتَلُ

إِمّا تَرَينا حُفاةً لا نِعالَ لَنا

إِنّا كَذَلِكَ ما نَحفى وَنَنتَعِلُ

فَقَد أُخالِسُ رَبَّ البَيتِ غَفلَتَهُ

وَقَد يُحاذِرُ مِنّي ثُمَّ ما يَئلُ

وَقَد أَقودُ الصَبى يَوماً فَيَتبَعُني

وَقَد يُصاحِبُني ذو الشِرَّةِ الغَزِلُ

وَقَد غَدَوتُ إِلى الحانوتِ يَتبَعُني

شاوٍ مِشَلٌّ شَلولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ

في فِتيَةٍ كَسُيوفِ الهِندِ قَد عَلِموا

أَن لَيسَ يَدفَعُ عَن ذي الحيلَةِ الحِيَلُ

نازَعتُهُم قُضُبَ الرَيحانِ مُتَّكِئاً

وَقَهوَةً مُزَّةٌ راوُوقُها خَضِلُ

لا يَستَفيقونَ مِنها وَهيَ راهَنَةٌ

إِلّا بِهاتِ وَإِن عَلَّوا وَإِن نَهِلوا

يَسعى بِها ذو زُجاجاتٍ لَهُ نُطَفٌ

مُقَلِّصٌ أَسفَلَ السِربالِ مُعتَمِلُ

وَمُستَجيبٍ تَخالُ الصَنجَ يَسمَعُهُ

إِذا تُرَجِّعُ فيهِ القَينَةُ الفُضُلُ

مِن كُلِّ ذَلِكَ يَومٌ قَد لَهَوتُ بِهِ

وَفي التَجارِبِ طولُ اللَهوِ وَالغَزَلُ

وَالساحِباتُ ذُيولَ الخَزِّ آوِنَةً

وَالرافِلاتُ عَلى أَعجازِها العِجَلُ

أَبلِغ يَزيدَ بَني شَيبانَ مَألُكَةً

أَبا ثُبيتٍ أَما تَنفَكُّ تَأتَكِلُ

أَلَستَ مُنتَهِياً عَن نَحتِ أَثلَتِنا

وَلَستَ ضائِرَها ما أَطَّتِ الإِبِلُ

تُغري بِنا رَهطَ مَسعودٍ وَإِخوَتِهِ

عِندَ اللِقاءِ فَتُردي ثُمَّ تَعتَزِلُ

لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّ النَفيرُ بِنا

وَشُبَّتِ الحَربُ بِالطُوّافِ وَاِحتَمَلوا

كَناطِحٍ صَخرَةً يَوماً لِيَفلِقَها

فَلَم يَضِرها وَأَوهى قَرنَهُ الوَعِلُ

لَأَعرِفَنَّكَ إِن جَدَّت عَداوَتُنا

وَاِلتُمِسَ النَصرُ مِنكُم عوضُ تُحتَمَلُ

تُلزِمُ أَرماحَ ذي الجَدَّينِ سَورَتَنا

عِندَ اللِقاءِ فَتُرديهِم وَتَعتَزِلُ

لا تَقعُدَنَّ وَقَد أَكَّلتَها حَطَباً

تَعوذُ مِن شَرِّها يَوماً وَتَبتَهِلُ

قَد كانَ في أَهلِ كَهفٍ إِن هُمُ قَعَدوا

وَالجاشِرِيَّةِ مَن يَسعى وَيَنتَضِلُ

سائِل بَني أَسَدٍ عَنّا فَقَد عَلِموا

أَن سَوفَ يَأتيكَ مِن أَنبائِنا شَكَلُ

وَاِسأَل قُشَيراً وَعَبدَ اللَهِ كُلُّهُمُ

وَاِسأَل رَبيعَةَ عَنّا كَيفَ نَفتَعِلُ

إِنّا نُقاتِلُهُم ثُمَّتَ نَقتُلُهُم

عِندَ اللِقاءِ وَهُم جاروا وَهُم جَهِلوا

كَلّا زَعَمتُم بِأَنّا لا نُقاتِلُكُم

إِنّا لِأَمثالِكُم يا قَومَنا قُتُلُ

حَتّى يَظَلَّ عَميدُ القَومِ مُتَّكِئاً

يَدفَعُ بِالراحِ عَنهُ نِسوَةٌ عُجُلُ

أَصابَهُ هِندُوانِيٌّ فَأَقصَدَهُ

أَو ذابِلٌ مِن رِماحِ الخَطِّ مُعتَدِلُ

قَد نَطعَنُ العيرَ في مَكنونِ فائِلِهِ

وَقَد يَشيطُ عَلى أَرماحِنا البَطَلُ

هَل تَنتَهونَ وَلا يَنهى ذَوي شَطَطٍ

كَالطَعنِ يَذهَبُ فيهِ الزَيتُ وَالفُتُلُ

إِنّي لَعَمرُ الَّذي خَطَّت مَناسِمُها

لَهُ وَسيقَ إِلَيهِ الباقِرُ الغُيُلُ

لَئِن قَتَلتُم عَميداً لَم يَكُن صَدَداً

لَنَقتُلَن مِثلَهُ مِنكُم فَنَمتَثِلُ

لَئِن مُنيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعرَكَةٍ

لَم تُلفِنا مِن دِماءِ القَومِ نَنتَفِلُ

نَحنُ الفَوارِسُ يَومَ الحِنوِ ضاحِيَةً

جَنبي فُطَيمَةَ لا ميلٌ وَلا عُزُلُ

قالوا الرُكوبَ فَقُلنا تِلكَ عادَتُنا

أَو تَنزِلونَ فَإِنّا مَعشَرٌ نُزُلُ

كعب بن زهير (ت26هـ):

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ

مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا

إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً

لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت

كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ

صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ

تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ

مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ

يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت

ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ

لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها

فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ

فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها

كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ

وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت

إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً

وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ

أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ

وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت

إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها

إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ

وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ

فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ

مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت

عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ

تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ

إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ

ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها

في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ

حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ

وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ

يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ

مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ

عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ

مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ

كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها

مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ

تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ

في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ

قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها

عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ

تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ

ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ

سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً

لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ

يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً

كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ

كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت

وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ

وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت

وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا

شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ

قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ

نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها

لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ

تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها

مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم

إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ

وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ

لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ

فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ

فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ

يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني

وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال

قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم

أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ

لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ

أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ

مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً

جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ

حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ

في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ

لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ

وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ

مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً

بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما

لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ

أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً

وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ

مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ

مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم

بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ

عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ

مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ

بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ

كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ

يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم

ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ

لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ

قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ

ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ

البحتري (ت 205هـ):

خَيالُ ماوِيَّةَ المُطيفُ

أَرَّقَ عَيناً لَها وَكيفُ

أَكثَرَ لَومي عَلى هَواها

رَكبٌ عَلى دِمنَةٍ وُقوفُ

يَرتَجُّ مِن خَلفِها كَثيبٌ

يَعيا بِهِ خَصرُها الضَعيفُ

وَاِهتَزَّ في بُردِها قَضيبٌ

مُعتَدِلٌ قَدُّهُ قَضيفُ

وَصيفَةٌ في النِساءِ رودٌ

كَأَنَّها خِفَّةً وَصيفُ

أَصبَحَ في الحارِثِ بنِ كَعبٍ

طَودٌ عَلى مَذحِجٍ مُنيفُ

تُرجى الرَغيباتُ في ذُراهُ

وَيُؤمَنُ الحادِثُ المَخوفُ

لِلَّهِ عَبدونُ أَيُّ فَذٍّ

تَخِفُّ عَن وَزنِهِ الأُلوفُ

تَرى أَجِلّاءَ كُلِّ قَومٍ

وَهُم عَلى رِفدِهِ عُكوفُ

شَرُفتُمُ وَاِعتَلى عَلَيكُم

بِطَولِهِ ذَلِكَ الشَريفُ

عَمَّ بِجَدواهُ كُلَّ حَيٍّ

فَذا تِلادٌ وَذا طَريفُ

بِتُّ وَوالي السَوادِ مِثلي

يَجمَعُنا بِرُّهُ اللَطيفُ

باتَ مُضيفاً وَبِتُّ ضَيفاً

فَاِشتَبَهَ الضَيفُ وَالمُضيفُ

أبو العتاهية (ت211هـ):

ما كُلُّ ما تَشتَهي يَكونُ

وَالدَهرُ تَصريفُهُ فُنونُ

قَد يَعرِضُ الحَتفُ في حِلابٍ

دَرَّت بِهِ اللَقحَةُ اللَبونُ

الصَبرُ أَنجى مَطيِّ عَزمٍ

يُطوى بِهِ السَهلُ وَالحُزونُ

وَالسَعيُ شَيءٌ لَهُ انقِلابٌ

فَمِنهُ فَوقٌ وَمِنهُ دونُ

وَرُبَّما لانَ مَن تُعاصي

وَرُبَّما عَزَّ مَن يَهونُ

وَرُبَّ رَهنٍ بِبَيتِ هَجرٍ

فيمِثلِهِ تَغلَقُ الرُهونُ

لَم أَرَ شَيئاً جَرى بِبَينٍ

يَقطَعُ ما تَقطَعُ المَنونُ

ما أَيسَرَ المُكثَ في مَحَلٍّ

مالَ إِلَيهِ بِنا الرُكونُ

لا يَأمَنَنَّ اِمرُؤٌ هَواهُ

فَإِنَّ بَعضَ الهَوى جُنونُ

وَكُلُّ حينٍ يَخونُ قَوماً

أَيُّ الأَحايِينِ لا يَخونُ

إِذا اعتَرى الحَينُ أَهلَ مُلكٍ

خَلَت لَهُ مِنهُمُ الحُصونُ

كَرُّ الجَديدَينِ حَيثُ كانا

مِمّا تَفانَت بِهِ القُرونُ

وَلِلبِلى فيهِمُ دَبيبٌ

كَأَنَّ تَحريكَهُ سُكونُ

كَيفَ رَضينا بِضيقِ دارٍ

أَم كَيفَ قَرَّت بِها العُيونُ

تَكَنَّفَتنا الهُمومُ مِنها

فَهُنَّ فيهَ لَنا سُجونُ

وَلَيسَ يَجري بِنا زَمانٌ

إِلّا لَهُ كَلكَلٌ طَحونُ

وَالمَرءُ ما عاشا لَيسَ يَخلو

مِن حادِثٍ كانَ أَو يَكونُ

 

 

أبو تمام (ت 231هـ):

السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في

مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً

بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً

عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ

وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ

إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ

وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً

ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ

يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ

ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ

لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ

لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ

فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ

نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ

فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ

وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ

يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت

مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ

أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ

وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ

أُمٌّ لَهُم لَو رَجَوا أَن تُفتَدى جَعَلوا

فِداءَها كُلَّ أُمٍّ مِنهُمُ وَأَبِ

وَبَرزَةِ الوَجهِ قَد أَعيَت رِياضَتُها

كِسرى وَصَدَّت صُدوداً عَن أَبي كَرِبِ

بِكرٌ فَما اِفتَرَعتَها كَفُّ حادِثَةٍ

وَلا تَرَقَّت إِلَيها هِمَّةُ النُوَبِ

مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَو قَبلَ ذَلِكَ قَد

شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ

حَتّى إِذا مَخَّضَ اللَهُ السِنينَ لَها

مَخضَ البَخيلَةِ كانَت زُبدَةَ الحِقَبِ

أَتَتهُمُ الكُربَةُ السَوداءُ سادِرَةً

مِنها وَكانَ اِسمُها فَرّاجَةَ الكُرَبِ

جَرى لَها الفَألُ بَرحاً يَومَ أَنقَرَةٍ

إِذ غودِرَت وَحشَةَ الساحاتِ وَالرُحَبِ

لَمّا رَأَت أُختَها بِالأَمسِ قَد خَرِبَت

كانَ الخَرابُ لَها أَعدى مِنَ الجَرَبِ

كَم بَينَ حيطانِها مِن فارِسٍ بَطَلٍ

قاني الذَوائِبِ مِن آني دَمٍ سَرَبِ

بِسُنَّةِ السَيفِ وَالخَطِيِّ مِن دَمِهِ

لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ

لَقَد تَرَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ بِها

لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخرِ وَالخَشَبِ

غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً

يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ

حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُجى رَغِبَت

عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ

ضَوءٌ مِنَ النارِ وَالظَلماءِ عاكِفَةٌ

وَظُلمَةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ

فَالشَمسُ طالِعَةٌ مِن ذا وَقَد أَفَلَت

وَالشَمسُ واجِبَةٌ مِن ذا وَلَم تَجِبِ

تَصَرَّحَ الدَهرُ تَصريحَ الغَمامِ لَها

عَن يَومِ هَيجاءَ مِنها طاهِرٍ جُنُبِ

لَم تَطلُعِ الشَمسُ فيهِ يَومَ ذاكَ عَلى

بانٍ بِأَهلٍ وَلَم تَغرُب عَلى عَزَبِ

ما رَبعُ مَيَّةَ مَعموراً يُطيفُ بِهِ

غَيلانُ أَبهى رُبىً مِن رَبعِها الخَرِبِ

وَلا الخُدودُ وَقَد أُدمينَ مِن خَجَلٍ

أَشهى إِلى ناظِري مِن خَدِّها التَرِبِ

سَماجَةً غَنِيَت مِنّا العُيونُ بِها

عَن كُلِّ حُسنٍ بَدا أَو مَنظَرٍ عَجَبِ

وَحُسنُ مُنقَلَبٍ تَبقى عَواقِبُهُ

جاءَت بَشاشَتُهُ مِن سوءِ مُنقَلَبِ

لَو يَعلَمُ الكُفرُ كَم مِن أَعصُرٍ كَمَنَت

لَهُ العَواقِبُ بَينَ السُمرِ وَالقُضُبِ

تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ

لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ

يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ

إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا

مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها

وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ

مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها

وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ

وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ

لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ

أَمانِياً سَلَبَتهُم نُجحَ هاجِسِها

ظُبى السُيوفِ وَأَطرافُ القَنا السُلُبِ

إِنَّ الحِمامَينِ مِن بيضٍ وَمِن سُمُرٍ

دَلوا الحَياتَينِ مِن ماءٍ وَمِن عُشُبِ

لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ

كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن

بَردِ الثُغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ

أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً

وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ

حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِراً

وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ

لَمّا رَأى الحَربَ رَأيَ العَينِ توفِلِسٌ

وَالحَربُ مُشتَقَّةُ المَعنى مِنَ الحَرَبِ

غَدا يُصَرِّفُ بِالأَموالِ جِريَتَها

فَعَزَّهُ البَحرُ ذو التَيّارِ وَالحَدَبِ

هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ

عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ

لَم يُنفِقِ الذَهَبَ المُربي بِكَثرَتِهِ

عَلى الحَصى وَبِهِ فَقرٌ إِلى الذَهَبِ

إِنَّ الأُسودَ أُسودَ الغيلِ هِمَّتُها

يَومَ الكَريهَةِ في المَسلوبِ لا السَلَبِ

وَلّى وَقَد أَلجَمَ الخَطِّيُّ مَنطِقَهُ

بِسَكتَةٍ تَحتَها الأَحشاءُ في صَخَبِ

أَحذى قَرابينُهُ صَرفَ الرَدى وَمَضى

يَحتَثُّ أَنجى مَطاياهُ مِنَ الهَرَبِ

مُوَكِّلاً بِيَفاعِ الأَرضِ يُشرِفُهُ

مِن خِفَّةِ الخَوفِ لا مِن خِفَّةِ الطَرَبِ

إِن يَعدُ مِن حَرِّها عَدوَ الظَليمِ فَقَد

أَوسَعتَ جاحِمَها مِن كَثرَةِ الحَطَبِ

تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت

جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ

يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم

طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ

وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ

حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ

وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ

تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ

كَم نيلَ تَحتَ سَناها مِن سَنا قَمَرٍ

وَتَحتَ عارِضِها مِن عارِضٍ شَنِبِ

كَم كانَ في قَطعِ أَسبابِ الرِقابِ بِها

إِلى المُخَدَّرَةِ العَذراءِ مِن سَبَبِ

كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً

تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ

بيضٌ إِذا اِنتُضِيَت مِن حُجبِها رَجَعَت

أَحَقَّ بِالبيضِ أَتراباً مِنَ الحُجُبِ

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن

جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها

تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التَعَبِ

إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدَهرِ مِن رَحِمٍ

مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ

فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها

وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النَسَبِ

أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاِسمِهِمُ

صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ

ابن عبد ربه (ت 328هـ):

يا ساحراً طَرْفُهُ إِذْ يَلْحَظُ

وفاتِناً لَفْظُهُ إِذْ يَلْفُظُ

يا غُصناً يَنْثَني مِنْ لِينهِ

وَجهُكَ مِنْ كُلِّ عَينٍ يُحْفَظُ

أَيقظَ طَرفي إِذْ بَدا مِن نَعْسهِ

مَنْ طَرْفُهُ ناعِسٌ مُسْتَيْقِظُ

ظَبيٌ لَهُ وَجْنَةٌ مِنْ رِقَّةٍ

تَجْرَحُها مُقْلَتي إذ تَلْحَظُ

ابن عبد ربه (ت328هـ):

يا غُضُناً مائِساً بَينَ الرِّياطْ

ما لي بَعدَكَ بالعَيْشِ اغْتِباطْ

يا مَنْ إِذا ما بَدا لي مَاشِياً

وَدِدْتُ أَنَّ لَهُ خَدِّي بِساطْ

تَتْرُكُ عَيْناهُ مَنْ أَبْصَرَهُ

مُخْتَلطَاً عَقلُهُ كُلَّ اخْتِلاطْ

قُلْتُ مَتَى نَلْتَقي يَا سَيِّدي

قالَ غَداً نَلْتَقي عِنْدَ الصِّراطْ

ابن عبد ربه (ت 328هـ):

ظالمتي في الهوى لا تَظلمي

فتَصْرمي حَبلَ مَنَ لم يصْرِمِ

أَهكذا باطلاً عاقَبتنِي

لا يَرحمُ اللَّهُ مَن لم يَرحمِ

قَتلتِ نفساً بلا نفسٍ وما

ذنبٌ بأعظمَ من سَفكِ الدّمِ

لمثلِ هذا بكَتْ عيني ولا

للمنزلِ القفرِ وللأرْسُمِ

ماذا وُقوفي على رسمٍ عَفا

مُخلَوْلقٍ دارِسٍ مُسْتعجمِ

 

 

أبو الطيب المتنبي (ت354هـ):

واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ

وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي

وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ

إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ

فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ

قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَتٌ

وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ

فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ

وَكانَ أَحسَنَ مافي الأَحسَنِ الشِيَمُ

فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ

في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ

قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت

لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها

أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ

أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً

تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ

عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ

وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا

أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ

تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ

يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي

فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ

أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً

أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ

وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ

إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي

وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها

وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ

وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي

حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ

إِذا نَظَرتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً

فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ مُبتَسِمُ

وَمُهجَةٍ مُهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها

أَدرَكتُها بِجَوادٍ ظَهرُهُ حَرَمُ

رِجلاهُ في الرَكضِ رِجلٌ وَاليَدانِ يَدٌ

وَفِعلُهُ ما تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ

وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ

حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ

فَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني

وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ

صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنفَرِداً

حَتّى تَعَجَّبَ مِنّي القورُ وَالأَكَمُ

يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم

وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ

ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ

لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ

إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا

فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ

وَبَينَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ

إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ

كَم تَطلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُم

وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ

ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي

أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ

لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ

يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِيَمُ

أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ

لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُسُمُ

لَئِن تَرَكنَ ضُمَيراً عَن مَيامِنِنا

لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ

إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا

أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ

وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ

وَشَرُّ ما قَنَصَتهُ راحَتي قَنَصٌ

شُهبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَخَمُ

بِأَيِّ لَفظٍ تَقولُ الشِعرَ زِعنِفَةٌ

تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجَمُ

هَذا عِتابُكَ إِلّا أَنَّهُ مِقَةٌ

قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ

 

أبو العلاء المعري (ت449هـ):

يا ساهِرَ البَرْقِ أيقِظْ راقِدَ السَّمُرِ

لعَلّ بالجِزْعِ أعواناً على السّهَرِ

وإنْ بخِلْتَ عن الأحياء كلّهمِ

فاسْقِ المَواطِرَ حَيّاً من بَني مَطَرِ

ويا أسيرةَ حِجْلَيْها أرى سَفَهاً

حَمْلَ الحُلِيّ لمَنْ أعْيا عن النّظَرِ

ما سِرْتُ إلا وطَيْفٌ منكِ يصْحَبُني

سُرىً أمامي وتأوِيباً على أثري

لو حَطّ رَحْليَ فَوْقَ النجْمِ رافِعُه

وجَدتُ ثَمّ خَيالاً منكِ مُنتظِري

يَوَدّ أنّ ظَلامَ اللّيْلِ دامَ له

وزِيدَ فيهِ سَوَادُ القَلْبِ والبَصَرِ

لو اخْتَصَرْتم من الإحسانِ زُرْتُكمُ

والعَذْبُ يُهْجَرُ للإفراطِ في الخَصَرِ

أبَعْدَ حَوْلٍ تُناجي الشّوْق نَاجيةٌ

هَلاّ ونحنُ على عَشْرٍ من العُشَرِ

كم باتَ حوْلَكِ من ريمٍ وجازِيَةٍ

يَستَجدِيانِكِ حُسْنَ الدّلّ والحَوَرِ

فما وَهبْتِ الذي يَعرِفنَ مِن خِلَقٍ

لكن سمَحتِ بما يُنْكِرْنَ من دُرَرِ

وما تَركْتِ بذاتِ الضّالِ عاطِلَةً

من الظّباء ولا عَارٍ من البَقَرِ

قَلّدْتِ كلّ مَهاةٍ عِقْدَ غانيَةٍ

وفُزْتِ بالشّكْرِ في الآرامِ والعُفُرِ

ورُبّ ساحِبِ وَشْيٍ مِنْ جآذِرِهَا

وكان يَرْفُلُ في ثَوْبٍ من الوَبَرِ

حسّنْتِ نَظْمَ كلامٍ تُوصَفينَ به

ومَنْزِلاً بكِ مَعْموراً من الخَفَرِ

فالحُسنُ يَظهرُ في شيئين رَوْنقُه

بيتٍ من الشِّعْرِ أو بيْتٍ من الشّعَرِ

أقولُ والوحْشُ تَرْميني بأعْيُنِها

والطّيرُ تَعجَبُ منّي كيفَ لم أطِرِ

لمُشْمَعِلّيْنِ كالسّيْفَين تحتَهما

مثلُ القَناتَين من أينٍ ومِن ضُمُرِ

في بَلدةٍ مثْلِ ظَهْرِ الظّبْيِ بِتُّ بها

كأنّني فوقَ رَوْقِ الظّبْي مِن حَذَرِ

لا تَطْوِيا السّرّ عنّي يَومَ نائبةٍ

فإنّ ذلك ذَنْبٌ غيرُ مُغْتَفَرِ

والخِلُّ كالماء يُبْدي لي ضمائرَه

مع الصّفاء ويُخْفيها مع الكَدَرِ

يا رَوّعَ الله سَوْطي كم أرُوعُ به

فُؤادَ وجْنَاءَ مثلَ الطائرِ الحَذِرِ

باهَتْ بمَهْرَةَ عدناناً فقلتُ لها

لولا الفُصَيْصِيّ كان المجدُ في مُضَرِ

وقد تَبَيّنَ قَدْري أن معرِفَتي

مَن تَعلَمينَ ستُرْضيني عن القَدَرِ

القاتِلُ المحْل إذ تبْدو السماءُ لنا

كأنها من نَجيعِ الجَدْبِ في أُزُرِ

وقاسِمُ الجُودِ في عالٍ ومنخفِضٍ

كقِسْمةِ الغيثِ بين النّجم والشَجَرِ

ولو تَقَدّمَ في عَصر مضى نزلَتْ

في وَصْفِهِ مُعْجِزاتُ الآيِ والسَوَرِ

يُبينُ بالبِشْر عن إحْسان مصطنع

كالسّيْفِ دَلّ على التّأثيرِ بالأثَرِ

فلا يَغُرّنْكَ بِشْرٌ مِن سِواه بَدا

ولو أنار فكمْ نَوْرٍ بلا ثَمَرِ

يا ابن الأولى غيرَ زَجْرِ الخيلِ ما عرَفوا

إذ تَعرِفُ العُرْبُ زَجرَ الشاء والعَكَرِ

والقائِديهَا مع الأضيافِ تتْبعُها

أُلاّفُها وأُلوفُ اللأمِ والبِدَرِ

جَمالَ ذي الأرض كانوا في الحياة وهُم

بعدَ المماتِ جَمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ

وافَقْتَهُمْ في اختلافٍ من زَمانكمُ

والبَدرُ في الوهْنِ مثلُ البدرِ في السّحرِ

المُوقِدُونَ بنجْدٍ نارَ باديَةٍ

لا يَحضُرونَ وفَقْدُ العِزّ في الحَضَرِ

إذا هَمَى القَطْرُ شَبَتْها عَبيدُهمُ

تحتَ الغَمائم للسّارين بالقُطُرِ

مِن كُلّ أزْهَرَ لم تَأشَرْ ضَمائِرُهُ

لِلَثْمِ خدّ ولا تقْبِيلِ ذي أُشُرِ

لكنْ يُقْبّلُ فُوهُ سامعَيْ فَرَسٍ

مقابلَ الخَلْقِ بينَ الشمْسِ والقَمَرِ

كأنّ أُذْنَيْه أعطَتْ قلبَه خبَراً

عنِ السماءِ بما يلقى من الغِيَرِ

يُحِسّ وطءَ الرّزايا وهْيَ نازلةٌ

فيُنْهِبُ الجرْيَ نفْسَ الحادثِ المَكِرِ

مِن الجِيادِ اللّواتي كان عَوّدَها

بنُو الفُصَيصِ لقاء الطعن بالثُّغَرِ

تغْنى عن الوِرْدِ إنْ سلّوا صَوارِمَهُمْ

أمامَها لاشْتِباهِ البِيضِ بالغُدُرِ

أعاذَ مجْدَكَ عبْدَ اللهِ خالقُه

من أعْينِ الشّهْبِ لا من أعْينِ البَشَرِ

فالعَيْنُ يَسْلَمُ منها ما رأتْ فنبَتْ

عنه وتَلْحَقُ ما تَهْوَى من الصّورِ

فكم فريسةِ ضِرْغامٍ ظفِرْتَ بها

فحُزْتَها وهْيَ بيْنَ النّابِ والظُّفُرِ

ماجَتْ نُمَيرٌ فهاجَتْ منكَ ذا لِبَدٍ

واللّيْثُ أفْتَكُ أفعالاً من النّمِرِ

همّوا فأمّوا فلمّا شارفوا وقَفوا

كوِقْفَةِ العَيْرِ بين الوِرْدِ والصّدَرِ

وأضعفَ الرّعْبُ أيدِيهِم فطعْنُهُمُ

بالسّمهرِيّةِ دُونَ الوَخْزِ بالإبَرِ

تُلقي الغواني حفيظَ الدُّر من جَزَعٍ

عنها وتُلْقي الرّجالُ السَّرْدَ من خَوَرِ

فكم دِلاصٍ على البطحاء ساقطةٍ

وكم جُمانٍ مع الحَصْباءِ مُنْتَثِرِ

دعِ اليَرَاعَ لِقَوْمٍ يَفخرونَ به

وبالطّوَالِ الرّديْنيّات فافتَخرِ

فهُنّ أقلامُكَ اللاتي إذا كتبَتْ

مجْداً أتَتْ بمِدادٍ من دمٍ هَدَرِ

وكُلِّ أبيضَ هنديٍّ به شُطَبٌ

مثْلُ التّكسّرِ في جارٍ بمنْحَدرِ

تَغَايَرَتْ فيه أرواحٌ تمُوتُ به

من الضَرَاغِمِ والفُرْسانِ والجُزُرِ

رَوْضُ المَنايا على أنّ الدّماءَ به

وإنْ تَخَالَفْنَ أبْدالٌ من الزّهرِ

ما كنْتُ أحسَبُ جَفْناً قبل مسْكنِه

في الجفْنِ يُطْوَى على نارٍ ولا نَهَرِ

ولا ظَنَنْتُ صِغارَ النّمْلِ يُمكِنُها

مَشْيٌ على اللُّجّ أو سَعْيٌ على السُّعُرِ

قالت عُداتُك ليس المجدُ مُكتسَباً

مقالةَ الهُجن ليس السّبْقُ بالحُضُرِ

رأوْك بالعَينِ فاسْتَغْوَتْهُمُ ظِنَنٌ

ولم يَرَوْكَ بفِكْرٍ صادِقِ الخَبَرِ

والنّجْمُ تستصْغِرُ الأبصارُ صورتَه

والذنْبُ للطَّرْفِ لا للنجمِ في الصّغَرِ

يا غيْثَ فَهْمِ ذَوي الأفهام إِن سَدِرَتْ

إبْلي فمرْآك يَشْفِيها من السَّدَرِ

والمَرْءُ ما لم تُفِدْ نَفْعاً إقامتُه

غَيْمٌ حَمَى الشمسَ لم يُمْطِرْ ولم يَسِرِ

فزانَها اللهُ أن لاقتْكَ زِينتَه

بَناتِ أَعْوَجَ بالأحْجالِ والغُرَرِ

أفْنَى قُواها قليلُ السّيرِ تُدْمِنُهُ

والغَمْرُ يُفنِيه طولُ الغَرْفِ بالغُمَرِ

حتى سطَرْنا بها البَيْداءَ عن عُرُضٍ

وكلُّ وَجْناءَ مثْلُ النّونِ في السَّطَرِ

علُوْتُمُ فتواضَعْتُمْ على ثِقَةٍ

لمّا تَوَاضَعَ أقْوامٌ على غَرَرِ

والكِبْرُ والحمْدُ ضِدّانِ اتّفاقُهما

مثْلُ اتّفاقِ فَتَاءِ السّنّ والكِبَرِ

يُجْنَى تَزَايُدُ هذا من تَناقُضِ ذا

والليلُ إنْ طالَ غالَ اليومَ بالقِصَرِ

خَفّ الوَرى وأقرّتْكمْ حُلُومُكُمُ

والجَمْرُ تُعْدَمُ فيه خِفّةُ الشّرَرِ

وأنْتَ مَنْ لو رأى الإنسانُ طَلْعَتَه

في النّوْم لم يُمْسِ من خَطْبٍ على خَطَرِ

وعَبْدُ غيْرِكَ مضْرُورٌ بخِدْمَتِهِ

كالغِمْدِ يُبْليه صَوْنُ الصّارِمِ الذّكَرِ

لولا قُدومُكَ قبْلَ النّحْرِ أخّرَهُ

إلى قدومِك أهْلُ النفْعِ والضّرَرِ

سافَرْتَ عنّا فظَلّ النّاسُ كلّهُمُ

يُراقبونَ إيابَ العِيدِ مِن سَفَرِ

لوْ غِبْتَ شَهْرَكَ موْصُولاً بتابِعِه

وأبْتَ لانْتقلَ الأضْحَى إلى صَفَرِ

فاسْعَدْ بمَجْدٍ ويوْمٍ إذ سَلِمتَ لنا

فما يَزيدُ على أيّامِنا الأُخَرِ

ولا تَزَلْ لكَ أَزمانٌ ممَتِّعَةٌ

بالآلِ والحالِ والعَلياءِ والعُمُر

أحمد بن زيدون (ت 463هـ):

أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا

وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا

أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا

حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا

مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ

حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا

أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا

أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا

غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا

بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا

فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا

وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا

وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا

فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا

يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم

هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا

لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم

رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا

ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ

بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا

كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ

وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا

بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا

شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا

نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا

يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا

حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت

سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا

إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا

وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا

وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً

قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا

لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما

كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا

لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا

أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا

وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً

مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا

يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ

مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا

وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا

إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا

وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا

مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا

فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً

مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا

رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ

مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا

أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ

مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعاً وَتَحسينا

إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً

تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا

كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه

بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا

كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ

زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا

ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً

وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا

يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا

وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا

وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها

مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا

وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ

في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا

لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً

وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا

إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ

فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا

يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها

وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا

كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا

وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا

إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم

في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا

سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا

حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا

لا غَروَ في أَن ذَكَرنا الحُزنَ حينَ نَهَت

عَنهُ النُهى وَتَرَكنا الصَبرَ ناسينا

إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَراً

مَكتوبَةً وَأَخَذنا الصَبرَ تَلقينا

أَمّا هَواكِ فَلَم نَعدِل بِمَنهَلِهِ

شُرَباً وَإِن كانَ يُروينا فَيُظمينا

لَم نَجفُ أُفقَ جَمالٍ أَنتِ كَوكَبُهُ

سالينَ عَنهُ وَلَم نَهجُرهُ قالينا

وَلا اِختِياراً تَجَنَّبناهُ عَن كَثَبٍ

لَكِن عَدَتنا عَلى كُرهٍ عَوادينا

نَأسى عَلَيكِ إِذا حُثَّت مُشَعشَعَةً

فينا الشَمولُ وَغَنّانا مُغَنّينا

لا أَكؤُسُ الراحِ تُبدي مِن شَمائِلِنا

سِيَما اِرتِياحٍ وَلا الأَوتارُ تُلهينا

دومي عَلى العَهدِ ما دُمنا مُحافِظَةً

فَالحُرُّ مَن دانَ إِنصافاً كَما دينا

فَما اِستَعَضنا خَليلاً مِنكِ يَحبِسُنا

وَلا اِستَفَدنا حَبيباً عَنكِ يَثنينا

وَلَو صَبا نَحوَنا مِن عُلوِ مَطلَعِهِ

بَدرُ الدُجى لَم يَكُن حاشاكِ يُصبينا

أَبكي وَفاءً وَإِن لَم تَبذُلي صِلَةً

فَالطَيّفُ يُقنِعُنا وَالذِكرُ يَكفينا

وَفي الجَوابِ مَتاعٌ إِن شَفَعتِ بِهِ

بيضَ الأَيادي الَّتي ما زِلتِ تولينا

عَلَيكِ مِنّا سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت

صَبابَةٌ بِكِ نُخفيها فَتَخفينا

أبو البقاء الرندي (ت684):

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ

فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ

مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ

وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ

يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ

إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ

وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو

كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ

أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ

وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ

وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ

وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ

وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ

وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ

أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ

حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا

وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ

كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ

دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ

وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ

كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ

يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ

فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ

وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ

وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها

وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ

دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ

هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ

أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت

حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ

فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ

وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ

وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم

مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ

وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ

وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ

قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما

عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ

تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ

كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ

عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ

قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ

حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما

فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ

حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ

حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ

يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ

إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ

وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ

أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ

تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها

وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ

يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ

أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا

يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً

كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ

وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً

كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ

وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ

لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ

أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ

فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ

كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم

قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ

ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ

وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ

أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ

أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ

يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم

أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ

بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم

وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ

فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم

عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ

وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ

لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ

يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما

كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ

وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت

كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ

يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً

وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ

لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ

إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ

أحمد شوقي (ت1932م):

يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا

نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا

ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَداً

قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا

رَمى بِنا البَينُ أَيكاً غَيرَ سامِرِنا

أَخا الغَريبِ وَظِلّاً غَيرَ نادينا

كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا

سَهماً وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا

إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ

مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا

فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا

إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا

لَم تَألُ ماءَكَ تَحناناً وَلا ظَمَأً

وَلا اِدِّكاراً وَلا شَجوا أَفانينا

تَجُرُّ مِن فَنَنٍ ساقاً إِلى فَنَنٍ

وَتَسحَبُ الذَيلَ تَرتادُ المُؤاسينا

أُساةُ جِسمِكَ شَتّى حينَ تَطلُبُهُم

فَمَن لِروحِكَ بِالنُطسِ المُداوينا

آها لَنا نازِحي أَيكٍ بِأَندَلُسٍ

وَإِن حَلَلنا رَفيقاً مِن رَوابينا

رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسمِ الوَفاءِ لَهُ

نَجيشُ بِالدَمعِ وَالإِجلالِ يَثنينا

لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم

وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا

لَو لَم يَسودوا بِدينٍ فيهِ مَنبَهَةٌ

لِلناسِ كانَت لَهُم أَخلاقُهُم دينا

لَم نَسرِ مِن حَرَمٍ إِلّا إِلى حَرَمٍ

كَالخَمرِ مِن بابِلٍ سارَت لِدارينا

لَمّا نَبا الخُلدُ نابَت عَنهُ نُسخَتُهُ

تَماثُلَ الوَردِ خِيرِيّاً وَنَسرينا

نَسقي ثَراهُم ثَناءً كُلَّما نُثِرَت

دُموعُنا نُظِمَت مِنها مَراثينا

كادَت عُيونُ قَوافينا تُحَرِّكُهُ

وَكِدنَ يوقِظنَ في التُربِ السَلاطينا

لَكِنَّ مِصرَ وَإِن أَغضَت عَلى مِقَةٍ

عَينٌ مِنَ الخُلدِ بِالكافورِ تَسقينا

عَلى جَوانِبِها رَفَّت تَمائِمُنا

وَحَولَ حافاتِها قامَت رَواقينا

مَلاعِبٌ مَرِحَت فيها مَآرِبُنا

وَأَربُعٌ أَنِسَت فيها أَمانينا

وَمَطلَعٌ لِسُعودٍ مِن أَواخِرِنا

وَمَغرِبٌ لِجُدودٍ مِن أَوالينا

بِنّا فَلَم نَخلُ مِن رَوحٍ يُراوِحُنا

مِن بَرِّ مِصرَ وَرَيحانٍ يُغادينا

كَأُمِّ موسى عَلى اِسمِ اللَهِ تَكفُلُنا

وَبِاِسمِهِ ذَهَبَت في اليَمِّ تُلقينا

وَمِصرُ كَالكَرمِ ذي الإِحسانِ فاكِهَةٌ

لِحاضِرينَ وَأَكوابٌ لِبادينا

يا سارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا

بَعدَ الهُدوءِ وَيَهمي عَن مَآقينا

لَمّا تَرَقرَقَ في دَمعِ السَماءِ دَماً

هاجَ البُكا فَخَضَبنا الأَرضَ باكينا

اللَيلُ يَشهَدُ لَم نَهتِك دَياجِيَهُ

عَلى نِيامٍ وَلَم نَهتِف بِسالينا

وَالنَجمُ لَم يَرَنا إِلّا عَلى قَدَمٍ

قِيامَ لَيلِ الهَوى لِلعَهدِ راعينا

كَزَفرَةٍ في سَماءِ اللَيلِ حائِرَةٍ

مِمّا نُرَدِّدُ فيهِ حينَ يُضوينا

بِاللَهِ إِن جُبتَ ظَلماءَ العُبابِ عَلى

نَجائِبِ النورِ مَحدُوّاً بِجرينا

تَرُدُّ عَنكَ يَداهُ كُلَّ عادِيَةٍ

إِنساً يَعِثنَ فَساداً أَو شَياطينا

حَتّى حَوَتكَ سَماءُ النيلِ عالِيَةٍ

عَلى الغُيوثِ وَإِن كانَت مَيامينا

وَأَحرَزَتكَ شُفوفُ اللازَوَردِ عَلى

وَشيِ الزَبَرجَدِ مِن أَفوافِ وادينا

وَحازَكَ الريفُ أَرجاءً مُؤَرَّجَةً

رَبَت خَمائِلَ وَاِهتَزَّت بَساتينا

فَقِف إِلى النيلِ وَاِهتُف في خَمائِلِهِ

وَاِنزِل كَما نَزَلَ الطَلُّ الرَياحينا

وَآسِ ما باتَ يَذوي مِن مَنازِلِنا

بِالحادِثاتِ وَيَضوى مِن مَغانينا

وَيا مُعَطِّرَةَ الوادي سَرَت سَحَراً

فَطابَ كُلُّ طُروحٍ مِن مَرامينا

ذَكِيَّةُ الذَيلِ لَو خِلنا غِلالَتَها

قَميصَ يوسُفَ لَم نُحسَب مُغالينا

جَشِمتِ شَوكَ السُرى حَتّى أَتَيتِ لَنا

بِالوَردِ كُتباً وَبِالرَيّا عَناوينا

فَلَو جَزَيناكِ بِالأَرواحِ غالِيَةً

عَن طيبِ مَسراكِ لَم تَنهَض جَوازينا

هَل مِن ذُيولِكِ مَسكِيٌّ نُحَمِّلُهُ

غَرائِبَ الشَوقِ وَشياً مِن أَمالينا

إِلى الَّذينَ وَجَدنا وُدَّ غَيرِهِمُ

دُنيا وَوُدَّهُمو الصافي هُوَ الدينا

يا مَن نَغارُ عَلَيهِم مِن ضَمائِرِنا

وَمِن مَصونِ هَواهُم في تَناجينا

غابَ الحَنينُ إِلَيكُم في خَواطِرِنا

عَنِ الدَلالِ عَلَيكُم في أَمانينا

جِئنا إِلى الصَبرِ نَدعوهُ كَعادَتِنا

في النائِباتِ فَلَم يَأخُذ بِأَيدينا

وَما غُلِبنا عَلى دَمعٍ وَلا جَلَدٍ

حَتّى أَتَتنا نَواكُم مِن صَياصينا

وَنابِغي كَأَنَّ الحَشرَ آخِرُهُ

تُميتُنا فيهِ ذِكراكُم وَتُحيينا

نَطوي دُجاهُ بِجُرحٍ مِن فُراقِكُمو

يَكادُ في غَلَسِ الأَسحارِ يَطوينا

إِذا رَسا النَجمُ لَم تَرقَأ مَحاجِرُنا

حَتّى يَزولَ وَلَم تَهدَأ تَراقينا

بِتنا نُقاسي الدَواهي مِن كَواكِبِهِ

حَتّى قَعَدنا بِها حَسرى تُقاسينا

يَبدو النَهارُ فَيَخفيهِ تَجَلُّدُنا

لِلشامِتينَ وَيَأسوهُ تَأَسّينا

سَقياً لِعَهدٍ كَأَكنافِ الرُبى رِفَةً

أَنّى ذَهَبنا وَأَعطافِ الصَبا لينا

إِذِ الزَمانُ بِنا غَيناءُ زاهِيَةٌ

تَرِفُّ أَوقاتُنا فيها رَياحينا

الوَصلُ صافِيَةٌ وَالعَيشُ ناغِيَةٌ

وَالسَعدُ حاشِيَةٌ وَالدَهرُ ماشينا

وَالشَمسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها

بَلقيسَ تَرفُلُ في وَشيِ اليَمانينا

وَالنيلُ يُقبِلُ كَالدُنيا إِذا اِحتَفَلَت

لَو كانَ فيها وَفاءٌ لِلمُصافينا

وَالسَعدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّرَدَت

وَالسَيلُ لَو عَفَّ وَالمِقدارُ لَو دينا

أَلقى عَلى الأَرضِ حَتّى رَدَّها ذَهَباً

ماءً لَمَسنا بِهِ الإِكسيرَ أَو طينا

أَعداهُ مِن يُمنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَت

عَلى جَوانِبِهِ الأَنوارُ مِن سينا

لَهُ مَبالِغُ ما في الخُلقِ مِن كَرَمٍ

عَهدُ الكِرامِ وَميثاقُ الوَفِيّينا

لَم يَجرِ لِلدَهرِ إِعذارٌ وَلا عُرُسٌ

إِلّا بِأَيّامِنا أَو في لَيالينا

وَلا حَوى السَعدُ أَطغى في أَعِنَّتِهِ

مِنّا جِياداً وَلا أَرحى مَيادينا

نَحنُ اليَواقيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا

وَلَم يَهُن بِيَدِ التَشتيتِ غالينا

وَلا يَحولُ لَنا صِبغٌ وَلا خُلُقٌ

إِذا تَلَوَّنَ كَالحِرباءِ شانينا

لَم تَنزِلِ الشَمسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت

في مُلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا

أَلَم تُؤَلَّه عَلى حافاتِهِ وَرَأَت

عَلَيهِ أَبناءَها الغُرَّ المَيامينا

إِن غازَلَت شاطِئَيهِ في الضُحى لَبِسا

خَمائِلَ السُندُسِ المَوشِيَّةِ الغينا

وَباتَ كُلُّ مُجاجِ الوادِ مِن شَجَرٍ

لَوافِظَ القَزِّ بِالخيطانِ تَرمينا

وَهَذِهِ الأَرضُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَلٍ

قَبلَ القَياصِرِ دِنّاها فَراعينا

وَلَم يَضَع حَجَراً بانٍ عَلى حَجَرٍ

في الأَرضِ إِلّا عَلى آثارِ بانينا

كَأَنَّ أَهرامَ مِصرٍ حائِطٌ نَهَضَت

بِهِ يَدُ الدَهرِ لا بُنيانُ فانينا

إيوانُهُ الفَخمُ مِن عُليا مَقاصِرِهِ

يُفني المُلوكَ وَلا يُبقي الأَواوينا

كَأَنَّها وَرِمالاً حَولَها اِلتَطَمَت

سَفينَةٌ غَرِقَت إِلّا أَساطينا

كَأَنَّها تَحتَ لَألاءِ الضُحى ذَهَباً

كُنوزُ فِرعَونَ غَطَّينَ المَوازينا

أَرضُ الأُبُوَّةِ وَالميلادِ طَيَّبَها

مَرُّ الصِبا في ذُيولٍ مِن تَصابينا

كانَت مُحَجَّلَةٌ فيها مَواقِفُنا

غُرّاً مُسَلسَلَةَ المَجرى قَوافينا

فَآبَ مِن كُرَةِ الأَيّامِ لاعِبُنا

وَثابَ مِن سِنَةِ الأَحلامِ لاهينا

وَلَم نَدَع لِلَيالي صافِياً فَدَعَت

بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا

لَوِ اِستَطَعنا لَخُضنا الجَوَّ صاعِقَةً

وَالبَرَّ نارَ وَغىً وَالبَحرَ غِسلينا

سَعياً إِلى مِصرَ نَقضي حَقَّ ذاكِرِنا

فيها إِذا نَسِيَ الوافي وَباكينا

كَنزٌ بِحُلوانَ عِندَ اللَهِ نَطلُبُهُ

خَيرَ الوَدائِعِ مِن خَيرِ المُؤَدّينا

لَو غابَ كُلُّ عَزيزٍ عَنهُ غَيبَتَنا

لَم يَأتِهِ الشَوقُ إِلّا مِن نَواحينا

إِذا حَمَلنا لِمِصرٍ أَو لَهُ شَجَناً

لَم نَدرِ أَيُّ هَوى الأُمَّينِ شاجينا

عبد الله البردوني (ت1999م):

مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب

وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب

بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها

أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب

وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا

فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا

أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى

أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا

شـيئاً.. كـما أكلوا الإنسان أو شربوا

مـاذا جـرى... يـا أبا تمام تسألني؟

عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السبب

يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله

كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقب

مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟

كلا وأخزى من (الأفشين) مـا صلبوا

الـيوم عـادت عـلوج (الروم( فاتحة

ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب

مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم

نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتب

فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا

وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطب

وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة

أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا

حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا

وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا

هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم

ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن يـثبوا

الـحاكمون و»واشـنطن« حـكومتهم

والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا

الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً

لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَب

لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً ولهم

هـوىً إلـى »بـابك الخرمي« ينتسب

مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت

أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟

عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على

وجـودها اسـم ولا لـون.ولا لـقب

تـسـعون ألـفاً (لـعمورية( اتـقدوا

ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب

قـبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا

نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا

والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا

نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب

تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها

إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذئب

حـبيب وافـيت من صنعاء يحملني

نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العرب

مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟

مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجرب

مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا ثمن

ولـم يمت في حشاها العشق والطرب

كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت

فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب

لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت

حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كرب)

وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي (يمن

ثـان كـحلم الـصبا... ينأى ويقترب

»حـبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟

شـبابة فـي شـفاه الـريح تـنتحب

كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر ناجية

أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـبب

أرعـيت كـل جـديب لـحم راحـلة

كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكب

ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر

أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب

لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر

رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب

إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا

فـي داخـلي... أمتطي ناري واغترب

قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي

وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب

»حـبيب« هـذا صـداك اليوم أنشده

لـكن لـماذا تـرى وجـهي وتكتئب؟

مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟

إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟

والـيوم أذوي وطـيش الـفن يعزفني

والأربـعـون عـلى خـدّي تـلتهب

كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة على

وجـه الأديـب أضـاء الفكر والأدب

وأنـت مـن شبت قبل الأربعين على

نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب

وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة

وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب

شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى ملك

يـحثك الـفقر... أو يـقتادك الـطلب

طوفت حتى وصلت (الموصل( انطفأت

فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب

لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ يـبدأه

ولادة مـن صـباها تـرضع الـحقب

»حـبيب« مـازال فـي عينيك أسئلة

تـبدو... وتـنسى حـكاياها فـتنتقب

ومـاتـزال بـحـلقي ألـف مـبكيةٍ

مـن رهبة البوح تستحيي وتضطرب

يـكـفيك أن عـدانـا أهـدروا دمـنا

ونـحن مـن دمـنا نـحسو ونـحتلب

سـحائب الـغزو تـشوينا وتـحجبنا

يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا السحب؟

ألا تـرى يـا »أبـا تـمام« بـارقنا

(إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب)